ناظورسيتي: بقلم عزالدين شملال
عاشت أوروبا أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تدافعا قويا وصراعا مريرا بين الرأسمالية المتوحشة والطبقة العاملة توج بالاعتراف رسميا بالعمل النقابي كمدافع أصيل عن المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية للطبقة العاملة سنة 1848 بفرنسا وسنة 1871 ببريطانيا، ليتم تعميمها بعد ذلك في باقي أوروبا وغيرها من بلدان العالم .
وفي المغرب كان أول تشريع يتعلق بشأن النقابات سنة 1936، إلا أنه كان يمنع المغاربة من الانتماء النقابي ويقصره فقط على الأوربيين، بل صدر ظهير بتاريخ 24 يونيه 1938 يحدد عقوبات زجرية بحق المغاربة الذين ينخرطون في نقابة ما، وبالرغم من هذا المنع فإن المغاربة المنخرطين في النقابات كان عددهم في ازدياد متواصل، إلى أن صدر ظهير 12 شتنبر 1955 الذي نص صراحة على السماح للمغاربة بالانتماء النقابي، حيث ظهر أول تجمع نقابي خاص بالمغاربة، هذا الحق الذي سيتم تنظيمه بمقتضى ظهير 16 يوليوز 1957 وهو مازال إلى اليوم النص الأساسي في هذا الموضوع .
يعيش العمل النقابي بالمغرب وضعا مزريا وتشتتا مستفحلا يزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي للبلاد، ويكرس معاناة الطبقة الشغيلة المهضومة الحقوق، المسلوبة الكرامة والمُضَيَّقِ عليها في الأرزاق، وفي نفس الوقت يعطي الفرصة لأرباب العمل والأغنياء لاستنزاف طاقة الأجير واستغلاله بشكل بشع بمباركة أصحاب القرار.
هذا الوضع الكارثي ساهمت فيه مجموعة من الأسباب يمكن حصرها في ثلاث علل أساسية:
1. غياب الديمقراطية الداخلية :
إن من أبرز تجليات الأزمة النقابية بالمغرب غياب الديمقراطية الداخلية داخل أغلب المنظمات النقابية، وسيادة الرأي الوحيد، والانفراد بالقرار من طرف الشيوخ الخالدين لهذه المنظمات، بالإضافة إلى صورية الأجهزة وعدم احترام المبادئ المعلنة وعلى رأسها الديمقراطية والتناوب على الزعامة، مما أثر بشكل كبير على أداء النقابة وقزَّمَ من دورها الاجتماعي وحوَّلها إلى وكالات للارتزاق والاغتناء وتحقيق مصالح شخصية دنيئة على حساب قطاعات عريضة للعمال، كما ساهم أيضا في نفور وعزوف أطر نقابية شابة لها مواقف نضالية بارزة بعد تعرضها للإقصاء الممنهج من طرف الزعماء التارخيين المتربعين على عرش المركزيات النقابية، هذا الإقصاء والتهميش جعل الكثير منهم ينسحبون انسحابات جماعية نحو مركزيات تحقق لهم الحد الأدنى من الحرية والديمقراطية، ولعل آخر هذه الانسحابات الجماعية هجرة مجموعة من الأطر النقابية من الاتحاد المغربي للشغل نحو المنظمة الديمقراطية للشغل بالناظور ومكناس وتنغير وغيرها من المدن .
2. طغيان الانتماء الحزبي على الشأن النقابي :
لم يرتبط العمل النقابي بالمغرب بحاجيات الشغيلة المغربية ومطالبهم الاجتماعية على غرار النقابات الأوروبية التي كانت بحق المدافع الحقيقي للطبقة العاملة، وإنما ارتبط عملها برغبات حزبية وأجندات سياسية حولت العمل النقابي إلى وسيلة للضغط لانتزاع مناصب سياسية ومصالح شخصية بعيدة كل البعد عن مصالح العمال وحقوقهم المهضومة، بل أصبحت النقابات في المغرب تُوَظّف في الحملات الانتخابية لمجموعة من الأحزاب مما حوّلها إلى دكاكين حزبية تُروِّج أفكارها وخطابها السياسي .
إن طغيان الانتماء الحزبي على حساب النضال الاجتماعي والاقتصادي عَمَّقَ من أزمة النقابة في المغرب وعمقت من الهوة الموضوعة بينها وبين عموم العمال والأجراء، وبدل الانخراط بكثافة في هذه النقابات أمام طغيان الباطرونا، يتم العزوف عن العمل النقابي من طرف الطبقة العاملة كشكل وقائي من عدم سقوطها في الاستغلال والركوب على مصالحها لتحقيق مصالح شيوخ هذه النقابات .
3. الحصار والتضييق على العمل النقابي الجاد :
يتعرض العمل النقابي بالمغرب للتضييق والحصار والمنع، وتمارس على المناضلين النقابين شتى أنواع القمع، وتصادر الحقوق النقابية بالوحدات الصناعية، كما أن عدد من النقابيين أدوا ضريبة باهظة من أجل ترسيخ الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية.
إن النظام السياسي بالمغرب يرفض قيام حركة اجتماعية موحدة وقوية لقيادة المستضعفين والمحرومين واسترجاع كرامة الأجير وعزته المغصوبة وتحقيق عدالة اجتماعية، ويساهم بشكل كبير في تشتيت العمل النقابي من خلال إذكاء الصراعات داخل النقابات وتلغيم هذه الأخيرة والتخويف والتصدي لأي عمل وحدوي جاد .
وفي الأخير ومن أجل تحرير العمل النقابي بالمغرب ومنحه فرصة ممارسة مهامه كمؤسسة دستورية أناط لها المشرع هيكلة وتأطير عموم العمال والمأجورين والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في مختلف المؤسسات الأخرى، ومساندتهم ودعمهم اجتماعيا واقتصاديا، لابد لنا من أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونتكتل كقوة تستطيع إخراج العمل النقابي من الحصار المفروض عليه من قبل الانتهازيين والوصوليين المقتاتين على ظهور العمال والمأجورين، والذين من طول إِلفهم الاسترزاق من عرق الطبقة العاملة اعتقدوا أن النقابات بالمغرب عقارات حُفِّظت تحت أسمائهم يُساومون بها السلطات من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من الامتيازات الشخصية والمكاسب البنكية والمناصب الحكومية، ضاربين مصالح العمال عُرض الحائط ،غير آبهين بتضحياتهم خدمةً لهذا الوطن الذي يعشقونه حتى النخاع، ومستعدون للمزيد من التضحيات من أجل النهوض به واصتفافه ضمن الدول الكبار، أما المسترزقون بعرق العمال ومصالحهم فإلى مزبلة التاريخ لا يُذكرون إلا حينما يُذكر الفساد .
عاشت أوروبا أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تدافعا قويا وصراعا مريرا بين الرأسمالية المتوحشة والطبقة العاملة توج بالاعتراف رسميا بالعمل النقابي كمدافع أصيل عن المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية للطبقة العاملة سنة 1848 بفرنسا وسنة 1871 ببريطانيا، ليتم تعميمها بعد ذلك في باقي أوروبا وغيرها من بلدان العالم .
وفي المغرب كان أول تشريع يتعلق بشأن النقابات سنة 1936، إلا أنه كان يمنع المغاربة من الانتماء النقابي ويقصره فقط على الأوربيين، بل صدر ظهير بتاريخ 24 يونيه 1938 يحدد عقوبات زجرية بحق المغاربة الذين ينخرطون في نقابة ما، وبالرغم من هذا المنع فإن المغاربة المنخرطين في النقابات كان عددهم في ازدياد متواصل، إلى أن صدر ظهير 12 شتنبر 1955 الذي نص صراحة على السماح للمغاربة بالانتماء النقابي، حيث ظهر أول تجمع نقابي خاص بالمغاربة، هذا الحق الذي سيتم تنظيمه بمقتضى ظهير 16 يوليوز 1957 وهو مازال إلى اليوم النص الأساسي في هذا الموضوع .
يعيش العمل النقابي بالمغرب وضعا مزريا وتشتتا مستفحلا يزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي للبلاد، ويكرس معاناة الطبقة الشغيلة المهضومة الحقوق، المسلوبة الكرامة والمُضَيَّقِ عليها في الأرزاق، وفي نفس الوقت يعطي الفرصة لأرباب العمل والأغنياء لاستنزاف طاقة الأجير واستغلاله بشكل بشع بمباركة أصحاب القرار.
هذا الوضع الكارثي ساهمت فيه مجموعة من الأسباب يمكن حصرها في ثلاث علل أساسية:
1. غياب الديمقراطية الداخلية :
إن من أبرز تجليات الأزمة النقابية بالمغرب غياب الديمقراطية الداخلية داخل أغلب المنظمات النقابية، وسيادة الرأي الوحيد، والانفراد بالقرار من طرف الشيوخ الخالدين لهذه المنظمات، بالإضافة إلى صورية الأجهزة وعدم احترام المبادئ المعلنة وعلى رأسها الديمقراطية والتناوب على الزعامة، مما أثر بشكل كبير على أداء النقابة وقزَّمَ من دورها الاجتماعي وحوَّلها إلى وكالات للارتزاق والاغتناء وتحقيق مصالح شخصية دنيئة على حساب قطاعات عريضة للعمال، كما ساهم أيضا في نفور وعزوف أطر نقابية شابة لها مواقف نضالية بارزة بعد تعرضها للإقصاء الممنهج من طرف الزعماء التارخيين المتربعين على عرش المركزيات النقابية، هذا الإقصاء والتهميش جعل الكثير منهم ينسحبون انسحابات جماعية نحو مركزيات تحقق لهم الحد الأدنى من الحرية والديمقراطية، ولعل آخر هذه الانسحابات الجماعية هجرة مجموعة من الأطر النقابية من الاتحاد المغربي للشغل نحو المنظمة الديمقراطية للشغل بالناظور ومكناس وتنغير وغيرها من المدن .
2. طغيان الانتماء الحزبي على الشأن النقابي :
لم يرتبط العمل النقابي بالمغرب بحاجيات الشغيلة المغربية ومطالبهم الاجتماعية على غرار النقابات الأوروبية التي كانت بحق المدافع الحقيقي للطبقة العاملة، وإنما ارتبط عملها برغبات حزبية وأجندات سياسية حولت العمل النقابي إلى وسيلة للضغط لانتزاع مناصب سياسية ومصالح شخصية بعيدة كل البعد عن مصالح العمال وحقوقهم المهضومة، بل أصبحت النقابات في المغرب تُوَظّف في الحملات الانتخابية لمجموعة من الأحزاب مما حوّلها إلى دكاكين حزبية تُروِّج أفكارها وخطابها السياسي .
إن طغيان الانتماء الحزبي على حساب النضال الاجتماعي والاقتصادي عَمَّقَ من أزمة النقابة في المغرب وعمقت من الهوة الموضوعة بينها وبين عموم العمال والأجراء، وبدل الانخراط بكثافة في هذه النقابات أمام طغيان الباطرونا، يتم العزوف عن العمل النقابي من طرف الطبقة العاملة كشكل وقائي من عدم سقوطها في الاستغلال والركوب على مصالحها لتحقيق مصالح شيوخ هذه النقابات .
3. الحصار والتضييق على العمل النقابي الجاد :
يتعرض العمل النقابي بالمغرب للتضييق والحصار والمنع، وتمارس على المناضلين النقابين شتى أنواع القمع، وتصادر الحقوق النقابية بالوحدات الصناعية، كما أن عدد من النقابيين أدوا ضريبة باهظة من أجل ترسيخ الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية.
إن النظام السياسي بالمغرب يرفض قيام حركة اجتماعية موحدة وقوية لقيادة المستضعفين والمحرومين واسترجاع كرامة الأجير وعزته المغصوبة وتحقيق عدالة اجتماعية، ويساهم بشكل كبير في تشتيت العمل النقابي من خلال إذكاء الصراعات داخل النقابات وتلغيم هذه الأخيرة والتخويف والتصدي لأي عمل وحدوي جاد .
وفي الأخير ومن أجل تحرير العمل النقابي بالمغرب ومنحه فرصة ممارسة مهامه كمؤسسة دستورية أناط لها المشرع هيكلة وتأطير عموم العمال والمأجورين والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في مختلف المؤسسات الأخرى، ومساندتهم ودعمهم اجتماعيا واقتصاديا، لابد لنا من أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونتكتل كقوة تستطيع إخراج العمل النقابي من الحصار المفروض عليه من قبل الانتهازيين والوصوليين المقتاتين على ظهور العمال والمأجورين، والذين من طول إِلفهم الاسترزاق من عرق الطبقة العاملة اعتقدوا أن النقابات بالمغرب عقارات حُفِّظت تحت أسمائهم يُساومون بها السلطات من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من الامتيازات الشخصية والمكاسب البنكية والمناصب الحكومية، ضاربين مصالح العمال عُرض الحائط ،غير آبهين بتضحياتهم خدمةً لهذا الوطن الذي يعشقونه حتى النخاع، ومستعدون للمزيد من التضحيات من أجل النهوض به واصتفافه ضمن الدول الكبار، أما المسترزقون بعرق العمال ومصالحهم فإلى مزبلة التاريخ لا يُذكرون إلا حينما يُذكر الفساد .