المزيد من الأخبار






حوارٌ صحفي مع القاص والإعلامي الناظوري عبد الكريم هرواش بنكهة أدبية


حوارٌ صحفي مع القاص والإعلامي الناظوري عبد الكريم هرواش بنكهة أدبية
تقديم: بدر أعراب

استضافت جريدة "العاصمة بوست" المغربية زميلنا الصحافي عبد الكريم هرواش أحد أعضاء هيئة تحرير موقعنا "ناظورسيتي"، ضمن حوارٍ شيق وماتع، تحدث خلاله باستفاضة عن الجنس الأدبي المتفرد "القصة القصيرة"، باعتباره أحد القصاصين الشباب الواعدين في هذا المجال، وهو سليل مدينة الناظور التي رأى فيها نور الوجود لأول مرة سنة 1989، حاصل على الإجازة في الدراسات العربية بالكلية متعددة التخصّصات بالناظور، كما استطاع المزاوجة بين دراسته في معهد الصحافة والتدبير والتكنولوجيا واشتغاله محرراً صحفياً ضمن فريق عمل منبر إعلامي وطني بالدار البيضاء.

طفق كريم هرواش يحفر منذ سنوات إسمه بكل ألق في المشهد الثقافي بالجهة الشرقية عامةً وبمنطقة الناظور على وجه التحديد، من خلال ملتقيات أدبية عدّة شارك فيها ومنها تظاهرات ذات إشعاع وطني وعربي، وكذلك بواسطة إسهاماته الإبداعية التي دأب يجترح على هامشها بمشراط اليرّاع مقالات صحفية يقصف بها بشكل دوري عبر الجرائد الوطنية والمجلات والمنابر الإلكترونية، إذ معهود عن المبدع الشاب داخل الأوساط الثقافية والجمعوية بالناظور شغفه اللامحدود بلغة الضاد، حيث اُفتُتن بسحر غوايتها حدّ الهوس وأدمن عشقها إلى الأبد وأضحى بالتالي كريم هرواش لذاته طاقة تنجذب إما إلى الكتابة أو الكتابة أو الكتابة.. وقد صدرت له إلى حدّ الآن التوليفات القصصية التالية:

- الأشقياء (2011 ).
- أشواقٌ مُخمليّة (2012).
- الموتُ في العالم الآخر (2014).

فيما يلي ننقل أجزاء الحوار الذي اُجري مع زميلنا عبد الكريم هرواش:

ماذا يعني "قصاص" بالنسبة لك ..هل تجد تعريفاً جامعاً؟

القصّاص هو أديب يصنع من الحروف عالمًا خاصًا يشارك به قرّاءه انطلاقًا من مقاربته، وقراءته، ونقده، وتأمله للمحيط الذي يعيش فيه، أو الّذي يتخيّله. وانطلاقا من كتابته المحصورة في صناعة نصوص قصصية قصيرة، المُتناولةِ لقضيّة إنسانيّة كونيّة تجدُ أبعادها في السلوك الإنساني، يؤدّي دوره في المجتمع، ولذلك فهو أشبه ما يكون برسولٍ يحملُ رسالةً نبيلة طيّبة، يحاول من خلالها إلى أقصى حدّ ممكن، أن يفرغ في إبداعه القصصي كلّ تصوراته الإنسانيّة الرّاقية، هادفًا في خضمّ عمله إلى خلق صور إيجابيّة يُقيّم بها اعوجاج السّلوك الإنسانيّ، عاملًا على زرع بذور القيم والمبادئ النبيلة لتحصده المشاعر الدّاخلية لدى المتلقّي، موظّفًا في ذلك كلّه أسلوبًا شائقًا، ولغة مهذّبة، وقالبًا فنّيًا جميلًا، ليجد عمله الإبداعي طريقًا مباشرًا إلى قلب القارئ الذي يتجاوب مع أفكار، وتصورات، وقيم، ومبادئ القصّاص المبدع.

