ناظورسيتي: محمّد زاهد
كم هوّ هذا الملف، بأبعاده التّاريخيّة والحقوقيّة والسياسيّة والاستراتيجيّة أو المستقبليّة، أي ملف الحرب الكيماوية أو استعمال الغازات السامة من طرف اسبانيا وحلفاءها ضد الريف خلال عشرينيات القرن الماضي، هو ملفٌّ لا تغيب غيومه على سماء العلاقات المغربية والاسبانيّة. فهي تظل دائما تحوم حوله.
كم هوّ هذا الملف، بأبعاده التّاريخيّة والحقوقيّة والسياسيّة والاستراتيجيّة أو المستقبليّة، أي ملف الحرب الكيماوية أو استعمال الغازات السامة من طرف اسبانيا وحلفاءها ضد الريف خلال عشرينيات القرن الماضي، هو ملفٌّ لا تغيب غيومه على سماء العلاقات المغربية والاسبانيّة. فهي تظل دائما تحوم حوله.
نحو بناء ذاكرة مشتركة ومستقبل واعد
فالمعلوم أن هذا الملف، إلى جانب ملفات أخرى، أصبح من القضايا العالقة في إطار مجموع عناصر ومخلفات المرحلة الاستعمارية التي يراهن على تجاوز ثقلها عن طريق بناء ذاكرة مشتركة ومستقبل واعد ينطلق من المؤشرات الايجابية والقواسم المشتركة ويعالج بحكمة ثقل الماضي وسلبيات المراحل السابقة.
وممّا يجعل ملف استعمال الغازات السامة ضد الريف، الحرب القذرة أو العناق القاتل بتعبير سيبستيان بلفور، يكتسي أهمية خاصة، هو ما يميزه من تداخل تاريخي وسياسي وقانوني وأخلاقي، وكذا ما ينم عنه من تعدد أطراف الجريمة وما خلفته من تداعيات خطيرة على جميع المستويات شكلت صورة مأساة إنسانية بامتياز.
وتعود جذور هذا الملف، إلى مرحلة حرب الريف التحريرية التي استطاعت أن تهزم أكبر القوى الاستعمارية آنذاك، وتكبدت هذه الأخيرة خسائر لم تكن تتوقعها، بل أقبرت معها كل تطلعات الحداثة والتلاحم الوطني على حد قول المؤرخ الاسباني خوان باندو، الأمر الذي جعل هذه الدول الاستعمارية تفكر في الحين في كيفية محو العار وسحق المقاومة الريفية بأي وسيلة كانت حتى وﺇن لم تكن مشروعة فيكفي أن تكون فعالة.
من هنا كان اللجوء إلى استعمال الحرب الكيماوية لقهر كابوس الريف،كسلاح محظور وممنوع بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية، أهمها معاهدة فرساي سنة 1919 واتفاقية جنيف سنة 1925...ومن هنا أيضا ابتدأت المأساة الإنسانية التي ارتبطت بمخلفات سنوات "أرهاج" أو "السم"، كما ظل ذلك عالقا بالذاكرة الجماعية لأهالي الريف، ولعل الذي شاهد الفيلم الوثائقي "أرهاج" للشاب المقتدر طارق الإدريسي، والذي يعيد فيه رسم سيناريو فظاعة الغازات السامة، سيلمس من دون شك، وعلى لسان بعض الذين عايشوا تلك المرحلة،أن ما حدث كان فعلا جريمة تعددت الأطراف المشاركة فيها بدليل وجود قرائن ودلائل مادية ومؤشرات الفعل الإجرامي تفيد استعمال اسبانيا لهذا السلاح المحظور وتورط دول أخرى أهمها ألمانيا وفرنسا،ما دام أن الأمر يتعلق باللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل.
فالمعلوم أن هذا الملف، إلى جانب ملفات أخرى، أصبح من القضايا العالقة في إطار مجموع عناصر ومخلفات المرحلة الاستعمارية التي يراهن على تجاوز ثقلها عن طريق بناء ذاكرة مشتركة ومستقبل واعد ينطلق من المؤشرات الايجابية والقواسم المشتركة ويعالج بحكمة ثقل الماضي وسلبيات المراحل السابقة.
