المزيد من الأخبار






الجزء1: حفريات تاريخية حول مشاركة "مغاربة فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية


الجزء1: حفريات تاريخية حول مشاركة "مغاربة فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية
ناظورسيتي: محمد زاهد

تعد مرحلة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) ومشاركة المغاربة فيها بعد تجنيدهم من طرف فرانكو، واحدة من صفحات التاريخ المشترك، وهو الموضوع الذي ذكر بخصوصه العربي المساري أنه موضوع في " منتهى لدقة خلف التباسات ما زالت قائمة، إذ كانت لتلك المشاركة غير المرغوب فيها من لدن المغاربة، مخلفات جد سيئة، بل خطيرة على صورة المغرب والمغاربة في الذاكرة الإسبانية. ومن جراء الالتباسات التي أحاطت بتلك المشاركة، ترسبت في الذاكرة، من كلا الجانبين المتحاربين، صورة كريهة عن المغاربة الذين شاركوا في هذه الحرب".
في هذا الجزء الأول من هذا الملف، استعادة للكثير من القضايا والأحداث والملابسات التاريخية.


الجزء1: حفريات تاريخية حول مشاركة "مغاربة فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية
1- معطيات تاريخية أولية:

قبل الحديث عن مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، لابد من الإشارة إلى وجود بعض الخلفيات – السوابق/ والمقدمات التاريخية بين المغاربة والإسبان، على الأقل منذ فتح بلاد الأندلس في القرن الهجري الأول على يد طارق بن زياد، وما تلي ذلك من أحداث نشير منها اختصارا إلى خضوع شبه الجزيرة الأيبيرية للإمبراطوريات التي توالت على حكم بلاد المغرب مثل المرابطين والموحدين، واندلاع العديد من الحروب والمعارك في ذات السياق، مثل معركة الأرك، الزلاقة، وواد المخزن على العهد السعدي.

ومن بين المقدمات التاريخية الأخرى في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى ما يعرف ب "حروب الاسترداد" بعد طرد المسلمين من الأندلس خلال القرن (15م)، وبداية احتلال بعض الثغور المغربية والمدن الساحلية (موغادور، مازاغان، سبتة، مليلية...)، وآخر هذه الأحداث ما شهده القرن (19م) من حروب بين المغرب وإسبانيا، مثل حرب تطاوين (1859-1860م)، وحرب سيدي ورياش بمحاذاة مليلية (1893م) وحرب الريف الأولى بقيادة الشهيد محمد أمزيان (1909-1912م)، وحرب الريف التحريرية بزعامة البطل الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926م) عبر مختلف معاركها الكبرى (ادهار أوبران، أنوال، أعروي...)، وصولا إلى مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939م).

وقبل الحديث عن هذا الموضوع المتعلق بتجنيد المغاربة، يجب التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي تهم تطور الأوضاع الداخلية باسبانيا، انطلاقا من عشرينيات القرن الماضي، مثل الانقلاب الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" (1923-1930م) وصعود الائتلاف الجمهوري الاشتراكي (1931-1933م) وقيام انتفاضة عمال المناجم في "أستورياس" شمال إسبانيا سنة 1934، وهي نقطة بداية مسلسل توظيف وتجنيد المغاربة لسحق هذه الثورة خلال فترة عودة اليمين إلى الحكم (1933-1936م)، حيث سيقود العيد من الضباط والجنرالات، وفي مقدمتهم "فرانسيسكو فرانكو"، تمردا على الحكومة الشرعية انطلاقا من الأراضي المغربية التي كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الإسباني، اعتمادا على عناصر "جيش إفريقيا" خاصة "الجيش المغربي" ضمن طابور "اللفيف الأجنبي" الذي كان يتكون من الإيطاليين و"الإسبان والأمريكيين".


الجزء1: حفريات تاريخية حول مشاركة "مغاربة فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية
2-الجيش الاسباني والمغرب:

تقدم "مريا روزا" في الفصل الأول من كتاب "مغاربة في خدمة فرانكو"، معطيات هامة حول الجيش الاسباني خلال مرحلة النصف الثاني من القرن 19، وكذا التطورات التي شهدتها إسبانيا نتيجة لمجموعة من الأحداث، مثل سقوط النظام الملكي وعودته من جديد وقيام الانقلابات وصراع الأجنحة داخل الجيش، وكلها أحداث كانت تحدث باسم "إنقاذ الوطن".

