بقلم : ياسين بوكراع
باحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية
إن الباحث في مواد القانون الجنائي والقانون الأسري في العالم بأسره وتلك الاسلامية على وجه الخصوص، سيقف لا محالة على حقيقة واضحة هي مدى الاهتمام الذي يوليه المشرع للطفل وهو جنين إلى غاية بلوغه سن الرشد، ودون الخوض والاستفاضة في شكل هذه الحماية وهذا الاهتمام، الذي أتركه للباحثين قصد التأكد بأنفسهم حقيقة ما أسرده لهم في هذا المقال المتواضع حول قضية الاجهاض .
وسوف لن أتكلم بصفتي باحث في القانون الجنائي ولا بخطاب ديني لأني لست مفتيا، لكن سأخوض في الموضوع بصفتي مسلم يحاول أن يفهم نصوص الدين .
فقضية الإجهاض آسالت هذه الأيام الكثير من اللعاب والمداد والنفاق السياسي والنضالي، وما كنت أتمنى أن يخوضوا فيه بهكذا حدة وتسرع دون البحث والتحري العلمي والشرعي والمناظرة والمقارعة لمثل هكذا قضايا، حتى لا يسجل التاريخ بأن الساسة المغاربة يغتنمون الفرص وينقضون عليها كأنها فريسة أو كما يقال ( إذا سقطت البقرة كثرة السكاكين )، وكلامي هذا جاء بعد ملاحظتي ومشاهدتي وسماعي لبعض دعاة المدافعين عن حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، الذين يدافعون عن إلغاء عقوبة الاعدام في حق "المجرمين العتاة" الذين يستبيحون ازهاق أرواح غيرهم بلا تردد، ويطالبون بإعدام جنين لا حول له ولا قوة بدعوى التقنين والتقدم على حساب الروح التي حرم الله قتلها.وذلك بالنظر الى أنهم يريدون أن يسترضوا الغرب، ويريدون ممارسة السياسة في الخطاب السياسي في قضية الإجهاض التي تقوم في الغالب على الإثبات والنفي في آن واحد ( نعم ولكن ). كالعبارة التي تحضرني في هذه اللحظة التي جاءت يوما على لسان زعيم سياسي مغربي – اللبيب بالإشارة يفهم – عبارة أعتبرها شخصيا أوضح وأفصح مثال على " ممارسة السياسة في السياسة "، وذلك حينما خاطب الجماهير قائلا " نحن نمارس السياسة بحسن نية سيئة ". وإذا كنا لا نستطيع القول أن هناك شيئا ما من " نية سيئة " في خطاب دعاة إباحة الإجهاض في جميع الحالات ، فإننا نشك في حسن نيتهم.
وقد قلنا بأن دعاة تقنين الإجهاض يمارسون السياسة وهذا مبرر ومفهوم ، لكن ما هو غير مبرر وغير مفهوم أن يمارسوا السياسة في مجال لا يحتمل ذلك، لكن هؤلاء يدافعون عن إلغاء عقوبة الإعدام كما يعارضونها في إطار من التموجات وعمليات " الكر والفر " التي تسحب فيها اليد اليسرى ما أعطته اليد اليمنى .
فالحياة أيها القراء الأعزاء في المنظور الاسلامي هبة من الله تعالى إلى الإنسان، فهي حق له، وواجب عليه الحفاظ على مقوماتها الجسمية والروحية، إذ ليس لأحد أن يمس حياته لا في جسمه ولا في روحه . لقد حرم الله قتل الإنسان نفسه ( الإنتحار) مهما كانت الظروف. ففي القرآن الكريم : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصله نارا " .( النساء 29-30) ، كما حرم قتل النفس البشرية إلا بحق وحرم قتل الأسرى وحرم تشويه أجساد القتلى . وكان بعض العرب في الجاهلية يقتلون أولادهم لعدم قدرتهم على تحمل لوازم عيشهم فحرم القرآن ذلك " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق. نحن نرزقهم وإياكم ..." ( الإسراء 33 ).كما حرم وأد البنات، وكان بعض العرب في الجاهلية يفعلون ذلك خوف العار : " وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت ؟ ( التكوير 8-9) . كما حرم قتل الجنين ( الإجهاض )... وكقانون عام : " أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكـأنما أحيا الناس جميعا " (المائدة 32) .أما الحد الذي يستوجب قتل المذنب فقد سن الاسلام ما يخفف منه إلى أقصى درجة ، وذلك بأن أمر بدفع الحدود وعدم تنفيذها عندما تكون هناك شبهة وفي الحديث : "إدرأوا الحدود بالشبهات ".
ونافلة القول هو أن هذه النصوص الشرعية التي سقتها لكم ليس الغرض منها دحض الرأي المعارض، بل العكس الهدف منها هو المشاركة في تنوير هذا النقاش حتى يولد سليما ويعيش سالما، وهو رأي شخصي متواضع، الذي ألخصه في كون فصول القانون الجنائي المجرمة للإجهاض فيها من المرونة ما قد تؤدي الى إباحة الإجهاض في أغلب حالات الحمل غير المرغوب فيه خصوصا إذا تصادفت هذه الرغبة كما قال الدكتور عبد الواحد العلمي مع انعدام الضمير المهني الحي لدى الطبيب الذي يطلب منه إجراؤه ما دام النص الجديد ( 453 ق.ج ) أتى بعبارة عامة في تقييده للإجهاض ب " ضرورة المحافظة على صحة الأم ". وهي – وكما هو واضح – من الشمول الذي قد يسمح بإدخال كل حالة حمل غير مرغوب فيه ضمنها بسبب غياب التحديد الدقيق للمبررات المبيحة جديا لوضع حد للحمل فيها. فإذا أبيح الإجهاض كما يريده مناصروه فسيفتحون الباب على مصرعيه - للفساد والإفساد –.
لكل ذلك أدعوكم إلى المقاربة التشاركية، ومقارعة الحجة بالحجة، فالإختلاف لا يفسد للود قضية، ويجب أن تكون هذه المقاربة هادئة ورصينة تأخذ بالحسبان كافة الجوانب الدينية والقانونية والطبية بعيدا عن أي تشنج بغرض بلوغ الفهم المشترك لمجموعة من النقاط.
باحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية
إن الباحث في مواد القانون الجنائي والقانون الأسري في العالم بأسره وتلك الاسلامية على وجه الخصوص، سيقف لا محالة على حقيقة واضحة هي مدى الاهتمام الذي يوليه المشرع للطفل وهو جنين إلى غاية بلوغه سن الرشد، ودون الخوض والاستفاضة في شكل هذه الحماية وهذا الاهتمام، الذي أتركه للباحثين قصد التأكد بأنفسهم حقيقة ما أسرده لهم في هذا المقال المتواضع حول قضية الاجهاض .
وسوف لن أتكلم بصفتي باحث في القانون الجنائي ولا بخطاب ديني لأني لست مفتيا، لكن سأخوض في الموضوع بصفتي مسلم يحاول أن يفهم نصوص الدين .
فقضية الإجهاض آسالت هذه الأيام الكثير من اللعاب والمداد والنفاق السياسي والنضالي، وما كنت أتمنى أن يخوضوا فيه بهكذا حدة وتسرع دون البحث والتحري العلمي والشرعي والمناظرة والمقارعة لمثل هكذا قضايا، حتى لا يسجل التاريخ بأن الساسة المغاربة يغتنمون الفرص وينقضون عليها كأنها فريسة أو كما يقال ( إذا سقطت البقرة كثرة السكاكين )، وكلامي هذا جاء بعد ملاحظتي ومشاهدتي وسماعي لبعض دعاة المدافعين عن حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، الذين يدافعون عن إلغاء عقوبة الاعدام في حق "المجرمين العتاة" الذين يستبيحون ازهاق أرواح غيرهم بلا تردد، ويطالبون بإعدام جنين لا حول له ولا قوة بدعوى التقنين والتقدم على حساب الروح التي حرم الله قتلها.وذلك بالنظر الى أنهم يريدون أن يسترضوا الغرب، ويريدون ممارسة السياسة في الخطاب السياسي في قضية الإجهاض التي تقوم في الغالب على الإثبات والنفي في آن واحد ( نعم ولكن ). كالعبارة التي تحضرني في هذه اللحظة التي جاءت يوما على لسان زعيم سياسي مغربي – اللبيب بالإشارة يفهم – عبارة أعتبرها شخصيا أوضح وأفصح مثال على " ممارسة السياسة في السياسة "، وذلك حينما خاطب الجماهير قائلا " نحن نمارس السياسة بحسن نية سيئة ". وإذا كنا لا نستطيع القول أن هناك شيئا ما من " نية سيئة " في خطاب دعاة إباحة الإجهاض في جميع الحالات ، فإننا نشك في حسن نيتهم.
وقد قلنا بأن دعاة تقنين الإجهاض يمارسون السياسة وهذا مبرر ومفهوم ، لكن ما هو غير مبرر وغير مفهوم أن يمارسوا السياسة في مجال لا يحتمل ذلك، لكن هؤلاء يدافعون عن إلغاء عقوبة الإعدام كما يعارضونها في إطار من التموجات وعمليات " الكر والفر " التي تسحب فيها اليد اليسرى ما أعطته اليد اليمنى .
فالحياة أيها القراء الأعزاء في المنظور الاسلامي هبة من الله تعالى إلى الإنسان، فهي حق له، وواجب عليه الحفاظ على مقوماتها الجسمية والروحية، إذ ليس لأحد أن يمس حياته لا في جسمه ولا في روحه . لقد حرم الله قتل الإنسان نفسه ( الإنتحار) مهما كانت الظروف. ففي القرآن الكريم : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصله نارا " .( النساء 29-30) ، كما حرم قتل النفس البشرية إلا بحق وحرم قتل الأسرى وحرم تشويه أجساد القتلى . وكان بعض العرب في الجاهلية يقتلون أولادهم لعدم قدرتهم على تحمل لوازم عيشهم فحرم القرآن ذلك " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق. نحن نرزقهم وإياكم ..." ( الإسراء 33 ).كما حرم وأد البنات، وكان بعض العرب في الجاهلية يفعلون ذلك خوف العار : " وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت ؟ ( التكوير 8-9) . كما حرم قتل الجنين ( الإجهاض )... وكقانون عام : " أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكـأنما أحيا الناس جميعا " (المائدة 32) .أما الحد الذي يستوجب قتل المذنب فقد سن الاسلام ما يخفف منه إلى أقصى درجة ، وذلك بأن أمر بدفع الحدود وعدم تنفيذها عندما تكون هناك شبهة وفي الحديث : "إدرأوا الحدود بالشبهات ".
ونافلة القول هو أن هذه النصوص الشرعية التي سقتها لكم ليس الغرض منها دحض الرأي المعارض، بل العكس الهدف منها هو المشاركة في تنوير هذا النقاش حتى يولد سليما ويعيش سالما، وهو رأي شخصي متواضع، الذي ألخصه في كون فصول القانون الجنائي المجرمة للإجهاض فيها من المرونة ما قد تؤدي الى إباحة الإجهاض في أغلب حالات الحمل غير المرغوب فيه خصوصا إذا تصادفت هذه الرغبة كما قال الدكتور عبد الواحد العلمي مع انعدام الضمير المهني الحي لدى الطبيب الذي يطلب منه إجراؤه ما دام النص الجديد ( 453 ق.ج ) أتى بعبارة عامة في تقييده للإجهاض ب " ضرورة المحافظة على صحة الأم ". وهي – وكما هو واضح – من الشمول الذي قد يسمح بإدخال كل حالة حمل غير مرغوب فيه ضمنها بسبب غياب التحديد الدقيق للمبررات المبيحة جديا لوضع حد للحمل فيها. فإذا أبيح الإجهاض كما يريده مناصروه فسيفتحون الباب على مصرعيه - للفساد والإفساد –.
لكل ذلك أدعوكم إلى المقاربة التشاركية، ومقارعة الحجة بالحجة، فالإختلاف لا يفسد للود قضية، ويجب أن تكون هذه المقاربة هادئة ورصينة تأخذ بالحسبان كافة الجوانب الدينية والقانونية والطبية بعيدا عن أي تشنج بغرض بلوغ الفهم المشترك لمجموعة من النقاط.