بقلم: خالد أمعيزا
إسمه سعيد. .. في منتصف الثلاثينيات من عمره. ...متوسط البنية بوجه يجمع بين براءة طفل وإصرار بحار عنيد. ....
كنت اتفحص الوجوه من حولي وانسج قصص حياة لكل أنواع التقاسيم. ...
كعرافة اخمن كيف سيصبح هذا الذي يلوح بعلم بعد عشر سنين. ....واتخيل ذاك الذي يرفع قبضته إلى السماء شخصا من شخوص بداية القرن الماضي أو اواسطه. ...
كنت أرى البعض مهرجا في سيرك بئيس. ...وكنت في الآخر صدقا هادئا وصبورا. ..يرفع شارة النصر وإن بعد حين. ...واثقا من نصره ولو. ..ولو في حياة أخرى. ....
تملكني الفضول لاقترب من جماعة أخرى. بلافتات أخر وبتقاسيم أخرى. ...أنا المولع بالتجوال في أسواق "الجوطيات " تملكني الرغبة بسؤال واحد : "مشحار " كم الثمن ؟
عدت إلى مكاني من جديد. ...وفوق كرسي عمومي وقفت كي أكمل التفرس في الوجوه. ...فالوجوه هنا أكثر إثارة.... بتقاسيم إما معقدة أو أصيلة ...
همس في أذني صديق خبير. ...: تلك الوجوه المستعملة هناك ليست كل شيء. ...بعد قليل ستأتي وجوه أخرى بلا لون. ..وبلا ملامح. .....
فجأة. ...كذلك كان. .....وهرب الشجعان والجبناء في كل اتجاه. ....
حاولت التصرف كجبان ذكي. .....اختبات وراء سيارة متوقفة فاقدا لكل الحيل. ...
عدت إلى حيث كانت جماعتي الملهمة. ...ووقفت على نفس الكرسي العمومي. ....استرعى انتباهي ثلة شباب محيطين بشاب يحملونه تارة ويضعونه أرضا تارة أخرى وهم يصرخون : لقد طعنوه بخنجر. ....!!
قلت لنفسي : إنهم يبالغون. ...
تمعنت النظر في الشاب الذي بين أيديهم. .إنه سعيد . لاحقا ساعرف أن إسمه سعيد :
نزلت إليه فضوليا بكل خبث وددت أن أعرف هل حقا أصيب. ...
نعم كانت هناك دماء. ....حمله شخصين أو أكثر. ..تمعنت وجهه. ..كان اشقرا ومحمرا. ...كانت تعابير الألم على وجهه تزداد من طريقة حمله. ....كان يتفحص ما حوله بعيني طفل برئ ...لكن برباطة جاش بحار خبير. ....
كانت محطة طاكسيات الناضور على بعد دزينة خطوات من مكان إصابة سعيد. ...حمله رفاقه إلى أول طاكسي. ..فخرج إليهم شخص فاره الطول ملوحا بيده صارخا إلى السماء. ...."لا اسيذي نش واثكسيخ شا " امارا اوقعاس شا "...
.....يا للعار....!!
كان عارا شخصيا بالنسبة لي. ...جريح. ...في وطني لا يجد من يحمله إلى مشفى. ....
كان من حوله الكثير ممن يعشق الصور. ....
في المستشفى طلبت منه أن ينزل سرواله ليرى الطبيب الجرح في فخذه. ....
تمسك بحزام السروال وفي عينيه السؤال : أحقا علي أن أفعل هذا !؟
اجبته بايماءة مطمئنة وشرعت في مساعدته على فعل ذلك. ...
أمسكت بيده والطبيب يعاينه. ...سألني : هل سيؤلمني. ....قلت. ...ليس كثيرا. ...
.....كان هناك شرطي على رأسه. ...كان الطبيب يعالجه. ....وكان الشرطي يسأل. ...أين ومتى وكيف. ....
قلت للشرطي : أصيب في الوقفة. ...
أجابني الشرطي : أي وقفة! ؟؟......"قدام السوق "...
حدقت في عينيه. ...فابتسم بمكر كأنه يعترف أنه يريد الاستهزاء بي. ......
طلب من سعيد بطاقة هويته. ...حينئذ عرفت أن إسمه سعيد. ....سعيد "امرابض "....