وقد يصعب الإحاطة الشاملة بتعريف القصّاص كما هي طبيعة المفاهيم المنتمية إلى الأدب، لكن يمكن اعتباره، من باب الاختصار، كاتبًا ينهل من قاموس الفنّ، أرقى ممارسات التّعامل الإنساني الّتي يقدّمها للقارئ على طبقِ الإبداع، محاولًا تغيير المظاهر السيئة، بأخرى خيّرة، خلال التّأثير على نفسيّة القارئ بعمله الفنّي.

عندما نقول "القصة القصيرة" ما هو الانطباع الذي تتركه هاتان الكلمتان؟

شخصيًا، تتركُ الكلمتان في نفسي أثرًا بالغًا بالنّظر إلى أنّ هذا الجنسَ الذي شهد أوجَهُ طيلة القرنِ المنصرم، قد شهد ويشهدُ على الطرف المقابل سقوطا مدويًّا أمام سطوة أجناس أدبيّة أخرى، أبرزها الرّواية التي صارت "ديوان العرب" في العصر الحديث. فقليلةٌ هي الالتفاتات التي تحظى بها القصة القصيرة في الزّمن الراهن، لا يزكّيها مستوى الإقبال المحتشم من طرف القارئ الذي بات يبحث عن إشباع متعة القراءة لديه باللجوء إلى أجناس أخرى، كالرواية، والقصة القصيرة جدًا، يوازيها فتور قوي في بعض أقلام المبدعين الذين يتقاعسون في كتابة قصة قصيرة بالمواصفات التي خُلقت لها منذ نشأتها، ولذلك فنحنُ أمام تراجعٍ مستمر بالاهتمام بالقصة القصيرة، رغم أنه واحد من الأجناس التي استطاعت أن تراكم تاريخا مشرفا منذ الرّواد الأوائل، أمثال محمد تيمور، يوسف السباعي، زكريا تامر، يوسف إدريس، أحمد بوزفور، محمد زفزاف، محمد شكري... وما تزال القصّة القصيرة تمتلك رصيدًا من القوّة والمتانة لتؤدي رسالتها النّبيلة، إذا ما وازاها اهتمام لدى الكتّاب المبدعين.

ومن حيثُ وقعُ الكلمتين في نفسي أيضا بمعزل عن هذه السّبيات، فإنّ "القصّة القصيرة" تُشعرني بكونِ الإبداع الإنساني تعرّف على جنسٍ أدبيّ استطاعَ أن يُنوّر به عقول البشريّة منذ نشأته، خالقًا بذلك المتعة المقرونة برسالة نبيلة هادفة تربّت في ضوئها أجيالٌ من القرّاء والمبدعين...

كيف هو حال السرد في المغرب من وجهة نظرك؟

شهد صحوته خلال القرن المنصرم، بصرف النّظر عن بعض النماذج السردية القديمة، بالغًا إشعاعًا متوهّجًا إبان مرحلة ما قبل وما بعد الاستعمار، وما يزال يخطو حثيثًا نحو الانفتاح على تجارب عالمية، ويبلور نماذج محليّة، مراكما بذلك تُراثا سرديا أغنى به المكتبة المغربيّة.

والسّرد في تطوّر مستمر في المغرب، إذ نشهد وتيرة إصدارات متناميّة من حيث المؤلّفات السرديّة التي تصفّها المطبعات على رفوف المكتبات المغربية والعربية حاملةً تواقيع جُملة من الكتّاب المبدعين. وأعتقد أن السّرد في حالة جيّدة في المغرب، إذا ما استثنينا بعض الهفوات من حيث الخلط بين الأجناس السرديّة الأدبيّة، وانحطاطُ بعض التّجارب، وعدم التقيّد بقوانين الكتابة السرديّة، وتنامي النقد الإخواني الذي لا يمكن أبدًا أن يقيّم تجاربنا في السرد، إذا أخذنا بمعيار الكيف لا الكمّ.

