نجيم مزيان*
عقب تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من قبل الملك محمد السادس رئيسا للحكومة الجديدة،انطلق مسلسل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة على ضوء نتائج انتخابات 25 نوفمبر التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بـ107 من مقاعد الغرفة الأولى للبرلمان المغربي البالغ عدد أعضائها395، وهي نتائج لم تكن مفاجئة بشكل كبير باعتبار انه قبل الاقتراع كانت هناك سيناريوهات مختلفة بشان الحزب الذي من المحتمل أن يفوز بالانتخابات التشريعية،وكان هناك شبه إجماع حول ثلاث هيئات سياسية،هي العدالة والتنمية والاستقلال والتجمع الوطني للأحرار.ولاشك أن نتائج الاقتراع لم تبتعد كثيرا عن هذا السيناريو، على اعتبار أن الأحزاب المشار إليها، حلت في الرتب الأولى،سواء تعلق الأمر بالعدالة والتنمية الذي جاء في الرتبة الأولى والاستقلال الذي حل ثانيا أو التجمع الوطني للأحرار الذي حل في الرتبة الثالثة.
وبلغة الأرقام، فإن على حزب العدالة والتنمية البحث عن 91 مقعدا آخر من أجل تشكيل حكومة بحد أدنى من الأغلبية، وهي 198 مقعدا، وهي الإمكانية التي لا يرتاح إليها حزب العدالة والتنمية، الذي يطمح إلى تكوين حكومة ذات أغلبية مريحة قادرة على مواجهات التحديات.
والسيناريو الأرجح هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع بعض مكونات الكتلة الديمقراطية (حزب الاستقلال 60 مقعدا والتقدم والاشتراكية 18 مقعدا )وبعض مكونات التحالف من اجل الديمقراطية (الحركة الشعبية 32 مقعدا) مما يعطي أغلبية داخل مجلس النواب تبلغ 217 مقعدا،خاصة بعدما قرر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الانتقال إلى صفوف المعارضة،وهو انتقال يساعد على توضيح الرؤى وإزالة الالتباس عما كان يقال حول إمكانية حدوث تحالف أو تنسيق بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية منذ الإعلان عن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في غشت 2008.
لذا ستكون الحكومة المقبلة مشكلة من أربعة أعمدة أساسية،أولها وأكبرها إسلامي يمثله حزب العدالة والتنمية،وثانيها وطني محافظ يجسده حزب الاستقلال،وثالثها يميني من خلال الحركة الشعبية،وأخرها وأصغرها يساري ديمقراطي يمثله حزب التقدم والاشتراكية.
وهو ما يشكل أكثر من 55 في المائة من مجموع مقاعد مجلس النواب.
إن التحدي الأكبر الذي يواجهه حزب العدالة والتنمية يتجلى في الانتقال من المشروعية الانتخابية إلى مشروعية الانجاز.
فكل المؤشرات تدل على أن الحكومة المقبلة ستواجه الكثير من التحديات الناتجة عن الأوضاع الوطنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ورثتها عن الحكومة السابقة إضافة إلى تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي لازالت مستمرة حتى الآن .
ولعل طبيعة هاته التحديات هي : كيفية تدبير الحكومة الجديدة للملفات والقضايا الموروثة في مقدمتها ملفات التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية والفساد واقتصاد الريع والرواتب العليا والفوارق الاجتماعية والمديونية والتهرب الضريبي وموارد الدولة وصندوق المقاصة وكل أشكال البيروقراطية في الإدارات العمومية ، وهي ملفات ثقيلة تتطلب من هذه الحكومة الكثير من الشجاعة و والجرأة المنهجية والسياسية لإخراج المغرب من مجتمع الاستغلال إلى مجتمع المواطنة المسؤولة لتحقيق تغيرات عميقة على مستوى علاقات الدولة بالمواطن وعلاقات الدولة بالتنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.
إضافة إلى كيفية إقناع المواطن بمدى جدية الحكومة الجديدة في التغيير ومدى قدرتها على تحويل كل شعارات الحزب وخطاباته إلى أفعال والى ممارسات لتدبير الشأن العام بمنهجية مختلفة عن منهجيات الحكومات السابقة حتى يقتنع المواطن بالتغيير الفعلي..
