نورالدين شوقي
تكتسي دراسة تاريخ منطقة كبدانة أهمية بالغة في الكشف عن كثير من جوانب تاريخها ومن تم تصحيح العديد من المقولات التي شوهت هذا التاريخ وإتخذت ركيزة الإفتراء عليه، بحيث يسمح تعميق البحث وتناول أحداث تاريخ هذه المنطقة بموضوعية وتجرد ونزاهة فكرية، إذ أنه ليس منطقيا إنكار واقع تاريخي بمجرد غياب أي أثر مكتوب ومدون عنه فالفراغ لم يكن في الواقع وإنما في الأدبيات، غير أن هذا لا يعني غياب أية معالم يمكن أن تدلنا بشكل مطلق، بل هناك بعض الإشارات الدالة عن وجود حضارة كانت وما زالت قائمة.
ومن جهة أخرى تمثل دراسة بعض الظواهر الثقافية مثل العادات والتقاليد وكل ما يدخل في خانة الأنتربولوجيا مصدرا مهما للتاريخ القديم، ويتطلب الإسراع بجمعه وتدوينه قبل إندثاره إلى الأبد.
إن شبذان أو كبدانة من المجموعات البشرية الريفية المعروفة إسماً وموقعًا منذ قرون والمراجعة التاريخية للماضي البعيد والقريب لهذه المنطقة يكشف لنا عن حدوث تفاعل حضاري بين العناصر المستقرة من هنا وهناك داخل التركيبة البشرية للبلدة وهذا التفاعل ترك بصماته واضحة على الحياة الإجتماعية والثقافية للساكنة،كما أنها إنصهرت في فسيفسائها البشرية المحلية واللغوية يمكن للباحث الميداني أن يلمسها في وسائل العيش والمظاهر التراثية الشعبية وفي كل أنماط السلوك، ومنها قيمة المرأة ودورها خاصة في هذا المجتمع الأمازيــــغي.
لقد أثبتت الروايات والأبحاث أن المرأة الكبدانية قديما كانت لها مكانة عظيمة داخل المجتمع إذ حضيت بمكانة مميزة ومشرفة جعلتها تشارك الرجل في الحروب وأن تكون مرشدة ومستشارة وملكة تسير الحكم.
وعلى ذكر المرأة والمكانة التي حضيت بها في منطقة كبدانة، لجأنا إلى هذا البحث المتواضع بغية توضيح مسألة أميرة”دانا” والأطروحة التي قيلت بشأنها حول أصلها الحقيقي والذي تباينت بشأنه الأراء مما يطرح عدة تساؤلات يفرضها الواقع حولها.
لمعرفة أصول ملكة “دانا” فهي أميرة أمازيغية زناتية والأم الروحية، بل الأم الأولى التي إستقرت في منطقة كبدانة وأسست سلالتها، التي تعرف اليوم بإسم ”إشبذانن”.
هي ملكة جمعت بين السلم والقوة أمران جعلها تتبوأ مكانة عالية في تاريخ المنطقة وكذا في البنية الذهنية التي دونت سيرتها، لقد إعتلت عرش كبدانة وأصبحت أميرة وقائدة يحترمها الجميع ورمزا من رموز التضحية، وتمكنت من توحيد كل القبائل حولها وتحددت بعدها المجموعات البشرية المنضوية تحت قيادتها وضبط المجال الجغرافي الأصلي الذي يحمل إسمها إلى اليوم.
وحسب الرويات الشفوية التي إستقيناها من الأجداد، فقد كان مكان إستقرارها هي منطقة ”تماضت” التي تعني بالأمازيغية ”البيئة والإخضرار” وربما هذا هو السبب الرئيسي لإختيارها هذه البقعة ثم بنت فيها قصرها والمعروف بتاقْسبْتْ حاليا وهو مكان قريب بما بات يعرف اليوم بسيدي الباشير المطل على ساحل البحر.
تقول الروايات أن ملكة “دانا” تعرضت للإختطاف هي وحاشيتها من قبل مجموعة من القراصنة، إذ إستغلوا غياب أمنائها ورجال قريتها الذين ذهبوا على شكل تويزا للصيد في أعالي البحار.
في أحد الأيام تعرضت البلدة لهجوم أثناء الليل من قبل قراصنة مجهولين وكانوا مقنعين بأقنعة تحمل رموزا غير مألوفة توصف على أنها رومانية، دخلوا وأسروا كثير من النساء والأطفال وأتلفوا ما فيها بالنهب وأخذوا حاجياتها الثمينة، أخذوا الناس أسرى من غير حولة ولا قوة حيث يعرضونهم لسياطهم فاحتجزوهم داخل السفن بعدما أن أرغموا على ركوبها وأخذوا الأموال والنساء وسبي الذرية، وخفي خبرهم وغاب أثرهم ولم يعرف مصيرهم إلى حــد الأن.
فلما عاد الصيادون إلى بلدتهم فوجدوا أن المكان بلا وقع وتحولت تاقْسبتْ قصر الأميرة “دانا” إلى مكان خالٍ ورهيب وغيرت بسمة أهلها إلى عبوس بعدما أن فقدوا فلذات أكبادهم وأزواجهم، خرجوا للبحث عنهم أيام معدودات في البحر لكن بدون جدوى، فحزنوا حزنا شديدا… وبدافع الإنتقام وحرارة الغدر أغرقوا جميع قواربهم في البحر وإمتنعوا عن أكل السمك الذي كان السبب في فقدان ملكتهم وأقربائـــــهم.
إن ما يثبت صحة الرواية إلى هنا، هو ما كتبه الباحث الإجتماعي السيد أوجيست مولييراس حديثا (1872ـ1893) في كتابه "المغرب المجهول" الجزء الأول، إكتشاف الريف، صفحة176 وهو يتحدث عن قبيلة كبدانة حيث قال: ”…فهم لا يحبون ركوب السفن ويكرهون السمك الذي لا يصطادونه أبدا ولن تجد عندهم ولو قاربا واحدا…”
ويضيف قائلا في نفس الكتاب صفحة 181: ”… والشيء المثير (هنا الإثارة) هو أن أهالي كبدانة وطريفة لا يبالون، بل يحتقرون السمك ولا يصطادونه أبدا ولو لبيعه إلى الأهالي المقيمين بعيدا عن النهر ولذالك تعتبر ملوية من الأنهار الأكثر توفرا على السمك…”
فلا يعقل أن تكون كل هذه المسافة الطويلة الساحلية والمطلة على البحر لا نجد فيها ولو قاربا واحدا، علما أن كبدانة إلى المدى القريب كان إقتصادها يعتمد عـــلى موردان أساسيان وهما ثروتهم الرعوية والسمكية، ثم أن عبارة ” يكرهون السمك، لا يبالون، بل يحتقرون السمك، لا يصطادونه أبدا، ولو لبيعه…” والسؤال هنا: يا ترى لماذا كل هذه العداوة للسمك!!! إن لم يكن هناك لغز ما؟؟، فنعتقد أنه إنتقام من السمك الذي كان السبب الرئيسي في إبتعادهم عن ذويهم وتركهم عرضة للإختطاف كما تحكي الرواية. فبعد أن طال الإنتظار لدى بعض الأهالي، سادت الفوضى وتفرقت القبائل حيث هاجر الناس أفواجا بعيدا عن المنطقة باحثين عن موطن أمن إلى أن إستقروا ناحية “جرسيف” بعد أن إستوطنوا عـلى ضفاف ملوية لفترات لكن بشكل ترحالي ومؤقت، وتوجد مجموعات تثبت وتعتز بأصولها الكبدانية إلى حد الأن وتتحدث الأمازيغية الزناتية باللكنة المحلية تـماما.
أما المجموعات الأخرى، فضلت البقاء وإنتظار رجوع ذويهم أو عودة القراصنة للقبض عليهم والإنتقام منهم، ومنذ ذلك الحين أقام الأهالي مراكز خاصة تتكون من عدة محاربين على الساحل للحراسة بالتناوب تحسبا لأي هجوم من القراصــنة.
