بقلم : محمد أحادوش
الجزء الثاني
محمد أحادوش(برشلونة):"عبد الكريم الخطابي ليس انفصاليا"، مشاركة بالمنتدى الهولندي لمغاربة المهجر الذي أسسه بمدينة لايدن الهولندية الفاعل الجمعوي الرائد السيد ادريس ابضلاس اثناء الحجر الصحي،و الذي يضم العديد من مغاربة العالم من هولندة و بلجيكا و فرنسا و المانيا و ايطاليا و اسبانيا و بعض دول الخليج كالعربية السعودية...
" لا يمكن لنا أن نسمح بقيام امبراطورية اسلامية مرة أخرى في الضفة الجنوبية
"عبد الكريم زعيم ريفي يطمح لاستقلال الغرب الافريقي المسلم وافريقيا الشمالية والذي يشكل خطورة عن المغرب الفرنسي"، و في مراسلة أحري يقول: "عبد الكريم مقتنع بشعار حق الشعوب في تقرير مصيرها".
"لقد كنت دوما على علم بخطر قيام دولة مستقلة بالريف، ليس فقط على المغرب، بل على افريقيا الشمالية برمتها".
"فهيمنة عبد الكريم على كل قبائل منطقتنا التي لم تخضع بعد، وذيوع صيت وهيبة هذا الزعيم الريفي، أصبحا مقلقين لنا، ولن نسمح له بأن يكون مركز جذب بالنسبة لكل من يطمح في استقلال الغرب الافريقي المسلم".
"فهيمنة عبد الكريم على كل قبائل منطقتنا التي لم تخضع بعد، وذيوع صيت وهيبة هذا الزعيم الريفي، أصبحا مقلقين لنا، ولن نسمح له بأن يكون مركز جذب بالنسبة لكل من يطمح في استقلال الغرب الافريقي المسلم".
"إن تقدم عبد الكريم الناتج عن انتصاراته الأخيرة، يشكل تهديدا فعليا وخطيرا، بحيث لم يعد الأمر مقتصرا على الجانب المحلي للمسألة، بل أصبح مرتبط على الخصوص، بدعم وبتدخلات أجنبية تروم تشكيل دولة إسلامية مستقلة بشمال المغرب".
هذه بعض التصريحات التي قدمها المقيم العام الفرنسي بالمغرب ، المارشال هوبير ليوطي، ضمن وثيقة
" توجيهات عامة بخصوص خطط سنة 1924"، والهادفة الى تحقيق " برنامج التهدئة "،بالإضافة إلى رسائل وجهها إلى وزير الشؤون الخارجية و رئيس وزراء فرنسا لستة مرات،الحاصل على جائزة نوبل للسلام، السيد أريستيد بريان(Aristid Briand)، بتاريخ 31 يوليوز 1925، أي في أواخر أيام ليوطي في المغرب.
لقد صدرت هذه التصريحات بعد تأسيس جمهورية الريف في 1921 و الاعلان عن تشكيل حكومتها في 1923 ،عن أكبر ممثل للدولة الفرنسية بالمغرب، و لذلك فهي تؤكد أن جمهورية الريف ليست وهما،إنما هو كيان سياسي مستقل يشكل تهديدا للوجود الاستعماري ككل.
اذا وضعنا هذه التصريحات ،في سياقها التاريخي ، نلاحظ أنها صدرت في 1925 و هي نفس السنة التي كانت فيه فرنسا و انجلترا في أعلى مستوى من التنسيق فيما بينها من أجل تقسيم المنطقة العربية و التركية بحيث استفردت فرنسا بسوريا و لبنان و منطقة الأناضول التي يسكنها الأرمن ، و قامت انجلترا باحتلال العراق و الاردن و جزء من فلسطين و مصر و السودان ، و في كل مراحل مفاوضاتهما التي بدأت منذ 1900 كان المغرب دائما حاضرا كعنصر رئيسي للمساومة و الابتزاز.
و هذا ما أكدته الرسالة التي أرسلها المارشال ليوطي الى رئيس الحكومة و وزيرالدفاع الفرنسي بتاريخ 17 ماي 1925 مقترحا الحل الذي بفضله تستطيع فرنسا و انجلترا اجهاض المشروع التحرري الذي يسعى اليه الريفيون ، وقد جاء فيها :
" يبدو أن لدينا حلا يعتبر من أفضل الحلول، ويتعلق الأمر بعملية صارمة وفورية مشتركة بين فرنسا واسبانيا، لكن على شرط أن تشارك فيها انجلترا...وبما أن الهجوم هو الشرط لتدارك الوضعية، فإنه يتعين التخطيط لتحقيقه. أين؟ هناك نقطة واحدة وهي أجدير بخليج الحسيمة، حيث تتم العملية باشتراك فرنسي- اسباني، بل وانجليزي إذا أمكن. إذن علينا بأجدير، بأجدير، وفي أسرع وقت ممكن".
و لقد كان الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي مطلعا على هذه التوافقات و العمل التنسيقي الاستعماري بين انجلترا و فرنسا الذي توج بالتفاق الودي في سنة 1904 ،و ذلك بحكم اقامته السابقة بمليلية و اشتغاله كقاض و صحفي و مدرس لكثير من الضباط الاسبان و مترجم في القيادة العسكرية الاسبانية " المكتب الركزي"(Oficina central ) و حصوله على عدة أوسمة عسكرية ،مما مكنه من الاطلاع على أسرار عسكرية بدرجة عالية من الأهمية.
اذا وضعنا في الحسبان ذكاء و فطنة و بعد نظر الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بالضافة الى شعوره القومي و قناعاته الدينية التي ترسخت لديه خلال الأربع سنوات التي قضاها في الدراسة الجامعية العليا بجامعة القرويين (من 1902 الى 1906 )،سنزداد اقتناعا بأن الأمير مولاي موحند لم يكن ليقع في شرك الانجليز و الفرنسيين فيثق فيهم من أجل دعمه و اعترافهم بجمهورية الريف.
اعتبارا لما سبق،علينا أن نتساءل عن الهدف الحقيقي من وراء تأسيس جمهورية الريف.
إذا أردنا أن نعرف حقيقة الأسباب التي أدت الى تأسيس جمهورية الريف في 1921 و اعلان تشكيل حكومتها في 1923 ،علينا قراءة مذكرات الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي التي كتبها في منفاه بجزيرة "لارينيون " التي قضى فيها 21 سنة (من 1926 الى 1947) ثم الاطلاع على أنشطته و تصريحاته أثناء اقامته في بلد اللجوء مصر التي قضى فيها 16 سنة (بين 1947 و 1963 )،و التي نستنتج منه ما يلي:
أوضاع المغرب قبل اعلان الجمهورية:
كيف كانت الأوضاع الأمنية في المغرب بصفة عامة و في الريف بصفة خاصة، قبل معركة أنوال ؟
يقول محمد بن عبد الكريم في مذكراته (جزء 1 – ص 16 ):
"لم يكن في المغرب شيء اسمه أمن و أمان و لا حكم و لا مسؤولية . كان على كل مواطن أن يكون دائما على استعداد ليرد الأشقياء عن منزله و حرمه في غدوه و رواحه . كان كل مواطن ينام إلا و معه السلاح بجانبه . كان المواطن لا يستطيع أن يسير في الطريق دون أن يكون هدفا للقتل و السلب و النهب" .
و في فصل آخر من المذكرات يقول في وصفه لأوضاع المغرب آنذاك :
" كان الوضع السياسي في مراكش منهارا من كل جدرانه ، كان أمامنا شعب فقير معدم منهار ، لا حول له و لا قوة .مضروب عليه حصار من أبنائه السلاطين و من سادتهم المستعمرين ، بألا يتقدم أو يسعى للتقدم أو ترقي حاله ، و تنفتح أمامه أبواب الحرية التي بها سيستطيع بناء نفسه ، و انشاء قوته حماية نفسه و بلاده ..و كان أمامنا شعب يسيطر عليه العدم و العسر ، و الفوضى. و لذلك لم يحس يوما أن وحدة الوطن تجمعه، بل كانت قبائله لا تنفك عن حرب بعضها البعض،والثأر بين دار و دوار.أما أصحاب المدن فكانوا مشتتين بين ممالات الحاشية و أصحاب النفوذ و الاشتغال بالتجارة وكسب المال من أجل المال فقط ".
قبل الاجابة على السؤال السابق ، نطرح بعض التساؤلات البديهية :
- هل حقا كان عبد الكريم الخطابي يملك مشروعا انفصاليا،يهدف الى انشاء دولة ريفية مستقلة عاصمتها أجدير بمدينة الحسيمة ؟
- اذا كان الجواب بالنفي ، فلماذا أنشأ في 1921 جمهورية الريف ؟ لماذا شكل في 1923 حكومة من خمسة وزراء ؟ لماذا أنشأ عملة "الريفان" الخاصة بمنطقة اللريف ؟ لماذا أنشأ راية حمراء تتوسطها نجمة سداسية خضراء و هلال فوق رقعة مربعة بيضاء ؟ لماذا أنشأ محاكم محلية تعتمد في أحكامها على الشريعة الاسلامية ؟
- كيف نفسر ما جاء في بيان جمهورية الريف من تأكيد على عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية ؟
- بماذا نفسرارسال ابن عبد الكريم الخطابي لسفيره عبد الكريم اللوه الى انجلترا و لرئيس حكومته الحاج الحاتمي و وزير خارجيته السي أزرقان الى فرنسا من أجل الاعتراف بجمهورية الريف ؟
- على ماذا يعتمد دعاة الانفصال في دعوتهم الى انشاء دولة للريفيين ؟
- لماذا يصرون - ربما عن حسن نية- على النفخ في رماد الانفصال رغم معارضة جميع الريفيين الغيورين على الريف بصفة خاصة و على الوطن بصفة عامة ؟
- لماذا يلحون على تقطيع أوصال الوطن في الوقت الذي يعمل فيه الآخرون على الاتحاد ؟
- لماذا التصميم على تكرار تجارب الانفصال الفاشلة على الصعيد الافريقي و العربي و الدولي ؟
- لماذا لا يأخذون العبرة من محاولات الانفصال الحديثة المؤدية الى نزاعات مسلحة أنتجت أحقادا و آلاما و جراحات عميقة لم يستطع الزمن ضمدها بسهولة ؟
- لماذا التخطيط و العمل على تحطيم آمال و أحلام الريفيين الذين يسعون جاهدين الى تحسين أوضاعهم و واقع منطقتهم التي عانت التهميش و الاقصاء في الماضي ، متسلحين بكل أنواع الصمود و التحدي من أجل تهييء غد أفضل للأجيال المقبلة ؟
هناك تفسيران رئيسيان لتوضيح الهدف الحقيقي من انشاء الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي لجمهورية الريف و اتخاذها كيانا سياسيا بديلا عن اتحاد القبائل السابق.
التفسير الأول:
الخطابي كان حقا مقتنعا بمشروع الجمهورية و انشاء دولة ريفية مستقلة فيما بين 1921 و 1926 ،لكن بعد نفيه الى جزيرة لارينيون و بعد قضائه هناك مدة 21 سنة ، قام بمراجعة أفكاره و تخلي عن فكرة الانفصال و رجع الى تبني أفكاره السابقة حينما كان قاضيا معينا من طرف السلطان المغربي و تمسك بقناعات الدولة المغربية الموحدة من شمالها الى جنوبها تحت قيادة ملكية دستورية اجتماعية.
ان كان هذا التأويل صحيحا فيجب أن نذكر بأن المجاهد مولاي موحند لم يكن الوحيد الذي مر بهذه التجربة، لقد كان للمناضل الكبير السيد عبد الرحمان اليوسفي أفكارا أشد راديكالية و قناعة بأن أفضل نظام سياسي يمكنه انقاذ الوضع المأساوي الذي قد وصل اليه المغرب ، هو النظام الجمهوري، و كان يعبر عن أفكاره هذه في محاضرات ببروكسيل و عواصم أروبية أخرى.لكن حينما ناداه الواجب الوطني و تيقن من الارادة الصادقة لدى المرحوم الحسن الثاني للنهوض بالبلاد و انقاذها من السكتة القلبية التي كانت على وشك أن تصيبها. كلنا نعلم كيف تخلى عبد الرحمان اليوسفي عن فكره الجمهوري و تصالح مع جلاده و تناسى معاناته في السجون و هروبه من بلده الى فرنسا حيث عاش غريبا طريدا حاملا على ظهره أحكاما صدرت ضده من طرف محاكم المملكة ،تتراوح بين أحكام بالاعدام و المؤبد.
رجع عبد الرحمان اليوسفي الى وطنه و تقلد المنصب الثاني في المملكة و ساهم في انتقال ديمقراطي سلس.
كان هناك كذلك المقاوم السي محمد البصري الملقب بالفقيه،عارض سياسة البلاد بكل ما أوتي من قوة ، اتهم بالمشاركة في محاولة الاطاحة بالملكيةو اقامة نظام جمهوري ،صدرت ضده أحكام تتراوح بين الاعدام و السجن المؤبد،هرب الى الخارج ، فاحتضنته دول عربية تكيد لنا عداء تاريخيا،على رأسها الجزائر و ليبيا.
بعد كل هذا و بعد مراجعة للأفكار و تراجع عن القناعات الراديكالية و التخلي عن التمسك بالنظام الجمهوري ، عاد الفقيه البصري الو وطنه ،و تصالح مع جلاده متناسيا معاناته في الغربة و سنوات الفرار، ثم ساهم في ازالة الغبار عن الكثير من الحقائق التاريخية التي حاول رفاق سابقون له طمسها و تحريفها .
التفسير الثاني :
ما قام به محمد بن عبد الكريم الخطابي من انشاء لجمهورية الريف و اعلان بيانها المتضمن لتصريح واضخ يؤكد أن الريف لا ينتمي الى الدولة المغربية، انما كان ذلك مناورة سياسية من أجل طرد الاستعمار الاسباني من الريف و الصد للاستعمار الفرنسي و حرمانه من أي سند قانوني يخول له التوغل في الاراضي الريفية.و لتوضيح هذا الموقف سأستعين بثلاثة شهادات :
أولى هذه الشهادات و أصدقها هي تصريحات و ممارسات الأمير الخطابي شخصيا أثناء اقامته في المنفى (جزيرة لارينيون:21 سنة) وبلد المنفى (مصر:16 سنة) ،و ذلك من باب أن الاعتراف سيد الأدلة.
تصريحات و ممارسات شخصية للأمير بن عبد الكريم للخطابي و لبعض أفراد أسرته :
من خلال قراءتنا لمذكراته بجزيرة "لارينيون" و رسائله لرؤساء الدول و عصبة الأمم و منشوراته و قراراته فيما بين 1920 و 1926، قراءة ظاهرية ،نستنتج أنه كان لديه موقفان في ظاهرهما متناقضان ،لكنهما في الحقيقة هما موقفان متكاملان : أحدهما انفصالي يدعو الى استقلال الريف، يستعمله في خطاباته و مراسلاته حينما يكون في مواجهة الأجنبي ، و آخر وحدوي يدعو الى الحفاظ على وحدة المغرب و العمل على استقلاله كاملا،حينما يخاطب أبناء جلدته من حكام و محكومين ، و يتوجه الى مؤيديه.
ألم يتعامل الانجليز بنفس الأسلوب في مثل هذا الوقت (بين 1915 م 1925) مع الشريف حسين أمير الحجازالذي غدروا به و خانوه بعدما وعدوه بتمكينه من تأسيس دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية مقابل اعلانه الثورة على الأتراك و دعم الانجليز و الفرنسيين الذين كانا ينسقان فيما بينهما بخصوص تقسيم المشرق و المغرب في نفس الوقت؟
ألم يستعمل المندوبان الساميان الانجليزي مارك سايكس و الفرنسي فرانسوا جورج بيكو نفس الاستراتيجية أثناء تقسيمهما للبلاد العربية، سوريا و العراق و الأردن و فلسطين و لبنان في نفس الفترة التايخية بين فرنسا و انجلرا و روسيا( بين 1915 و 1921 ) ؟.
التصريحات الموجهة من طرف الأمير بن عبد الكريم الخطابي الى الخارج و الدالة على الانفصال :
أولا: بيان الجمهورية الريفية ينص على عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية:
ان أقوى تصريح أكد فيه عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية (مراكش) هو ما جاء في "بيان جمهورية الريف" الذي يظهر في ديباجته و كأنه خطاب موجه للدول الأربعة عشرة التي كانت حاضرة في مؤتمر الجزيرة الخضراء من أجل اعداد سند قانوني لاحتلال المغرب من طرف فرنسا و اسبانيا و الاستفادة من امتيازات اقتصادية خاصة لصالح انجلترا و ألمانيا و ايطاليا و سويسرا و هولاندة،جاء في بيان جمهورية الريف: " نعلن و نشعر الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة سنة 1906 بأن المطامع العليا التي أدت الى المعاهدة لا يمكن أن تتحقق قط، و ذلك بسبب الخطأ الأصلي القائل بأن بلادنا – الريف – تشكل جزءا من المغرب.ان بلادنا تشكل جغرافيا جزءا من أفريقيا و مع ذلك فهي منفصلة بصورة واضحة عن الداخل، و بالتالي فقد شكلت جنسا و عرقا منفصلا عن سائر العروق الافريقية التي اختلطت بالاروبيين و الفنيقيين قبل مئات السنين بفضل الهجرة كذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى المغربية أو الافريقية أو غيرها ، فنحن الريفيون لسنا مغاربة البتة ، لأننا لم ندفع قط حتى الآن الضرائب أو الجزيات لمراكش كما لم نتلق المعونة"(عبد الكريم أمير الريف،للمؤرخ روبرتو فورنو،ص76 ).
ثانيا : تصريحات للأمير بن عبد الكريم الخطابي تؤكد موقفه المعادي لاسبانيا:
لقد تضمنت الرسائل التي كان يرسلها بن عبد الكريم الخطابي ابتداء من1923وهو في أوج انتصاره،الى فرنسا في شخص مقيمها العام بالمغرب الجنرال ليوطي ، و الى بريطانيا في شخص رئيس وزرائها"رامزي ماكدولاند"،رغبته في السلام مقابل الاعتراف باستقلال الريف،لقد جاء فيها:
"نريد أن نصرح لكم أننا نطالب باستقلالنا وحرية وطننا،استقلالا تعترف به الدول التي تدير دفة العالم"
"إن إسبانيا بعد أن فشلت بحربها معنا عمدت إلى الحصار البحري وأخذت ترمي قرانا بقنابلها مستعملة حرب الجبن والدناءة، فلا يقع في يدها أسير منا إلا وتمثل به أفظع تمثيل بينما نحن لا نعامل أسراها إلا بالحسنى ... نحن اليوم نتألم من الحرب على أن هذا الألم نستعذبه في سبيل استقلال بلادنا ... ولقد وفدنا إلى أوربا وبودنا إسماع صوتنا وشرح قضيتنا إلى العالم المتمدن".
. ".. أشهروا علينا الحرب وجردت على الريف حملة عسكرية تتألف من 90 ألف مقاتل كاملة العدة والعدد واتخذت جميع الوسائل العنيفة والمواد المهلكة .. وقام جيش هذه الأمة بأنواع من الهمجية يتحاشى القلم عن ذكرها .. خربوا الديار، واغتصبوا الأملاك، واستباحوا النساء، وقتلوا الرجال، واضطهدوا الدين وهتكوا الأعراض، وساموا الأهالي من صنوف العذاب ألوانا".
. "إن الريفيين قادرون على حكم بلادهم ومستعدون أن يبرهنوا كما برهن الترك على أنهم يستطيعون بلوغ مراميهم بقوة ساعدهم. إن جمهورية الريف التي أعلنت سنة 1921 ليست معادية للإسبانيين إذا كانوا يعترفون باستقلال الريفيين".
. "تبذل حكومة الريف كل نفيس في هذا الصراع الدموي المؤلم، وتجاهد في سبيل استقلال بلادها الذي يهدده الإسبانيون الظلمة المعتدون على حقوق الإنسان..إنني أكتب لك باسم الإنسانية المعذبة لتتوسط بيني وبين العدو المعتدي حتى تنتهي هذه الحرب المرعبة التي تفتك بنفوس بريئة. وها أنا أصرح لك بصفتي أمير الريف المعترف به أنني مستعد أن أرسل من قبلي مندوبين في المكان والزمن الذي تحددونه للمفاوضة في شروط الصلح على أساس استقلال إمارة الريف استقلالا تاما وحفظ كرامتها كأمة حرة وإلا فالسيف خير حكم بيني وبينهم والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء"
. "نعرف أننا قد أتينا بكتابنا هذا لكي نسألكم باسم الإنسانية أن تخابروا الدولة الإسبانية لكي تسحب جنودها من بلادنا الريفية، فإذا فعلت هذا يكون لكم الأجر والثواب بحقن دماء العباد، وإذا أبت فإن السيف بيننا والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء" (رسالة موجهة الى رئيس الوزراء البريطاني "رامزي ماكدونالد").
ثالثا :تصريحات الأمير بن عبد الكريم الخطابي تؤكد موقفه المؤيد و المساند لاسبانيا:
مرحلة تعامل و تعاون عبد الكريم الخطابي و ابنه محمد مع الاسبان:
تذكرالمؤرخة الاسبانية ماريا روسا دي مادارياغا في كتابها "عبد الكريم الخطابي و الكفاح من أجل الاستقلال " هذه المرحلة باعطاء أمثلة كثيرة على ذلك مثل الزيارات المتكررة لعبد الكريم لمدينتي مليلية و مالاقة و كذا تردده على جزيرة نكور(احتلت في 1673).
مباشرة بعد تخرجه أواخر( 1906) التحق محمد بن عبد الكريم بمدينة مليلية حيث اشتغل في مدرسة استحدثتها الادارة الاسبانية لتعليم أبناء المغاربة ، و أسندت اليه في نفس الوقت مهمة تحريرصفحة باللغة العربية في جريدة تلغراف الريف (Telegrama del Rif ( ، ثم عينته مترجما في القيادة العسكرية ،
لكن منذ نزوله بمليلية تأكدت لديه قناعة و هي أن بلده ضعيفة و متخلفة و أن الدول الاروبية تتهيأ لاحتلالها و أن المنقذ من ذلك هو الاستفادة من أوروبا نفسها.
و في صفحة 65 ،تقول المؤرخة : "مثل الكثير من سكان القبائل المتاخمة لمناطق الاحتلال على الساحل المغربي ، كانت تربط الفقيه عبد الكريم الخطابي (الأب) علاقات الصداقة و حسن الجوار ليس فقط مع السلطات العسكرية و لكن أيضا مع السكان المدنيين في الجزيرة و على رأسهم بعض التجار أمثال Antonio Ybancos و اليهودي سادية كوهين Sadia Cohen .كان عبد الكريم يعتقد أنه في اطار احتفاظ المغرب باستقلاله يمكن لاسبانيا أن تساهم في التقدم الاقتصادي للريف بمنحه المساعدات المالية و التقنية اللازمة" .
تصريحات لمحمد بن عبد الكريم الخطابي بعد وفاة والده في 1920 ، يظهر فيها تأييدا لاسبانيا ، بعد اعلانه الحرب عليها قبل ذلك من تفرسيت رفقة أبيه و أخيه:
لقد سبق أن للجنرال سلفستري أن طرح سؤالا مشابها لسؤالنا السابق،وذلك في 15 غشت 1920 حينما نشر"لوبيرا " مدير " تلغراف الريف" رسالة للاخوين محمد و امحمد الخطابي ، أرسلاها له جوابا على رسالة تعزية كان قد نشرها بعد وفاة أبيهما ، منوها بسيرته ، و في نفس الوقت متأسفا على أن يكون رجل من مستواه قد انقلب في أواخر العمر ضد اسبانيا.طالبا منهما الرجوع الى اسبانيا للعمل في صفوفها كالسابق .
أما جواب الأخوين محمد و امحمد الخطابي فقد جاء فيه :
"لو أمعنا النظر في نشاط و فكر والدنا ، فانه لا يسعنا الا الاقتناع بالدور الذي اضطلع به في الرسالة الحضارية لاسبانيا- و هي قضبتنا المشتركة – و تقدير مجهوداته الكبيرة لمد النفوذ الاسباني في الريف. لقد عمل باصرار تحدوه دوافع انسانية.ذلك أنه أمعن النظر في مهمة اسبانيا و فهم مراميها جيدا ، مقدرا المحاسن الجليلة التي سيجنيها منها اخواننا الريفيون . لقد كانت سياسته تجنح دائما اى السلم.و كان يدرك تمام الادراك أن شعبينا في حاجة الى أن يكونا صديقين و مرتبطين بثقة متبادلة، لكي تسود بينهما طمأنينة أحوية و مستمرة . كلا لم يكن معاديا للعمبل الاسباني ، كما ادعى ذلك البعض منذ زمن يسير.و نحن أيضا ، كولدين لهذا الرجل ، الماثلة أمامنا المحاسن التي غمرتنا بها شخصيا اسبانيا ، نقدم لكم أعظم متمنياتنا بازدهار هذه الدولة الاسبانية و حمايتها ، متمنين من أعماقنا نجاح هذه الحماية . كما نقدم في نفس الوقت كل الضمانات المتعلقة بمساهمتنا الكاملة في العمل الذي تضطلع به .
صديقكما الحميمان : ولدا عبد الكريم".
لقد كانت السلطات الاسبانية في حيرة من أمرها تجاه هذا الموقف المفاجئ و المناقض تماما لابني عبد الكريم الخطابي،فعند قراءة هذه الرسالة يخيل أنه لم يطرأ طارئ في الأشهر الأخيرة ، علما أنه أثناءها جمع عبد الكريم الحطابي و ابناه محمد و امحمد أكثر من 2000 محارب في تفرسيت استعدادا لقتال الاسبان و صدهم عن التوغل في الريف.
اذن كيف يمكن التوفيق بين الأقوال و الأفعال؟
لقد كان جواب سلفستر على هذا السؤال متضمنا في تقريره الشهري السابق الذي أرسله الى المقيم العام "برنكر" في يونيو 1920 (S H M , Cuartel general , 1920,dossier 28 ) و الذي جاء فيه : " لتعليل انقلاب عبد الكريم الخطابي ضد اسبانيا و العمل على توحيد القبائل الريفية لمحاربتنا ، هناك تأويلان ، اما "أنه يسعى أن يصبح الرقم واحد في قبيلته" و اما " أنه يريد أن يظهر لنا نفوذه حتى نقترح عليه الالتحاق ثانية بالخدمة" . و عليه فان ما أقدم عليه الأخوان محمد و امحمد من نشرهما تلك الرسالة جوابا على تعزية مدير تلغراف الريف، يبدو و كأنها تترجم، الآن بعد اختفاء الوالد،الرغبة في توقيف المشروعمع محاولة جني ثماره مع ذلك.و لقد عبر عن ذلك الجنرال سلفستري في الرسالة التي أرسلها الى المقيم العام " برنكر" في 10 نوفمبر 1921 (1à 35/S H M ,Mel,II,15-26 et 3 ) ، و التيجاء فيها : " عندما كان بعض الزعماء في البداية أصدقاء ثم ارتدوا و عادوا الى الوقوف ضدنا ، فانني كنت أرحب بهم في خالة انضمامهم ، لكنني لا أسعى وراءهم ، لأن ذلك سيعطيهم الفرصة ليتحولوا الى متعاظمين و يقدموا مطالب لا يمكن قبولها بأية حال.ها كيف أعدت بورحايل. و ها كيف سأعيد أيضا و أنا متأكد من ذلك ، عائلة الخطابي(السي محمد و أخيه) عندما سيحين الأوان".
لقد أخطأ سلفستري بسبب غروره، و كذبت الوقائع فيما بعد تفاؤله و سوء تقديره لابن عبد الكريم الخطابي.
ب- ممارسات و تصريحات الأمير بن عبد الكريم الخطابي الى مؤيديه و أبناء جلدته و الدالة على موقفه الحقيقي المؤكد لايمانه بوحدة الوطن من شماله الى جنوبه:
لقد ذكرت في الحلقة السابقة بعض الممارسات و التصريحات التي تصب في التاكيد على الفكر الوحدوي عند محمد بن عبد الكريم الخطابي، و اعترافه بانتماء الريف الى الدولة المغربية ،ألخصها في لقائه التاريخي بالسلطان محمد الخامس بمنزله في القاهرة و قبوله المعاش الذي قرره السلطان و سهرت على صرفه خزينة الدولة المغربية لفائدة محمد بن عبد الكريم الخطابي بعدما تم تثبيت لقبه "الأمير"من طرف السلطان محمد الخامس ،ثم في ندائه لسلطان المغرب بعد اعلان الجمهورية و في عز انتصاره على الاسبان ، و لقائه مع الاذاعة المصرية الذي صرح فيه بأنه لم يكن أبدا طامعا في عرش المغرب ، و مناداته باستقلال جميع أطراف المغرب المحتلة و طرد الاستعمار منها جميعا،ثم توظيف أبنيه محمد و عبد السلام في القوات المسلحة الملكية المغربية،بالاضافة الى تصريحات ابنته السيدة عائشة الخطابي،زوجة الدكتور بوجيبار،للكثير من المنابر الاعلامية،موضحة أن جمهورية الريف الذي جاء في دستورها بأن منطقة الريف لا تنتمي الى الدولة المغربية،كانت مناورة سياسية ،كما كان أبوها يصرح لها و لاخوتها الأربعة و أخواتها الثلاثة،التجأ اليها أبوها بمعية قبائل الريف لاعلان الحرب على الاستعمار و الطعن في السند القانوني الذي بموجبه قامت اسبانيا باحتلال الريف،و المبني على الوثيقتين الموقعتين مع الدولة المغربية المتمثلتين في ميثاق الجزيرة الخضراء في 1906 و معاهدة الحماية في 1912 ،متنصلا بذلك من أي التزام للريفيين تجاه هاتين الوثيقتين اللتين لا تعنيهم،بحكم أنهم لم يكونوا منضوين تحت سيادة الدولة المغربية،كما لا نغفل تصريحات أخيه و مؤطر الثورة الريفية السي امحمد الخطابي في دروسه الأسبوعية التي كان يلقيها كل خميس أمام الطلبة المغاربيين بحضور ممثلين لمنابر اعلامية مختلفة ، تلك التصريحات التي كان يؤكد فيها عدم رغبة الامير الخطابي في الانفصال عن الدولة المغربية.
و حينما قامت فرنسا في 1925 بالحاق مغاربة و تونسيين وجزائريين بجيشها تحت الاغراء و التهديد و وضعتهم في مقدمة الجيش الذي واجهت به الريفيين مساندة لاسبانيا التي كانت قد رفعت راية الاستسلام بعد معركة أنوال و العروي و تركيست و شفشاون و تطوان ، حينها أصدر الامير القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي بلاغا مؤثرا يدل على انتمائه الحقيقي الى الوطن المغربي حينما تحدث عن تجنيد فرنسا للمغاربة و يسميهم أبناء وطننا المراكشيين حيث جاء في البلاغ :
"لقد حاربت الاسبان طويلا لأجليهم عما ستولوا عليه،و كانوا مئات الآلاف و كنا 20 ألفا و صمدنا لهم 5 سنوات حتى انضم اليهم الفرنسيون و كنا قادرين على أن نخرجهم من أرضنا لولا أن الفرنسيين ألقوا لحربنا جيشا من أبناء وطننا المراكشيين و لم يقم هؤلاء المراكشيون بمقاتلتنا مختارين و قد كانوا مجبرين لأن الفرنسيين كانوا يذلونهم بالجوع و الحبس و القتل و كل أنواع الارهاب.و قد قال عبد الكريم :" أيها المسلمون التونسيون و الجزائريون ان الأمر الذي يشق علينا تحمله هو أن نرى أبناءكم يساقون قهرا لمحاربتنا.ان أربعة أخماس الجيوش التي هي على حدودنا شاهرة السلاح في وجوهنا هم أبناؤكم أيها الاخوان.
الاهداف الحقيقية من انشاء جمهورية الريف:
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه بعد كل ما سبق،هو ما هو الهدف المرتجى من انشاء جمهورية الريف ؟
سأحاول تلخيص الجواب في العناصر التالية :
الهدف الأول :
انشاء كيان سياسي مستقل عن السلطة المغربية مدعيا استقلاليته عن الدولة المغربية و غير خاضع لسلطانها ،و ذلك بهدف اعفائها من مسؤولية ما سيترتب عن حرب الريفيين ضد الاحتلال الاسباني حتى لا تلام و تحاسب و تطالب بالتعويضات نتيجة لخسائر الحرب، كما وقع في 1893 حينما هاجم بعض الريفين بالناضور جنودا اسبانيين اجتازوا حدود مليلية و شرعوا في بناء سور و قلعة عسكرية خارجها وقاموا بضم أراضي جديدة في ملك خواص ريفيين، فاحتجت اسبانيا على المغرب و فرضت عليه دفع تعويضات مقدارها 20 مليون بسيطة بموجب "معاهدة فاس"، و كما وقع كذلك في 1859 حينما اجتاز جنود اسبان لحدود سبتة فهوجموا من طرف أفراد من قبيلة أنجرة،مما دعا باسبانيا الى الاحتجاج و طلب تعويضات مقدارها 100 مليون بسيطة بموجب "معاهدة وادراس" .
الهدف الثاني:
قطع الطريق على فرنسا كي لا تقوم باحتلال الريف بعد انتصار الريفيين على اسبانيا ، و استعمار الأراضي التي ستطرد منها هذه الأخيرة في حال انهزامها و ارغامها على مغادرتها لجميع الأراضي الريفية المحتلة ، معتمدة على ميثاق الجزيرة الخضراء و معاهدة الحماية ، و هكذا سيتم حرمان فرنسا من أي سند قانوني يخول لها الحلول محل اسبانيا .
الهدف الثالث:
منع فرنسا من احتلال الريف بحجة نشر الامن و الاستقرار كما تنص عليه معاهدة الحماية في 1912 و ميثاق الجزيرة في 1906 و قبلهما الاتفاق الفرنسي المغربي في 1905 الذي يسمح لفرنسا تجاوز الحدود المسطرة لها من أجل ملاحقة من يشكلون خطرا على التواجد الفرنسي في المغرب.
لقد كانت هذه محاولة لمعرفة مصدر هذا الخلاف المصطنع حول الانفصال و الوحدة، بين أفراد شعب ظل موحدا منذ قرون،رغم اختلاف لغاته و تقاليده و عاداته،و ذلك بسبب تمسكه بدينه و قيادته الذين كانا دائما عنصري توحيد و ضمان استقرار و استمرار الدولة المغربية العريقة.
خاتمة:
حينما نسأل اخواننا المغرر بهم، عن الأسس الفكرية و السياسية لتبنيهم فكرة الانفصال،يجيبون بأن دعوتهم هي وفاء لدماء الشهداء الريفيين الذين أسسوا جمهورية الريف في 1921 و أعلنوا عنها في 1923 و تركوا لنا (أهل الريف) أمانة إحيائها و إقامتها كلما توفرت الظروف.
لو اطلع هؤلاء على آخر وصية تركها الامير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ، لما تبنوا هذه الأفكار الانفصالية و لما قاموا بالدعوة اليها و التغرير بشباب و أطفال حرموا من الاطلاع على التاريخ الحقيقي لبلادهم وعلى الأمجاد العظيمة التي تركها أجدادهم،ذلك التاريخ الذي فرض عليه حصارغير مباشر و غير معلن من طرف العديد من الجهات الرسمية و غير الرسمية المحلية و الدولية ، و ذلك لما في التجربته الثورية و الرائدة للأمير الخطابي من الهام للراغبين في التحرر و الانعتاق من القيود التي تمنعهم من التقدم و الازدهار و صناعة المواطن الحر.
يقول الأمير الخطابي في وصيته التي تركها لنا كي نستنير من تجربته و خبرته :
" أوصيكم يا أبنائي بالقراءة و الكتابة و عليكم أن تعودوا أنفسكم على ممارسة الكتابة و تدوين خواطركم و مشاهداتكم اليومية دونما ابطاء أو اجهاد في البحث عن الجمل المنمقة بل عبروا عن أحاسيسكم باللغة الريفية الأمازيغية أو العربية أو بخليط بينهما ، فالمهم هو التعبير الصادق الأمين عن المشاعر ، و الأهم اكتساب ناصية الكتابة و التعود على ممارستها"(المنهال في كفاح أبطال الشمال"ص6 ) .
كما وصى كذلك الأجيال الريفية القادمة بالحفاظ على الهوية مهما كانت الظروف فتسهر على تدوينها و توريثها لأبناءها و أحفادها(كتاب شهادات عن المقاومة في عهد عبد الكريم الخطابي ،لمحمد الرايس).
و من أجل كل ما سبق، فان خير ما نهديه للزعيم القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي،بمناسبة ذكرى "معركة أنوال المجيدة" لتي ستحل علينا بعد بضعة أيام،هو أن نعمل بوصاياه.
من وصيته نستنتج الأهمية القصوى التي كان يوليها رحمه الله للتعليم و الكرامة الانسانية و الحفاظ على الهوية مصدر قوة و الهام جميع الأمم.
و عليه فاذا أردنا أن نكون أوفياء له و لدماء رفاقه من الشهداء ،فعلينا أن نقرأ ما تركه من مقالات و دروس مكتوبة و رسائل و تصريحات اذاعية ،كي نتمكن من معرفة شخصيته و طريقة تفكيره و رؤيته للأمور التي أثبتت الوقائع أنه كان حكيما متمرسا ،نافذ البصيرة ،مما دفع بايقونة ثوار أمريكا اللاتينية الزعيم "تشي غيفارا" أن يخاطبه حينما قام بزيارته في منزله بالقاهرة بما معناه:"لقد صممت أيها القائد الثائر أن لا اغادر القاهرة حتى أتشرف بلقائك و الاستفادة من نصائحك".
الجزء الثاني
محمد أحادوش(برشلونة):"عبد الكريم الخطابي ليس انفصاليا"، مشاركة بالمنتدى الهولندي لمغاربة المهجر الذي أسسه بمدينة لايدن الهولندية الفاعل الجمعوي الرائد السيد ادريس ابضلاس اثناء الحجر الصحي،و الذي يضم العديد من مغاربة العالم من هولندة و بلجيكا و فرنسا و المانيا و ايطاليا و اسبانيا و بعض دول الخليج كالعربية السعودية...
" لا يمكن لنا أن نسمح بقيام امبراطورية اسلامية مرة أخرى في الضفة الجنوبية
"عبد الكريم زعيم ريفي يطمح لاستقلال الغرب الافريقي المسلم وافريقيا الشمالية والذي يشكل خطورة عن المغرب الفرنسي"، و في مراسلة أحري يقول: "عبد الكريم مقتنع بشعار حق الشعوب في تقرير مصيرها".
"لقد كنت دوما على علم بخطر قيام دولة مستقلة بالريف، ليس فقط على المغرب، بل على افريقيا الشمالية برمتها".
"فهيمنة عبد الكريم على كل قبائل منطقتنا التي لم تخضع بعد، وذيوع صيت وهيبة هذا الزعيم الريفي، أصبحا مقلقين لنا، ولن نسمح له بأن يكون مركز جذب بالنسبة لكل من يطمح في استقلال الغرب الافريقي المسلم".
"فهيمنة عبد الكريم على كل قبائل منطقتنا التي لم تخضع بعد، وذيوع صيت وهيبة هذا الزعيم الريفي، أصبحا مقلقين لنا، ولن نسمح له بأن يكون مركز جذب بالنسبة لكل من يطمح في استقلال الغرب الافريقي المسلم".
"إن تقدم عبد الكريم الناتج عن انتصاراته الأخيرة، يشكل تهديدا فعليا وخطيرا، بحيث لم يعد الأمر مقتصرا على الجانب المحلي للمسألة، بل أصبح مرتبط على الخصوص، بدعم وبتدخلات أجنبية تروم تشكيل دولة إسلامية مستقلة بشمال المغرب".
هذه بعض التصريحات التي قدمها المقيم العام الفرنسي بالمغرب ، المارشال هوبير ليوطي، ضمن وثيقة
" توجيهات عامة بخصوص خطط سنة 1924"، والهادفة الى تحقيق " برنامج التهدئة "،بالإضافة إلى رسائل وجهها إلى وزير الشؤون الخارجية و رئيس وزراء فرنسا لستة مرات،الحاصل على جائزة نوبل للسلام، السيد أريستيد بريان(Aristid Briand)، بتاريخ 31 يوليوز 1925، أي في أواخر أيام ليوطي في المغرب.
لقد صدرت هذه التصريحات بعد تأسيس جمهورية الريف في 1921 و الاعلان عن تشكيل حكومتها في 1923 ،عن أكبر ممثل للدولة الفرنسية بالمغرب، و لذلك فهي تؤكد أن جمهورية الريف ليست وهما،إنما هو كيان سياسي مستقل يشكل تهديدا للوجود الاستعماري ككل.
اذا وضعنا هذه التصريحات ،في سياقها التاريخي ، نلاحظ أنها صدرت في 1925 و هي نفس السنة التي كانت فيه فرنسا و انجلترا في أعلى مستوى من التنسيق فيما بينها من أجل تقسيم المنطقة العربية و التركية بحيث استفردت فرنسا بسوريا و لبنان و منطقة الأناضول التي يسكنها الأرمن ، و قامت انجلترا باحتلال العراق و الاردن و جزء من فلسطين و مصر و السودان ، و في كل مراحل مفاوضاتهما التي بدأت منذ 1900 كان المغرب دائما حاضرا كعنصر رئيسي للمساومة و الابتزاز.
و هذا ما أكدته الرسالة التي أرسلها المارشال ليوطي الى رئيس الحكومة و وزيرالدفاع الفرنسي بتاريخ 17 ماي 1925 مقترحا الحل الذي بفضله تستطيع فرنسا و انجلترا اجهاض المشروع التحرري الذي يسعى اليه الريفيون ، وقد جاء فيها :
" يبدو أن لدينا حلا يعتبر من أفضل الحلول، ويتعلق الأمر بعملية صارمة وفورية مشتركة بين فرنسا واسبانيا، لكن على شرط أن تشارك فيها انجلترا...وبما أن الهجوم هو الشرط لتدارك الوضعية، فإنه يتعين التخطيط لتحقيقه. أين؟ هناك نقطة واحدة وهي أجدير بخليج الحسيمة، حيث تتم العملية باشتراك فرنسي- اسباني، بل وانجليزي إذا أمكن. إذن علينا بأجدير، بأجدير، وفي أسرع وقت ممكن".
و لقد كان الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي مطلعا على هذه التوافقات و العمل التنسيقي الاستعماري بين انجلترا و فرنسا الذي توج بالتفاق الودي في سنة 1904 ،و ذلك بحكم اقامته السابقة بمليلية و اشتغاله كقاض و صحفي و مدرس لكثير من الضباط الاسبان و مترجم في القيادة العسكرية الاسبانية " المكتب الركزي"(Oficina central ) و حصوله على عدة أوسمة عسكرية ،مما مكنه من الاطلاع على أسرار عسكرية بدرجة عالية من الأهمية.
اذا وضعنا في الحسبان ذكاء و فطنة و بعد نظر الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بالضافة الى شعوره القومي و قناعاته الدينية التي ترسخت لديه خلال الأربع سنوات التي قضاها في الدراسة الجامعية العليا بجامعة القرويين (من 1902 الى 1906 )،سنزداد اقتناعا بأن الأمير مولاي موحند لم يكن ليقع في شرك الانجليز و الفرنسيين فيثق فيهم من أجل دعمه و اعترافهم بجمهورية الريف.
اعتبارا لما سبق،علينا أن نتساءل عن الهدف الحقيقي من وراء تأسيس جمهورية الريف.
إذا أردنا أن نعرف حقيقة الأسباب التي أدت الى تأسيس جمهورية الريف في 1921 و اعلان تشكيل حكومتها في 1923 ،علينا قراءة مذكرات الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي التي كتبها في منفاه بجزيرة "لارينيون " التي قضى فيها 21 سنة (من 1926 الى 1947) ثم الاطلاع على أنشطته و تصريحاته أثناء اقامته في بلد اللجوء مصر التي قضى فيها 16 سنة (بين 1947 و 1963 )،و التي نستنتج منه ما يلي:
أوضاع المغرب قبل اعلان الجمهورية:
كيف كانت الأوضاع الأمنية في المغرب بصفة عامة و في الريف بصفة خاصة، قبل معركة أنوال ؟
يقول محمد بن عبد الكريم في مذكراته (جزء 1 – ص 16 ):
"لم يكن في المغرب شيء اسمه أمن و أمان و لا حكم و لا مسؤولية . كان على كل مواطن أن يكون دائما على استعداد ليرد الأشقياء عن منزله و حرمه في غدوه و رواحه . كان كل مواطن ينام إلا و معه السلاح بجانبه . كان المواطن لا يستطيع أن يسير في الطريق دون أن يكون هدفا للقتل و السلب و النهب" .
و في فصل آخر من المذكرات يقول في وصفه لأوضاع المغرب آنذاك :
" كان الوضع السياسي في مراكش منهارا من كل جدرانه ، كان أمامنا شعب فقير معدم منهار ، لا حول له و لا قوة .مضروب عليه حصار من أبنائه السلاطين و من سادتهم المستعمرين ، بألا يتقدم أو يسعى للتقدم أو ترقي حاله ، و تنفتح أمامه أبواب الحرية التي بها سيستطيع بناء نفسه ، و انشاء قوته حماية نفسه و بلاده ..و كان أمامنا شعب يسيطر عليه العدم و العسر ، و الفوضى. و لذلك لم يحس يوما أن وحدة الوطن تجمعه، بل كانت قبائله لا تنفك عن حرب بعضها البعض،والثأر بين دار و دوار.أما أصحاب المدن فكانوا مشتتين بين ممالات الحاشية و أصحاب النفوذ و الاشتغال بالتجارة وكسب المال من أجل المال فقط ".
قبل الاجابة على السؤال السابق ، نطرح بعض التساؤلات البديهية :
- هل حقا كان عبد الكريم الخطابي يملك مشروعا انفصاليا،يهدف الى انشاء دولة ريفية مستقلة عاصمتها أجدير بمدينة الحسيمة ؟
- اذا كان الجواب بالنفي ، فلماذا أنشأ في 1921 جمهورية الريف ؟ لماذا شكل في 1923 حكومة من خمسة وزراء ؟ لماذا أنشأ عملة "الريفان" الخاصة بمنطقة اللريف ؟ لماذا أنشأ راية حمراء تتوسطها نجمة سداسية خضراء و هلال فوق رقعة مربعة بيضاء ؟ لماذا أنشأ محاكم محلية تعتمد في أحكامها على الشريعة الاسلامية ؟
- كيف نفسر ما جاء في بيان جمهورية الريف من تأكيد على عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية ؟
- بماذا نفسرارسال ابن عبد الكريم الخطابي لسفيره عبد الكريم اللوه الى انجلترا و لرئيس حكومته الحاج الحاتمي و وزير خارجيته السي أزرقان الى فرنسا من أجل الاعتراف بجمهورية الريف ؟
- على ماذا يعتمد دعاة الانفصال في دعوتهم الى انشاء دولة للريفيين ؟
- لماذا يصرون - ربما عن حسن نية- على النفخ في رماد الانفصال رغم معارضة جميع الريفيين الغيورين على الريف بصفة خاصة و على الوطن بصفة عامة ؟
- لماذا يلحون على تقطيع أوصال الوطن في الوقت الذي يعمل فيه الآخرون على الاتحاد ؟
- لماذا التصميم على تكرار تجارب الانفصال الفاشلة على الصعيد الافريقي و العربي و الدولي ؟
- لماذا لا يأخذون العبرة من محاولات الانفصال الحديثة المؤدية الى نزاعات مسلحة أنتجت أحقادا و آلاما و جراحات عميقة لم يستطع الزمن ضمدها بسهولة ؟
- لماذا التخطيط و العمل على تحطيم آمال و أحلام الريفيين الذين يسعون جاهدين الى تحسين أوضاعهم و واقع منطقتهم التي عانت التهميش و الاقصاء في الماضي ، متسلحين بكل أنواع الصمود و التحدي من أجل تهييء غد أفضل للأجيال المقبلة ؟
هناك تفسيران رئيسيان لتوضيح الهدف الحقيقي من انشاء الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي لجمهورية الريف و اتخاذها كيانا سياسيا بديلا عن اتحاد القبائل السابق.
التفسير الأول:
الخطابي كان حقا مقتنعا بمشروع الجمهورية و انشاء دولة ريفية مستقلة فيما بين 1921 و 1926 ،لكن بعد نفيه الى جزيرة لارينيون و بعد قضائه هناك مدة 21 سنة ، قام بمراجعة أفكاره و تخلي عن فكرة الانفصال و رجع الى تبني أفكاره السابقة حينما كان قاضيا معينا من طرف السلطان المغربي و تمسك بقناعات الدولة المغربية الموحدة من شمالها الى جنوبها تحت قيادة ملكية دستورية اجتماعية.
ان كان هذا التأويل صحيحا فيجب أن نذكر بأن المجاهد مولاي موحند لم يكن الوحيد الذي مر بهذه التجربة، لقد كان للمناضل الكبير السيد عبد الرحمان اليوسفي أفكارا أشد راديكالية و قناعة بأن أفضل نظام سياسي يمكنه انقاذ الوضع المأساوي الذي قد وصل اليه المغرب ، هو النظام الجمهوري، و كان يعبر عن أفكاره هذه في محاضرات ببروكسيل و عواصم أروبية أخرى.لكن حينما ناداه الواجب الوطني و تيقن من الارادة الصادقة لدى المرحوم الحسن الثاني للنهوض بالبلاد و انقاذها من السكتة القلبية التي كانت على وشك أن تصيبها. كلنا نعلم كيف تخلى عبد الرحمان اليوسفي عن فكره الجمهوري و تصالح مع جلاده و تناسى معاناته في السجون و هروبه من بلده الى فرنسا حيث عاش غريبا طريدا حاملا على ظهره أحكاما صدرت ضده من طرف محاكم المملكة ،تتراوح بين أحكام بالاعدام و المؤبد.
رجع عبد الرحمان اليوسفي الى وطنه و تقلد المنصب الثاني في المملكة و ساهم في انتقال ديمقراطي سلس.
كان هناك كذلك المقاوم السي محمد البصري الملقب بالفقيه،عارض سياسة البلاد بكل ما أوتي من قوة ، اتهم بالمشاركة في محاولة الاطاحة بالملكيةو اقامة نظام جمهوري ،صدرت ضده أحكام تتراوح بين الاعدام و السجن المؤبد،هرب الى الخارج ، فاحتضنته دول عربية تكيد لنا عداء تاريخيا،على رأسها الجزائر و ليبيا.
بعد كل هذا و بعد مراجعة للأفكار و تراجع عن القناعات الراديكالية و التخلي عن التمسك بالنظام الجمهوري ، عاد الفقيه البصري الو وطنه ،و تصالح مع جلاده متناسيا معاناته في الغربة و سنوات الفرار، ثم ساهم في ازالة الغبار عن الكثير من الحقائق التاريخية التي حاول رفاق سابقون له طمسها و تحريفها .
التفسير الثاني :
ما قام به محمد بن عبد الكريم الخطابي من انشاء لجمهورية الريف و اعلان بيانها المتضمن لتصريح واضخ يؤكد أن الريف لا ينتمي الى الدولة المغربية، انما كان ذلك مناورة سياسية من أجل طرد الاستعمار الاسباني من الريف و الصد للاستعمار الفرنسي و حرمانه من أي سند قانوني يخول له التوغل في الاراضي الريفية.و لتوضيح هذا الموقف سأستعين بثلاثة شهادات :
أولى هذه الشهادات و أصدقها هي تصريحات و ممارسات الأمير الخطابي شخصيا أثناء اقامته في المنفى (جزيرة لارينيون:21 سنة) وبلد المنفى (مصر:16 سنة) ،و ذلك من باب أن الاعتراف سيد الأدلة.
تصريحات و ممارسات شخصية للأمير بن عبد الكريم للخطابي و لبعض أفراد أسرته :
من خلال قراءتنا لمذكراته بجزيرة "لارينيون" و رسائله لرؤساء الدول و عصبة الأمم و منشوراته و قراراته فيما بين 1920 و 1926، قراءة ظاهرية ،نستنتج أنه كان لديه موقفان في ظاهرهما متناقضان ،لكنهما في الحقيقة هما موقفان متكاملان : أحدهما انفصالي يدعو الى استقلال الريف، يستعمله في خطاباته و مراسلاته حينما يكون في مواجهة الأجنبي ، و آخر وحدوي يدعو الى الحفاظ على وحدة المغرب و العمل على استقلاله كاملا،حينما يخاطب أبناء جلدته من حكام و محكومين ، و يتوجه الى مؤيديه.
ألم يتعامل الانجليز بنفس الأسلوب في مثل هذا الوقت (بين 1915 م 1925) مع الشريف حسين أمير الحجازالذي غدروا به و خانوه بعدما وعدوه بتمكينه من تأسيس دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية مقابل اعلانه الثورة على الأتراك و دعم الانجليز و الفرنسيين الذين كانا ينسقان فيما بينهما بخصوص تقسيم المشرق و المغرب في نفس الوقت؟
ألم يستعمل المندوبان الساميان الانجليزي مارك سايكس و الفرنسي فرانسوا جورج بيكو نفس الاستراتيجية أثناء تقسيمهما للبلاد العربية، سوريا و العراق و الأردن و فلسطين و لبنان في نفس الفترة التايخية بين فرنسا و انجلرا و روسيا( بين 1915 و 1921 ) ؟.
التصريحات الموجهة من طرف الأمير بن عبد الكريم الخطابي الى الخارج و الدالة على الانفصال :
أولا: بيان الجمهورية الريفية ينص على عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية:
ان أقوى تصريح أكد فيه عدم انتماء الريف الى الدولة المغربية (مراكش) هو ما جاء في "بيان جمهورية الريف" الذي يظهر في ديباجته و كأنه خطاب موجه للدول الأربعة عشرة التي كانت حاضرة في مؤتمر الجزيرة الخضراء من أجل اعداد سند قانوني لاحتلال المغرب من طرف فرنسا و اسبانيا و الاستفادة من امتيازات اقتصادية خاصة لصالح انجلترا و ألمانيا و ايطاليا و سويسرا و هولاندة،جاء في بيان جمهورية الريف: " نعلن و نشعر الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة سنة 1906 بأن المطامع العليا التي أدت الى المعاهدة لا يمكن أن تتحقق قط، و ذلك بسبب الخطأ الأصلي القائل بأن بلادنا – الريف – تشكل جزءا من المغرب.ان بلادنا تشكل جغرافيا جزءا من أفريقيا و مع ذلك فهي منفصلة بصورة واضحة عن الداخل، و بالتالي فقد شكلت جنسا و عرقا منفصلا عن سائر العروق الافريقية التي اختلطت بالاروبيين و الفنيقيين قبل مئات السنين بفضل الهجرة كذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى المغربية أو الافريقية أو غيرها ، فنحن الريفيون لسنا مغاربة البتة ، لأننا لم ندفع قط حتى الآن الضرائب أو الجزيات لمراكش كما لم نتلق المعونة"(عبد الكريم أمير الريف،للمؤرخ روبرتو فورنو،ص76 ).
ثانيا : تصريحات للأمير بن عبد الكريم الخطابي تؤكد موقفه المعادي لاسبانيا:
لقد تضمنت الرسائل التي كان يرسلها بن عبد الكريم الخطابي ابتداء من1923وهو في أوج انتصاره،الى فرنسا في شخص مقيمها العام بالمغرب الجنرال ليوطي ، و الى بريطانيا في شخص رئيس وزرائها"رامزي ماكدولاند"،رغبته في السلام مقابل الاعتراف باستقلال الريف،لقد جاء فيها:
"نريد أن نصرح لكم أننا نطالب باستقلالنا وحرية وطننا،استقلالا تعترف به الدول التي تدير دفة العالم"
"إن إسبانيا بعد أن فشلت بحربها معنا عمدت إلى الحصار البحري وأخذت ترمي قرانا بقنابلها مستعملة حرب الجبن والدناءة، فلا يقع في يدها أسير منا إلا وتمثل به أفظع تمثيل بينما نحن لا نعامل أسراها إلا بالحسنى ... نحن اليوم نتألم من الحرب على أن هذا الألم نستعذبه في سبيل استقلال بلادنا ... ولقد وفدنا إلى أوربا وبودنا إسماع صوتنا وشرح قضيتنا إلى العالم المتمدن".
. ".. أشهروا علينا الحرب وجردت على الريف حملة عسكرية تتألف من 90 ألف مقاتل كاملة العدة والعدد واتخذت جميع الوسائل العنيفة والمواد المهلكة .. وقام جيش هذه الأمة بأنواع من الهمجية يتحاشى القلم عن ذكرها .. خربوا الديار، واغتصبوا الأملاك، واستباحوا النساء، وقتلوا الرجال، واضطهدوا الدين وهتكوا الأعراض، وساموا الأهالي من صنوف العذاب ألوانا".
. "إن الريفيين قادرون على حكم بلادهم ومستعدون أن يبرهنوا كما برهن الترك على أنهم يستطيعون بلوغ مراميهم بقوة ساعدهم. إن جمهورية الريف التي أعلنت سنة 1921 ليست معادية للإسبانيين إذا كانوا يعترفون باستقلال الريفيين".
. "تبذل حكومة الريف كل نفيس في هذا الصراع الدموي المؤلم، وتجاهد في سبيل استقلال بلادها الذي يهدده الإسبانيون الظلمة المعتدون على حقوق الإنسان..إنني أكتب لك باسم الإنسانية المعذبة لتتوسط بيني وبين العدو المعتدي حتى تنتهي هذه الحرب المرعبة التي تفتك بنفوس بريئة. وها أنا أصرح لك بصفتي أمير الريف المعترف به أنني مستعد أن أرسل من قبلي مندوبين في المكان والزمن الذي تحددونه للمفاوضة في شروط الصلح على أساس استقلال إمارة الريف استقلالا تاما وحفظ كرامتها كأمة حرة وإلا فالسيف خير حكم بيني وبينهم والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء"
. "نعرف أننا قد أتينا بكتابنا هذا لكي نسألكم باسم الإنسانية أن تخابروا الدولة الإسبانية لكي تسحب جنودها من بلادنا الريفية، فإذا فعلت هذا يكون لكم الأجر والثواب بحقن دماء العباد، وإذا أبت فإن السيف بيننا والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء" (رسالة موجهة الى رئيس الوزراء البريطاني "رامزي ماكدونالد").
ثالثا :تصريحات الأمير بن عبد الكريم الخطابي تؤكد موقفه المؤيد و المساند لاسبانيا:
مرحلة تعامل و تعاون عبد الكريم الخطابي و ابنه محمد مع الاسبان:
تذكرالمؤرخة الاسبانية ماريا روسا دي مادارياغا في كتابها "عبد الكريم الخطابي و الكفاح من أجل الاستقلال " هذه المرحلة باعطاء أمثلة كثيرة على ذلك مثل الزيارات المتكررة لعبد الكريم لمدينتي مليلية و مالاقة و كذا تردده على جزيرة نكور(احتلت في 1673).
مباشرة بعد تخرجه أواخر( 1906) التحق محمد بن عبد الكريم بمدينة مليلية حيث اشتغل في مدرسة استحدثتها الادارة الاسبانية لتعليم أبناء المغاربة ، و أسندت اليه في نفس الوقت مهمة تحريرصفحة باللغة العربية في جريدة تلغراف الريف (Telegrama del Rif ( ، ثم عينته مترجما في القيادة العسكرية ،
لكن منذ نزوله بمليلية تأكدت لديه قناعة و هي أن بلده ضعيفة و متخلفة و أن الدول الاروبية تتهيأ لاحتلالها و أن المنقذ من ذلك هو الاستفادة من أوروبا نفسها.
و في صفحة 65 ،تقول المؤرخة : "مثل الكثير من سكان القبائل المتاخمة لمناطق الاحتلال على الساحل المغربي ، كانت تربط الفقيه عبد الكريم الخطابي (الأب) علاقات الصداقة و حسن الجوار ليس فقط مع السلطات العسكرية و لكن أيضا مع السكان المدنيين في الجزيرة و على رأسهم بعض التجار أمثال Antonio Ybancos و اليهودي سادية كوهين Sadia Cohen .كان عبد الكريم يعتقد أنه في اطار احتفاظ المغرب باستقلاله يمكن لاسبانيا أن تساهم في التقدم الاقتصادي للريف بمنحه المساعدات المالية و التقنية اللازمة" .
تصريحات لمحمد بن عبد الكريم الخطابي بعد وفاة والده في 1920 ، يظهر فيها تأييدا لاسبانيا ، بعد اعلانه الحرب عليها قبل ذلك من تفرسيت رفقة أبيه و أخيه:
لقد سبق أن للجنرال سلفستري أن طرح سؤالا مشابها لسؤالنا السابق،وذلك في 15 غشت 1920 حينما نشر"لوبيرا " مدير " تلغراف الريف" رسالة للاخوين محمد و امحمد الخطابي ، أرسلاها له جوابا على رسالة تعزية كان قد نشرها بعد وفاة أبيهما ، منوها بسيرته ، و في نفس الوقت متأسفا على أن يكون رجل من مستواه قد انقلب في أواخر العمر ضد اسبانيا.طالبا منهما الرجوع الى اسبانيا للعمل في صفوفها كالسابق .
أما جواب الأخوين محمد و امحمد الخطابي فقد جاء فيه :
"لو أمعنا النظر في نشاط و فكر والدنا ، فانه لا يسعنا الا الاقتناع بالدور الذي اضطلع به في الرسالة الحضارية لاسبانيا- و هي قضبتنا المشتركة – و تقدير مجهوداته الكبيرة لمد النفوذ الاسباني في الريف. لقد عمل باصرار تحدوه دوافع انسانية.ذلك أنه أمعن النظر في مهمة اسبانيا و فهم مراميها جيدا ، مقدرا المحاسن الجليلة التي سيجنيها منها اخواننا الريفيون . لقد كانت سياسته تجنح دائما اى السلم.و كان يدرك تمام الادراك أن شعبينا في حاجة الى أن يكونا صديقين و مرتبطين بثقة متبادلة، لكي تسود بينهما طمأنينة أحوية و مستمرة . كلا لم يكن معاديا للعمبل الاسباني ، كما ادعى ذلك البعض منذ زمن يسير.و نحن أيضا ، كولدين لهذا الرجل ، الماثلة أمامنا المحاسن التي غمرتنا بها شخصيا اسبانيا ، نقدم لكم أعظم متمنياتنا بازدهار هذه الدولة الاسبانية و حمايتها ، متمنين من أعماقنا نجاح هذه الحماية . كما نقدم في نفس الوقت كل الضمانات المتعلقة بمساهمتنا الكاملة في العمل الذي تضطلع به .
صديقكما الحميمان : ولدا عبد الكريم".
لقد كانت السلطات الاسبانية في حيرة من أمرها تجاه هذا الموقف المفاجئ و المناقض تماما لابني عبد الكريم الخطابي،فعند قراءة هذه الرسالة يخيل أنه لم يطرأ طارئ في الأشهر الأخيرة ، علما أنه أثناءها جمع عبد الكريم الحطابي و ابناه محمد و امحمد أكثر من 2000 محارب في تفرسيت استعدادا لقتال الاسبان و صدهم عن التوغل في الريف.
اذن كيف يمكن التوفيق بين الأقوال و الأفعال؟
لقد كان جواب سلفستر على هذا السؤال متضمنا في تقريره الشهري السابق الذي أرسله الى المقيم العام "برنكر" في يونيو 1920 (S H M , Cuartel general , 1920,dossier 28 ) و الذي جاء فيه : " لتعليل انقلاب عبد الكريم الخطابي ضد اسبانيا و العمل على توحيد القبائل الريفية لمحاربتنا ، هناك تأويلان ، اما "أنه يسعى أن يصبح الرقم واحد في قبيلته" و اما " أنه يريد أن يظهر لنا نفوذه حتى نقترح عليه الالتحاق ثانية بالخدمة" . و عليه فان ما أقدم عليه الأخوان محمد و امحمد من نشرهما تلك الرسالة جوابا على تعزية مدير تلغراف الريف، يبدو و كأنها تترجم، الآن بعد اختفاء الوالد،الرغبة في توقيف المشروعمع محاولة جني ثماره مع ذلك.و لقد عبر عن ذلك الجنرال سلفستري في الرسالة التي أرسلها الى المقيم العام " برنكر" في 10 نوفمبر 1921 (1à 35/S H M ,Mel,II,15-26 et 3 ) ، و التيجاء فيها : " عندما كان بعض الزعماء في البداية أصدقاء ثم ارتدوا و عادوا الى الوقوف ضدنا ، فانني كنت أرحب بهم في خالة انضمامهم ، لكنني لا أسعى وراءهم ، لأن ذلك سيعطيهم الفرصة ليتحولوا الى متعاظمين و يقدموا مطالب لا يمكن قبولها بأية حال.ها كيف أعدت بورحايل. و ها كيف سأعيد أيضا و أنا متأكد من ذلك ، عائلة الخطابي(السي محمد و أخيه) عندما سيحين الأوان".
لقد أخطأ سلفستري بسبب غروره، و كذبت الوقائع فيما بعد تفاؤله و سوء تقديره لابن عبد الكريم الخطابي.
ب- ممارسات و تصريحات الأمير بن عبد الكريم الخطابي الى مؤيديه و أبناء جلدته و الدالة على موقفه الحقيقي المؤكد لايمانه بوحدة الوطن من شماله الى جنوبه:
لقد ذكرت في الحلقة السابقة بعض الممارسات و التصريحات التي تصب في التاكيد على الفكر الوحدوي عند محمد بن عبد الكريم الخطابي، و اعترافه بانتماء الريف الى الدولة المغربية ،ألخصها في لقائه التاريخي بالسلطان محمد الخامس بمنزله في القاهرة و قبوله المعاش الذي قرره السلطان و سهرت على صرفه خزينة الدولة المغربية لفائدة محمد بن عبد الكريم الخطابي بعدما تم تثبيت لقبه "الأمير"من طرف السلطان محمد الخامس ،ثم في ندائه لسلطان المغرب بعد اعلان الجمهورية و في عز انتصاره على الاسبان ، و لقائه مع الاذاعة المصرية الذي صرح فيه بأنه لم يكن أبدا طامعا في عرش المغرب ، و مناداته باستقلال جميع أطراف المغرب المحتلة و طرد الاستعمار منها جميعا،ثم توظيف أبنيه محمد و عبد السلام في القوات المسلحة الملكية المغربية،بالاضافة الى تصريحات ابنته السيدة عائشة الخطابي،زوجة الدكتور بوجيبار،للكثير من المنابر الاعلامية،موضحة أن جمهورية الريف الذي جاء في دستورها بأن منطقة الريف لا تنتمي الى الدولة المغربية،كانت مناورة سياسية ،كما كان أبوها يصرح لها و لاخوتها الأربعة و أخواتها الثلاثة،التجأ اليها أبوها بمعية قبائل الريف لاعلان الحرب على الاستعمار و الطعن في السند القانوني الذي بموجبه قامت اسبانيا باحتلال الريف،و المبني على الوثيقتين الموقعتين مع الدولة المغربية المتمثلتين في ميثاق الجزيرة الخضراء في 1906 و معاهدة الحماية في 1912 ،متنصلا بذلك من أي التزام للريفيين تجاه هاتين الوثيقتين اللتين لا تعنيهم،بحكم أنهم لم يكونوا منضوين تحت سيادة الدولة المغربية،كما لا نغفل تصريحات أخيه و مؤطر الثورة الريفية السي امحمد الخطابي في دروسه الأسبوعية التي كان يلقيها كل خميس أمام الطلبة المغاربيين بحضور ممثلين لمنابر اعلامية مختلفة ، تلك التصريحات التي كان يؤكد فيها عدم رغبة الامير الخطابي في الانفصال عن الدولة المغربية.
و حينما قامت فرنسا في 1925 بالحاق مغاربة و تونسيين وجزائريين بجيشها تحت الاغراء و التهديد و وضعتهم في مقدمة الجيش الذي واجهت به الريفيين مساندة لاسبانيا التي كانت قد رفعت راية الاستسلام بعد معركة أنوال و العروي و تركيست و شفشاون و تطوان ، حينها أصدر الامير القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي بلاغا مؤثرا يدل على انتمائه الحقيقي الى الوطن المغربي حينما تحدث عن تجنيد فرنسا للمغاربة و يسميهم أبناء وطننا المراكشيين حيث جاء في البلاغ :
"لقد حاربت الاسبان طويلا لأجليهم عما ستولوا عليه،و كانوا مئات الآلاف و كنا 20 ألفا و صمدنا لهم 5 سنوات حتى انضم اليهم الفرنسيون و كنا قادرين على أن نخرجهم من أرضنا لولا أن الفرنسيين ألقوا لحربنا جيشا من أبناء وطننا المراكشيين و لم يقم هؤلاء المراكشيون بمقاتلتنا مختارين و قد كانوا مجبرين لأن الفرنسيين كانوا يذلونهم بالجوع و الحبس و القتل و كل أنواع الارهاب.و قد قال عبد الكريم :" أيها المسلمون التونسيون و الجزائريون ان الأمر الذي يشق علينا تحمله هو أن نرى أبناءكم يساقون قهرا لمحاربتنا.ان أربعة أخماس الجيوش التي هي على حدودنا شاهرة السلاح في وجوهنا هم أبناؤكم أيها الاخوان.
الاهداف الحقيقية من انشاء جمهورية الريف:
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه بعد كل ما سبق،هو ما هو الهدف المرتجى من انشاء جمهورية الريف ؟
سأحاول تلخيص الجواب في العناصر التالية :
الهدف الأول :
انشاء كيان سياسي مستقل عن السلطة المغربية مدعيا استقلاليته عن الدولة المغربية و غير خاضع لسلطانها ،و ذلك بهدف اعفائها من مسؤولية ما سيترتب عن حرب الريفيين ضد الاحتلال الاسباني حتى لا تلام و تحاسب و تطالب بالتعويضات نتيجة لخسائر الحرب، كما وقع في 1893 حينما هاجم بعض الريفين بالناضور جنودا اسبانيين اجتازوا حدود مليلية و شرعوا في بناء سور و قلعة عسكرية خارجها وقاموا بضم أراضي جديدة في ملك خواص ريفيين، فاحتجت اسبانيا على المغرب و فرضت عليه دفع تعويضات مقدارها 20 مليون بسيطة بموجب "معاهدة فاس"، و كما وقع كذلك في 1859 حينما اجتاز جنود اسبان لحدود سبتة فهوجموا من طرف أفراد من قبيلة أنجرة،مما دعا باسبانيا الى الاحتجاج و طلب تعويضات مقدارها 100 مليون بسيطة بموجب "معاهدة وادراس" .
الهدف الثاني:
قطع الطريق على فرنسا كي لا تقوم باحتلال الريف بعد انتصار الريفيين على اسبانيا ، و استعمار الأراضي التي ستطرد منها هذه الأخيرة في حال انهزامها و ارغامها على مغادرتها لجميع الأراضي الريفية المحتلة ، معتمدة على ميثاق الجزيرة الخضراء و معاهدة الحماية ، و هكذا سيتم حرمان فرنسا من أي سند قانوني يخول لها الحلول محل اسبانيا .
الهدف الثالث:
منع فرنسا من احتلال الريف بحجة نشر الامن و الاستقرار كما تنص عليه معاهدة الحماية في 1912 و ميثاق الجزيرة في 1906 و قبلهما الاتفاق الفرنسي المغربي في 1905 الذي يسمح لفرنسا تجاوز الحدود المسطرة لها من أجل ملاحقة من يشكلون خطرا على التواجد الفرنسي في المغرب.
لقد كانت هذه محاولة لمعرفة مصدر هذا الخلاف المصطنع حول الانفصال و الوحدة، بين أفراد شعب ظل موحدا منذ قرون،رغم اختلاف لغاته و تقاليده و عاداته،و ذلك بسبب تمسكه بدينه و قيادته الذين كانا دائما عنصري توحيد و ضمان استقرار و استمرار الدولة المغربية العريقة.
خاتمة:
حينما نسأل اخواننا المغرر بهم، عن الأسس الفكرية و السياسية لتبنيهم فكرة الانفصال،يجيبون بأن دعوتهم هي وفاء لدماء الشهداء الريفيين الذين أسسوا جمهورية الريف في 1921 و أعلنوا عنها في 1923 و تركوا لنا (أهل الريف) أمانة إحيائها و إقامتها كلما توفرت الظروف.
لو اطلع هؤلاء على آخر وصية تركها الامير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ، لما تبنوا هذه الأفكار الانفصالية و لما قاموا بالدعوة اليها و التغرير بشباب و أطفال حرموا من الاطلاع على التاريخ الحقيقي لبلادهم وعلى الأمجاد العظيمة التي تركها أجدادهم،ذلك التاريخ الذي فرض عليه حصارغير مباشر و غير معلن من طرف العديد من الجهات الرسمية و غير الرسمية المحلية و الدولية ، و ذلك لما في التجربته الثورية و الرائدة للأمير الخطابي من الهام للراغبين في التحرر و الانعتاق من القيود التي تمنعهم من التقدم و الازدهار و صناعة المواطن الحر.
يقول الأمير الخطابي في وصيته التي تركها لنا كي نستنير من تجربته و خبرته :
" أوصيكم يا أبنائي بالقراءة و الكتابة و عليكم أن تعودوا أنفسكم على ممارسة الكتابة و تدوين خواطركم و مشاهداتكم اليومية دونما ابطاء أو اجهاد في البحث عن الجمل المنمقة بل عبروا عن أحاسيسكم باللغة الريفية الأمازيغية أو العربية أو بخليط بينهما ، فالمهم هو التعبير الصادق الأمين عن المشاعر ، و الأهم اكتساب ناصية الكتابة و التعود على ممارستها"(المنهال في كفاح أبطال الشمال"ص6 ) .
كما وصى كذلك الأجيال الريفية القادمة بالحفاظ على الهوية مهما كانت الظروف فتسهر على تدوينها و توريثها لأبناءها و أحفادها(كتاب شهادات عن المقاومة في عهد عبد الكريم الخطابي ،لمحمد الرايس).
و من أجل كل ما سبق، فان خير ما نهديه للزعيم القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي،بمناسبة ذكرى "معركة أنوال المجيدة" لتي ستحل علينا بعد بضعة أيام،هو أن نعمل بوصاياه.
من وصيته نستنتج الأهمية القصوى التي كان يوليها رحمه الله للتعليم و الكرامة الانسانية و الحفاظ على الهوية مصدر قوة و الهام جميع الأمم.
و عليه فاذا أردنا أن نكون أوفياء له و لدماء رفاقه من الشهداء ،فعلينا أن نقرأ ما تركه من مقالات و دروس مكتوبة و رسائل و تصريحات اذاعية ،كي نتمكن من معرفة شخصيته و طريقة تفكيره و رؤيته للأمور التي أثبتت الوقائع أنه كان حكيما متمرسا ،نافذ البصيرة ،مما دفع بايقونة ثوار أمريكا اللاتينية الزعيم "تشي غيفارا" أن يخاطبه حينما قام بزيارته في منزله بالقاهرة بما معناه:"لقد صممت أيها القائد الثائر أن لا اغادر القاهرة حتى أتشرف بلقائك و الاستفادة من نصائحك".