ثم كيفية تدبير الحكومة لمسألة الحراك الاجتماعي و كيفية التواصل مع كل قوى الحراك الاجتماعي بكل أطيافها وإقناعهم بقبول مبدأ الديمقراطية التشاركية لمعالجة كل القضايا العالقة والآنية بهدف العمل في جو يسوده السلم الاجتماعي وكيفية إنزال مقتضيات الدستور الجديد خصوصا في كيفية ممارسته رئاسته السلطة التنظيمية والتعيين في الوظائف والإدارات العمومية على أساس تكافؤ الفرض والاستحقاق والكفاءة والشفافية
كما يجب أن تعرف المؤسسة البرلمانية تغيرا جوهريا على مستوى الخطاب والسلوك والمنهج خاصة بعد اتساع مجال وظيفتها التشريعية وفق الدستور الجديد ليشمل مجالات جديدة ذات خصائص فنية معقدة فرضها النظام الدولي الجديد كتقنين مجالات البيئة والتجارة الالكترونية وحماية الملكية الفكرية والأمن الروحي واللغوي والثقافي وحماية حقوق الأقليات وكافة أشكال الجريمة المنظمة. ومن شأن تأهيل المؤسسة التشريعية على مستوى جودة القوانين ونجا عتها التأثير على مجالات الاستثمار وتدفق الاستثمارات من الخارج وتقوية التنافسية للاقتصاد الوطني وجعل البرلمان قوة ضغط على مستوى رقابة العمل الحكومي.
كما ستتحمل الحكومة الجديدة مسؤولية جسيمة لتفعيل مقتضيات الدستور الجديد المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية والرهان على إصلاحها وتأهيلها بهدف تحقيق مبدأ فصل السلط ودعم إرساء دولة المؤسسات والمساواة أمام القانون وترسيخ دولة القانون بغية حماية حقوق المواطنين وخدمة التنمية .
* باحث في الدراسات الدستورية والسياسية
عقب تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من قبل الملك محمد السادس رئيسا للحكومة الجديدة،انطلق مسلسل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة على ضوء نتائج انتخابات 25 نوفمبر التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بـ107 من مقاعد الغرفة الأولى للبرلمان المغربي البالغ عدد أعضائها395، وهي نتائج لم تكن مفاجئة بشكل كبير باعتبار انه قبل الاقتراع كانت هناك سيناريوهات مختلفة بشان الحزب الذي من المحتمل أن يفوز بالانتخابات التشريعية،وكان هناك شبه إجماع حول ثلاث هيئات سياسية،هي العدالة والتنمية والاستقلال والتجمع الوطني للأحرار.ولاشك أن نتائج الاقتراع لم تبتعد كثيرا عن هذا السيناريو، على اعتبار أن الأحزاب المشار إليها، حلت في الرتب الأولى،سواء تعلق الأمر بالعدالة والتنمية الذي جاء في الرتبة الأولى والاستقلال الذي حل ثانيا أو التجمع الوطني للأحرار الذي حل في الرتبة الثالثة.
وبلغة الأرقام، فإن على حزب العدالة والتنمية البحث عن 91 مقعدا آخر من أجل تشكيل حكومة بحد أدنى من الأغلبية، وهي 198 مقعدا، وهي الإمكانية التي لا يرتاح إليها حزب العدالة والتنمية، الذي يطمح إلى تكوين حكومة ذات أغلبية مريحة قادرة على مواجهات التحديات.
والسيناريو الأرجح هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع بعض مكونات الكتلة الديمقراطية (حزب الاستقلال 60 مقعدا والتقدم والاشتراكية 18 مقعدا )وبعض مكونات التحالف من اجل الديمقراطية (الحركة الشعبية 32 مقعدا) مما يعطي أغلبية داخل مجلس النواب تبلغ 217 مقعدا،خاصة بعدما قرر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الانتقال إلى صفوف المعارضة،وهو انتقال يساعد على توضيح الرؤى وإزالة الالتباس عما كان يقال حول إمكانية حدوث تحالف أو تنسيق بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية منذ الإعلان عن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في غشت 2008.
