المزيد من الأخبار






ملف: الهجرة السرية للقاصرين والشباب.. فشل المقاربتين القانونية والأمنية يعيد الظاهرة إلى الواجهة


ملف: الهجرة السرية للقاصرين والشباب.. فشل المقاربتين القانونية والأمنية يعيد الظاهرة إلى الواجهة
إنجاز: علي كراجي - توفيق بوعيشي

تعتبر ظاهرة الهجرة السرية، أو الهجرة غير الشرعية، واحدة من المهددات الحديثة التي تواجه الأمن بشكل عام، فدلالات ومسببات هذا النوع من التنقل الفردي أو الجماعي من بلد إلى آخر بطرق غير قانونية، كثيرة ومتنوعة وطرق تحليلها تختلف من منظور لآخر، قانوني كان أو حقوقي.

الهجرة السرية، أو "الحريك" وفق المتداول بمنطقة الريف المغربي وعدد من المناطق المغاربية الاخرى، وبعد أن تراجع النقاش بشأن هذه الظاهرة لوقت لا بأس به، عادت في الاونة الأخيرة، لتطرح نفسها وبقوة بعد ارتفاع نسبة الشباب الباحثين عن الوسيلة التي ستمكنهم من عبور البحر المتوسط نحو الفردوس الأوروبي.

بمنطقة الريف، شمال المغرب، أخذت نسبة هجرة القاصرين و الشباب إلى أروبا، ترتفع شيئا فشيئاً منذ 2015، بعدما كانت قد تراجعت في العقد الاول من القرن الحالي، وقد ظهر خلال الفترة الحالية نوع جديد من الهجرة، تتمثل في تنقل الأفراد بطرق قانونية إلى تركيا، لتنطلق رحلة البحث عن مسلك يحقق لهم حلم الاستقرار في البلدان الاٍوروبية، كألمانيا و بلجيكا و اسبانيا...، وذلك مباشرة بعد نجاحهم في انتحال الهوية السورية بوثائق مزورة بغاية الحصول على اللجوء.

وفي 2017، ظهرت احصائيات غير رسمية تتحدث عن هجرة الألاف من الشباب إلى القارة العجوز انطلاقا من شمال المغرب، وشواطئ الريف بشكل خاص، فلن يمر أسبوع دون سماع أن فلاناً غرق في البحر، او أن أخرا انقطعت اخباره بعدما اختار مصارعة أمواج البحر لتحقيق حلم ظل يراوده. هذا بالإضافة إلى عشرات الشباب الذين أصبحوا ينشرون فيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي يتبجحون بها ويؤكدون من خلالها لاقرانهم انهم حطوا الرحال بالديار الأوروبية، ويحفزوا آخرين للقيام بنفس المجازفة.


عوامل وأسباب متعددة
يجمع الباحثون في مجال الهجرة، على وجود عدة عوامل وأسباب تدفع بالكثيرين خاصة فئة الشباب إلى المجازفة بحياتهم وركوب الأمواج هرباً من مرارة الحياة التي فرضت عليهم داخل بلدانهم، فالفقر و الاضطرابات الطبيعية والاجتماعية و الاقتصادية، تظل محددات متحكمة في رفع وخفض نسبة الهجرة عبر بلدان العالم. فكلما تحقق الاستقرار وتوافرت ظروف العيش الكريم و مناصب الشغل كلما انخفضت نسبة الهجرة، والعكس صحيح.

وهناك عاملين أساسيين، الاول يعتبر مغذياً للهجرة بكل انواعها، لاسيما غير الشرعية منها، والثاني يقلص من الظاهرة، ومن المحفزات على مغادرة البلد الأصلي بحثا عن رقعة جغرافية مستقبلة يجد فيها الشخص ما يحلم به، يقول سفيان الكنوني ، طالب باحث في سلك الدكتوراه ’’أن تدهور الموارد المحلية وحجم الطلب، وارتفاع نسبة البطالة بسبب الركود الاقتصادي و الاضطرابات البيئية والاجتماعية تظل أسباباً رئيسية تؤدي إلى انتعاش ظاهرة ركوب البحر‘‘.