مرت القصة بعدة مراحل من القصة الطويلة إلى القصيرة ثم الأقصوصة، وأخيرا الومضة القصصية، كيف ترى هذا الأمر؟

العالم ينتقل بكلّ مظاهره وتجلّياته إلى عصر السرعة، هذا ما تفرضه الظروف الرّاهنة، وأعتقد أن الأدب كما باقي المعارف والعلوم، لم يكن بمنأى عن سطوة السرعة التي باتت تجتاح كلّ ممارساتنا الحياتيّة، فمن الأكلة الثّقيلة التي تُطبّخ في ظرف ساعات، إلى السندويتش الذي يُقدّم على مائدة المستهلك في ظرف دقائق معدودة، هكذا انتقلت القصّة والرّواية أيضا من الطويلة إلى القصيرة إلى القصيرة جدًا، فالقصة قديمًا كانت تُكتب على مساحة ورقيّة تصل إلى مائة صفحة أو تجتازها أحيانًا، وأصبحت اليوم تُكتب في نصف ورقة، وأضحى ما كان يُعرف قديمًا بالقصّة القصيرة، اليومَ، روايةً... وهكذا.

أعتقد أن انتقال القصة القصيرة إلى القصيرة جدًا، كان أمرًا محتومًا، بتزكية من الظّروف، وتطور التكنولوجيا، واهتمام الإنسان المعاصر بانشغالات كثيرة؛ لكن رغم ذلك، يبقى للقصة القصيرة قيمتها التي لا تستطيع القصيرة جدًا أن تضاهيها فيها، ولكل جنس جماليّته، ويظلّ ذوق القارئ هو المعيار في الاختيار.

هل يمكن أن تسمي بعض كتاب القصة في المغرب يشدون الانتباه؟

القارئ العربيّ يظل وفيًّا للتجارب الرّائدة المشرقيّة، ولذلك فنسبة عالية من مبيعات المجموعات القصصية تُسجل لدى روّاد القصة القصيرة المشارقة منذ طبعاتها الأولى إلى اليوم؛ هذا على الرّغم من أن المغرب يزخر بتجارب جيّدة لا يمكن إلّا أن تنافس نظيرتها المشرقيّة.

وقد استطاع كتّاب القصة القصيرة المغاربة أن يُسجّلوا أسماءهم على صفحة تاريخ الأدب العربيّ من أمثال محمد شكري، ومحمد زفزاف، وأحمد بوزفور، وإدريس الخوري، وعبد المجيد بنجلون... وآخرون. واليوم نقرأ لكتّاب مغاربة مبدعين باتوا يفرضون أنفسهم بقوّة في الساحة الأدبيّة، وأعتقد أن مدنًا في الجهة الشرقية، كالناظور ووجدة... تزخر بكتّاب القصّة القصيرة الذين باتوا يحتكرون الساحة الأدبيّة في هذا الجنس إلى حدّ ما، والقصة القصيرة جدا خاصّة، إلى جانب تجارب أخرى في مختلف المدن المغربيّة، تشكّل في مجموعها الإبداعي المغربي في القصة القصيرة.

القارئ يتجه نحو الرواية أكثر من المجموعات القصصية، أو الدواوين الشعرية، كيف تفسر هذه الظاهرة؟

كما أسلفت الرّواية أضحت ديوان العرب في العصر الحديث، كما يقول النقّاد، لا يمكن أن أطرح تفسيرًا منطقيًا لهذا الإقبال على الرّواية مقابل عزوف مُسجّل لدى نظيرتها القصة القصيرة وأيضا الشعر، غير أنّني أعتقد أن القارئ يجدُ اليوم في الرّواية ما يبحث عنه في القصة القصيرة والشّعر أيضًا، فقد أضحت الرواية جامعةً لكثير من الأجناس الأدبيّة، ولغتها تميل إلى الشعريّة؛ ثمّ أشير هنا إلى أنّ القارئ اليوم تستهويه بعض الخطابات المثاليّة، والأدوار البطوليّة التي تقدّمها الشخصيات الاستثنائيّة التي لا يمكن أن تحتويها سوى الرّواية على امتداد صفحاتها؛ وإلى جانب ذلك، فالقارئ في العصر الحديث، هو ذلك المشاهد للتلفاز، المتابع للأفلام المختلفة التي تزوّد حواسه وإدراكه بنماذج من الحياة التي يعيشها أبطال الفيلم بمثاليّة قصوى. وكل ذلك يخلق في نفسه الرغبة في البحث عن نماذج مشابهة في تعاطيه مع القراءة× فالرواية هو الفيلم المتجلّي على الورق، والمقروء على شكل سطور، ولذلك يظلّ القارئ منجذبا نحو الرّواية كلما أراد أن يُشاهد/يقرأ فيلمًا مكتوبًا.. أما القصّة القصيرة، فغالبا ما لا تشبع نهمه في البحث عن هذه القصة الكاملة، التي يعيشها بطل استثنائي، ويعيش معه القارئ مختلف أحداثها بمشاعره ووجدانه ضمن فضاء واسع منفتح على مساحة زمنيّة كافية بأن تعرض جميع الأحداث والتّفاصيل...

