قيس مارزوق الورياشي
ما التدخل الجمعياتي؟
نسمي التدخل الجمعياتي السلوك الذي يقوم به الأفراد داخل جمعية معينة بهدف خلق دينامية خاصة في العلاقات التي تربط فيما بينهم مجموع أعضاء هذه الجمعية من جهة، وفيما بينهم وبين الجمعية كشخصية معنوية لها تنظيمها الخاص وبرامج عملها.وتبعا لنوعية وطريقة وكثافة التدخل هذا نستطيع الحكم على جدية الجمعية ومردوديتها وتطابقها مع الأهداف التي كانت وراء تأسيسها. وتعتبر هذه الورقة بمثابة مساهمة متواضعة في بلورة معرفة اجتماعية ذات منحى تطبيقي حول حقل الجمعيات.
1- تصنيف الجمعيات:
لا شك أن معرفة أصناف الجمعيات الموجودة بإمكانه أن يساهم في إبراز مختلف أشكال التدخل الجمعياتي،كما بإمكانه أن يطور هذه الأشكال تبعا لمعرفة إمكانيات وحدود التدخل المفروضة مسبقا على المتدخل. من هنا يمكن أن نصنف الجمعيات حسب المقاييس التالية:
- حسب حقول التدخل:ونعني بذلك المجال الذي تحدده الجمعية لممارسة أنشطتها المختلفة. وهذه المجالات والحقول قد تتداخل فيما بينها إلى حد يصعب التمييز بين الحدود الفاصلة بين هذا الحقل وذاك.
- حسب الانتشار الجغرافي: إن هذا الانتشار هو الذي يمكننا من التمييز بين جمعيات محلية أو إقليمية أو وطنية أو دولية. وتبعا لمستوى الانتشار تتحدد مجموعة معقدة من العلاقات يصبح معها التدخل الجمعياتي يكتسي صبغة تختلف طبيعتها من جمعية إلى أخرى، فإذا كانت الجمعية الوطنية مثلا تتميز بتشعب أنشطتها حسب تشعب فروعها، الشيء الذي قد يستغل كعامل موضوعي لإقرار نوع من البيروقراطية، فان الجمعية المحلية لها حدود واضحة وتتميز وشفافية أكثر.
- حسب مستوى أو درجة التفتح: ونقصد به هنا الإمكانيات المتاحة لقبول أكبر عدد من الأعضاء ضمن الجماعة المكونة للجمعية، وطبيعة وأهداف الجمعية هي التي تملي مستويات تفتحها على الأفراد.
- حسب الأهداف المتوخاة من تأسيس الجمعية: كل جمعية تتأسس إلا وتحدد نفسها موضوعيا بالعلاقة مع برنامج عمل يحدد هدفها أو مجموعة أهدافها، غير أنه مهما اختلفت هذه الأهداف من حيث الشكل والصياغة، ومن حيث حقول التدخل والممارسة، فإن الجمعيات، كمؤسسات وسيطة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي،غالبا ما تنصب إما في إستراتيجية للتطبيع والاندماج الاجتماعي من منظور الطبقة أو الجماعة السائدة، أو عكس ذلك، تنصب في إستراتيجية بديلة للعلاقات السائدة في الحقل الذي يمثل موضوع تدخل الجمعية،بحيث تنصب الجمعية هنا نفسها كأداة لمعارضة الأفكار والمؤسسات السياسية والاجتماعية والتربوية السائدة في المجتمع.
2- علة وجود الجمعيات:
تعتبر مشاركة أو مساهمة الأعضاء المنخرطين في جمعية معينة علة وجود هذه الجمعية. ونظرا ما للمشاركة من أهمية في حياة الجمعية، فان تفكيرها ومحاولة إدراك كنهها بمثابة الخطوة الأولى لكل متدخل ايجابي يسعى إلى الرقي بالعمل الجمعياتي إلى مستوى النضج اللازم. وحتى نلم بأهمية عنصر المشاركة اقترح الانطلاق من المسلمة الرئيسية: الجمعية أرضية لممارسة الديمقراطية وتعلمها. إنها ديمقراطية صغيرة، ذات منحى تجريبي بالأساس، لكنها في نفس الوقت مدرسة لاختبار مستوى النضج في المجتمع.