وبحسب نفس المتحدث لـ "ناظورسيتي"، فهناك عوامل تجذب المواطن وتجعله متشبثاً ببلده، وطالما تحققت فإن فكرة الهجرة خاصة غير الشرعية منها، تضمحل في المخيال الجماعي، و تذوب بفعل الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي داخل البلد، ومن أبرزها ’’وجود فرص العمل القار، و بيئة مفضلة أو ظروف معيشية أفضل كالسكن او الخدمات التعليمية والمستشفيات‘‘.


تجريم ظاهرة "الهجرة السرية" في القانون المغربي
أقر المشرع المغربي، عدة تدابير إدارية وقضائية للحد من ظاهرة الهجرة السرية، ولأن ظهير 8 نوفمبر 1949، الذي كان ينظم الهجرة السرية لم يعد يساير التطورات المرحلية التي عرفها ميدان الهجرة غير الشرعية، نظراً لقدم هذا النص القانوني ولكونه منتوجا تشريعيا صدر إبان مرحلة الحماية، أحدث المغرب تشريعا جديد وهو القانون 02.03 بتاريخ 11 نوفمبر 2003، ويرى فيه نصا مواكبا للظاهرة وقادر على التحكم فيها، ونص فيه على رزمة من الإجراءات و التدابير الزجرية للحد من الظاهرة و الضرب على يد المنظمين و المساهمين في انتشارها.

وهكذا جرم المشرع المغربي من خلال القانون رقم 02.03 الهجرة غير الشرعية والمساعدة عليها وتنظيمها، حيث تعاقب المواد 50 ، 51 و52 منه بعقوبات حبسية ومالية كل شخص غادر التراب المغربي بصفة سرية أو قدم مساعدة أو عونا لشخص آخر من أجل نفس الغاية سواء كان هذا الشخص يضطلع بمهمة قيادة قوة عمومية أو كان ينتمي إليها أو كان مكلفا بمهمة المراقبة أو كان من المسؤولين أو الأعوان أو المستخدمين العاملين في النقل البري أو البحري أو الجوي أو في أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أيا كان الغرض من استعمال هذه الوسائل.

وتعاقب المادة 52 من نفس القانون بالحبس والغرامة على كل شخص نظم أو سهل دخول أشخاص مغاربة أو أجانب بصفة سرية إلى التراب المغربي أو خروجهم منه سواء كان ذلك مجانا أو بعوض، بل شدد في العقوبة من الحبس إلى السجن والغرامة إذا ارتكبت تلك الأفعال بصفة اعتيادية أو من طرف عصابة أو بناء على اتفاق مسبق، وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا أدت تلك الأفعال إلى الموت، كما خولت المادة 53 من نفس القانون للمحكمة حق مصادرة وسائل النقل المستعملة في ارتكاب جرائم الهجرة السرية أيا كان نوعها (عامة أو خاصة) وكذا الأمر بنشر قرارات الإدانة بالجرائد التي تحددها بكيفية صريحة.

وفي إطار الاختصاص فقد أعطى المشرع المغربي لمحاكم المملكة حق النظر في أية جريمة منصوص عليها في هذا القانون أيا كان مكان ارتكابها في الوطن أو خارجه، وبغض النظر عن جنسية مقترفيها، غير أن هذه المقتضيات يتوقف تطبيقها على عدم مخالفتها للاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

فشل الترسانة القانونية
يرى مهتمون بالظاهرة، أن سن تدابير قانونية وإدارية وحدها، غير كافية لتقليص نسبة الهجرة غير الشرعية، فالذي يقرر المغامرة و الرمي بنفسه في البحر واضعاً خيار الحياة أو الموت بين عينيه، صعب اقناعه بالقانون أو العقوبات الناتجة عن القيام بذلك، و الفاقدون للآمال في الحياة لن يدفعهم القانون إلى التراجع عن فكرتهم، باستثناء إذا كانت هناك تدابير موازية تتعلق بتحسين ظروف العيش و توفر فرص الشغل و الخدمات الاجتماعية لعامة المواطنين.