وممّا يجعل ملف استعمال الغازات السامة ضد الريف، الحرب القذرة أو العناق القاتل بتعبير سيبستيان بلفور، يكتسي أهمية خاصة، هو ما يميزه من تداخل تاريخي وسياسي وقانوني وأخلاقي، وكذا ما ينم عنه من تعدد أطراف الجريمة وما خلفته من تداعيات خطيرة على جميع المستويات شكلت صورة مأساة إنسانية بامتياز.
وتعود جذور هذا الملف، إلى مرحلة حرب الريف التحريرية التي استطاعت أن تهزم أكبر القوى الاستعمارية آنذاك، وتكبدت هذه الأخيرة خسائر لم تكن تتوقعها، بل أقبرت معها كل تطلعات الحداثة والتلاحم الوطني على حد قول المؤرخ الاسباني خوان باندو، الأمر الذي جعل هذه الدول الاستعمارية تفكر في الحين في كيفية محو العار وسحق المقاومة الريفية بأي وسيلة كانت حتى وﺇن لم تكن مشروعة فيكفي أن تكون فعالة.
من هنا كان اللجوء إلى استعمال الحرب الكيماوية لقهر كابوس الريف،كسلاح محظور وممنوع بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية، أهمها معاهدة فرساي سنة 1919 واتفاقية جنيف سنة 1925...ومن هنا أيضا ابتدأت المأساة الإنسانية التي ارتبطت بمخلفات سنوات "أرهاج" أو "السم"، كما ظل ذلك عالقا بالذاكرة الجماعية لأهالي الريف، ولعل الذي شاهد الفيلم الوثائقي "أرهاج" للشاب المقتدر طارق الإدريسي، والذي يعيد فيه رسم سيناريو فظاعة الغازات السامة، سيلمس من دون شك، وعلى لسان بعض الذين عايشوا تلك المرحلة،أن ما حدث كان فعلا جريمة تعددت الأطراف المشاركة فيها بدليل وجود قرائن ودلائل مادية ومؤشرات الفعل الإجرامي تفيد استعمال اسبانيا لهذا السلاح المحظور وتورط دول أخرى أهمها ألمانيا وفرنسا،ما دام أن الأمر يتعلق باللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل.
الصّمت المغربي، السّؤال المبهم
إلا أن المثير في هذه القضية، هو، من جهة، الصمت الرسمي للمغرب تجاه ملف استعمال الغازات السامة ضد الريف وعدم إثارته في سياق الملفات التي يتم طرحها مع اسبانيا،على غرار إثارة قضايا الهجرة والأمن والتعاون المشترك ومسألة سبتة ومليلية، وكأن في هذا الصمت المغربي والسكوت الرسمي سر معين، خصوصا وأن العديد من البلدان الأخرى استطاعت طرح مثل هذه الملفات مع الدول المعنية واستطاعت بذلك معالجتها، أو على الأقل إثارة الجوانب الحساسة فيها، مثلما هو الشأن بالنسبة لليبيا مع ايطاليا، والجزائر مع فرنسا فيما يعرف بقضية التجارب النووية بصحراء بلد المليون شهيد.
وما يطرح إشكالية الصمت المغربي أكثر، هو إقدام السلطات المغربية في وقت سابق على منع عدة ندوات حول موضوع الغازات السامة ضد الريف، وهو الأمر الذي أثار في حينه عدة تأويلات وقراءات في سياق الموقف الرسمي للدولة من قضية في حجم ملف الحرب الكيماوية.علاوة على ذلك، فقد سبق لليسار الجمهوري الكطلاني أن طرح الموضوع في الكورتيس/البرلمان الاسباني بتاريخ 14 فبراير2007 ، في مقابل الصمت المريب للبرلمان المغربي!!!.