غادرنا المستشفى. ...
سعيد جرحه غائر. ....وفقد الكثير من الدم. ....
سألت سعيد إن كان قد تدبر أمر رجوعه إلى الحسيمة. ......
أجابني. ...لا. ...أتيت بواسطة طاكسي. ....
سألته : الديك أصدقاء لنقلك إلى الحسيمة؟
أجابني : نعم لكنني لا أملك أرقام هواتفهم. ...
....في الطريق إلى الحسيمة. ...كان السؤال الذي يلح علي منذ البدئ أن أسأله : من أين أنت؟
أجابني : " ذابقوي. ..ييه "
سألته : أمك قد يكون بلغ إلى علمها أنك أصبت. ...
قاطعني : أمي لا تخاف علي. ...حين ابلغها أنني ذاهب إلى المظاهرات تقول لي : "إذهب إلى اخوتك " " ازوم خرحق نووم ".....
قال لي : لقد هاتفها من المستشفى اطمئنها وادعوها ألا تقلق علي. .....سكت وقال. ...لقد حدثتها لما كنت تربط خيوط حذائي. ....سكت لفترة وقال متنهدا : اشكرك "اوما اطاس ". ...
....فهمت أنه ممتن لأني انحنيت إلى رجليه كي اربط خيوط حذائه أكثر مما يشكرني على حمله إلى المشفى. .....لقد حاول أن يمنعني من أن أفعل ذلك ويربط حذاءه لنفسه. ...لكنه كان نصف مشلول من الألم وتخدير الطبيب. ....
......قال لي متالما لكن بنبرة تأكيد : " اقاي مليح "
قلت له : أحقا لا تشعر بأي ألم؟
قال : نعم. ..نعم. ...أشعر بالألم في كامل رجلي. ...."ماشا اقاي مليح "
.....نظرت إليه. ....فهم الاستنكار في نظرتي. ...
قال لي : لم ينالوا من ناصر. ....اقاي مليح. ..
اردف : لكنهم كانوا مسلحين بسيوف. ..."اونشين ودنكي بخمانايا " " نحن لم نعول على هذا "......
عدل بعناء من جلسته لينظر إلي مباشرة وقال : أعرف أن من فعل هذا ليسوا بأبناء الناضور. ..مشددا على نطق "راء " الناضور بتلك اللكنة التي ينطقها بها الحسيميون. ...
قال لي إنه بحار. ....وزاد. ...ماذا عساك أن تفعل في الحسيمة سوى أن تكون بحارا. ....
قال لي : سننتصر. ..
قلت له : بالطبع فالطغاة دائما جبناء. ...
سكت وسكت. .....
قطعت الصمت بيننا بالقول : " إن قراءة الحركات الاجتماعية حسب المرجعيات الحديثة للعلوم الإنسانية تمثل قطيعة مع التراكمات التي حسبنها بديهية في الانتروبولوجيا كما عرفها التاريخ لأننا اهملنا التاريخانية والحال. .....
قاطعني بحدة لكن بلباقة : جدي شارك في معركة أنوال. ..
عدلت من نبرتي وتابعت. .." إن الخيارات الاستراتيجية اليوم للدولة تقتضي التموقع في القارة الإفريقية اقتصاديا وسياسيا. ..إن ذلك يحسن موقعنا التفاوضي في شراكاتنا مع أوروبا والغرب. ...ورهانات المشاريع الكبرى في بلادنا لا يمكن أن تتم بدون علاقات متميزة مع التمويلات الشرق أوسطية. ....
بحدته الوديعة قاطعني. .....
كيف. ....أين نحن. ..." نشين نتضياع ايوما "..." ازون اخكن السياحة الجنسية ذانيتا "....
في الحسيمة كان جمع غفير ينتظر من رجع سالما من الناضور. ....
رجع الكل سالما. ...
إلا سعيد. ..رجع مجروحا وسالما وفخورا بجرحه. ...
صاح الكل : بالروح بالدم نفديك. .......
نضرت إليه. ...لم يكن موضوع الصياح. ....
وددت لو أسأله : اانت ذاهب لتصيح بالروح بالدم نفديك. ...
اانت قصة جدك المحارب في أنوال والذي لم يعد احد يتذكره سواك. ....