وأول من أشار إلى هذه الظاهرة 1872ـ1893 هو الباحث مولييراس حــيث قال: ”… وعلى ساحل قبالة الجزر الجعفرية (تايزيرت إشفارن) المحتلة من طرف الإسبان، أقام الأهالي مراكز يتواجد به حوالي مائة رجل لمنع أعدائهم من النزول إلى البحر…”، إن عبارة “أعدائهم” لم يقصد بها الباحث ”الإسبان”، لو كان كذالك لأشار إليها، علما أن الإسبان لم يكونوا بعد في حالة حرب مع المغاربة أنذاك، كما أنه لا يعقل أن تنشأ مراكز للحراسة قبالة الجزر وتبقى الثغور الأخرى المحتلة دون مراقبة، بل العكس كانت هناك حركة تجارية بين سكان منطقة كبدانة وإسبان مليلية وتتمثل في شراء المواد الغذائية والأسلحة ويضيف موليراس قائلا: ”… ويشترون بمليلية ما هو ضروري من سكر وصابون وشاي وأثواب قطنية وبترول وسكاكين وبنادق وخرطوشات إلخ…” وهنا لا يمكن للسلطات الإسبانية المحتلة لمليلية أن تسمح ببيع البنادق والخرطوشات للكبدانيين لوكانوا فعلا في حالة حرب معهم.
إن لهذه المراكز تاريخ قديم منذ ذالك الحدث التاريخي المؤلم وبقيت العادة متوارثة لدى السكان إلى حدود السبعينات والمعروفة أنذاك بإسم "تعْساسْتْ" حيث كانوا يعتقدون أن الخطر دائما يأتيهم من جزيرة القراصنة، بؤرة التهديد للأمن القومي لمنطقة كبدانة كلها، علما أن هذه الجزر قد عرفت فعلا الحياة أزيد من 6500 سنة حسب مجلة (Journal of Archoeological science. الصادرة في أكتوبر 2012، العدد 10 ملف خاص لمجموعة من الباحثين تحت عنوان: جزر شفارينا كانت معمورة منذ 6500 سنة) كما لا تخلوا الرويات الشعبية الشفوية الحديث عن مجموعات من القراصنة كانت فعلا تنشط في هذه المنطقة قديما.
خاتمة: إن الروايات الشفوية لا تتأسس على فراغ حتى وإن لم تكن مكتوبة أو غير مدونة، بل هي حكايات غالبا تكون لها أحداث ووقائع ترسو عليها، إلا أن بحكم الرويات المختلفة التي تناقلتها الأجيال من هذا وذاك لم تحميها من الإنزلاق نحو الأسطورة والخرافة.
تكتسي دراسة تاريخ منطقة كبدانة أهمية بالغة في الكشف عن كثير من جوانب تاريخها ومن تم تصحيح العديد من المقولات التي شوهت هذا التاريخ وإتخذت ركيزة الإفتراء عليه، بحيث يسمح تعميق البحث وتناول أحداث تاريخ هذه المنطقة بموضوعية وتجرد ونزاهة فكرية، إذ أنه ليس منطقيا إنكار واقع تاريخي بمجرد غياب أي أثر مكتوب ومدون عنه فالفراغ لم يكن في الواقع وإنما في الأدبيات، غير أن هذا لا يعني غياب أية معالم يمكن أن تدلنا بشكل مطلق، بل هناك بعض الإشارات الدالة عن وجود حضارة كانت وما زالت قائمة.
ومن جهة أخرى تمثل دراسة بعض الظواهر الثقافية مثل العادات والتقاليد وكل ما يدخل في خانة الأنتربولوجيا مصدرا مهما للتاريخ القديم، ويتطلب الإسراع بجمعه وتدوينه قبل إندثاره إلى الأبد.
إن شبذان أو كبدانة من المجموعات البشرية الريفية المعروفة إسماً وموقعًا منذ قرون والمراجعة التاريخية للماضي البعيد والقريب لهذه المنطقة يكشف لنا عن حدوث تفاعل حضاري بين العناصر المستقرة من هنا وهناك داخل التركيبة البشرية للبلدة وهذا التفاعل ترك بصماته واضحة على الحياة الإجتماعية والثقافية للساكنة،كما أنها إنصهرت في فسيفسائها البشرية المحلية واللغوية يمكن للباحث الميداني أن يلمسها في وسائل العيش والمظاهر التراثية الشعبية وفي كل أنماط السلوك، ومنها قيمة المرأة ودورها خاصة في هذا المجتمع الأمازيــــغي.
لقد أثبتت الروايات والأبحاث أن المرأة الكبدانية قديما كانت لها مكانة عظيمة داخل المجتمع إذ حضيت بمكانة مميزة ومشرفة جعلتها تشارك الرجل في الحروب وأن تكون مرشدة ومستشارة وملكة تسير الحكم.