أما من جهة أخرى، فبقدر ما أن هذا الملف يواجه بصمت مغربي غير مفهوم، رغم المجهودات التي قامت وتقوم بها عدة إطارات وفعاليات مدنية، فإن الدول المسؤولة عن هذه الجريمة، خاصة اسبانيا وألمانيا وفرنسا، بدورها مازالت تتهرب من إثارة القضية ولم تقتنع بعد بجدوى طرح الملف ومعالجته وفق ما يقتضيه منطق المعالجة التاريخية والحقوقية الايجابية، وبالشكل الذي يسمح ببناء أسس ذاكرة مشتركة وقوية بدون ثغرات ولا اختلالات ولا أحقاد تاريخية، لكن من المفروض تصفية ثقل الماضي وتركته.
وعلى ضوء ذلك، فقد أصبح من المفروض على المغرب أن يفتح ويطرح هذا الملف بكل جدية وشجاعة، لأن الأمر يهمه على أكثر من صعيد. وعلى هذه الدول المشار إليها سابقا، لاسيما اسبانيا، أن تعالج بدورها الملف بكل جدية وشجاعة بغرض فتح صفحة جديدة في العلاقات معها، وهو ما يستدعي الاعتراف باستعمال السلاح المحظور وتقديم الاعتذار الرسمي مع ما يستتبع ذلك من جبر ضرر أهالي منطقة الريف والشمال عموما. وأن تعتبر هذه الدولة الجارة أنها اقترفت جريمة من دون موجب حق، وإلاّ سيكون التعامل الجدي آنذاك يفرض اللجوء إلى المؤسسات القضائية الأوربية والدولية وطرح القضية على هذا المستوى مع اعتبار تورط دول عديدة بما في ذلك المنتظم الدولي آنذاك في شخص عصبة الأمم التي كان صمتها نوع من تزكية الأمر. وهذا التعامل الأخير ستكون له عواقب وخيمة ما لم يتم تغليب جانب التعامل بحكمة مع هذا الملف العالق وفق تصورات واجتهادات تروم إلى تقديم نموذج المعالجة السوية لقضية شائكة.
إلا أن المثير في هذه القضية، هو، من جهة، الصمت الرسمي للمغرب تجاه ملف استعمال الغازات السامة ضد الريف وعدم إثارته في سياق الملفات التي يتم طرحها مع اسبانيا،على غرار إثارة قضايا الهجرة والأمن والتعاون المشترك ومسألة سبتة ومليلية، وكأن في هذا الصمت المغربي والسكوت الرسمي سر معين، خصوصا وأن العديد من البلدان الأخرى استطاعت طرح مثل هذه الملفات مع الدول المعنية واستطاعت بذلك معالجتها، أو على الأقل إثارة الجوانب الحساسة فيها، مثلما هو الشأن بالنسبة لليبيا مع ايطاليا، والجزائر مع فرنسا فيما يعرف بقضية التجارب النووية بصحراء بلد المليون شهيد.
وما يطرح إشكالية الصمت المغربي أكثر، هو إقدام السلطات المغربية في وقت سابق على منع عدة ندوات حول موضوع الغازات السامة ضد الريف، وهو الأمر الذي أثار في حينه عدة تأويلات وقراءات في سياق الموقف الرسمي للدولة من قضية في حجم ملف الحرب الكيماوية.علاوة على ذلك، فقد سبق لليسار الجمهوري الكطلاني أن طرح الموضوع في الكورتيس/البرلمان الاسباني بتاريخ 14 فبراير2007 ، في مقابل الصمت المريب للبرلمان المغربي!!!.
أما من جهة أخرى، فبقدر ما أن هذا الملف يواجه بصمت مغربي غير مفهوم، رغم المجهودات التي قامت وتقوم بها عدة إطارات وفعاليات مدنية، فإن الدول المسؤولة عن هذه الجريمة، خاصة اسبانيا وألمانيا وفرنسا، بدورها مازالت تتهرب من إثارة القضية ولم تقتنع بعد بجدوى طرح الملف ومعالجته وفق ما يقتضيه منطق المعالجة التاريخية والحقوقية الايجابية، وبالشكل الذي يسمح ببناء أسس ذاكرة مشتركة وقوية بدون ثغرات ولا اختلالات ولا أحقاد تاريخية، لكن من المفروض تصفية ثقل الماضي وتركته.