ولعل ما يؤكد هذه الموقف، هو وجود مئات الشباب و القاصرين بميناء بني أنصار بالناظور ومليلية، فضلوا بعدما قدموا من مدن بعيدة افتراش الارض في انتظار فرصة التسلل بداخل شاحنة أو باخرة متجهة إلى اسبانيا، غير مبالين بالأضرار التي ستلحق بهم في حالة فشلهم في المحاولة. هذه الفئة غير مبالية تماماً بالقانون أو العقوبات التي سيتعرضون لها في حالة ضبطهم متلبسين بمحاولة الهجرة، بل شغلهم الشاغل هو الوصول إلى الفردوس الأروبي لأن أحلاهم لم يكتب لها النجاح في الوطن الأم.



ويعتبر الدكتور دحماني عبد العزيز ، باحث في القانون العام، أن هجرة الأحداث أو الأطفال القاصرين إلى الثغور المحتلة ومن ثم إلى أوروبا أضحت واقعا مأساويا أصبح منتشرا بكثرة في الآونة الأخيرة بمدينة الناظور، وهي ظاهرة تساءل سياسة الدولة المتبعة للحد من هذا الوضع المتأزم إن كانت هناك فعلا سياسات لمعالجته ، ويضيف دحماني أن الحديث عن سبل معالجة هذه الظاهرة يقتضي منا قبل ذلك البحث في الأسباب التي تقف وراءه، فمجرد الاطلاع على التقرير الأخير الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط حول واقع الأطفال بالمغرب سيصيبنا لا محالة بالصدمة من الوضع الكارثي الذي تعيشه الطفولة.

ويذهب الباحث محمد بومزعق، إلى اعتبار ان الحلول القانونية للظاهرة فاشلة بالرغم من وجود العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بهجرة القاصرين صادق عليها المغرب، مؤكدا على أن المقاربة الاجتماعية والاقتصادية هي الحل الأنجع، وذلك بتحسين ظروف العيش ومحاربة الهدر المدرسي، وتوفير فرص الشغل.

إن الدوافع الأساسية لتنامي ظاهرة الهجرة السرية، خلفياتها اقتصادية بحتة، و للحد من الظاهرة او التقليص منها نسبيا، شدد عدد ممن تحدثوا إلى "ناظورسيتي" على ضرورة تحسين تنمية اقتصادية و اجتماعية تستهدف جميع الفئات خاصة الشباب منها، كوسيلة ستؤدي حتما إذا ما جرى تنفيذها بالوجه المطلوب في تغيير نظرة الشباب إلى بلدهم و تزرع في نفوسهم أمال العيش في موطنهم.

الحل الأنسب في تمتيع المواطنين بحقوقهم
يتابع الدكتور دحماني، أن الدولة دائما ما تنهج مقاربة قانونية وأمنية لمعالجة معظم المشاكل الاجتماعية، في حين أن ظاهرة مثل هذه تحتاج إلى مقاربة سوسيو-اقتصادية لأنها في الأساس نتيجة الفقر الذي أصبح يتفاقم في كثير من مناطق المغرب الذي بدوره ناتج عن تفاقم مشكل البطالة وقلة فرص الشغل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية، وهي عوامل تؤدي مجتمعة لسبب أو لآخر إلى ارتفاع ظاهرة أطفال الشوارع.



وبالرغم من تلقي المغرب لمساعدات مالية مهمة من الخارج خاصة أوربا من أجل الحد من هذه المشكلة عبر الاستثمار في الرأس المال البشري، إلا أنها تضل مساعدات لا يعلم أحد مصيرها دون أن تستفيد منها الفئات المعنية بشيء.