كان الجواب واضحا على تكشيرة جبينه "
"أريد حقوقي "
إسمه سعيد. .. في منتصف الثلاثينيات من عمره. ...متوسط البنية بوجه يجمع بين براءة طفل وإصرار بحار عنيد. ....
كنت اتفحص الوجوه من حولي وانسج قصص حياة لكل أنواع التقاسيم. ...
كعرافة اخمن كيف سيصبح هذا الذي يلوح بعلم بعد عشر سنين. ....واتخيل ذاك الذي يرفع قبضته إلى السماء شخصا من شخوص بداية القرن الماضي أو اواسطه. ...
كنت أرى البعض مهرجا في سيرك بئيس. ...وكنت في الآخر صدقا هادئا وصبورا. ..يرفع شارة النصر وإن بعد حين. ...واثقا من نصره ولو. ..ولو في حياة أخرى. ....
تملكني الفضول لاقترب من جماعة أخرى. بلافتات أخر وبتقاسيم أخرى. ...أنا المولع بالتجوال في أسواق "الجوطيات " تملكني الرغبة بسؤال واحد : "مشحار " كم الثمن ؟
عدت إلى مكاني من جديد. ...وفوق كرسي عمومي وقفت كي أكمل التفرس في الوجوه. ...فالوجوه هنا أكثر إثارة.... بتقاسيم إما معقدة أو أصيلة ...
همس في أذني صديق خبير. ...: تلك الوجوه المستعملة هناك ليست كل شيء. ...بعد قليل ستأتي وجوه أخرى بلا لون. ..وبلا ملامح. .....
فجأة. ...كذلك كان. .....وهرب الشجعان والجبناء في كل اتجاه. ....
حاولت التصرف كجبان ذكي. .....اختبات وراء سيارة متوقفة فاقدا لكل الحيل. ...
عدت إلى حيث كانت جماعتي الملهمة. ...ووقفت على نفس الكرسي العمومي. ....استرعى انتباهي ثلة شباب محيطين بشاب يحملونه تارة ويضعونه أرضا تارة أخرى وهم يصرخون : لقد طعنوه بخنجر. ....!!
قلت لنفسي : إنهم يبالغون. ...
تمعنت النظر في الشاب الذي بين أيديهم. .إنه سعيد . لاحقا ساعرف أن إسمه سعيد :
نزلت إليه فضوليا بكل خبث وددت أن أعرف هل حقا أصيب. ...
نعم كانت هناك دماء. ....حمله شخصين أو أكثر. ..تمعنت وجهه. ..كان اشقرا ومحمرا. ...كانت تعابير الألم على وجهه تزداد من طريقة حمله. ....كان يتفحص ما حوله بعيني طفل برئ ...لكن برباطة جاش بحار خبير. ....
كانت محطة طاكسيات الناضور على بعد دزينة خطوات من مكان إصابة سعيد. ...حمله رفاقه إلى أول طاكسي. ..فخرج إليهم شخص فاره الطول ملوحا بيده صارخا إلى السماء. ...."لا اسيذي نش واثكسيخ شا " امارا اوقعاس شا "...
.....يا للعار....!!
كان عارا شخصيا بالنسبة لي. ...جريح. ...في وطني لا يجد من يحمله إلى مشفى. ....
كان من حوله الكثير ممن يعشق الصور. ....
في المستشفى طلبت منه أن ينزل سرواله ليرى الطبيب الجرح في فخذه. ....
تمسك بحزام السروال وفي عينيه السؤال : أحقا علي أن أفعل هذا !؟
اجبته بايماءة مطمئنة وشرعت في مساعدته على فعل ذلك. ...
أمسكت بيده والطبيب يعاينه. ...سألني : هل سيؤلمني. ....قلت. ...ليس كثيرا. ...
.....كان هناك شرطي على رأسه. ...كان الطبيب يعالجه. ....وكان الشرطي يسأل. ...أين ومتى وكيف. ....
قلت للشرطي : أصيب في الوقفة. ...
أجابني الشرطي : أي وقفة! ؟؟......"قدام السوق "...
حدقت في عينيه. ...فابتسم بمكر كأنه يعترف أنه يريد الاستهزاء بي. ......
طلب من سعيد بطاقة هويته. ...حينئذ عرفت أن إسمه سعيد. ....سعيد "امرابض "....
غادرنا المستشفى. ...
