عبد المجيد أمياي
" الدمار" عنوان يصلح أن يكون فلما سينمائيا طويلا، لن يحتاج كاتب السيناريو ولا مخرجه إلى كثير من العناء والجهد لصبر أغوار قصته، فكل شيء مشجع على ذلك .. المكان وطبيعته والإنسان.
القصة بدأت في إحدى ليالي خريف 2008 عندما جرفت مياه الوادي الكبير ( إخزار أمقران)عدد كبير من الدكاكين بالمركز التجاري المتواضع المسمى "ثلاثاء إجرمواس"، رجال في الستين والسبعين لا يتذكرون أن الوادي الذي يخترق بلدتهم ويقسمها إلى شطرين لا يتذكرون أن يوما حمل هذا الكم الهائل من المياه ( علو الماء وصل إلى مترين) فكثيرون اعتقدوا أن قصة النبي نوح تعيد نفسها من جديد ها هنا!
الأمطار الطوفانية تساقطت لأيام على البلدة لزم خلالها القرويون بيوتهم المتواضعة راجين اللطف والرفق. بعد أيام من الأمطار المتواصلة انقشعت السحب السوداء الملبدة على سماء البلدة ببطء شديد، غير أن منسوب المياه بقي على حاله لأيام إضافية وتقطعت بالسكان السبل وبقوا حبيسي الجبال يرمقون الوادي وما حمل، بعضهم كان قلبه يتقطع وهو يشاهد من أحد أطراف اليابسة دكانه وهو يتفكك من شدة الاختراق، والبعض الأخر لم يستفق بعد من أثر الصدمة!
بعد مرور أسبوعين على الأقل كان بمستطاع السكان السير في الوادي بمعية سيارات الميرسيدس 207 التي تتخذ في هذه الجبال كسيارات الدفع الرباعي، بدأت تظهر حركة غير عادية لأناس حملوا ما تيسر من المتاع وقصدوا أقرب المدن ليهاجروا إليها بعيدا عن أرض الدمار هذه، كانت موجة الهجرة هذه الثانية بعد موجة الهجرة التي تلت زلزال 2004 ، فلم يعد لمن لهم بعض الإمكانيات من بد غير الهجرة، أما الذين تعوزهم الحاجة على دفع أقساط الكراء وفواتير الماء والكهرباء في مدينة العروي أو الدريوش أو حتى في كرونة فما زالوا رابطين في إجرمواس أملين أياما مشمسة وأخرى تمطر بما يكفي لسقي ما حرثت دوابهم من شعير وقمح ولا تحرض عليهم "إخزار أمقران" وتقطع أوصالهم!!
قبل كارثة الطوفان بأيام كانت الدولة قد أنجزت طريقا يربط إجرمواس بطريق أخرى هي المنفذ الوحيد للبلدة إلى العالم الخارجي، وهي طريق كان القرويون يطالبون بها من سبعينيات القرن الماضي، غير أن الدولة لم ترى لها ضرورة إلا بعد مرور أزيد من ثلاثين سنة، وعندما حلت بإجرمواس المصيبة المعلومة كانت هذه الطريق أول من سقط في عداد الهالكين، وهي التي كلفت حسب بعض العارفين بشؤون البلدة ما يناهز المليار ونصف سنتيم ، ونال صفقتها المقاول المحظوظ والمعروف لدى ساكنة مدينة وجدة، الذي استطاع في ظرف 6 سنوات أن يراكم ما راكمه زملاء له في 40 سنة، بعدما قدم إلى هذه المهنة من مهنة صباغة السيارات! هكذا دمر حلم الثلاثين سنة في رمشة عين بعدما دمر المقاول نفسه الهكتارات من الأراضي الزراعية والمئات من الأشجار المثمرة!
الدولة أيضا شيدت بعض البنايات الاجتماعية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعدما ضلت البلدة تعاني من انعدام الخدمات الاجتماعية لسنوات، غير أن هذه البنايات مفتوحة ومشرعة لكن ليس في وجه شباب ونساء ورجال إجرمواس إنما في وجه رياحها العاتية ولمياه الأمطار التي نفذت إليها من سقوفها ونوافذها، وكانت بالتالي نموذج لفشل سياسة المقاربة التشاركية في المنطقة التي لا تعلم عنها اللجنة الإقليمية للمبادرة إلا الإحسان! أما اللجنة المحلية فهو مصطلح لا يتردد في الجماعة أبدا لأن رئيس الجماعة الذي هو رئيس اللجنة المحلية هو الغائب الدائم والمنشغل بأموره الشخصية مستغلا بذلك وسائل الجماعة حتى وصل به الحد إلى استعمال سيارة الإسعاف التابعة للمستوصف الجماعي في تنقلاته الخاصة إن لم نقل أشياء أخرى !
هذه صورة مقتضبة عن حال إجرمواس ! إجرمواس وقبيلة أيت توزين التي ذاقت ألام غاز الخردل السام من الاستعمار الإسباني في بداية القرن الماضي، فهل هذا جزاؤها؟
إجرمواس اليوم تئن تئن تحت وطأة كل المصائب، تحت وطأة التهميش، والفقر والضياع الشامل والجهل الذي يقبع فيه من أوكلت لهم تسيير شؤون سكانها، وما تبقى بها من شباب امتهنوا مهنة متابعة أفلام بوليود وتعاطي مخدر الكيف وانتظار غد قد يأتي بجديد، لكن إجرمواس لا تعرف ماذا يحمل القدر غدا!