ومن تلك الأحداث أيضا، ما كانت له علاقة مباشرة مع المغرب، مثل حرب تطاوين (1959-1860م) وحرب مليلية (1893م) وأيضا نكسة "حرب كوبا" (1895م) التي على إثرها فقدت إسبانيا مستعمراتها. ومن المعطيات التي تتوقف عندها الباحثة الإسبانية، تجدد الحرب على الأراضي المغربية ابتداء من سنة 1909، مع ما ترتب عن ذلك من خضوع الرتب والترقيات العسكرية للزبونية والمحسوبية، والانتماء إلى محيط الأعيان السياسيين أو كبار ضباط الجيش، وهو ما يعرف ب "الأزمة الأخلاقية".

ومن الإضاءات التي يحملها هذا الفصل، الحديث عن فرقة : "الأفريقانيون" أو "العسكر الأفريقانيون" في مقابل "الإئتلافيون" أو "الوحدويون"، وهما النوعان اللذان صنفا إليهما الجيش الإسباني في تلك المرحلة. والمقصود بالصنف الأول، العناصر التي ذهبت إلى إفريقيا وكانت على اطلاع بشؤون هذه القارة (خاصة شؤون المغرب). أما الصنف الثاني فهي العناصر التي مكثت بالتراب الاسباني داخل الثكنات عبر مختلف الجهات. ومن نماذج الصنف الأول، تذكر المؤرخة الاسبانية "ماريا روزا": الكولونيل كابرييل موراليس "الذي عمل لوقت طويل بمليلية وألف كتابين: "معطيات حول تاريخ مليلية (1497-1907)" و "يوميات عن أحداث وغرائب"([1]). و"موراليس" كان من بين الذين قتلوا في معركة أنوال (1921). ومن الذين تنطبق عليهم كذلك صفة :الأفريقاني"، حسب "ماريا روزا"، "إميليو بلانكو إثاكا" الذي ألف بدوره العديد من الأعمال حول الريف، وأنجز الدراسات حول البنيات السوسيو- سياسية لدى الريفيين.

وبفضل ما توفر لماريا روزا من ميكانزمات التحليل العلمي والبحث التاريخي، فإننا نجدها توجه بعض الانتقادات هذا المفهوم، في مقابل حديثها عن :العسكر "الأفريقانيون" ونذكر منهم على سبيل المثال "فرانكو"([2])، "سان خورخو"، "مولا"، "فاريلا"... ومن الإشارات التي يحملها هذا الفصل، تلك الانتصارات التي حققها الريفيون في معركة أنوال على الجيش الإسباني، وما خلفته من أسى عميق وإحباط وحزن داخل الأوساط الإسبانية، إذ تقول ماريا روزا مادارياغا: "لقد خلفت هزيمة أنوال وتفكك المراكز العسكرية بمليلية إحساسا بإحباط عميق لدى جيش أفريقيا، جيش أوربي حولته مجموعة من "سكان القبائل" إلى أشلاء"([3]). علاوة على تداعيات أخرى وما ترتب عن ذلك من أحداث سياسية، أهمها الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" في 13 شتنبر 1923، وكذا روح الانتقام التي انتابت الإسبان من جراء م لحقهم من هزائم وكوارث، وهو الأمر الذي تجسد مع استعمال الطائرات وتوظيف العمل الجوي في العمليات الحربية، وذلك بقصف القرى والمداشر، وسحق سكانها وانطلاق مسلسل استعمال الغازات السامة بالريف، وبداية تداول الحديث عنها منذ سنة 1921، خاصة غاز "إبيريتا".

وجدير بالذكر أن ما خلفته هذه الحرب القذرة واستعمال الغازات السامة في صفوف الريفيين من أمراض وحالات العمى، وعاهات جسدية ونفسية، وما ترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية لازالت تلقي بظلالها إلى اليوم على المنطقة، أكبر من أن تعتبر مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الاسبانية سببا في بروز صورة "المورو" السيئة في المخيال الإسباني، ذلك أن استعمال الغازات السامة كان من أكبر الجرائم الإنسانية خلال القرن الماضي، ولعل الإحصائيات القائمة حول حالات الإصابة بمرض السرطان لدى أهل المنطقة خير دليل على ذلك.


الجزء1: حفريات تاريخية حول مشاركة "مغاربة فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية
3-الجيش النظامي وعرسان الموت:

تتحدث "ماريا روزا" عن تجنيد القوات الأجنبية وتعزيز الجيش النظامي بهذه القوات. ولقد ابتدأ هذا مسلسل تجنيد المغاربة وخاصة العساكر الريفيين منذ (1908-1911م) وارتفعت نسبتهم خلال السنوات المتتالية، وأغلبهم كانوا من الفارين من الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى. كما تمت إعادة هيكلة الشرطة الأهلية والجيش النظامي بتجنيد عدد هام من الذين سبق وأن فروا ثم عادوا إلى المعسكرات الاسبانية والتي تكونت من: 20 طابور، 15 سرية و 15 مجموعة. وكان لكل سرية ومجموعة رقم واسم.

أما بالنسبة للفيف الأجنبي الذي تسميه "ماريا روزا" ب "عرسان الموت"، فإن جذور هذه الفكرة تعود إلى سنة 1897 بعد رحلة "ميلان أستراي"، و"الراجح أنها مستوحاة من الطريقة الفرنسية فقد ذهب أستراي إلى الجزائر موفدا من طرف وزير الحرب ليدرس وضعية قوات المواجهة هذه وطريقة اشتغالها ومدى فعاليتها"([5]). ولقد كانت قوات اللفيف الأجنبي تعاني من الراتب الزهيد الذي يتقاضونه وتعرضهم للعقاب والجوع والحرمان. علاوة على ذلك، فقد كان هناك أيضا جنود المحلات الخليفية وهي الوحدات التي تعرف ب "المحلة"، والتي كان لها شأن الوحدات النظامية اسم ورقم. الأولى بتطوان والثانية بمليلية وتحمل نفس اسم المدينة، أما الثالثة فكانت بالعرائش إلى جانب محلات أخرى. كما أن هذه المحلات كانت تقوم بدور الشرطة الأهلية.


4-الجمهورية الثانية (1931-1936م):

تتناول "ماريا روزا" في هذا الفصل الثاني من كتابها "مغاربة في خدمة فرانكو" فترة حكم النظام الجمهوري قبل قيام الحرب الأهلية الإسبانية، وهي الفترة التي قسمتها الباحثة والمؤرخة الإسبانية إلى 3 محطات:

المرحلة الأولى هي مرحلة الحكومة المؤقتة و"السنتان الأوليتان" (أبريل 1931/ نونبر 1933) أي بعد إعلان الجمهورية الثانية مع ما رافق ذلك من إجراءات وتعديلات على مستوى الجيش، ومن ذلك قرار إغلاق الأكاديمية العسكرية بسرقسطة وكذا تقليص عدد وحدات الجيش. أما المرحلة الثانية فهي التي تطلق عليها "ماريا روزا" ب "السنتان السوداويتان" (نونبر 1933-فبراير 1936) وهي المرحلة التي شهدت ثورة "أستورياس" (1934) بعد إعلان الإتحاد العام للشغالين بإسبانيا عن إضراب عام بكل أرجاء إسبانيا والاضطرار إلى استدعاء "جيش إفريقيا" خصوصا من اللفيف الأجنبي والنظاميون قصد سحق هذه الثورة التي قادها عمال المناجم.

بالنسبة للمرحلة الثالثة فهي التي فهي التي تغطي فترة فبراير-يوليوز 1936، أي بعد عودة اليسار للحكم من جديد نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت في فبراير 1936، وصعود حكومة الجبهة الشعبية وقيامها بعدة تعديلات داخل صفوف الجيش، وبداية الاستعداد للتمرد انطلاقا من الأراضي المغربية من قبل بعض الضباط، وهو التمرد الذي سينطلق مع 18 يوليوز 1936 من مليلية بقيادة الملازم "سيكي" والملازم "بارتومو" و"كاسابو" والقبطان "ميدرانو" قبل أن يصل "فرانسيسكو فرانكو" في 19 يوليوز إلى تطوان لقيادة جيش إفريقيا في اتجاه إسبانيا.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح