ناظورسيتي: محمد زاهــد
تحل الذكرى 52 مع حلول 6 فبراير 2015 لرحيل الأمير والبطل والشهيد والمقاوم والمجاهد والحربي والمسالم والرمز والإنسان.. ذكرى وفاة "مّيس ن السّي عبد الكريم" و"مولاي موحند" و"الأمير الخطابي". تحل إذن هذه الذكرى وكثير من الغيوم والظلال المرتبطة بكفاحه ونضاله وحياته وتجربته تحوم فوق سماء الرّيف. غيوم في شكل تجليّات وأبعاد وقضايا ممتدة في الزمن الراهن. فهل حان الوقت لحسمها وإنهاء مصيرها المعلق؟.
1/ الخطابي:
لا أحد، وبصفة مطلقة، يمكن أن ينكر كون محمد بن عبد الكريم الخطابي يشكل رمز التحرر الوطني. كما أنه يعد مدرسة للكفاح من أجل الحرية والانعتاق والاستقلال. كيف لا وهو ملهم الكثير من القادة والشعوب في سيعها للتخلص من رقبة المستعمر وإنهاء الاحتلال. ونظرا لكون سليل الثورة، وهو مبدع حرب العصابات ومدرسة حربية وقائدا عسكريا ورائدا في الكفاح وشخصية خارج نطاق التصنيف، كما قال "جان لاكوتير"، ولكونه استطاع أن "يتصدى للفوضى المنظمة والحكم المخزني والسلطاني المنحرف أو المتخبط في نزاعات داخلية"، على حد تعبير "برونو إتيان"، فإنه "وبالفعل، هاهو أثر عبد الكريم باق إلى اليوم، دون نسب سياسي مباشر وقائم، بل مع الرفض العنيد لهذا النسب، وهو رفض مدهش كقصة الرجل نفسه، وها إن نجمه مستمر في اللمعان ليس فحسب فوق جبال الريف، بل حتى خارجها.
إنها إذن، قصة رجل "زعزعت إستراتيجيته الحربية النظام الاستعماري وهو في أوج قوته آنئذ، ووضعت فراسته السياسية كمصلح أسس دولة ما قبل حديثة وثورية قياسا إلى عصره وإمكانياته"، تكتب زكية داود. فهل آن الأوان لإنصاف فكره وتجربته ورد الاعتبار لشخصيته؟ وهل آن الأوان لان نفهم الدلالات والمغزى الذي يمكن أن نستلهمه منه؟
2/ الجمهورية:
كثير هو الجدل الذي رافق حقيقة إعلان الأمير الخطابي في إبان حربه التحررية عن إنشاء "جمهورية الريف".
ولأن أيضا غيوم هذا الأمر مازالت قائمة، وأن "الجمهورية" المعلنة لازالت امتداداتها مستمرة إلى الآن، كتجربة عكست الفكر التحرري والتجربة السياسية للخطابي على مستوى التحديث والبناء والتنظيم وإعلان الكيّان التاريخي والجغرافي والوجداني، فهل استوعبنا حقّاً عمق هذه التجربة؟ وهل هناك فعلاً استمرارية وامتداد موضوعي لعمق هذه التجربة بعيداً عن التجاذبات وتحوير المشروع التحرري والسياسي للمُلهم وصانع تجربة "الحداثة السياسية" التي بلورها "فينيق أنوال"؟.
3/ الجهويّة:
إذا كان هناك من شيء مفترى عليه في الزمن الراهن بالمغرب، فهو ما صار يعرف ب "الجهوية"، بما فيها "المتقدمة" و"المتأخرة"، و"الموسعة" و"الضيقة"-"الضائقة". لقد صار الأمر أشبه بمقولة "حق يراد به باطل.
وإذا كانت التجارب الجهوية الدوليّة جاءت في سياقات التطورات التاريخية التي عاشتها هذه المجتمعات، وأساسا لتحقيق رهانات التنمية المستدامة والمتوازنة والديمقراطية التشاركيّة عبر إشراك النخب المحلية وتدبيرها للشأن العام والتسيير الذاتي تبعاً لمحددات وعناصر تحقق التكامل والتجانس تاريخيا ولغويا ومجاليّا.. فكيف صارت الجهوية المفترى عليها في المغرب؟.
يبدو أنها صارت في منحى إفراغ هذه التجربة من مضمونها وآلية للتحكم والهندسة الانتخابية والضبط الأمني أكثر مما هي وسيلة لتجاوز تعثرات التنمية والحد من الفوارق بين الجهات. فأن يتم فصل جزء من أجزاء الجسد الواحد فمعناه ذر الرماد في الأعين والضحك على الذقون.
4/ الغازات السّامة:
إنه حديث آخر. وعهدي بهذا الملف كتاب الألمانيين الذي صدرت ترجمته سنة 1996، وتوالت بعده بعض الملفات الصحفية والأنشطة الجمعوية التي فتحت علبة الحرب الكيماوية واستعمالها ضد الريف. إلاّ أن إحدى الندوات التي عقدت بالناظور في 20 يونيو 2004، وحضرها المرحوم الدكتور عمر الخطابي كانت هيّ البوابة الواسعة التي ولجت منها إلى ثنايا هذا الموضوع. كم كانت قامة عمر الخطابي مذهلة. وكم كان حديثه معي حول الغازات السامة مذهلاً أيضا.
من تلك اللحظة استوعبت أهمية ملف الحرب الكيماوية ضد الرّيف وأبعاده التاريخيّة والسياسية والحقوقية. لكن ومنذ تلك اللحظة وتطورات هذه القضية لم تتجاوز حدّ تحقيق وإبراز بعض المعطيات المعرفية والتاريخية ولم يتم تحقيق خطوة عملية على أرض الواقع. أندري لماذا؟ إنه السؤال الذي يجب أن يطرح وأن تتم الإجابة عليه.
5/ الذاكرة:
بين متاهات شعار حفظ الذاكرة ضاعت أجزاء من ذاكرتنا الجماعية والتاريخية والوطنيّة. فيا أيها المسؤولون، ويا أيها المسؤولين. يا من أسندت إليه أمور حفظ ذاكرة تعرضت للطمس والتحريف، فالذاكرة لا تصان ولا تحفظ بمتحف أو بمعرض أو بندوة. هي تُحفظ أساسا بكشف الحقيقة و كل الحقائق، لأنها هي الأصل في هذه الذاكرة.
6/ المصير المعلق:
إنه المحك الذي يبيّن أننا قطعنا منتصف الطريق وتاهت بنا الاتجاهات. لم نحقق مصيرنا الثقافي ولا السياسي ولا التاريخي.. صرنا كما يقول الفنان خالد إزري: "شَا إِتَكْ زَرْمضْ، شَا إِتَكْ يفُّوسْ"، كأننا لسنا أصابع اليد الواحدة.
وفي آثر السابقون، فقد يطول كفاح أمة لغلط في تفكيرها. أخشى أن يطول نضالنا لغلط في تفكيرنا. أما الأشياء الأخرى فيطول أيضا شرحها. هذه مجرد إشارات. وسيكون من المفيد لو تفضّل أحد بتشخيص معضلتنا. فقط التساؤل الذي يثقل بالي، هو: ماذا سيكون رد فعل الأمير الخطابي لو عاد إلينا من جديد ورأى واقعنا؟.
تحل الذكرى 52 مع حلول 6 فبراير 2015 لرحيل الأمير والبطل والشهيد والمقاوم والمجاهد والحربي والمسالم والرمز والإنسان.. ذكرى وفاة "مّيس ن السّي عبد الكريم" و"مولاي موحند" و"الأمير الخطابي". تحل إذن هذه الذكرى وكثير من الغيوم والظلال المرتبطة بكفاحه ونضاله وحياته وتجربته تحوم فوق سماء الرّيف. غيوم في شكل تجليّات وأبعاد وقضايا ممتدة في الزمن الراهن. فهل حان الوقت لحسمها وإنهاء مصيرها المعلق؟.
1/ الخطابي:
لا أحد، وبصفة مطلقة، يمكن أن ينكر كون محمد بن عبد الكريم الخطابي يشكل رمز التحرر الوطني. كما أنه يعد مدرسة للكفاح من أجل الحرية والانعتاق والاستقلال. كيف لا وهو ملهم الكثير من القادة والشعوب في سيعها للتخلص من رقبة المستعمر وإنهاء الاحتلال. ونظرا لكون سليل الثورة، وهو مبدع حرب العصابات ومدرسة حربية وقائدا عسكريا ورائدا في الكفاح وشخصية خارج نطاق التصنيف، كما قال "جان لاكوتير"، ولكونه استطاع أن "يتصدى للفوضى المنظمة والحكم المخزني والسلطاني المنحرف أو المتخبط في نزاعات داخلية"، على حد تعبير "برونو إتيان"، فإنه "وبالفعل، هاهو أثر عبد الكريم باق إلى اليوم، دون نسب سياسي مباشر وقائم، بل مع الرفض العنيد لهذا النسب، وهو رفض مدهش كقصة الرجل نفسه، وها إن نجمه مستمر في اللمعان ليس فحسب فوق جبال الريف، بل حتى خارجها.
إنها إذن، قصة رجل "زعزعت إستراتيجيته الحربية النظام الاستعماري وهو في أوج قوته آنئذ، ووضعت فراسته السياسية كمصلح أسس دولة ما قبل حديثة وثورية قياسا إلى عصره وإمكانياته"، تكتب زكية داود. فهل آن الأوان لإنصاف فكره وتجربته ورد الاعتبار لشخصيته؟ وهل آن الأوان لان نفهم الدلالات والمغزى الذي يمكن أن نستلهمه منه؟
2/ الجمهورية:
كثير هو الجدل الذي رافق حقيقة إعلان الأمير الخطابي في إبان حربه التحررية عن إنشاء "جمهورية الريف".