والجمعية تعبير عن رغبة جماعية لحل مشاكل/أو التعامل مع قضايا جماعية. وبوصفها كذلك،فان مساهمة أعضاء الجمعية كل حسب طاقته في حل هذه المشاكل الجماعية، هو الذي يوجد وراء دينامية كل جمعية وبالتالي وراء مجموعة من المشاكل التي ينبغي التعامل معها بكل موضوعية بهدف توجيهها توجيها ايجابيا بناء.
وتعتبر كل جمعية بمثابة كتلة. وبما أن كل كتلة تخضع لقانون "الجاذبية"، فان حركية متواصلة من فعل ورد الفعل وتفاعلات تنجم عنها تعارضات تعتبر طريقة الحسم فيها أساسية بالنسبة لحياة الجمعية.وبغض النظر عن طريقة حسم هذه التعارضات فان ما ينبغي تذكره دائما، وحتى يكون الصراع في أوجه، هو أن الجمعية هي التي تقع عليها مسؤولية حل المشاكل الجماعية التي من أجل حلها وجدت هذه الجمعية.
إن مسؤولية حل المشاكل الجماعية ترجع إلى الدولة بالأساس. لكن رغبة الدولة في اتخاذ القرار والحسم في كل قضايا المجتمع، مع تعقد مؤسساتها وتعدد قنواتها،يجعلها تعجز عن حل كل القضايا بحيث تقع فيما يمكن أن نسميه بالعجز التكنوقراطي، الشيء الذي يدفع المواطنين إلى اتخاذ المبادرة.
3- حيوية المجال الجمعياتي:
يعتبر قرار إنشاء جمعية بمثابة ربح رهان اجتماعي أساسي: اتخاذ المبادرة.ويبدو أن الشعار الخلفي المحرك لكل نية تأسيس مجال جمعياتي هي:المبادرة، واتخاذ هذه المبادرة بقدر ما هو عملية عفوية، بقدر ما تتم غالبا لسد ثغرات مؤسساتية أو المطالبة بتنشيط أو إعادة تنشيط مجالات مهمشة. من هنا تنبع الضرورة الاجتماعية للجمعيات كحلقة وسيطة بين دينامية المجتمع المدني وتصلب الشرايين الذي قد يصيب المجتمع السياسي في كثير من الحالات.
والجمعيات، بحكم رهانها في اتخاذ المبادرة، تعتبر مكانا للخلق والإبداع ومكان للتجديد الاجتماعي وأيضا فضاء لتحمل المسؤولية وتعلم الانخراط في التعددية المعاشة. كما تعتبر مكان للتسيير الذاتي وتحقيق طموحات تحقيق التغيير.
4- انحرافات العمل الجمعوي:
الجمعية اختيار ضمن مبدأ الحرية والتعدد، ولا ينبغي الإخلال بمبدأ التعددية الذي هو أصل ودعامة تأسيسها. من هنا يصبح الدفاع عن الاستقلالية النسبية للمجال الجمعياتي أحد شروط استمرارية هذا المجال كمكان لممارسة الحرية والخلق والإبداع. وينبغي على المتدخل الجمعياتي أن يتجنب ما يلي:
- روح التحزب: إن روح التحزب هو الذي يؤدي إلى قتل الحياة الجمعياتية. وروح التحزب هنا يتخذ شكلين:
٭اعتبار الجمعية بديلا سياسيا لكل مجتمع. في هذه الحالة، فان المجال الجمعياتي إما ينحل من الداخل أو من الخارج،وإما يتحول إلى مجال سياسي محض.وفي جميع الحالات فان فكرة الجمعية كجمعية تنحل.
٭ اعتبار الحزب السياسي بديلا للمجال الجمعياتي غالبا ما يدفع الحزب إلى تهميش الجمعية أو احتضانها وبالتالي تحويلها إلى مجال تابع يفتقر إلى عناصر المؤسسة لكل جمعية.
- روح التجارة: كل جمعية هي بمثابة شخصية معنوية يتعاون فيها الأفراد لحل مشاكل جماعية ضمن مبادئ المبادرة والحرية. والتجارة هنا، بقدر ما تدخل في تعارض كلي مع مبدأ التكتل من أجل خدمة التغيير والأهداف المشتركة، بقدر ما يمكن أن تؤدي إلى سلوكات تنخر تدريجيا جسم الجماعة وتحول المجال الجمعياتي إلى صراعات ثانوية تؤدي بالضرورة إلى قتل المبادرة.