سعيد جرحه غائر. ....وفقد الكثير من الدم. ....
سألت سعيد إن كان قد تدبر أمر رجوعه إلى الحسيمة. ......
أجابني. ...لا. ...أتيت بواسطة طاكسي. ....
سألته : الديك أصدقاء لنقلك إلى الحسيمة؟
أجابني : نعم لكنني لا أملك أرقام هواتفهم. ...
....في الطريق إلى الحسيمة. ...كان السؤال الذي يلح علي منذ البدئ أن أسأله : من أين أنت؟
أجابني : " ذابقوي. ..ييه "
سألته : أمك قد يكون بلغ إلى علمها أنك أصبت. ...
قاطعني : أمي لا تخاف علي. ...حين ابلغها أنني ذاهب إلى المظاهرات تقول لي : "إذهب إلى اخوتك " " ازوم خرحق نووم ".....
قال لي : لقد هاتفها من المستشفى اطمئنها وادعوها ألا تقلق علي. .....سكت وقال. ...لقد حدثتها لما كنت تربط خيوط حذائي. ....سكت لفترة وقال متنهدا : اشكرك "اوما اطاس ". ...
....فهمت أنه ممتن لأني انحنيت إلى رجليه كي اربط خيوط حذائه أكثر مما يشكرني على حمله إلى المشفى. .....لقد حاول أن يمنعني من أن أفعل ذلك ويربط حذاءه لنفسه. ...لكنه كان نصف مشلول من الألم وتخدير الطبيب. ....
......قال لي متالما لكن بنبرة تأكيد : " اقاي مليح "
قلت له : أحقا لا تشعر بأي ألم؟
قال : نعم. ..نعم. ...أشعر بالألم في كامل رجلي. ...."ماشا اقاي مليح "
.....نظرت إليه. ....فهم الاستنكار في نظرتي. ...
قال لي : لم ينالوا من ناصر. ....اقاي مليح. ..
اردف : لكنهم كانوا مسلحين بسيوف. ..."اونشين ودنكي بخمانايا " " نحن لم نعول على هذا "......
عدل بعناء من جلسته لينظر إلي مباشرة وقال : أعرف أن من فعل هذا ليسوا بأبناء الناضور. ..مشددا على نطق "راء " الناضور بتلك اللكنة التي ينطقها بها الحسيميون. ...
قال لي إنه بحار. ....وزاد. ...ماذا عساك أن تفعل في الحسيمة سوى أن تكون بحارا. ....
قال لي : سننتصر. ..
قلت له : بالطبع فالطغاة دائما جبناء. ...
سكت وسكت. .....
قطعت الصمت بيننا بالقول : " إن قراءة الحركات الاجتماعية حسب المرجعيات الحديثة للعلوم الإنسانية تمثل قطيعة مع التراكمات التي حسبنها بديهية في الانتروبولوجيا كما عرفها التاريخ لأننا اهملنا التاريخانية والحال. .....
قاطعني بحدة لكن بلباقة : جدي شارك في معركة أنوال. ..
عدلت من نبرتي وتابعت. .." إن الخيارات الاستراتيجية اليوم للدولة تقتضي التموقع في القارة الإفريقية اقتصاديا وسياسيا. ..إن ذلك يحسن موقعنا التفاوضي في شراكاتنا مع أوروبا والغرب. ...ورهانات المشاريع الكبرى في بلادنا لا يمكن أن تتم بدون علاقات متميزة مع التمويلات الشرق أوسطية. ....
بحدته الوديعة قاطعني. .....
كيف. ....أين نحن. ..." نشين نتضياع ايوما "..." ازون اخكن السياحة الجنسية ذانيتا "....
في الحسيمة كان جمع غفير ينتظر من رجع سالما من الناضور. ....
رجع الكل سالما. ...
إلا سعيد. ..رجع مجروحا وسالما وفخورا بجرحه. ...
صاح الكل : بالروح بالدم نفديك. .......
نضرت إليه. ...لم يكن موضوع الصياح. ....
وددت لو أسأله : اانت ذاهب لتصيح بالروح بالدم نفديك. ...
اانت قصة جدك المحارب في أنوال والذي لم يعد احد يتذكره سواك. ....
كان الجواب واضحا على تكشيرة جبينه "
"أريد حقوقي "