بقلم: نبيل محمد بوحميدي*
كل المواقع الإلكترونية باستثناء الرسمية مهددة بعقوبة الإعدام التي تسمى "الحجب"
نتج عن نشر وزارة العدل لمسودة القانون الجنائي قراءات أولية لنقط مختلفة، منها ما اعتبره الفاعلون في الفضاء الحقوقي والقانوني تراجعا عن الالتزامات الدولية التي تبناها المغرب ومنها تلك اعتبرت مقتضيات المسودة متقدمة وتساير التطور التشريعي الذي يتوخاه المغرب.
إذا كان يصعب الحسم بناء على قراءات أولية في مدى ضرورة إعادة هيكلة المسودة بشكل كامل أو هي في حاجة إلى تصويب جزئي، فإنه نجد من المقتضيات التي بمجرد ربطها في إطار قراءة تنسق بين عدد من المواد نجد تلك التي تنبئ بالتأسيس لقانون جنائي يحمل بين طياته من بذور التوسيع من الفجوة الرقمية التي نعاني منها أصلا، الفجوة الرقمية التي يقصد بها تلك الفجوة التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها، وبين من لا يملكها وتعوزه أدواتها، ـ المعرفة المقصودة هنا هي المعرفة المعلوماتية والتكنولوجية، حسب التحديد التعريفي الذي تم تداوله في القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت بجنيف في دجنبر 2003.
ففي إطار قراءة أولية ودون الانفتاح على باقي مشاريع القوانين الملامسة للموضوع، من قبيل القانون الخاص بالحق في الحصول على المعلومات ومشروع القانون المتعلق بالصحافة والنشر، فإذا ما ربطنا ما بين بعض المقتضيات التي تنص على أنه من العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، حجب المواقع الإلكترونية ببعض الجرائم التي ظلت في إطار الكلمات الفضفاضة، سنقف على مدى عدم استيعاب المسودة لواقع المجتمع المغربي، بخصوص تعامله بالوسائط الرقمية، فقط آخذ على سبيل المثال المادة 448ـ2 التي تنص على أن « يعاقب بـ ... كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ببت أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته أو دون الإشارة إلى أن هذه التركيبة غير حقيقية «، وهنا يمكن افتراض استيعاب هذا النص لنشر أقوال أو صور لشخصيات عامة دون موافقتهم رغم عدم وجودهم بمكان خاص يحفظ لهم خصوصياتهم، لأن النص الذي يسبق هذه المادة هو من يؤطر واقعة نشر تسجيل أو صورة لشخص كان في مكان خاص وكان النشر دون موافقته.
إذا ما يفهم من ذلك، أن المادة 488ـ1 هي التي تتعلق بوجود الشخص المنشورة صوره، أو تسجيلات تتعلق بأفعاله وأقواله في مكان خاص، أما المادة التي تليها فهي تتعلق بصور وتسجيلات يمكن أن تؤخذ في الأماكن العمومية، وهذا أفهم منه أن أي تغطية يجب أن يقوم بها أي صحفي لندوة ما، أو أحداث ما يكون من المفروض عليه الحصول على موافقة كل الأشخاص الذين التقطتهم عدسة آلة التصوير الخاصة به قبل نشر صورهم رفقة التقرير أو التغطية المراد نشرها في الموقع الإخباري.
وما دامت المواقع الإلكترونية هي التي تتوفر على مساحات أكبر لنشر صور أكثر، من التي تكون منشورة على الدعامات الورقية، فإن المالكين والعاملين بالمواقع الإلكترونية، ووفقا لطريقة العمل التي تتم حاليا على المستوى الواقعي هم مشاريع مجرمين تنتظرهم عقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات وغرامة مالية من 2000 درهم إلى 20000 درهم، وكل المواقع الإلكترونية باستثناء الرسمية طبعا، مهددة بعقوبة الإعدام التي تسمى الحجب وفق اللغة التقنية وتعبير مسودة القانون الجنائي.
وأستحضر أيضا المادة 90 من المسودة التي نصت على حجب المواقع الإلكترونية التي يمكن أن تستعمل في جريمة ما، أفليس عقوبة الحجب هي عقوبة عبثية مادام أن الوضع لن يتغير بحجب المواقع في ظل عولمة ألغت الحدود بين الدول وألغت أي آثار لمثل هذا الإجراء الذي يتم داخل التراب الوطني، لكن الشبكة العنكبوتية يمكن أن تأخذنا إلى مواقع تتجاوز حدود الوطن للاطلاع على ما كان سببا في إعدام موقع ما، ألم يكن في الحد الأدنى تحديد حالات الحجب على سبيل الحصر؟، إذا كان للحجب بد، لماذا لم يستعمل منطق المساواة في هاته الحالة؟، فإذا كان من اللازم حجب موقع حقق مناط العقوبة، لماذا لم يتم تخصيص أي عقوبة بخصوص نشر معلومات خاطئة، أو خرق حق الحصول على المعلومة في مواجهة القائمين على المواقع التابعة للمؤسسات الرسمية؟، خاصة وأن هذه المواقع يحافظ على استمراريتها وتجددها ـ إن تحقق هذا التجدد ـ باستعمال المال العام.-
أعتقد أن الرأي الصائب هو الذي قال إن البث والنشر عبر المواقع الإلكترونية لا مكان له ضمن مقتضيات القانون الحنائي، لأنه من خلال واقع تطبيق هذا الحجب ـ الإعدام ، يمكن أن يتكرس لدى المهتمين و المتتبعين بأن القضية ليس فيها ما يجب فهمه وتقبله، فهي فقط تتعلق بآلية في يد السلطات لردع المواقع التي تنشر معلومات حول بعض القضايا المعينة، وهو اعتقاد غير دقيق ولا يمكن الحسم فيه.
استحضرت فقط عمل المواقع الإلكترونية لكن في الحقيقة الأمر لا يقتصر عليها فقط بل يشمل حتى المواطنين الذين يتعاملون بشكل يومي بجميع وسائل الاتصال وتبادل الصور والتسجيلات،ربما فهمي هو القاصر عن استيعاب ما تروم إليه مثل هذه النصوص القانونية، لكنني صراحة أعتقد أن الأمر يتعلق بعدم استيعاب عميق لما هو عليه حال ما سمته المسودة الأنظمة المعلوماتية.
هناك عديد من النصوص التي تفرض مثل هذا الفهم ولأن الأمر عمليا في حاجة إلى دراسة علمية معتمدة على المنهج المقارن، فإنه أعتقد فقط ضرورة التنبيه إلى أنه من المفروض استحضار واقع تجتاحنا فيه الوسائط الرقمية والتبادل الإلكتروني للصور والآراء والتسجيلات و..، فالأمر فعلا يستحق أن يكون مثار نقاش وموضوعا حاضرا لدى المعنيين كي تتبدى الأمور وتتضح،فقبل تشريع نصوص وفق قاعدة تعويم المصطلحات التفتوا يمينا ويسارا وستلاحظون أي نوع من الأجيال تشرعون له هذه النصوص التفتوا إلى أبنائكم وأحفادكم، لاحظوا ما أصبح عليه «فيسبوك» و»واتساب» و»التويتر و»الأنستغرام»، انظروا جيدا إلى واقع التسلية والترفيه وأنماط تبادل المعلومة والخبر في مجتمعنا، فالكل سيصبح وفقا لما سبق متهمين حتى تثبت براءتهم.
بالفعل لا يمكن لأي كان القول بترك الأمور دون وضع ضوابط لها، لكن أثناء وضع هذه الضوابط، استوعبوا أن زمن التعويم لا مجال له الآن، لأنه يأخذ في طياته بذور الانهيار السريع، تعاملوا بنوع من الليونة مع الثورة التقنية كي لا تؤسسوا لثورات قد تتبدى مع تصاعد الإحساس بأن القطاع السياسي أصبح مؤسسة قديمة لم تعد تفي على نحو ملائم بحل الأوضاع والإشكالات التي تفرضها أنماط المعاملات التي أصبحت تستجد في فترات زمنية قصيرة جدا.
من اللازم إحداث موازنة بين التطور التشريعي والتطور العلمي لتحاشي الهوة التي يمكن أن تحصل بين القانون والواقع، فتصبح لنا نصوصا تفعل من منطلق اللجم والضغط، لا على أساس تطبيق القانون في جميع الحالات.
من المستحسن عدم إنتاج نصوص محدودة لا قدرة لها على مواجهة وقائع ممدودة، ومن المستحسن أيضا إذا كان الوضع على ما هو عليه تأجيل الأمر إلى حين ظهور من يحمل عقلا وفكرا، له من الاستطاعة ما يجعله يصنع نصوصا لا تسعى إلى إخفاء وتكذيب الواقع، فكل شيء يمكن الجدل فيه إلا مسألة الحفاظ على مساحة الحرية المكتسبة،لأننا متشبعون بفكر ثقافة الحق في الحياة لا بفكر الإعدام، فهل سيغزو الإعدام أرواح البشر لينتقل إلى ألواح المعلوميات وأجزائها الدقيقة؟
دكتور في الحقوق، عضو جمعية عدالة ومدير موقع العلوم القانونية
كل المواقع الإلكترونية باستثناء الرسمية مهددة بعقوبة الإعدام التي تسمى "الحجب"
نتج عن نشر وزارة العدل لمسودة القانون الجنائي قراءات أولية لنقط مختلفة، منها ما اعتبره الفاعلون في الفضاء الحقوقي والقانوني تراجعا عن الالتزامات الدولية التي تبناها المغرب ومنها تلك اعتبرت مقتضيات المسودة متقدمة وتساير التطور التشريعي الذي يتوخاه المغرب.
إذا كان يصعب الحسم بناء على قراءات أولية في مدى ضرورة إعادة هيكلة المسودة بشكل كامل أو هي في حاجة إلى تصويب جزئي، فإنه نجد من المقتضيات التي بمجرد ربطها في إطار قراءة تنسق بين عدد من المواد نجد تلك التي تنبئ بالتأسيس لقانون جنائي يحمل بين طياته من بذور التوسيع من الفجوة الرقمية التي نعاني منها أصلا، الفجوة الرقمية التي يقصد بها تلك الفجوة التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها، وبين من لا يملكها وتعوزه أدواتها، ـ المعرفة المقصودة هنا هي المعرفة المعلوماتية والتكنولوجية، حسب التحديد التعريفي الذي تم تداوله في القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت بجنيف في دجنبر 2003.
ففي إطار قراءة أولية ودون الانفتاح على باقي مشاريع القوانين الملامسة للموضوع، من قبيل القانون الخاص بالحق في الحصول على المعلومات ومشروع القانون المتعلق بالصحافة والنشر، فإذا ما ربطنا ما بين بعض المقتضيات التي تنص على أنه من العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، حجب المواقع الإلكترونية ببعض الجرائم التي ظلت في إطار الكلمات الفضفاضة، سنقف على مدى عدم استيعاب المسودة لواقع المجتمع المغربي، بخصوص تعامله بالوسائط الرقمية، فقط آخذ على سبيل المثال المادة 448ـ2 التي تنص على أن « يعاقب بـ ... كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ببت أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته أو دون الإشارة إلى أن هذه التركيبة غير حقيقية «، وهنا يمكن افتراض استيعاب هذا النص لنشر أقوال أو صور لشخصيات عامة دون موافقتهم رغم عدم وجودهم بمكان خاص يحفظ لهم خصوصياتهم، لأن النص الذي يسبق هذه المادة هو من يؤطر واقعة نشر تسجيل أو صورة لشخص كان في مكان خاص وكان النشر دون موافقته.
إذا ما يفهم من ذلك، أن المادة 488ـ1 هي التي تتعلق بوجود الشخص المنشورة صوره، أو تسجيلات تتعلق بأفعاله وأقواله في مكان خاص، أما المادة التي تليها فهي تتعلق بصور وتسجيلات يمكن أن تؤخذ في الأماكن العمومية، وهذا أفهم منه أن أي تغطية يجب أن يقوم بها أي صحفي لندوة ما، أو أحداث ما يكون من المفروض عليه الحصول على موافقة كل الأشخاص الذين التقطتهم عدسة آلة التصوير الخاصة به قبل نشر صورهم رفقة التقرير أو التغطية المراد نشرها في الموقع الإخباري.
وما دامت المواقع الإلكترونية هي التي تتوفر على مساحات أكبر لنشر صور أكثر، من التي تكون منشورة على الدعامات الورقية، فإن المالكين والعاملين بالمواقع الإلكترونية، ووفقا لطريقة العمل التي تتم حاليا على المستوى الواقعي هم مشاريع مجرمين تنتظرهم عقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات وغرامة مالية من 2000 درهم إلى 20000 درهم، وكل المواقع الإلكترونية باستثناء الرسمية طبعا، مهددة بعقوبة الإعدام التي تسمى الحجب وفق اللغة التقنية وتعبير مسودة القانون الجنائي.
وأستحضر أيضا المادة 90 من المسودة التي نصت على حجب المواقع الإلكترونية التي يمكن أن تستعمل في جريمة ما، أفليس عقوبة الحجب هي عقوبة عبثية مادام أن الوضع لن يتغير بحجب المواقع في ظل عولمة ألغت الحدود بين الدول وألغت أي آثار لمثل هذا الإجراء الذي يتم داخل التراب الوطني، لكن الشبكة العنكبوتية يمكن أن تأخذنا إلى مواقع تتجاوز حدود الوطن للاطلاع على ما كان سببا في إعدام موقع ما، ألم يكن في الحد الأدنى تحديد حالات الحجب على سبيل الحصر؟، إذا كان للحجب بد، لماذا لم يستعمل منطق المساواة في هاته الحالة؟، فإذا كان من اللازم حجب موقع حقق مناط العقوبة، لماذا لم يتم تخصيص أي عقوبة بخصوص نشر معلومات خاطئة، أو خرق حق الحصول على المعلومة في مواجهة القائمين على المواقع التابعة للمؤسسات الرسمية؟، خاصة وأن هذه المواقع يحافظ على استمراريتها وتجددها ـ إن تحقق هذا التجدد ـ باستعمال المال العام.-
أعتقد أن الرأي الصائب هو الذي قال إن البث والنشر عبر المواقع الإلكترونية لا مكان له ضمن مقتضيات القانون الحنائي، لأنه من خلال واقع تطبيق هذا الحجب ـ الإعدام ، يمكن أن يتكرس لدى المهتمين و المتتبعين بأن القضية ليس فيها ما يجب فهمه وتقبله، فهي فقط تتعلق بآلية في يد السلطات لردع المواقع التي تنشر معلومات حول بعض القضايا المعينة، وهو اعتقاد غير دقيق ولا يمكن الحسم فيه.
استحضرت فقط عمل المواقع الإلكترونية لكن في الحقيقة الأمر لا يقتصر عليها فقط بل يشمل حتى المواطنين الذين يتعاملون بشكل يومي بجميع وسائل الاتصال وتبادل الصور والتسجيلات،ربما فهمي هو القاصر عن استيعاب ما تروم إليه مثل هذه النصوص القانونية، لكنني صراحة أعتقد أن الأمر يتعلق بعدم استيعاب عميق لما هو عليه حال ما سمته المسودة الأنظمة المعلوماتية.
هناك عديد من النصوص التي تفرض مثل هذا الفهم ولأن الأمر عمليا في حاجة إلى دراسة علمية معتمدة على المنهج المقارن، فإنه أعتقد فقط ضرورة التنبيه إلى أنه من المفروض استحضار واقع تجتاحنا فيه الوسائط الرقمية والتبادل الإلكتروني للصور والآراء والتسجيلات و..، فالأمر فعلا يستحق أن يكون مثار نقاش وموضوعا حاضرا لدى المعنيين كي تتبدى الأمور وتتضح،فقبل تشريع نصوص وفق قاعدة تعويم المصطلحات التفتوا يمينا ويسارا وستلاحظون أي نوع من الأجيال تشرعون له هذه النصوص التفتوا إلى أبنائكم وأحفادكم، لاحظوا ما أصبح عليه «فيسبوك» و»واتساب» و»التويتر و»الأنستغرام»، انظروا جيدا إلى واقع التسلية والترفيه وأنماط تبادل المعلومة والخبر في مجتمعنا، فالكل سيصبح وفقا لما سبق متهمين حتى تثبت براءتهم.
بالفعل لا يمكن لأي كان القول بترك الأمور دون وضع ضوابط لها، لكن أثناء وضع هذه الضوابط، استوعبوا أن زمن التعويم لا مجال له الآن، لأنه يأخذ في طياته بذور الانهيار السريع، تعاملوا بنوع من الليونة مع الثورة التقنية كي لا تؤسسوا لثورات قد تتبدى مع تصاعد الإحساس بأن القطاع السياسي أصبح مؤسسة قديمة لم تعد تفي على نحو ملائم بحل الأوضاع والإشكالات التي تفرضها أنماط المعاملات التي أصبحت تستجد في فترات زمنية قصيرة جدا.
من اللازم إحداث موازنة بين التطور التشريعي والتطور العلمي لتحاشي الهوة التي يمكن أن تحصل بين القانون والواقع، فتصبح لنا نصوصا تفعل من منطلق اللجم والضغط، لا على أساس تطبيق القانون في جميع الحالات.
من المستحسن عدم إنتاج نصوص محدودة لا قدرة لها على مواجهة وقائع ممدودة، ومن المستحسن أيضا إذا كان الوضع على ما هو عليه تأجيل الأمر إلى حين ظهور من يحمل عقلا وفكرا، له من الاستطاعة ما يجعله يصنع نصوصا لا تسعى إلى إخفاء وتكذيب الواقع، فكل شيء يمكن الجدل فيه إلا مسألة الحفاظ على مساحة الحرية المكتسبة،لأننا متشبعون بفكر ثقافة الحق في الحياة لا بفكر الإعدام، فهل سيغزو الإعدام أرواح البشر لينتقل إلى ألواح المعلوميات وأجزائها الدقيقة؟
دكتور في الحقوق، عضو جمعية عدالة ومدير موقع العلوم القانونية