لذا ستكون الحكومة المقبلة مشكلة من أربعة أعمدة أساسية،أولها وأكبرها إسلامي يمثله حزب العدالة والتنمية،وثانيها وطني محافظ يجسده حزب الاستقلال،وثالثها يميني من خلال الحركة الشعبية،وأخرها وأصغرها يساري ديمقراطي يمثله حزب التقدم والاشتراكية.
وهو ما يشكل أكثر من 55 في المائة من مجموع مقاعد مجلس النواب.
إن التحدي الأكبر الذي يواجهه حزب العدالة والتنمية يتجلى في الانتقال من المشروعية الانتخابية إلى مشروعية الانجاز.
فكل المؤشرات تدل على أن الحكومة المقبلة ستواجه الكثير من التحديات الناتجة عن الأوضاع الوطنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ورثتها عن الحكومة السابقة إضافة إلى تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي لازالت مستمرة حتى الآن .
ولعل طبيعة هاته التحديات هي : كيفية تدبير الحكومة الجديدة للملفات والقضايا الموروثة في مقدمتها ملفات التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية والفساد واقتصاد الريع والرواتب العليا والفوارق الاجتماعية والمديونية والتهرب الضريبي وموارد الدولة وصندوق المقاصة وكل أشكال البيروقراطية في الإدارات العمومية ، وهي ملفات ثقيلة تتطلب من هذه الحكومة الكثير من الشجاعة و والجرأة المنهجية والسياسية لإخراج المغرب من مجتمع الاستغلال إلى مجتمع المواطنة المسؤولة لتحقيق تغيرات عميقة على مستوى علاقات الدولة بالمواطن وعلاقات الدولة بالتنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.
إضافة إلى كيفية إقناع المواطن بمدى جدية الحكومة الجديدة في التغيير ومدى قدرتها على تحويل كل شعارات الحزب وخطاباته إلى أفعال والى ممارسات لتدبير الشأن العام بمنهجية مختلفة عن منهجيات الحكومات السابقة حتى يقتنع المواطن بالتغيير الفعلي..
ثم كيفية تدبير الحكومة لمسألة الحراك الاجتماعي و كيفية التواصل مع كل قوى الحراك الاجتماعي بكل أطيافها وإقناعهم بقبول مبدأ الديمقراطية التشاركية لمعالجة كل القضايا العالقة والآنية بهدف العمل في جو يسوده السلم الاجتماعي وكيفية إنزال مقتضيات الدستور الجديد خصوصا في كيفية ممارسته رئاسته السلطة التنظيمية والتعيين في الوظائف والإدارات العمومية على أساس تكافؤ الفرض والاستحقاق والكفاءة والشفافية
كما يجب أن تعرف المؤسسة البرلمانية تغيرا جوهريا على مستوى الخطاب والسلوك والمنهج خاصة بعد اتساع مجال وظيفتها التشريعية وفق الدستور الجديد ليشمل مجالات جديدة ذات خصائص فنية معقدة فرضها النظام الدولي الجديد كتقنين مجالات البيئة والتجارة الالكترونية وحماية الملكية الفكرية والأمن الروحي واللغوي والثقافي وحماية حقوق الأقليات وكافة أشكال الجريمة المنظمة. ومن شأن تأهيل المؤسسة التشريعية على مستوى جودة القوانين ونجا عتها التأثير على مجالات الاستثمار وتدفق الاستثمارات من الخارج وتقوية التنافسية للاقتصاد الوطني وجعل البرلمان قوة ضغط على مستوى رقابة العمل الحكومي.
كما ستتحمل الحكومة الجديدة مسؤولية جسيمة لتفعيل مقتضيات الدستور الجديد المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية والرهان على إصلاحها وتأهيلها بهدف تحقيق مبدأ فصل السلط ودعم إرساء دولة المؤسسات والمساواة أمام القانون وترسيخ دولة القانون بغية حماية حقوق المواطنين وخدمة التنمية .
* باحث في الدراسات الدستورية والسياسية