- روح البيروقراطية: إن خطر البيروقراطية يهدد حياة الجمعية في كل لحظة، ذلك، فان الشروط الموضوعية التي يفرضها قانون "الجاذبية" داخل المجال الجمعياتي، واتسام غالبية المنخرطين بطابع السلبية أو اللامبالاة يدفع بالأعضاء النشطين إلى منح أنفسهم مشروعية اتخاذ قرارات فردية يطورونها مع الوقت إلى سلوكات استبدادية من طبيعي بيروقراطية.
5- على سبيل الخاتمة:
إن فهم المجال الجمعياتي فهما صحيحا يمكن المتدخل من توفير كثير من الجهود قصد الدعم والبناء،تقتضي أن يتذكر المتدخل دائما لحظة المبادرة الأولى: لحظة التعبير عن الرغبة في العمل المشترك من أجل إيجاد حل لمشاكل مشتركة. كما عليه أن يتذكر باستمرار أن المجال الجمعياتي هو بالضرورة مكان متعدد، متفتح، مستقل، حر وإرادي. إن الروح النضالية تفرض على المتدخل أن يقاوم كل أشكال الانحراف، لكن لا ينبغي مهما كان الأمر أن تؤدي هذه الروح النضالية إلى الاستبداد بالرأي ولو أدى ذلك إلى تعطيل الجمعية، ففي نهاية المطاف ما الجمعية إلا شكل من أشكال الممارسة الاجتماعية، ونهايتها ليست بنهاية العالم. إن التواضع الأخلاقي والسياسي والاجتماعي يفرض علينا ألا نعتبر أعمالنا وتدخلاتنا ألا مجرد مساهمة ضمن جدلية التغيير المستمرة بدون توقف.
إن المجال الجمعياتي في المغرب يتطور باستمرار،لكن ما يلاحظ فيه انه يتطور كميا أكثر منه نوعيا. أعتقد أنه حان الوقت للتفكير في تحول نوعي وفي تعدد أشكال الممارسة الجمعياتية كتعبير عن مستوى نضج المجتمع المدني.إن حقولا اجتماعية كثيرة،كحقل المرأة وحقل الأمازيغية وحقل البيئة وحقل التعاون...،ما تزال خصبة كالأرض البورية التي ما أن يلتفت إليها المرء إلا وتعد بعطاءات كبيرة.
ما التدخل الجمعياتي؟
نسمي التدخل الجمعياتي السلوك الذي يقوم به الأفراد داخل جمعية معينة بهدف خلق دينامية خاصة في العلاقات التي تربط فيما بينهم مجموع أعضاء هذه الجمعية من جهة، وفيما بينهم وبين الجمعية كشخصية معنوية لها تنظيمها الخاص وبرامج عملها.وتبعا لنوعية وطريقة وكثافة التدخل هذا نستطيع الحكم على جدية الجمعية ومردوديتها وتطابقها مع الأهداف التي كانت وراء تأسيسها. وتعتبر هذه الورقة بمثابة مساهمة متواضعة في بلورة معرفة اجتماعية ذات منحى تطبيقي حول حقل الجمعيات.
1- تصنيف الجمعيات:
لا شك أن معرفة أصناف الجمعيات الموجودة بإمكانه أن يساهم في إبراز مختلف أشكال التدخل الجمعياتي،كما بإمكانه أن يطور هذه الأشكال تبعا لمعرفة إمكانيات وحدود التدخل المفروضة مسبقا على المتدخل. من هنا يمكن أن نصنف الجمعيات حسب المقاييس التالية:
- حسب حقول التدخل:ونعني بذلك المجال الذي تحدده الجمعية لممارسة أنشطتها المختلفة. وهذه المجالات والحقول قد تتداخل فيما بينها إلى حد يصعب التمييز بين الحدود الفاصلة بين هذا الحقل وذاك.
- حسب الانتشار الجغرافي: إن هذا الانتشار هو الذي يمكننا من التمييز بين جمعيات محلية أو إقليمية أو وطنية أو دولية. وتبعا لمستوى الانتشار تتحدد مجموعة معقدة من العلاقات يصبح معها التدخل الجمعياتي يكتسي صبغة تختلف طبيعتها من جمعية إلى أخرى، فإذا كانت الجمعية الوطنية مثلا تتميز بتشعب أنشطتها حسب تشعب فروعها، الشيء الذي قد يستغل كعامل موضوعي لإقرار نوع من البيروقراطية، فان الجمعية المحلية لها حدود واضحة وتتميز وشفافية أكثر.