وعلى ذكر المرأة والمكانة التي حضيت بها في منطقة كبدانة، لجأنا إلى هذا البحث المتواضع بغية توضيح مسألة أميرة”دانا” والأطروحة التي قيلت بشأنها حول أصلها الحقيقي والذي تباينت بشأنه الأراء مما يطرح عدة تساؤلات يفرضها الواقع حولها.
لمعرفة أصول ملكة “دانا” فهي أميرة أمازيغية زناتية والأم الروحية، بل الأم الأولى التي إستقرت في منطقة كبدانة وأسست سلالتها، التي تعرف اليوم بإسم ”إشبذانن”.
هي ملكة جمعت بين السلم والقوة أمران جعلها تتبوأ مكانة عالية في تاريخ المنطقة وكذا في البنية الذهنية التي دونت سيرتها، لقد إعتلت عرش كبدانة وأصبحت أميرة وقائدة يحترمها الجميع ورمزا من رموز التضحية، وتمكنت من توحيد كل القبائل حولها وتحددت بعدها المجموعات البشرية المنضوية تحت قيادتها وضبط المجال الجغرافي الأصلي الذي يحمل إسمها إلى اليوم.
وحسب الرويات الشفوية التي إستقيناها من الأجداد، فقد كان مكان إستقرارها هي منطقة ”تماضت” التي تعني بالأمازيغية ”البيئة والإخضرار” وربما هذا هو السبب الرئيسي لإختيارها هذه البقعة ثم بنت فيها قصرها والمعروف بتاقْسبْتْ حاليا وهو مكان قريب بما بات يعرف اليوم بسيدي الباشير المطل على ساحل البحر.
تقول الروايات أن ملكة “دانا” تعرضت للإختطاف هي وحاشيتها من قبل مجموعة من القراصنة، إذ إستغلوا غياب أمنائها ورجال قريتها الذين ذهبوا على شكل تويزا للصيد في أعالي البحار.
في أحد الأيام تعرضت البلدة لهجوم أثناء الليل من قبل قراصنة مجهولين وكانوا مقنعين بأقنعة تحمل رموزا غير مألوفة توصف على أنها رومانية، دخلوا وأسروا كثير من النساء والأطفال وأتلفوا ما فيها بالنهب وأخذوا حاجياتها الثمينة، أخذوا الناس أسرى من غير حولة ولا قوة حيث يعرضونهم لسياطهم فاحتجزوهم داخل السفن بعدما أن أرغموا على ركوبها وأخذوا الأموال والنساء وسبي الذرية، وخفي خبرهم وغاب أثرهم ولم يعرف مصيرهم إلى حــد الأن.
فلما عاد الصيادون إلى بلدتهم فوجدوا أن المكان بلا وقع وتحولت تاقْسبتْ قصر الأميرة “دانا” إلى مكان خالٍ ورهيب وغيرت بسمة أهلها إلى عبوس بعدما أن فقدوا فلذات أكبادهم وأزواجهم، خرجوا للبحث عنهم أيام معدودات في البحر لكن بدون جدوى، فحزنوا حزنا شديدا… وبدافع الإنتقام وحرارة الغدر أغرقوا جميع قواربهم في البحر وإمتنعوا عن أكل السمك الذي كان السبب في فقدان ملكتهم وأقربائـــــهم.