هل تعتقد أن للملتقيات الأدبية دوراً في تطوير القصة أم أنها مجرد مناسبات للعلاقات العامة والاجتماعية؟

لها أكبرُ دور في ذلك؛ فتطوير الأدب بمختلف أجناسه ليس بالممارسةِ الكتابيّة فقط التي تحصر دوره ما بين القلم والورقة، فالقصة القصيرة، على غرار باقي الأجناس الأخرى، تحتاج إلى من ينقدها على شكل ندوات ولقاءات أدبيّة، ويحتفي بها في التّظاهرات والمهرجانات المحليّة والوطنيّة والعالميّة لتمكينها من أداء دورها بوسائل متعدّدة تنفتح أكثر على المتلقّي متجاوزةً بذلك طيّات الكتب. والمتلقّي للقصة القصيرة لا يستعين فقط بالكتاب ليطلع على مختلف الإبداعات في هذا الجنس، بل يحتاج إلى الحضور شخصيًا أمام المبدع، ليسمع ما تجود به قريحته مباشرةً، وهذا الفضاء يخلق تقاربا بين المبدع والمتلقّي، ما يجعل الممارسة الإبداعيّة تتطوّر وتنفتح أكثر وتتعزّز في الحياة اليوميّة بفضل الطبيعة الإنسانيّة المبنية على دعائم التواصل والتحاور...

إلى أي مدى نجح الناقد المغربي في ترقية التجربة القصصية، وما مدى تأثيره فيها؟

استطاع الناقد المغربي أن يخلق ثروة غنيّة في دراسته للأدب، ومن ذلك نقد القصة القصيرة، ولنا نماذج رائدة في هذا المجال لدى أكبر النقّاد المغاربة الذي تعاطوا بالمقاربة والدراسة لجنس القصّة القصيرة، نقدًا وتحليلًا وتأريخًا، بحيث مكّن لهذا الجنس أن يتطوّر، بل أن يصل إلى حدود أن يكون نموذجا مغربيًا في القصّة القصيرة يتباهى به الأدب المغربي أمام نظرائه في العالم.

وهذا الرّصيد النقديّ الغنيّ الذي راكمه النقّاد المغاربة، خوّل للقصة القصيرة المغربيّة أن تحظى برسمٍ لحدود فرادتها وملامحها التّي شكلتها الأقلام المبدعة التي تمتحُ من الواقع المغربيّ وغناه الحضاري والتّاريخي والتّراثي. وبالفعل ساهم هذا النّقد في تطوير القصة المغربية على جميع المستويات لتصل إلى نضجها وكمالها.

ثمة عدد من المسابقات القصصية هل يجد فيها القاص جدوى وإضافة؟

المسابقات الأدبيّة، على غرار الملتقيات الأدبيّة وغيرها، تشكّل فضاءً لاحتواء تجربة المبدع القصصيّة، بل قد تلعب دورًا مهما في التعريف بالقاص خصوصا إذا كان في مراحله الأولى في درب الكتابة والإبداع، ويحتاج إلى أن يثبت نفسه.

وإلى جانب ذلك تلعب المسابقات دورًا مهما وجوهريًا في التقييم، إذا كانت المسابقة تستند إلى شروط موضوعيّة لاختيار نصوص المبدعين المتضمّنة لنسبة زائدة من الفرادة والجودة والتميّز؛ فالقاصّ الفائز بالمسابقة، هو مبدع استطاع أن يخلق نصًا قصصيًّا فريدًا ممتازًا يتميّز من خلاله عن باقي النّصوص، وبفوزه يكسب نسبة من الشّهرة لدى القرّاء الذين لن يتردّدوا في البحث عنه والقراءة له، ولذلك يجد القاص أحيانًا في المسابقات للتعريف بإبداعه، أكثر مام يجده في غير ذلك.