الصورة: جانب من حياة سكان إجرمواس ت : ع.أ
" الدمار" عنوان يصلح أن يكون فلما سينمائيا طويلا، لن يحتاج كاتب السيناريو ولا مخرجه إلى كثير من العناء والجهد لصبر أغوار قصته، فكل شيء مشجع على ذلك .. المكان وطبيعته والإنسان.
القصة بدأت في إحدى ليالي خريف 2008 عندما جرفت مياه الوادي الكبير ( إخزار أمقران)عدد كبير من الدكاكين بالمركز التجاري المتواضع المسمى "ثلاثاء إجرمواس"، رجال في الستين والسبعين لا يتذكرون أن الوادي الذي يخترق بلدتهم ويقسمها إلى شطرين لا يتذكرون أن يوما حمل هذا الكم الهائل من المياه ( علو الماء وصل إلى مترين) فكثيرون اعتقدوا أن قصة النبي نوح تعيد نفسها من جديد ها هنا!
الأمطار الطوفانية تساقطت لأيام على البلدة لزم خلالها القرويون بيوتهم المتواضعة راجين اللطف والرفق. بعد أيام من الأمطار المتواصلة انقشعت السحب السوداء الملبدة على سماء البلدة ببطء شديد، غير أن منسوب المياه بقي على حاله لأيام إضافية وتقطعت بالسكان السبل وبقوا حبيسي الجبال يرمقون الوادي وما حمل، بعضهم كان قلبه يتقطع وهو يشاهد من أحد أطراف اليابسة دكانه وهو يتفكك من شدة الاختراق، والبعض الأخر لم يستفق بعد من أثر الصدمة!
بعد مرور أسبوعين على الأقل كان بمستطاع السكان السير في الوادي بمعية سيارات الميرسيدس 207 التي تتخذ في هذه الجبال كسيارات الدفع الرباعي، بدأت تظهر حركة غير عادية لأناس حملوا ما تيسر من المتاع وقصدوا أقرب المدن ليهاجروا إليها بعيدا عن أرض الدمار هذه، كانت موجة الهجرة هذه الثانية بعد موجة الهجرة التي تلت زلزال 2004 ، فلم يعد لمن لهم بعض الإمكانيات من بد غير الهجرة، أما الذين تعوزهم الحاجة على دفع أقساط الكراء وفواتير الماء والكهرباء في مدينة العروي أو الدريوش أو حتى في كرونة فما زالوا رابطين في إجرمواس أملين أياما مشمسة وأخرى تمطر بما يكفي لسقي ما حرثت دوابهم من شعير وقمح ولا تحرض عليهم "إخزار أمقران" وتقطع أوصالهم!!
قبل كارثة الطوفان بأيام كانت الدولة قد أنجزت طريقا يربط إجرمواس بطريق أخرى هي المنفذ الوحيد للبلدة إلى العالم الخارجي، وهي طريق كان القرويون يطالبون بها من سبعينيات القرن الماضي، غير أن الدولة لم ترى لها ضرورة إلا بعد مرور أزيد من ثلاثين سنة، وعندما حلت بإجرمواس المصيبة المعلومة كانت هذه الطريق أول من سقط في عداد الهالكين، وهي التي كلفت حسب بعض العارفين بشؤون البلدة ما يناهز المليار ونصف سنتيم ، ونال صفقتها المقاول المحظوظ والمعروف لدى ساكنة مدينة وجدة، الذي استطاع في ظرف 6 سنوات أن يراكم ما راكمه زملاء له في 40 سنة، بعدما قدم إلى هذه المهنة من مهنة صباغة السيارات! هكذا دمر حلم الثلاثين سنة في رمشة عين بعدما دمر المقاول نفسه الهكتارات من الأراضي الزراعية والمئات من الأشجار المثمرة!
الدولة أيضا شيدت بعض البنايات الاجتماعية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعدما ضلت البلدة تعاني من انعدام الخدمات الاجتماعية لسنوات، غير أن هذه البنايات مفتوحة ومشرعة لكن ليس في وجه شباب ونساء ورجال إجرمواس إنما في وجه رياحها العاتية ولمياه الأمطار التي نفذت إليها من سقوفها ونوافذها، وكانت بالتالي نموذج لفشل سياسة المقاربة التشاركية في المنطقة التي لا تعلم عنها اللجنة الإقليمية للمبادرة إلا الإحسان! أما اللجنة المحلية فهو مصطلح لا يتردد في الجماعة أبدا لأن رئيس الجماعة الذي هو رئيس اللجنة المحلية هو الغائب الدائم والمنشغل بأموره الشخصية مستغلا بذلك وسائل الجماعة حتى وصل به الحد إلى استعمال سيارة الإسعاف التابعة للمستوصف الجماعي في تنقلاته الخاصة إن لم نقل أشياء أخرى !
هذه صورة مقتضبة عن حال إجرمواس ! إجرمواس وقبيلة أيت توزين التي ذاقت ألام غاز الخردل السام من الاستعمار الإسباني في بداية القرن الماضي، فهل هذا جزاؤها؟
إجرمواس اليوم تئن تئن تحت وطأة كل المصائب، تحت وطأة التهميش، والفقر والضياع الشامل والجهل الذي يقبع فيه من أوكلت لهم تسيير شؤون سكانها، وما تبقى بها من شباب امتهنوا مهنة متابعة أفلام بوليود وتعاطي مخدر الكيف وانتظار غد قد يأتي بجديد، لكن إجرمواس لا تعرف ماذا يحمل القدر غدا!
الصورة: جانب من حياة سكان إجرمواس ت : ع.أ