إن ما يثبت صحة الرواية إلى هنا، هو ما كتبه الباحث الإجتماعي السيد أوجيست مولييراس حديثا (1872ـ1893) في كتابه "المغرب المجهول" الجزء الأول، إكتشاف الريف، صفحة176 وهو يتحدث عن قبيلة كبدانة حيث قال: ”…فهم لا يحبون ركوب السفن ويكرهون السمك الذي لا يصطادونه أبدا ولن تجد عندهم ولو قاربا واحدا…”
ويضيف قائلا في نفس الكتاب صفحة 181: ”… والشيء المثير (هنا الإثارة) هو أن أهالي كبدانة وطريفة لا يبالون، بل يحتقرون السمك ولا يصطادونه أبدا ولو لبيعه إلى الأهالي المقيمين بعيدا عن النهر ولذالك تعتبر ملوية من الأنهار الأكثر توفرا على السمك…”
فلا يعقل أن تكون كل هذه المسافة الطويلة الساحلية والمطلة على البحر لا نجد فيها ولو قاربا واحدا، علما أن كبدانة إلى المدى القريب كان إقتصادها يعتمد عـــلى موردان أساسيان وهما ثروتهم الرعوية والسمكية، ثم أن عبارة ” يكرهون السمك، لا يبالون، بل يحتقرون السمك، لا يصطادونه أبدا، ولو لبيعه…” والسؤال هنا: يا ترى لماذا كل هذه العداوة للسمك!!! إن لم يكن هناك لغز ما؟؟، فنعتقد أنه إنتقام من السمك الذي كان السبب الرئيسي في إبتعادهم عن ذويهم وتركهم عرضة للإختطاف كما تحكي الرواية. فبعد أن طال الإنتظار لدى بعض الأهالي، سادت الفوضى وتفرقت القبائل حيث هاجر الناس أفواجا بعيدا عن المنطقة باحثين عن موطن أمن إلى أن إستقروا ناحية “جرسيف” بعد أن إستوطنوا عـلى ضفاف ملوية لفترات لكن بشكل ترحالي ومؤقت، وتوجد مجموعات تثبت وتعتز بأصولها الكبدانية إلى حد الأن وتتحدث الأمازيغية الزناتية باللكنة المحلية تـماما.
أما المجموعات الأخرى، فضلت البقاء وإنتظار رجوع ذويهم أو عودة القراصنة للقبض عليهم والإنتقام منهم، ومنذ ذلك الحين أقام الأهالي مراكز خاصة تتكون من عدة محاربين على الساحل للحراسة بالتناوب تحسبا لأي هجوم من القراصــنة.
وأول من أشار إلى هذه الظاهرة 1872ـ1893 هو الباحث مولييراس حــيث قال: ”… وعلى ساحل قبالة الجزر الجعفرية (تايزيرت إشفارن) المحتلة من طرف الإسبان، أقام الأهالي مراكز يتواجد به حوالي مائة رجل لمنع أعدائهم من النزول إلى البحر…”، إن عبارة “أعدائهم” لم يقصد بها الباحث ”الإسبان”، لو كان كذالك لأشار إليها، علما أن الإسبان لم يكونوا بعد في حالة حرب مع المغاربة أنذاك، كما أنه لا يعقل أن تنشأ مراكز للحراسة قبالة الجزر وتبقى الثغور الأخرى المحتلة دون مراقبة، بل العكس كانت هناك حركة تجارية بين سكان منطقة كبدانة وإسبان مليلية وتتمثل في شراء المواد الغذائية والأسلحة ويضيف موليراس قائلا: ”… ويشترون بمليلية ما هو ضروري من سكر وصابون وشاي وأثواب قطنية وبترول وسكاكين وبنادق وخرطوشات إلخ…” وهنا لا يمكن للسلطات الإسبانية المحتلة لمليلية أن تسمح ببيع البنادق والخرطوشات للكبدانيين لوكانوا فعلا في حالة حرب معهم.
إن لهذه المراكز تاريخ قديم منذ ذالك الحدث التاريخي المؤلم وبقيت العادة متوارثة لدى السكان إلى حدود السبعينات والمعروفة أنذاك بإسم "تعْساسْتْ" حيث كانوا يعتقدون أن الخطر دائما يأتيهم من جزيرة القراصنة، بؤرة التهديد للأمن القومي لمنطقة كبدانة كلها، علما أن هذه الجزر قد عرفت فعلا الحياة أزيد من 6500 سنة حسب مجلة (Journal of Archoeological science. الصادرة في أكتوبر 2012، العدد 10 ملف خاص لمجموعة من الباحثين تحت عنوان: جزر شفارينا كانت معمورة منذ 6500 سنة) كما لا تخلوا الرويات الشعبية الشفوية الحديث عن مجموعات من القراصنة كانت فعلا تنشط في هذه المنطقة قديما.
خاتمة: إن الروايات الشفوية لا تتأسس على فراغ حتى وإن لم تكن مكتوبة أو غير مدونة، بل هي حكايات غالبا تكون لها أحداث ووقائع ترسو عليها، إلا أن بحكم الرويات المختلفة التي تناقلتها الأجيال من هذا وذاك لم تحميها من الإنزلاق نحو الأسطورة والخرافة.