- حسب مستوى أو درجة التفتح: ونقصد به هنا الإمكانيات المتاحة لقبول أكبر عدد من الأعضاء ضمن الجماعة المكونة للجمعية، وطبيعة وأهداف الجمعية هي التي تملي مستويات تفتحها على الأفراد.
- حسب الأهداف المتوخاة من تأسيس الجمعية: كل جمعية تتأسس إلا وتحدد نفسها موضوعيا بالعلاقة مع برنامج عمل يحدد هدفها أو مجموعة أهدافها، غير أنه مهما اختلفت هذه الأهداف من حيث الشكل والصياغة، ومن حيث حقول التدخل والممارسة، فإن الجمعيات، كمؤسسات وسيطة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي،غالبا ما تنصب إما في إستراتيجية للتطبيع والاندماج الاجتماعي من منظور الطبقة أو الجماعة السائدة، أو عكس ذلك، تنصب في إستراتيجية بديلة للعلاقات السائدة في الحقل الذي يمثل موضوع تدخل الجمعية،بحيث تنصب الجمعية هنا نفسها كأداة لمعارضة الأفكار والمؤسسات السياسية والاجتماعية والتربوية السائدة في المجتمع.
2- علة وجود الجمعيات:
تعتبر مشاركة أو مساهمة الأعضاء المنخرطين في جمعية معينة علة وجود هذه الجمعية. ونظرا ما للمشاركة من أهمية في حياة الجمعية، فان تفكيرها ومحاولة إدراك كنهها بمثابة الخطوة الأولى لكل متدخل ايجابي يسعى إلى الرقي بالعمل الجمعياتي إلى مستوى النضج اللازم. وحتى نلم بأهمية عنصر المشاركة اقترح الانطلاق من المسلمة الرئيسية: الجمعية أرضية لممارسة الديمقراطية وتعلمها. إنها ديمقراطية صغيرة، ذات منحى تجريبي بالأساس، لكنها في نفس الوقت مدرسة لاختبار مستوى النضج في المجتمع.
والجمعية تعبير عن رغبة جماعية لحل مشاكل/أو التعامل مع قضايا جماعية. وبوصفها كذلك،فان مساهمة أعضاء الجمعية كل حسب طاقته في حل هذه المشاكل الجماعية، هو الذي يوجد وراء دينامية كل جمعية وبالتالي وراء مجموعة من المشاكل التي ينبغي التعامل معها بكل موضوعية بهدف توجيهها توجيها ايجابيا بناء.
وتعتبر كل جمعية بمثابة كتلة. وبما أن كل كتلة تخضع لقانون "الجاذبية"، فان حركية متواصلة من فعل ورد الفعل وتفاعلات تنجم عنها تعارضات تعتبر طريقة الحسم فيها أساسية بالنسبة لحياة الجمعية.وبغض النظر عن طريقة حسم هذه التعارضات فان ما ينبغي تذكره دائما، وحتى يكون الصراع في أوجه، هو أن الجمعية هي التي تقع عليها مسؤولية حل المشاكل الجماعية التي من أجل حلها وجدت هذه الجمعية.
إن مسؤولية حل المشاكل الجماعية ترجع إلى الدولة بالأساس. لكن رغبة الدولة في اتخاذ القرار والحسم في كل قضايا المجتمع، مع تعقد مؤسساتها وتعدد قنواتها،يجعلها تعجز عن حل كل القضايا بحيث تقع فيما يمكن أن نسميه بالعجز التكنوقراطي، الشيء الذي يدفع المواطنين إلى اتخاذ المبادرة.
3- حيوية المجال الجمعياتي:
يعتبر قرار إنشاء جمعية بمثابة ربح رهان اجتماعي أساسي: اتخاذ المبادرة.ويبدو أن الشعار الخلفي المحرك لكل نية تأسيس مجال جمعياتي هي:المبادرة، واتخاذ هذه المبادرة بقدر ما هو عملية عفوية، بقدر ما تتم غالبا لسد ثغرات مؤسساتية أو المطالبة بتنشيط أو إعادة تنشيط مجالات مهمشة. من هنا تنبع الضرورة الاجتماعية للجمعيات كحلقة وسيطة بين دينامية المجتمع المدني وتصلب الشرايين الذي قد يصيب المجتمع السياسي في كثير من الحالات.