وعلى ضوء ذلك، فقد أصبح من المفروض على المغرب أن يفتح ويطرح هذا الملف بكل جدية وشجاعة، لأن الأمر يهمه على أكثر من صعيد. وعلى هذه الدول المشار إليها سابقا، لاسيما اسبانيا، أن تعالج بدورها الملف بكل جدية وشجاعة بغرض فتح صفحة جديدة في العلاقات معها، وهو ما يستدعي الاعتراف باستعمال السلاح المحظور وتقديم الاعتذار الرسمي مع ما يستتبع ذلك من جبر ضرر أهالي منطقة الريف والشمال عموما. وأن تعتبر هذه الدولة الجارة أنها اقترفت جريمة من دون موجب حق، وإلاّ سيكون التعامل الجدي آنذاك يفرض اللجوء إلى المؤسسات القضائية الأوربية والدولية وطرح القضية على هذا المستوى مع اعتبار تورط دول عديدة بما في ذلك المنتظم الدولي آنذاك في شخص عصبة الأمم التي كان صمتها نوع من تزكية الأمر. وهذا التعامل الأخير ستكون له عواقب وخيمة ما لم يتم تغليب جانب التعامل بحكمة مع هذا الملف العالق وفق تصورات واجتهادات تروم إلى تقديم نموذج المعالجة السوية لقضية شائكة.
قانون الذّاكرة التّاريخيّة
أما من جانب آخر، فإذا كانت اسبانيا قد دخلت غمار "قانون الذاكرة التاريخية"، فكيف يتأتى لها ذلك من دون أن تعالج مثل ملف الحرب الكيماوية ضد الريف وما خلفته من عواقب كارثية لازالت تجلياتها قائمة إلى الآن؟.وكيف يمكن المصالحة مع الماضي وطي صفحاته في ظل استمرار نفس اختلالات هذا الماضي؟ وهل اسبانيا ومن وراءها ألمانيا وفرنسا مستعدتان لطرح الموضع والاعتراف بجرائمها حتى يكون ذلك نقطة الانطلاق نحو المستقبل المنشود؟.
بالتأكيد لم تعد هناك أي مسوغات لتأجيل الانكباب على تناول الموضوع من مختلف زواياه التاريخية والقانونية والسياسية أو لمزيد من شد الحبل أو الإثارة المناسبتية المحكومة بظرفية معينة.خصوصا إذا عرفنا حجم المعاناة التي تكبدها الريفيون نتيجة تداعيات الحرب القذرة التي استعملت فيها اسبانيا حوالي 110 طن من غاز اللوست للفتك بأبرياء وعزل ومدنيين لم يكن ذنبهم سوى الدفاع عن حريتهم وكرامتهم ووطنهم، ولم يكن هؤلاء يملكون من العتاد الحربي إلا بعض الخراطيش والبنادق.
أما من جانب آخر، فإذا كانت اسبانيا قد دخلت غمار "قانون الذاكرة التاريخية"، فكيف يتأتى لها ذلك من دون أن تعالج مثل ملف الحرب الكيماوية ضد الريف وما خلفته من عواقب كارثية لازالت تجلياتها قائمة إلى الآن؟.وكيف يمكن المصالحة مع الماضي وطي صفحاته في ظل استمرار نفس اختلالات هذا الماضي؟ وهل اسبانيا ومن وراءها ألمانيا وفرنسا مستعدتان لطرح الموضع والاعتراف بجرائمها حتى يكون ذلك نقطة الانطلاق نحو المستقبل المنشود؟.
بالتأكيد لم تعد هناك أي مسوغات لتأجيل الانكباب على تناول الموضوع من مختلف زواياه التاريخية والقانونية والسياسية أو لمزيد من شد الحبل أو الإثارة المناسبتية المحكومة بظرفية معينة.خصوصا إذا عرفنا حجم المعاناة التي تكبدها الريفيون نتيجة تداعيات الحرب القذرة التي استعملت فيها اسبانيا حوالي 110 طن من غاز اللوست للفتك بأبرياء وعزل ومدنيين لم يكن ذنبهم سوى الدفاع عن حريتهم وكرامتهم ووطنهم، ولم يكن هؤلاء يملكون من العتاد الحربي إلا بعض الخراطيش والبنادق.