هولندا : محمد بوتخريط
و...ماذا بعد.
بين من نزلوا و'زفزفوا' حراكا نقيا.. ومن قبعوا وتفسبكوا كلاما..وفقط.
سمعتهم يتحدّثون أن البطل فيك يا ريف يرعب الجند..عاري الصدر، يرمي حجراً نحو المستقبل، وأنك اليوم حزين لان الحجر الذي يرميه يعود رصاصةً من نيران صديقة خارقةً للبطل و لكل ذاك الحراك النقي .
سمعتهم يتهامسون أنّ البطل خائن ، جبان وأن من معه كلهم رعاع.
مناضلون تحت الطلب ..مناضلون فايسبوكيون من سمعتهم . وسمعتَهم انت كذلك يا ريف يتحدثون ويتهامسون .. "يناضلون" بالتخوين والتكفير "والتمخزين" في زمن المسخ الافتراضي..
النزول الى الشارع يحسب لمن شارك فيه. فليس من تأبط هاتفه النقال وجلس في البيت او المقهى وبدأ يؤطر ويفسر وينظم ويخوِّن ويكفِّر كمن نزل الى الشارع ، كمن "زفزف" واجج الحراك و كسب ثقة الشارع وخاطب الشعب بخطاب يفهمه دون تخوين او تكفير او حتى اشارة الى قمع او إقصاء.. فالنضال في الشارع بصدر عاري ليس كالنضال على مواقع التواصل الاجتماعي..على كرسي مريح و مكيف هوائي.
و...ماذا بعد.
شحنوا أقلامهم..أعدّوا جيوشهم، وزحفوا..
اعدوا قهوة المساء.. اشعلوا مكيف الهواء..استلقوا ومددوا أرجلهم على كرسي مريح...وحلّقوا.. فقذفوا..وقصفوا.. قبل ان يتحققوا وقبل حتى ان يسألوا..
فهل أخطأوا الطريق...؟
أو لعلّ بوصلتهم معطّلة .. فتاهوا ، فبوصلتهم تُشير إلى صديق بدل عدُوّ ذاقوا على يده ما ذاقوا واكتووا...
يتهجمون على أبناء جلدتهم، يذَبِّحون البراءة وتستحيون الحراك ..
يخجل الريف من غبائكم !
و...ماذا بعد.
حين حدثني صديقي قائلا أن إحياء اربعينية شهيد الكرامة محسن فكري كان ضرورة حتمية، بغض النظر عن الأعداد المشاركة او اتجاهات واختيارات المشاركين فيها ..
قلت له بل هو حراك لم يشهده الشارع الريفي منذ عقود، ولهذا أسبابه طبعا.. وحركة الشارع قد أخذت بالتبلور تدريجياً...وقد يأتي الامر بتغيير ما..
هز رأسه قائلا بصوت خافت ، هو فعلا حراك لم يشهده الشارع منذ أمد بعيد .. لكن التحول لا يحدث نتيجة لحدث مفاجئ، كما أن التغيير لا ياتي على شكل أحداث، بل إن الحدث يفجر فقط مسارات مفتوحة الإمكانات ولا حتميات فيها.
حدثته انا الآخر بصوت خافت وكأنى أطمئنه قائلا أن النزول إلى الشارع، حمل في طياته رسالة هامة إلى المسؤولين في البلد، مفادها أن الحراك لم يمت بعد.. ولن يموت.
و...ماذا بعد.
تأمّلت المشهد كله. في جانب ما ، استكمال مسيرة نحو سقف لا محدود من الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وعلى الطرف الآخر آلة قمعية أثخنت في دماء و أرواح الابرياء من الشعب ، تواجه تحديا ومواجهة و صمودا أسطوريا لعشاق حرية عاهدوا انفسهم على مواصلة النضال دفاعا عن حقوقهم وكرامتهم . وملئ الفراغ الذي تركه المتخاذلون من من انسحبوا أو خانوا ولم يواصلوا المسير .
تحولت المعركة إلى معركة كرامة.. معركة إرادة .. وحتما سينتصر فيها الأكثر صبرا و ثباتا . سيكون النصر بحجم التضحيات وبحجم الدماء التي سالت..
حراك نجح فيه عشاق الحرية والكرامة في فرض نوع من الردع أجبر الكثير من المسؤولين في البلد على تجنب إراقة دماء جديدة بعد سنوات من 'تفانيهم' و تماديهم فيها، خوفا من أن تجر رائحته آخرين...وآخرين ..
حراك لم تدنسه هذه المرة لا قوانين الاحزاب ولا الجمعيات ولا المؤسسات .. ولا حتى وجوها اعتدنا تواجدها تركب ظهورنا وتمضي الى ما تشتهيه و طبعا ليس ما يشتهيه الشعب .. احزاب لم تكن لتيضيف شيئا غير بعدا "قانونيا" للمشهد، وهو "تقنين القمع".
حراك لم تقده أحزاب .. قاده ابناء الشعب بعيدا عن احزاب تمسكت بالشعارات فقط كي تميز نفسها ، دون أدنى ربط بين هذه الشعارات وواقع الحال...واقع الناس.
و...ماذا بعد..
ماذا بعد..اليوم، والوضع بدأ يشهد مخاضاً ما ، يفتح على احتمالات مختلفة ستكون أحدها أسوأ من الأخرى .. تعصف خلافات وإنقسامات حادة في الصفوف...خلافات ظهرت على السطح قبل الحراك وتفاقمت مع انطلاقته.. وزادت تفاقما بعد الحراك.
لوحة رمادية راهناً ، لكن رغم رماديتها المحيّرة ، لا يجب أن ينظر إليها بأنها سوداوية، بل مرحلة عابرة أفرزتها مناخات عديدة ،محيطة، منها ما هو داخلي من صنع محلي ومنها ما هو إقليمي بل و وطني أيضاً والتي أفرزت بدورها العديد من الافرازات السلبية..
وقد تكون المشكلة كامنة في ذات المناخات التي افرزت عقولا عاهرة اوصلت اصحابها الى حافة اليأس ومنتهى الاحباط، وانتزعت منهم القدرة على التفكير الصحيح والعطاء الايجابي ودفعتهم الى التعامل بمنطق انتهازي ونفعي. وانخرط العديد من هؤلاء بالتالي في لعبة تبادل الادوار في حملة تخوين وتكفير واسعة ضد بعضهم البعض..والقيام بحرب وكالة ضد بعضهم البعض لاسباب يعلمها الجميع.. اختلاف الرؤى والايديولوجيات والاتجاهات... لكي لا اقول تصفية حسابات شخصية.
و...ماذا بعد.
شيء جميل ان يعطى الاهتمام لما يدور حولنا..ولا بأس إن أجبنا عن أسئلة مدفوعة الاجر مسبقا لسائلها ..أو تصدينا لاتهامات تُقذف صوبنا..
لكن هناك اشياء أجمل ، تحققت ننشغل عنها لأتفه الأسباب ذاتها.. للعديد من الاسئلة والاتهامات تُرمى في الطريق امامنا حتى نلتقطها وننشغل باللهو واللعب بها. خصام ، شجار ، ملاسنات تحيط بنا..حولنا..معنا..ولا نعمل لوجود ما تحقق أي حساب او اهتمام ..
نغلق للفرح والحب والاحتفال كل باب ..مع أن الجرح ساكن في القــلب..لا نعيره أي اهتــمام..فقط نبتكر بعد كلّ فاجعة مبررات ومبررات..
و...ماذا بعد.
فهل..غدا،سنكذب على الشهداء..؟
هل..غدا ، سنكذب على اطفالنا...؟.
ونقول لهم اننا كنا شرفاء .. وأننا نحن من كان على حق..وغيرنا كان على باطل .. سفهاء.
لنستعد ومنذ اليوم ...وبأي طريقة شئنا للمحاسبة التي تنتظرنا..سيحاسبنا أطفالنا...ولنَحْذر يوم يكبرون قليلا..ويتفتح جيل كامل من أطفالنا ..أن نبرر تفككنا وصمتنا...لنَحْذر كثيرا...فاطفال اليوم إن كبروا ، لن يقبلوا أنّ للتفكك والخيانة بين من يجمعهم دم واحد وهوية واحدة اعتذارات .. او مبررات.
و"المطحون" هنالك...سيحاسبنا هو الآخر لا محالة لاننا ننسى في ساعة غفلة ان نقرأ على روحه وردا وفاتحة و سلاما... وإن غضبنا يوما من واقع الحال أو تعاطفنا مع موجوع او حتى مع بطل 'زفزافٍ'، فقط نغيّر صورنا على مواقع التواصل الإجتماعي ... وكفى.
واما حين نرفع صورة "مطحون" شهيد فاننا سنقضي يوما،أسبوعا ، أو حتى شهرا . نرفع ونتقاسم ذات الصورة ثم ننسى... ننساها كما نسينا كل من سبقوا ورحلوا ...كل الشهداء والأرامل والثكالى ، كلّ الأيتام وكلّ المقهورين المفجوعين في فلذات أكبادهم... بل وننسى كل الدماء.
فـ...ماذا بعد.؟
و...ماذا بعد.
بين من نزلوا و'زفزفوا' حراكا نقيا.. ومن قبعوا وتفسبكوا كلاما..وفقط.
سمعتهم يتحدّثون أن البطل فيك يا ريف يرعب الجند..عاري الصدر، يرمي حجراً نحو المستقبل، وأنك اليوم حزين لان الحجر الذي يرميه يعود رصاصةً من نيران صديقة خارقةً للبطل و لكل ذاك الحراك النقي .
سمعتهم يتهامسون أنّ البطل خائن ، جبان وأن من معه كلهم رعاع.
مناضلون تحت الطلب ..مناضلون فايسبوكيون من سمعتهم . وسمعتَهم انت كذلك يا ريف يتحدثون ويتهامسون .. "يناضلون" بالتخوين والتكفير "والتمخزين" في زمن المسخ الافتراضي..
النزول الى الشارع يحسب لمن شارك فيه. فليس من تأبط هاتفه النقال وجلس في البيت او المقهى وبدأ يؤطر ويفسر وينظم ويخوِّن ويكفِّر كمن نزل الى الشارع ، كمن "زفزف" واجج الحراك و كسب ثقة الشارع وخاطب الشعب بخطاب يفهمه دون تخوين او تكفير او حتى اشارة الى قمع او إقصاء.. فالنضال في الشارع بصدر عاري ليس كالنضال على مواقع التواصل الاجتماعي..على كرسي مريح و مكيف هوائي.
و...ماذا بعد.
شحنوا أقلامهم..أعدّوا جيوشهم، وزحفوا..
اعدوا قهوة المساء.. اشعلوا مكيف الهواء..استلقوا ومددوا أرجلهم على كرسي مريح...وحلّقوا.. فقذفوا..وقصفوا.. قبل ان يتحققوا وقبل حتى ان يسألوا..
فهل أخطأوا الطريق...؟
أو لعلّ بوصلتهم معطّلة .. فتاهوا ، فبوصلتهم تُشير إلى صديق بدل عدُوّ ذاقوا على يده ما ذاقوا واكتووا...
يتهجمون على أبناء جلدتهم، يذَبِّحون البراءة وتستحيون الحراك ..
يخجل الريف من غبائكم !
و...ماذا بعد.
حين حدثني صديقي قائلا أن إحياء اربعينية شهيد الكرامة محسن فكري كان ضرورة حتمية، بغض النظر عن الأعداد المشاركة او اتجاهات واختيارات المشاركين فيها ..
قلت له بل هو حراك لم يشهده الشارع الريفي منذ عقود، ولهذا أسبابه طبعا.. وحركة الشارع قد أخذت بالتبلور تدريجياً...وقد يأتي الامر بتغيير ما..
هز رأسه قائلا بصوت خافت ، هو فعلا حراك لم يشهده الشارع منذ أمد بعيد .. لكن التحول لا يحدث نتيجة لحدث مفاجئ، كما أن التغيير لا ياتي على شكل أحداث، بل إن الحدث يفجر فقط مسارات مفتوحة الإمكانات ولا حتميات فيها.
حدثته انا الآخر بصوت خافت وكأنى أطمئنه قائلا أن النزول إلى الشارع، حمل في طياته رسالة هامة إلى المسؤولين في البلد، مفادها أن الحراك لم يمت بعد.. ولن يموت.
و...ماذا بعد.
تأمّلت المشهد كله. في جانب ما ، استكمال مسيرة نحو سقف لا محدود من الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وعلى الطرف الآخر آلة قمعية أثخنت في دماء و أرواح الابرياء من الشعب ، تواجه تحديا ومواجهة و صمودا أسطوريا لعشاق حرية عاهدوا انفسهم على مواصلة النضال دفاعا عن حقوقهم وكرامتهم . وملئ الفراغ الذي تركه المتخاذلون من من انسحبوا أو خانوا ولم يواصلوا المسير .
تحولت المعركة إلى معركة كرامة.. معركة إرادة .. وحتما سينتصر فيها الأكثر صبرا و ثباتا . سيكون النصر بحجم التضحيات وبحجم الدماء التي سالت..
حراك نجح فيه عشاق الحرية والكرامة في فرض نوع من الردع أجبر الكثير من المسؤولين في البلد على تجنب إراقة دماء جديدة بعد سنوات من 'تفانيهم' و تماديهم فيها، خوفا من أن تجر رائحته آخرين...وآخرين ..
حراك لم تدنسه هذه المرة لا قوانين الاحزاب ولا الجمعيات ولا المؤسسات .. ولا حتى وجوها اعتدنا تواجدها تركب ظهورنا وتمضي الى ما تشتهيه و طبعا ليس ما يشتهيه الشعب .. احزاب لم تكن لتيضيف شيئا غير بعدا "قانونيا" للمشهد، وهو "تقنين القمع".
حراك لم تقده أحزاب .. قاده ابناء الشعب بعيدا عن احزاب تمسكت بالشعارات فقط كي تميز نفسها ، دون أدنى ربط بين هذه الشعارات وواقع الحال...واقع الناس.
و...ماذا بعد..
ماذا بعد..اليوم، والوضع بدأ يشهد مخاضاً ما ، يفتح على احتمالات مختلفة ستكون أحدها أسوأ من الأخرى .. تعصف خلافات وإنقسامات حادة في الصفوف...خلافات ظهرت على السطح قبل الحراك وتفاقمت مع انطلاقته.. وزادت تفاقما بعد الحراك.
لوحة رمادية راهناً ، لكن رغم رماديتها المحيّرة ، لا يجب أن ينظر إليها بأنها سوداوية، بل مرحلة عابرة أفرزتها مناخات عديدة ،محيطة، منها ما هو داخلي من صنع محلي ومنها ما هو إقليمي بل و وطني أيضاً والتي أفرزت بدورها العديد من الافرازات السلبية..
وقد تكون المشكلة كامنة في ذات المناخات التي افرزت عقولا عاهرة اوصلت اصحابها الى حافة اليأس ومنتهى الاحباط، وانتزعت منهم القدرة على التفكير الصحيح والعطاء الايجابي ودفعتهم الى التعامل بمنطق انتهازي ونفعي. وانخرط العديد من هؤلاء بالتالي في لعبة تبادل الادوار في حملة تخوين وتكفير واسعة ضد بعضهم البعض..والقيام بحرب وكالة ضد بعضهم البعض لاسباب يعلمها الجميع.. اختلاف الرؤى والايديولوجيات والاتجاهات... لكي لا اقول تصفية حسابات شخصية.
و...ماذا بعد.
شيء جميل ان يعطى الاهتمام لما يدور حولنا..ولا بأس إن أجبنا عن أسئلة مدفوعة الاجر مسبقا لسائلها ..أو تصدينا لاتهامات تُقذف صوبنا..
لكن هناك اشياء أجمل ، تحققت ننشغل عنها لأتفه الأسباب ذاتها.. للعديد من الاسئلة والاتهامات تُرمى في الطريق امامنا حتى نلتقطها وننشغل باللهو واللعب بها. خصام ، شجار ، ملاسنات تحيط بنا..حولنا..معنا..ولا نعمل لوجود ما تحقق أي حساب او اهتمام ..
نغلق للفرح والحب والاحتفال كل باب ..مع أن الجرح ساكن في القــلب..لا نعيره أي اهتــمام..فقط نبتكر بعد كلّ فاجعة مبررات ومبررات..
و...ماذا بعد.
فهل..غدا،سنكذب على الشهداء..؟
هل..غدا ، سنكذب على اطفالنا...؟.
ونقول لهم اننا كنا شرفاء .. وأننا نحن من كان على حق..وغيرنا كان على باطل .. سفهاء.
لنستعد ومنذ اليوم ...وبأي طريقة شئنا للمحاسبة التي تنتظرنا..سيحاسبنا أطفالنا...ولنَحْذر يوم يكبرون قليلا..ويتفتح جيل كامل من أطفالنا ..أن نبرر تفككنا وصمتنا...لنَحْذر كثيرا...فاطفال اليوم إن كبروا ، لن يقبلوا أنّ للتفكك والخيانة بين من يجمعهم دم واحد وهوية واحدة اعتذارات .. او مبررات.
و"المطحون" هنالك...سيحاسبنا هو الآخر لا محالة لاننا ننسى في ساعة غفلة ان نقرأ على روحه وردا وفاتحة و سلاما... وإن غضبنا يوما من واقع الحال أو تعاطفنا مع موجوع او حتى مع بطل 'زفزافٍ'، فقط نغيّر صورنا على مواقع التواصل الإجتماعي ... وكفى.
واما حين نرفع صورة "مطحون" شهيد فاننا سنقضي يوما،أسبوعا ، أو حتى شهرا . نرفع ونتقاسم ذات الصورة ثم ننسى... ننساها كما نسينا كل من سبقوا ورحلوا ...كل الشهداء والأرامل والثكالى ، كلّ الأيتام وكلّ المقهورين المفجوعين في فلذات أكبادهم... بل وننسى كل الدماء.
فـ...ماذا بعد.؟