والجمعيات، بحكم رهانها في اتخاذ المبادرة، تعتبر مكانا للخلق والإبداع ومكان للتجديد الاجتماعي وأيضا فضاء لتحمل المسؤولية وتعلم الانخراط في التعددية المعاشة. كما تعتبر مكان للتسيير الذاتي وتحقيق طموحات تحقيق التغيير.
4- انحرافات العمل الجمعوي:
الجمعية اختيار ضمن مبدأ الحرية والتعدد، ولا ينبغي الإخلال بمبدأ التعددية الذي هو أصل ودعامة تأسيسها. من هنا يصبح الدفاع عن الاستقلالية النسبية للمجال الجمعياتي أحد شروط استمرارية هذا المجال كمكان لممارسة الحرية والخلق والإبداع. وينبغي على المتدخل الجمعياتي أن يتجنب ما يلي:
- روح التحزب: إن روح التحزب هو الذي يؤدي إلى قتل الحياة الجمعياتية. وروح التحزب هنا يتخذ شكلين:
٭اعتبار الجمعية بديلا سياسيا لكل مجتمع. في هذه الحالة، فان المجال الجمعياتي إما ينحل من الداخل أو من الخارج،وإما يتحول إلى مجال سياسي محض.وفي جميع الحالات فان فكرة الجمعية كجمعية تنحل.
٭ اعتبار الحزب السياسي بديلا للمجال الجمعياتي غالبا ما يدفع الحزب إلى تهميش الجمعية أو احتضانها وبالتالي تحويلها إلى مجال تابع يفتقر إلى عناصر المؤسسة لكل جمعية.
- روح التجارة: كل جمعية هي بمثابة شخصية معنوية يتعاون فيها الأفراد لحل مشاكل جماعية ضمن مبادئ المبادرة والحرية. والتجارة هنا، بقدر ما تدخل في تعارض كلي مع مبدأ التكتل من أجل خدمة التغيير والأهداف المشتركة، بقدر ما يمكن أن تؤدي إلى سلوكات تنخر تدريجيا جسم الجماعة وتحول المجال الجمعياتي إلى صراعات ثانوية تؤدي بالضرورة إلى قتل المبادرة.
- روح البيروقراطية: إن خطر البيروقراطية يهدد حياة الجمعية في كل لحظة، ذلك، فان الشروط الموضوعية التي يفرضها قانون "الجاذبية" داخل المجال الجمعياتي، واتسام غالبية المنخرطين بطابع السلبية أو اللامبالاة يدفع بالأعضاء النشطين إلى منح أنفسهم مشروعية اتخاذ قرارات فردية يطورونها مع الوقت إلى سلوكات استبدادية من طبيعي بيروقراطية.
5- على سبيل الخاتمة:
إن فهم المجال الجمعياتي فهما صحيحا يمكن المتدخل من توفير كثير من الجهود قصد الدعم والبناء،تقتضي أن يتذكر المتدخل دائما لحظة المبادرة الأولى: لحظة التعبير عن الرغبة في العمل المشترك من أجل إيجاد حل لمشاكل مشتركة. كما عليه أن يتذكر باستمرار أن المجال الجمعياتي هو بالضرورة مكان متعدد، متفتح، مستقل، حر وإرادي. إن الروح النضالية تفرض على المتدخل أن يقاوم كل أشكال الانحراف، لكن لا ينبغي مهما كان الأمر أن تؤدي هذه الروح النضالية إلى الاستبداد بالرأي ولو أدى ذلك إلى تعطيل الجمعية، ففي نهاية المطاف ما الجمعية إلا شكل من أشكال الممارسة الاجتماعية، ونهايتها ليست بنهاية العالم. إن التواضع الأخلاقي والسياسي والاجتماعي يفرض علينا ألا نعتبر أعمالنا وتدخلاتنا ألا مجرد مساهمة ضمن جدلية التغيير المستمرة بدون توقف.
إن المجال الجمعياتي في المغرب يتطور باستمرار،لكن ما يلاحظ فيه انه يتطور كميا أكثر منه نوعيا. أعتقد أنه حان الوقت للتفكير في تحول نوعي وفي تعدد أشكال الممارسة الجمعياتية كتعبير عن مستوى نضج المجتمع المدني.إن حقولا اجتماعية كثيرة،كحقل المرأة وحقل الأمازيغية وحقل البيئة وحقل التعاون...،ما تزال خصبة كالأرض البورية التي ما أن يلتفت إليها المرء إلا وتعد بعطاءات كبيرة.