لماذا لا يهتم الكاتب والقاص المغربي بالفضاءات المكانية، كما هو الشأن لقصاصين وروائين عرب وأجانب؟

القصّة القصيرة تعرف تغيّراتٍ كثيرةً، وما تزال ماضيةً في تغيير ملامحها ومواصفاتها، تناغمًا مع المتغيّرات العامة، والظروف المرتهنة إلى طبيعة العصر والحداثة، والواقع الإنسانيّ. فممّا لا شكّ فيه أن القصّة القصيرة، أو أي جنس سرديّ قصصي، لا يمكن أن يستغني عن الأقانيم الثّلاثة المتمثّلة في الزمان والمكان والشخصيّات.

أمّا على مستوى حضور هذه الأقانيم فهو متفاوتٌ في كلّ قصّة، استنادًا إلى إرادة الكاتب المنبثقة من طبيعة تعاطيه مع القضيّة التي يودّ معالجتها؛ والملاحظ أن القاص المغربيّ غالبًا ما يركّز جهده الكتابيّ، في القصّة القصيرة، على التّفاصيل الدّقيقة، متحوّلا وفق ذلك إلى مفكّر جهبيذ نافذ. وعليه، يغيبُ الفضاء على حساب هذا التّعاطي العميق مع التّفاصيل، زيادة على ترجيح الاهتمام بالشخصيّة أكثر على حساب الزّمان والمكان، وبالمقابل نجدُ نماذج من القصة القصيرة العربيّة المشرقيّة والأجنبيّة عامّة، تهتمّ بوتيرة السّرد، والانفتاح على فضاءات وأزمنة وشخصيات متعدّدة، لتأثيث أحداث متسلسلة تعطي للقصّة طابع الحكي بمفهومه الأقرب إلى التّقليدي.

البعض يقول إن القاصات المغربيات تتسم أعمالهن بالغموض والسريالية، ما مدى دقة هذا التوصيف؟

لا أستطيعُ أن أفنّد ولا أن أقرّ بهذا المعطى، تفاديًا للسّقوط في التّعميم، وإطلاق حكمٍ شموليّ، فصحيح أنّ بعض النّساء يوظّفن لغةً شعريّة غامضة بكثافة في كتاباتهن القصصيّة، وهذا يجد لنفسه مبرّرًا بل مبرّرات... وعلى الطّرف النّقيض، يكتبُ بعض المبدعات قصصهن، أو إبداعاتاهن بصفة عامة، بواقعيّة وجرأة...

ولازمٌ علينا أن نعترفَ بأنّ الإبداع النّسوي في القصّة القصيرة، أثبت نفسه بجدارة في السّاحة الأدبيّة التي يتقاسمها مع الإبداع الذّكوري؛ ولابد من الإقرار بحدودٍ بينهما بحكم اختلاف الجنسين في المشاعر الدّاخليّة، والعاطفة؛ فالذّكر يحتفظ لنفسه دائمًا بالقوّة، والواقعيّة، والهيمنة... فيما تميل الأنثى، حتّى في كتاباتها، إلى الضّعف والخيال والشاعريّة، فتعكف على معالجة عوالهما وقضاياها موظّفة قسطًا وافرًا من عاطفتها التي تغلب عليها، مستعملة الغموض ما أمكنها لتلافي تعبيرات محرجة، وبذلك تجنح إلى الشّاعريّة لتعبّر بشكل أعمق عن هذه الاضطرابات الوجدانيّة التي تدفع بها إلى البوح بأقصى ما يسعفها خيالها الجامح، ولغتها الشاعريّة الأنيقة، وذلك كلّه لصنع نصّ يحترم الأنساق الثقافيّة لدى البيئة المتلقّية، ويحدث أثره في الأعماق...


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح