محمد أمزيان
فلنسلم أن هناك منافسة "شريفة" ومنافسة "غير شريفة" في كل المجالات والميادين. وصفة "الشرف" الملازمة للمنافسة في هذه الحالة لا علاقة لها بحادثة بطاقات "الشرف" التي خلقت جدلا كبيرا في المغرب، بعدما اكتشف مواطنون "غير شرفاء" فجأة أنهم يتعرضون للتمييز، وأن هناك مافيا حقيقية تتاجر ببطائق "الشرف"، كما يتاجر السمسار عديم الضمير ببطائق التموين. أعرف أشخاصا كانوا يتهافتون من أجل الحصول على بطاقة الشرف وهم على استعداد لدفع مبالغ طائلة من أجلها، لكنهم في تعاملهم وتصرفاتهم بعيدون بعد السماء عن الأرض عن كل ما يمت بصلة إلى قيمة الشرف في معناها العام.
ولعل استخدام هذا المصطلح في الثقافات غير الإسلامية له ارتباط بالفروسية في الأزمنة الغابرة، ويعني النبل والتضحية في سبيل الجماعة والإيثار عن النفس، ولا علاقة له بتاتا بالدم وبالنسب، كما يحدث عندنا. فالمنافسة الشريفة تعني ببساطة أن يتوفر المتنافسون على نفس آليات المنافسة وأدواتها، وكلما انعدمت شروط المنافسة بين المتنافسين، إلا واختل ميزان التنافس فيصبح بالتالي “غير شريف”، مستهجن ومثير للسخرية. وهذا ما يظهر جليا في ميدان التنافس السياسي.
ومن المؤسف حقا أن نرى شروط المنافسة “الشريفة” ثابتة ومحترمة في مجتمعات لا تتعامل مع هذا المصطلح بتلك القدسية المغشوشة، بينما تنعدم أبسط هذه الشروط في مجتمعاتنا المنافقة. فكلما اقترب موعد الانتخابات كلما ابتعد المتنافسون عن مغزى المنافسة الشريفة، ليحل محلها قاموس أقل ما يقال عنه إنه قاموس متخلف، بذيء، قاموس يليق بعالم قطاع الطرق والخارجين عن القانون. وهنا لا يختلف المتشبث بالمرجعية الدينية عن الذي يدعي نهله من مرجعيات مدنية حداثية. ولا يسع المجال هنا لتعداد مفردات القاموس السياسي المتخلف عندنا، وخاصة خلال العقد الأخير مع وصول “قيادات” غيرت مفاهيم الأخلاق السياسية وقلبتها رأسا على عقب. والغريب أكثر أن “قاموس” بعض السياسيين كان سيقودهم إلى المحاكمة أو على الأقل إلى التحقيق داخل المؤسسة التشريعية، ما دامت مفردات ذلك القاموس الهجين استخدمت، في معظمها، تحت قبة البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية. فأين “الشرف” حينما يتهم قيادي سياسي من المنتظر أن يقود البلد كله، زميلا له بأنه “لص”، “قاتل”، “إرهابي”، “شيطان”، “تاجر مخدرات”، “منافق”، وقس على ذلك. أليست هذه التهم كافية لفتح تحقيق في النازلة؟ ثم يتساءلون في ما بينهم عن العزوف السياسي وكأنه نابت من عدم!
هذا القاموس لا يستخدم في الدول الغربية حيث تكون المنافسة فعلا “شريفة”، والدولة باعتبارها حامية الجميع هي التي توفر شروط المنافسة “الشريفة” بين المتنافسين. في الغرب لن تسمع سياسيا يتهم زميله بالسرقة أو الإرهاب أو الغش بلا سند ولا دلائل، وإلا عرض نفسه للمتابعة القضائية التي تعني في ما تعنيه: النهاية السياسية المأساوية له. وبهذا تتاح الفرصة أمام المواطن ليعرف من سيمثله انطلاقا من برنامجه السياسي وليس اعتمادا على ما يزخر به قاموسه “غير الشريف” من مشتمات ومسبات وبهتان.
لا يعني هذا أن المنافسة السياسية في الغرب تسير دائما وفق مسار “شريف” بالمطلق، بل هناك “قوالب” يلتجئ إليها المتنافسون لإحراج الخصم، ولم لا إقصاءه نهائيا. غير أنها “قوالب” تقوم على حقائق تختفي وتظهر عند الحاجة. فعلى سبيل المثال، حدثت تسريبات حساسة جدا في حق وزير العدل الهولندي إيفو أوبستيلتن وسكرتير الدولة في العدل والأمن فريد تيفن. ومع أن هذا الوزير ونائبه، والمنتميان للحزب الليبرالي الشعبي الذي يقود الائتلاف الحاكم في البلاد الآن أنكرا ما نسب لهما، إلا أنهما خضعا في النهاية لاستفسارات الرأي العام، وقدما استقالتهما رغم محاولات رئيس الحكومة الليبرالي مارك روته تأجيل الأمر حتى تنتهي الانتخابات الجهوية.
والفرق بين ما يحدث عندنا في المغرب وبين ما يحدث في دولة تحترم مؤسساتها ونهجها الديمقراطي أن المسؤول يتحمل مسؤوليته كاملة حتى ولو لم يكن هو الذي تسبب شخصيا في المشكلة. فالمحاسبة في الدولة الديمقراطية ترتبط بالمنصب ولا ترتبط بالشخص، وهذا بالضبط ما يجعل المواطن يثق في مؤسساته ولا يعير اهتماما كبيرا لتوالي الأشخاص والأحزاب. وإذ نحن أيضا مقبلون في المغرب على انتخابات مهمة، أليست هذه مناسبة لإعادة الروح إلى “شرف” المنافسة وليس “شرف” المتاجرة؟
فلنسلم أن هناك منافسة "شريفة" ومنافسة "غير شريفة" في كل المجالات والميادين. وصفة "الشرف" الملازمة للمنافسة في هذه الحالة لا علاقة لها بحادثة بطاقات "الشرف" التي خلقت جدلا كبيرا في المغرب، بعدما اكتشف مواطنون "غير شرفاء" فجأة أنهم يتعرضون للتمييز، وأن هناك مافيا حقيقية تتاجر ببطائق "الشرف"، كما يتاجر السمسار عديم الضمير ببطائق التموين. أعرف أشخاصا كانوا يتهافتون من أجل الحصول على بطاقة الشرف وهم على استعداد لدفع مبالغ طائلة من أجلها، لكنهم في تعاملهم وتصرفاتهم بعيدون بعد السماء عن الأرض عن كل ما يمت بصلة إلى قيمة الشرف في معناها العام.
ولعل استخدام هذا المصطلح في الثقافات غير الإسلامية له ارتباط بالفروسية في الأزمنة الغابرة، ويعني النبل والتضحية في سبيل الجماعة والإيثار عن النفس، ولا علاقة له بتاتا بالدم وبالنسب، كما يحدث عندنا. فالمنافسة الشريفة تعني ببساطة أن يتوفر المتنافسون على نفس آليات المنافسة وأدواتها، وكلما انعدمت شروط المنافسة بين المتنافسين، إلا واختل ميزان التنافس فيصبح بالتالي “غير شريف”، مستهجن ومثير للسخرية. وهذا ما يظهر جليا في ميدان التنافس السياسي.
ومن المؤسف حقا أن نرى شروط المنافسة “الشريفة” ثابتة ومحترمة في مجتمعات لا تتعامل مع هذا المصطلح بتلك القدسية المغشوشة، بينما تنعدم أبسط هذه الشروط في مجتمعاتنا المنافقة. فكلما اقترب موعد الانتخابات كلما ابتعد المتنافسون عن مغزى المنافسة الشريفة، ليحل محلها قاموس أقل ما يقال عنه إنه قاموس متخلف، بذيء، قاموس يليق بعالم قطاع الطرق والخارجين عن القانون. وهنا لا يختلف المتشبث بالمرجعية الدينية عن الذي يدعي نهله من مرجعيات مدنية حداثية. ولا يسع المجال هنا لتعداد مفردات القاموس السياسي المتخلف عندنا، وخاصة خلال العقد الأخير مع وصول “قيادات” غيرت مفاهيم الأخلاق السياسية وقلبتها رأسا على عقب. والغريب أكثر أن “قاموس” بعض السياسيين كان سيقودهم إلى المحاكمة أو على الأقل إلى التحقيق داخل المؤسسة التشريعية، ما دامت مفردات ذلك القاموس الهجين استخدمت، في معظمها، تحت قبة البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية. فأين “الشرف” حينما يتهم قيادي سياسي من المنتظر أن يقود البلد كله، زميلا له بأنه “لص”، “قاتل”، “إرهابي”، “شيطان”، “تاجر مخدرات”، “منافق”، وقس على ذلك. أليست هذه التهم كافية لفتح تحقيق في النازلة؟ ثم يتساءلون في ما بينهم عن العزوف السياسي وكأنه نابت من عدم!
هذا القاموس لا يستخدم في الدول الغربية حيث تكون المنافسة فعلا “شريفة”، والدولة باعتبارها حامية الجميع هي التي توفر شروط المنافسة “الشريفة” بين المتنافسين. في الغرب لن تسمع سياسيا يتهم زميله بالسرقة أو الإرهاب أو الغش بلا سند ولا دلائل، وإلا عرض نفسه للمتابعة القضائية التي تعني في ما تعنيه: النهاية السياسية المأساوية له. وبهذا تتاح الفرصة أمام المواطن ليعرف من سيمثله انطلاقا من برنامجه السياسي وليس اعتمادا على ما يزخر به قاموسه “غير الشريف” من مشتمات ومسبات وبهتان.
لا يعني هذا أن المنافسة السياسية في الغرب تسير دائما وفق مسار “شريف” بالمطلق، بل هناك “قوالب” يلتجئ إليها المتنافسون لإحراج الخصم، ولم لا إقصاءه نهائيا. غير أنها “قوالب” تقوم على حقائق تختفي وتظهر عند الحاجة. فعلى سبيل المثال، حدثت تسريبات حساسة جدا في حق وزير العدل الهولندي إيفو أوبستيلتن وسكرتير الدولة في العدل والأمن فريد تيفن. ومع أن هذا الوزير ونائبه، والمنتميان للحزب الليبرالي الشعبي الذي يقود الائتلاف الحاكم في البلاد الآن أنكرا ما نسب لهما، إلا أنهما خضعا في النهاية لاستفسارات الرأي العام، وقدما استقالتهما رغم محاولات رئيس الحكومة الليبرالي مارك روته تأجيل الأمر حتى تنتهي الانتخابات الجهوية.
والفرق بين ما يحدث عندنا في المغرب وبين ما يحدث في دولة تحترم مؤسساتها ونهجها الديمقراطي أن المسؤول يتحمل مسؤوليته كاملة حتى ولو لم يكن هو الذي تسبب شخصيا في المشكلة. فالمحاسبة في الدولة الديمقراطية ترتبط بالمنصب ولا ترتبط بالشخص، وهذا بالضبط ما يجعل المواطن يثق في مؤسساته ولا يعير اهتماما كبيرا لتوالي الأشخاص والأحزاب. وإذ نحن أيضا مقبلون في المغرب على انتخابات مهمة، أليست هذه مناسبة لإعادة الروح إلى “شرف” المنافسة وليس “شرف” المتاجرة؟