ولأن أيضا غيوم هذا الأمر مازالت قائمة، وأن "الجمهورية" المعلنة لازالت امتداداتها مستمرة إلى الآن، كتجربة عكست الفكر التحرري والتجربة السياسية للخطابي على مستوى التحديث والبناء والتنظيم وإعلان الكيّان التاريخي والجغرافي والوجداني، فهل استوعبنا حقّاً عمق هذه التجربة؟ وهل هناك فعلاً استمرارية وامتداد موضوعي لعمق هذه التجربة بعيداً عن التجاذبات وتحوير المشروع التحرري والسياسي للمُلهم وصانع تجربة "الحداثة السياسية" التي بلورها "فينيق أنوال"؟.
3/ الجهويّة:
إذا كان هناك من شيء مفترى عليه في الزمن الراهن بالمغرب، فهو ما صار يعرف ب "الجهوية"، بما فيها "المتقدمة" و"المتأخرة"، و"الموسعة" و"الضيقة"-"الضائقة". لقد صار الأمر أشبه بمقولة "حق يراد به باطل.
وإذا كانت التجارب الجهوية الدوليّة جاءت في سياقات التطورات التاريخية التي عاشتها هذه المجتمعات، وأساسا لتحقيق رهانات التنمية المستدامة والمتوازنة والديمقراطية التشاركيّة عبر إشراك النخب المحلية وتدبيرها للشأن العام والتسيير الذاتي تبعاً لمحددات وعناصر تحقق التكامل والتجانس تاريخيا ولغويا ومجاليّا.. فكيف صارت الجهوية المفترى عليها في المغرب؟.
يبدو أنها صارت في منحى إفراغ هذه التجربة من مضمونها وآلية للتحكم والهندسة الانتخابية والضبط الأمني أكثر مما هي وسيلة لتجاوز تعثرات التنمية والحد من الفوارق بين الجهات. فأن يتم فصل جزء من أجزاء الجسد الواحد فمعناه ذر الرماد في الأعين والضحك على الذقون.
4/ الغازات السّامة:
إنه حديث آخر. وعهدي بهذا الملف كتاب الألمانيين الذي صدرت ترجمته سنة 1996، وتوالت بعده بعض الملفات الصحفية والأنشطة الجمعوية التي فتحت علبة الحرب الكيماوية واستعمالها ضد الريف. إلاّ أن إحدى الندوات التي عقدت بالناظور في 20 يونيو 2004، وحضرها المرحوم الدكتور عمر الخطابي كانت هيّ البوابة الواسعة التي ولجت منها إلى ثنايا هذا الموضوع. كم كانت قامة عمر الخطابي مذهلة. وكم كان حديثه معي حول الغازات السامة مذهلاً أيضا.
من تلك اللحظة استوعبت أهمية ملف الحرب الكيماوية ضد الرّيف وأبعاده التاريخيّة والسياسية والحقوقية. لكن ومنذ تلك اللحظة وتطورات هذه القضية لم تتجاوز حدّ تحقيق وإبراز بعض المعطيات المعرفية والتاريخية ولم يتم تحقيق خطوة عملية على أرض الواقع. أندري لماذا؟ إنه السؤال الذي يجب أن يطرح وأن تتم الإجابة عليه.
5/ الذاكرة:
بين متاهات شعار حفظ الذاكرة ضاعت أجزاء من ذاكرتنا الجماعية والتاريخية والوطنيّة. فيا أيها المسؤولون، ويا أيها المسؤولين. يا من أسندت إليه أمور حفظ ذاكرة تعرضت للطمس والتحريف، فالذاكرة لا تصان ولا تحفظ بمتحف أو بمعرض أو بندوة. هي تُحفظ أساسا بكشف الحقيقة و كل الحقائق، لأنها هي الأصل في هذه الذاكرة.
6/ المصير المعلق:
إنه المحك الذي يبيّن أننا قطعنا منتصف الطريق وتاهت بنا الاتجاهات. لم نحقق مصيرنا الثقافي ولا السياسي ولا التاريخي.. صرنا كما يقول الفنان خالد إزري: "شَا إِتَكْ زَرْمضْ، شَا إِتَكْ يفُّوسْ"، كأننا لسنا أصابع اليد الواحدة.
وفي آثر السابقون، فقد يطول كفاح أمة لغلط في تفكيرها. أخشى أن يطول نضالنا لغلط في تفكيرنا. أما الأشياء الأخرى فيطول أيضا شرحها. هذه مجرد إشارات. وسيكون من المفيد لو تفضّل أحد بتشخيص معضلتنا. فقط التساؤل الذي يثقل بالي، هو: ماذا سيكون رد فعل الأمير الخطابي لو عاد إلينا من جديد ورأى واقعنا؟.