واكد الدكتور دحماني أن الدولة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بوضع سياسات عمومية اجتماعية واقتصادية واضحة المعالم من أجل الحد من الفقر، وخلق فرص الشغل، وتحسين مستوى وظروف التمدرس، لأنها المداخل الوحيدة لتجاوز هذا المشكل الخطير، بدل ترك الشباب بشكل عام والأطفال بشكل خاص يواجهون مصيرهم الغامض لوحدهم..


الدولة مسؤولة
ومن جهة أخرى، يرى الأستاذ محمد بومزعق، ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية لمجموعة من الأسر المغربية، وتفشي ظاهرة البطالة وكذا الانقطاع المبكر عن الدراسة كله اسباب دفعت بالقاصرين والشباب، الى البحث عن ملاذ لهم في الضفة الاخرى، رغم ان الوسائل التي يتخذونها في ذلك تشكل خطرا حقيقيا على حياتهم.

والنموذج يقول بومزعق ’’ما نشاهده بشكل يومي في مدينة الناظور من تجمهر العديد من القاصرين منتظرين مرور الشاحنات المتجهة لمدينة مليلية للاختباء داخل هياكلها، في انتظار استكمال عملية العبور نحو الضفة الأخرى عبر البواخر الراسية في الميناء‘‘.

ويحمل المتحدث نفسه، الدولة الجزء الاكبر من المسؤولية، نظرا لسياستها الفاشلة في محاربة الفقر والهشاشة، وعدم توفير ظروف العيش الكريم للمواطنين، وهو ما يدفع بالكثير من القاصرين والشباب للبحث عن ظروف معيشية ملائمة في الضفة الاخرى، في ما لم يخلي ذمة المجتمع والأسرة من تفشي هذه الظاهرة مؤخرا بعدد من المدن المغربية.

استشراف المستقبل
أجمع كل الفاعلين والباحثين في مجال الهجرة على عدم قدرة المقاربة القانونية وحدها على الحد من ظاهرة هجرة القاصرين التي تمليها بالاساس الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية ويهدف من خلالها المهاجر القاصر الى تحقيق الرخاء المادي بالاساس، مؤكدين على أن المقاربات الاجتماعية والاقتصادية من خلال توفير فرص الشغل والمحاربة الهدر المدرسي والهشاشة كفيلة بامتصاص جزء من دماء هذا النزيف الذي أضحت تسيل في معظم شوارع المدن المغربية الحدودية .



اعدام التهريب على الحدود المغربية الجزائرية بإقليم وجدة، و اتخاذ السلطات الإسبانية بمليلية لإجراءات جديدة تروم وقف التجارة بكل انواعها بمعبر بني انصار، وشروعها أيضا في تفعيل آليات تقليص نسبة الوافدين، لاسيما ممتهني التهريب المعيشي وإغلاق البوابات الحدودية في وجوههم، كلها إجراءات تهدد بتشريد ألاف العائلات التي كانت تتخذ من هذه النقط الحدودية مصدراً لضمان عيشها، و لعب دور المتفرج من طرف الدولة دون اتخاذ أي اجراءات مستقبلية، سيزيد بدون شك في تعميق آفة البطالة وترفع منها بنسب متفشية وبالتالي ستكون "عصابات" الهجرة السرية أمام فئات جديدة يسهل استغلالها و المتاجرة فيها.

إن الدولة أصبحت ملزمة بالتعاطي مع ظاهرة الهجرة كمشكل اجتماعي فجرته عوامل البطالة و ندرة الموارد المالية و الخدمات الاجتماعية، لذلك فإن انتهاج مقاربة تنموية و سوسيو-اقتصادية عبر صنع سياسات عمومية مناسبة لمحاصرة الأزمة من شتى جوانبها، ووضع فئة الشباب ضمن الأولويات بخلق فرص شغل قارة تقيهم شر العطالة، هي الحل الأنسب عوض التركيز فقط على المقاربتين القانونية والأمنية واعتمادهما كآليتين وحيدتين لمحاربة الظاهرة. فالهجرة في الأخير ليست غاية بقدر ما هي وسيلة يتخذها الفرد ليضمن لنفسه الاستقرار المادي والاجتماعي.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح