د. محمد بوضيل
لقد كتب الكثير عن حراك الريف وتداعياته، كتب عنه من هم منه ومعه، ومن منهم من رافضيه وكتب عنه من هم ما بين هذا الفريق وذاك.
من خلال رصدنا الحثيث لكل ما كتب ، في الداخل والخارج حول الموضوع ولمدة تزيد عن عشرة اشهر، نجد تقريبا مجمل القراءات والتحاليل تتمحور حول الحراك ومنطلقاته، وهي منطلقات لا تعدو أن تكون في الأصل سوى مطالب مشروعة. بيد أن كل ما تناولته تلك الأقلام غابت عنه تلك المقاربة الشمولية التي كانت من المفترض أن تعنى بالأساس بكيفية البحث عن الحلول اللازمة للخروج من هذا المأزق، حتى يتنفس الجميع الصعداء وتستريح كل الأطراف، وبالتالي وقف هذا النزيف الذي تعرفه منطقة الريف على مختلف الأصعدة والمستويات، الاجتماعية منها و الاقتصادية والثقافية والأمنية. والتي لا تخلو بدورها من انعكاسات سلبية على تنمية واستقرار الريف أولا ، ووطننا العزيز ثانيا .
ان مساهمتي المتواضعة في الموضوع ، كان فيها تردد اولي كبير ، لأنني لا اريد ان يحسب هذا المقال على انه يتبنى اطروحة جهة دون أخرى، او يدافع عن فريق دون فريق.
لكن بدافع الوطنية ومن خلال قراءتي المتأنية لواقع الريف الذي لا يقبل به أي مغربي، ثم تخبط المسؤولين خبط عشواء في محاولة عبثية لإيجاد حل ما لهذ الازمة ، وكذا حبي لوطني ، والريف مني وأنا منه، كل ذلك شجعني على ان أدلو بدلوي في موضوع لا يخلو من حساسية، بحثا عن خريطة طريق نسترشد بها جميعا لحل ازمة الريف وتبعاتها من منطلق إرادة جادة ومنهج واضح وبشكل نهائي لا رجعة فيه.
لقد كتب الكثير عن حراك الريف وتداعياته، كتب عنه من هم منه ومعه، ومن منهم من رافضيه وكتب عنه من هم ما بين هذا الفريق وذاك.
من خلال رصدنا الحثيث لكل ما كتب ، في الداخل والخارج حول الموضوع ولمدة تزيد عن عشرة اشهر، نجد تقريبا مجمل القراءات والتحاليل تتمحور حول الحراك ومنطلقاته، وهي منطلقات لا تعدو أن تكون في الأصل سوى مطالب مشروعة. بيد أن كل ما تناولته تلك الأقلام غابت عنه تلك المقاربة الشمولية التي كانت من المفترض أن تعنى بالأساس بكيفية البحث عن الحلول اللازمة للخروج من هذا المأزق، حتى يتنفس الجميع الصعداء وتستريح كل الأطراف، وبالتالي وقف هذا النزيف الذي تعرفه منطقة الريف على مختلف الأصعدة والمستويات، الاجتماعية منها و الاقتصادية والثقافية والأمنية. والتي لا تخلو بدورها من انعكاسات سلبية على تنمية واستقرار الريف أولا ، ووطننا العزيز ثانيا .
ان مساهمتي المتواضعة في الموضوع ، كان فيها تردد اولي كبير ، لأنني لا اريد ان يحسب هذا المقال على انه يتبنى اطروحة جهة دون أخرى، او يدافع عن فريق دون فريق.
لكن بدافع الوطنية ومن خلال قراءتي المتأنية لواقع الريف الذي لا يقبل به أي مغربي، ثم تخبط المسؤولين خبط عشواء في محاولة عبثية لإيجاد حل ما لهذ الازمة ، وكذا حبي لوطني ، والريف مني وأنا منه، كل ذلك شجعني على ان أدلو بدلوي في موضوع لا يخلو من حساسية، بحثا عن خريطة طريق نسترشد بها جميعا لحل ازمة الريف وتبعاتها من منطلق إرادة جادة ومنهج واضح وبشكل نهائي لا رجعة فيه.
ولذلك، أعقد جازما أن خريطة الطريق كما أتصورها يجب أن تستوجب من متخذي القرار العمل على المستويات الثلاثة التالية:
1 – العفوالعام :
لابد ان يشمل العفو العام جميع المعتقلين والمبحوثين عنهم ، في الداخل والخارج، بسبب الحراك الجماهيري في منطقة الريف بأكملها ( الناظور –ادريوش- الحسيمة ).
أقول العفو العام وليس الخاص، وذلك لكي لا يستثنى أحد، واعتبار كل ما ترتب عن الحراك من احكام وغيرها كأنها من عدم و لم تكن أصلا. وبالعفو العام يرفع العتاب ويكون الوطن قد تصالح مع أبنائه في منطقة الريف.
2 – تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لساكنة الريف:
الملف المطلبي من وراء الحراك الذي شهدته المنطقة ملف لا يخرج عن نطاق المشروعية ولا يمس بثوابت الأمة على عكس ما حاول أصحاب النيات السيئة أخذ الحراك إلى وجهة مريبة. والواقع أن أبناء الريف لا يمكن المزايدة على وطنيتهم وأن أية محاولة لتصوير ذلك هي محاولة يائسة. فمطالبهم لا تعدو أن تكون سوى مطالب تندرج في سياق المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن هنا تبرز أهمية وضرورة تفاعل الدولة مع هذه المطالب وأخذها على محمل الجد. ولكي يتأتى ذلك، لابد من دراسة تلك المطالب دراسة دقيقة ووضعها في جدول زمني يوضح ما هو آني ينبغي تنفيذه على المدى المنظور، وما هو قابل للتأجيل يجب جدولته أيضا في سياق زمني معقول ومقبول وبرمجته في مخططات ثلاثية أو رباعية أو خماسية، لإنجازها بصفة نهائية في الزمان والمكان المتفق عليهما مسبقا. وان يكون الاشراف على إنجاز هذه المشاريع من طرف لجنة ملكية مستقلة ، وخارج القطاعات الحكومية التي تعنيها تلك المشاريع وتدخل تحت وصايتها. وتتولى هذه اللجنة الملكية السهر على مواكبة تلك المشاريع، وترفع تلك التقارير الى السدة العالية بالله بشكل دوري حول المراحل المنجزة وما تبقى منها. وان تكون هذه التقارير حقيقية، غير مغلوطة ولا مزيفة، تصف واقع المشروع كما هو وكما تراه، وان تعلم ان انكارها للواقع لا يعني إزالته.
3 – انهاء عسكرة المنطقة :
من المعقول جدا العمل على إنهاء عسكرة الريف ، وان يتم ذلك على عجل ومن دون تماطل. الامر الذي يتطلب سحب جميع مظاهر العسكرة المتواجد في المنطقة، أي سحب العتاد العسكري والأمني وكل التجريدات الأمنية بمختلف الوانها واشكالها، مع الإبقاء فقط على عدد جد محدود من الشرطة والدرك ، وان يبقى عددهم اقل مما كان عليه الامر قبل الحراك.
وبهذا القرار الراشد والحكيم ، تكون الدولة قد بينت للساكنة حسن نيتها ، وترجع لها الثقة المفقودة لعقود من الزمن مضت. على الدولة ان تقحم وتشرك الساكنة في العملية الأمنية ، ويعمل الجميع ، يدا في يد ، مع الأجهزة المختصة والمخصصة لامن المنطقة.
إن انهاء العسكرة ، سوف يدخل المنطقة برمتها في مرحلة جديدة ،تسترجع فيها حيويتها الاجتماعية والاقتصادية وجماليتها الثقافية والسياحية. وبالتالي تصبح منطقة الريف ، منطقة عادية كباقي المناطق المشكلة للمغرب الجديد.
هذا، وليعلم الجميع ان هذه الاضطرابات التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام للمجتمع المغربي ، لها بدون شك تأثيرات سلبية على استقرار الدولة المغربية في الداخل، وعلى سمعتها واشعاعها في الخارج. لذا كان من المنطق والضروري، ومن الوهلة الأولى التدخل بصفة استعجالية للحد من هذه الهزات الجزئية التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام ، وذلك خوفا من ان تضاف اليها حركات احتجاجية في مناطق أخرى ، والتي مجتمعة يمكن خلخلة الميكانزيم المتحكم في توازن واستقرار النسق العام، الذي تبنى عليه تنمية واستقرار الدولة بأكملها.
ان غفلتنا عن هذه الهزات الاجتماعية، حتى ولو كانت محدودة في الزمان والمكان ، سوف تضر بالمشهد العام الضابط لكل الانساق الأخرى ، والتي بوسعها رغم محدودية حجمها ، جر بعض المناطق التي تعرف هذه الاحتجاجات الى فوضى عارمة ، لا يمكن التحكم فيها ، وخاصة اذا اعتمدنا على المقاربة الأمنية وحدها، كما هو الوضع في منطقة الريف، مع الأسف الشديد. وهو وضع يصعب تجاوزه أو القفز عليه مهما كان جبروت القوة المسخرة لقمع الساكنة أو القضاء على منسوب حراكها. لأن المقاربة الأمنية لن تزيد إلا في خلق انساق اخرى على المحيط. وهنا تكمن خطورة الآفة وتداعياتها، وبالتالي يصعب السيطرة عليها.، الشيء الذي قد يؤول إلى وضع عام أكثر تعقيدا بدمج الأنساق الصغرى مع بعضها البعض، وربما تكون عملية الدمج والادماج اعقد وغالية التكلفة مما كان عليه الوضع فيما قبل.
لكن السؤال الذي يجب ان نطرحه جميعا و بنية البحث عن الحل لهذه الازمة المزمنة ، هو من الطرف أو المؤسسة المؤهلة والقادرة والمقتدرة ، والتي بإمكانها لوحدها حل ازمة منطقة الريف إلى ما لا رجعة؟.
ان المتتبعين لكل المتدخلين في قضية ازمة منطق الريف ، وخاصة الذين يبحثون عن حل لها ، أكانوا من الحكومة او الأحزاب السياسية او المنتخبين ، اصبحوا كلهم على درجة كبيرة من الإفلاس بل أصبحوا متجاوزين، شكلا ومضمونا، ولا يعول عليهم بتاتا في هذا الملف. وإن ابتعادهم عنه كان اجدى وانفع واقرب للصواب. وان عدم مشاركتهم في البحث عن الحل ، هو في حد ذاته جزء من الحل، وهي بداية مشرفة ومشجعة لإيجاد حل كامل لازمة المنطقة.
إن عدم مشاركة المؤسسات المذكورة جميعا في البحث عن حل لهذه الازمة سوف يسهل ، في الحقيقة، على المؤسسة الأساسية والمحورية والتي لها القدرة وحدها على انهاء الازمة بصفة نهائية وبدون رجعة.
إن الحكومة والأحزاب السياسية والمنتخبين، تفتقد في غالبيتها ، إن لم نقل بأكملها ، الى الشرعية الديموقراطية ، لا من حيث تشكيلتها ولا من حيث تنظيماتها السياسية ولا من حيث فعاليتها وجديتها الميدانية. علما ان كل هذه الأطراف كلها هي جزء كبير من المشكل ، إن لم تكن السبب، ومن منطق الأشياء ان لا تكون طرفا في الحل. وكانت هي سبب المشكل بالأساس ، وأقول ذلك حقيقة لا مجازا، بكونها جميعا لم تقم بواجبها في حينه ، لا في منطقة الريف ولا غير الريف ، فهي لازالت تتخبط هنا وهناك و بدون جدوى. ولو عمل الجميع بكل صدق وامانة وبكل فعالية ومهنية لما كان هناك حراك ولا غير حراك.
ان المؤسسة الوحيدة والتي بإمكانها ان تنهي هذه الازمة ، هي المؤسسة الملكية .
وان المؤسسة الملكية كانت جد ذكية في ملف حراك الريف ، بكونها لم تغبن المؤسسات المذكورة آنفا ولم تتحرك في هذا الملف منذ البداية ، وذلك وعيا منها على انه كان حقا ولزاما عليها ان تعطي لكل من الحكومة والأحزاب السياسية والمنتخبين ، المعنيين بصفة مباشرة بهذه الازمة ، للقيام بأدوارها كاملة في الموضوع ، ولم تضايقها المؤسسة الملكية في شيء ، ولمدة تزيد عن عشرة اشهر (من أكتوبر 2016 الى الآن ) .
لكن كما قلنا سابقا وما هو عليه الاجماع من طرف الجميع، ان هذه المؤسسات كاملة مغشوشة ومضطربة بداخلها وفيما بينها، مما يجعلها خارجة التغطية ولا يعول عليها
بتاتا وعلى الاطلاق لإنهاء لا هذه الازمة ولا أزمات أخرى. ولقد وضعت مصداقيتها وفعاليتها أمام ملفات كثيرة وكانت بدون جدوى.
والجدير بالذكر، انه في الآونة الأخيرة هناك شخصيات بارزة عبرت عن نيتها عن المطالبة بمراجعة دستور 2011، وانا بدوري أطالب بهذه المراجعة، واختلف مع هؤلاء في هذه الاطروحة من حيث الجوهر والموضوع. بل ان الاطروحة التي اتبناها هي مناقضة وفي اتجاه معاكس لما تمت الدعوة إليه. أرى انه فعلا لابد من التفكير مجددا في المراجعة الاولية لدستور 2011، ليتم وبدون تردد توسيع اختصاصات جلالة الملك اكثر بكثير مما هي عليه الأمور في هذا الدستور، وان تشمل جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤسساتية والتدبيرية ،وذلك حتى يضمن الشعب المغربي، من طنجة الى لكويرة، استقراره ووحدته الترابية .
ويجب ان تكون هذه المراجعة جد موسعة وعلى حساب كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الأخرى. لأنه لا معنى ان تعطى صلاحيات واختصاصات لمؤسسات وجهات تنعدم فيها الثقة ولا هي غير مؤهلة لا سياسيا ولا أخلاقيا لممارستها مهامها كما يجب أن يكون واقع الحال.
ان المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك، هي المؤسسة الوحيدة التي بوسعها حل ازمة منطقة الريف، وهي آخر بطاقة فوق المائدة امام الجميع. لكن بإمكانها لوحدها ومنفردة العمل على المحاور الأساسية الثلاثة، العفو العام، أولا ، الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية ، ثانيا، ورفع العسكرة على منطقة الريف، ثالثا وأخيرا.
وفي الأخير، لي اليقين، بل اكاد اجزم، انه بالتدخل المولوي الشريف في هذا الملف ، فان ازمة الريف سوف تذوب وتختفي تجلياتها تدريجيا حتى تصبح في خبر كان . مما يسمح للمنطقة، من جديد، استرجاع هدوءها وسكينتها وتختفي التظاهرات كليا من الشارع، حتى تترك الفرصة لمؤسسات الدولة للاشتغال لحل المشاكل والاستجابة لانشغالات الساكنة بالمنطقة.
فليتأكد الجميع ان المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك، تبقى هي الملاذ الوحيد والأول والأخير للامة في الماضي والحاضر والمستقبل.
الدكتور محمد بوضيل.
med-boudil@hotmail.fr
1 – العفوالعام :
لابد ان يشمل العفو العام جميع المعتقلين والمبحوثين عنهم ، في الداخل والخارج، بسبب الحراك الجماهيري في منطقة الريف بأكملها ( الناظور –ادريوش- الحسيمة ).
أقول العفو العام وليس الخاص، وذلك لكي لا يستثنى أحد، واعتبار كل ما ترتب عن الحراك من احكام وغيرها كأنها من عدم و لم تكن أصلا. وبالعفو العام يرفع العتاب ويكون الوطن قد تصالح مع أبنائه في منطقة الريف.
2 – تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لساكنة الريف:
الملف المطلبي من وراء الحراك الذي شهدته المنطقة ملف لا يخرج عن نطاق المشروعية ولا يمس بثوابت الأمة على عكس ما حاول أصحاب النيات السيئة أخذ الحراك إلى وجهة مريبة. والواقع أن أبناء الريف لا يمكن المزايدة على وطنيتهم وأن أية محاولة لتصوير ذلك هي محاولة يائسة. فمطالبهم لا تعدو أن تكون سوى مطالب تندرج في سياق المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن هنا تبرز أهمية وضرورة تفاعل الدولة مع هذه المطالب وأخذها على محمل الجد. ولكي يتأتى ذلك، لابد من دراسة تلك المطالب دراسة دقيقة ووضعها في جدول زمني يوضح ما هو آني ينبغي تنفيذه على المدى المنظور، وما هو قابل للتأجيل يجب جدولته أيضا في سياق زمني معقول ومقبول وبرمجته في مخططات ثلاثية أو رباعية أو خماسية، لإنجازها بصفة نهائية في الزمان والمكان المتفق عليهما مسبقا. وان يكون الاشراف على إنجاز هذه المشاريع من طرف لجنة ملكية مستقلة ، وخارج القطاعات الحكومية التي تعنيها تلك المشاريع وتدخل تحت وصايتها. وتتولى هذه اللجنة الملكية السهر على مواكبة تلك المشاريع، وترفع تلك التقارير الى السدة العالية بالله بشكل دوري حول المراحل المنجزة وما تبقى منها. وان تكون هذه التقارير حقيقية، غير مغلوطة ولا مزيفة، تصف واقع المشروع كما هو وكما تراه، وان تعلم ان انكارها للواقع لا يعني إزالته.
3 – انهاء عسكرة المنطقة :
من المعقول جدا العمل على إنهاء عسكرة الريف ، وان يتم ذلك على عجل ومن دون تماطل. الامر الذي يتطلب سحب جميع مظاهر العسكرة المتواجد في المنطقة، أي سحب العتاد العسكري والأمني وكل التجريدات الأمنية بمختلف الوانها واشكالها، مع الإبقاء فقط على عدد جد محدود من الشرطة والدرك ، وان يبقى عددهم اقل مما كان عليه الامر قبل الحراك.
وبهذا القرار الراشد والحكيم ، تكون الدولة قد بينت للساكنة حسن نيتها ، وترجع لها الثقة المفقودة لعقود من الزمن مضت. على الدولة ان تقحم وتشرك الساكنة في العملية الأمنية ، ويعمل الجميع ، يدا في يد ، مع الأجهزة المختصة والمخصصة لامن المنطقة.
إن انهاء العسكرة ، سوف يدخل المنطقة برمتها في مرحلة جديدة ،تسترجع فيها حيويتها الاجتماعية والاقتصادية وجماليتها الثقافية والسياحية. وبالتالي تصبح منطقة الريف ، منطقة عادية كباقي المناطق المشكلة للمغرب الجديد.
هذا، وليعلم الجميع ان هذه الاضطرابات التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام للمجتمع المغربي ، لها بدون شك تأثيرات سلبية على استقرار الدولة المغربية في الداخل، وعلى سمعتها واشعاعها في الخارج. لذا كان من المنطق والضروري، ومن الوهلة الأولى التدخل بصفة استعجالية للحد من هذه الهزات الجزئية التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام ، وذلك خوفا من ان تضاف اليها حركات احتجاجية في مناطق أخرى ، والتي مجتمعة يمكن خلخلة الميكانزيم المتحكم في توازن واستقرار النسق العام، الذي تبنى عليه تنمية واستقرار الدولة بأكملها.
ان غفلتنا عن هذه الهزات الاجتماعية، حتى ولو كانت محدودة في الزمان والمكان ، سوف تضر بالمشهد العام الضابط لكل الانساق الأخرى ، والتي بوسعها رغم محدودية حجمها ، جر بعض المناطق التي تعرف هذه الاحتجاجات الى فوضى عارمة ، لا يمكن التحكم فيها ، وخاصة اذا اعتمدنا على المقاربة الأمنية وحدها، كما هو الوضع في منطقة الريف، مع الأسف الشديد. وهو وضع يصعب تجاوزه أو القفز عليه مهما كان جبروت القوة المسخرة لقمع الساكنة أو القضاء على منسوب حراكها. لأن المقاربة الأمنية لن تزيد إلا في خلق انساق اخرى على المحيط. وهنا تكمن خطورة الآفة وتداعياتها، وبالتالي يصعب السيطرة عليها.، الشيء الذي قد يؤول إلى وضع عام أكثر تعقيدا بدمج الأنساق الصغرى مع بعضها البعض، وربما تكون عملية الدمج والادماج اعقد وغالية التكلفة مما كان عليه الوضع فيما قبل.
لكن السؤال الذي يجب ان نطرحه جميعا و بنية البحث عن الحل لهذه الازمة المزمنة ، هو من الطرف أو المؤسسة المؤهلة والقادرة والمقتدرة ، والتي بإمكانها لوحدها حل ازمة منطقة الريف إلى ما لا رجعة؟.
ان المتتبعين لكل المتدخلين في قضية ازمة منطق الريف ، وخاصة الذين يبحثون عن حل لها ، أكانوا من الحكومة او الأحزاب السياسية او المنتخبين ، اصبحوا كلهم على درجة كبيرة من الإفلاس بل أصبحوا متجاوزين، شكلا ومضمونا، ولا يعول عليهم بتاتا في هذا الملف. وإن ابتعادهم عنه كان اجدى وانفع واقرب للصواب. وان عدم مشاركتهم في البحث عن الحل ، هو في حد ذاته جزء من الحل، وهي بداية مشرفة ومشجعة لإيجاد حل كامل لازمة المنطقة.
إن عدم مشاركة المؤسسات المذكورة جميعا في البحث عن حل لهذه الازمة سوف يسهل ، في الحقيقة، على المؤسسة الأساسية والمحورية والتي لها القدرة وحدها على انهاء الازمة بصفة نهائية وبدون رجعة.
إن الحكومة والأحزاب السياسية والمنتخبين، تفتقد في غالبيتها ، إن لم نقل بأكملها ، الى الشرعية الديموقراطية ، لا من حيث تشكيلتها ولا من حيث تنظيماتها السياسية ولا من حيث فعاليتها وجديتها الميدانية. علما ان كل هذه الأطراف كلها هي جزء كبير من المشكل ، إن لم تكن السبب، ومن منطق الأشياء ان لا تكون طرفا في الحل. وكانت هي سبب المشكل بالأساس ، وأقول ذلك حقيقة لا مجازا، بكونها جميعا لم تقم بواجبها في حينه ، لا في منطقة الريف ولا غير الريف ، فهي لازالت تتخبط هنا وهناك و بدون جدوى. ولو عمل الجميع بكل صدق وامانة وبكل فعالية ومهنية لما كان هناك حراك ولا غير حراك.
ان المؤسسة الوحيدة والتي بإمكانها ان تنهي هذه الازمة ، هي المؤسسة الملكية .
وان المؤسسة الملكية كانت جد ذكية في ملف حراك الريف ، بكونها لم تغبن المؤسسات المذكورة آنفا ولم تتحرك في هذا الملف منذ البداية ، وذلك وعيا منها على انه كان حقا ولزاما عليها ان تعطي لكل من الحكومة والأحزاب السياسية والمنتخبين ، المعنيين بصفة مباشرة بهذه الازمة ، للقيام بأدوارها كاملة في الموضوع ، ولم تضايقها المؤسسة الملكية في شيء ، ولمدة تزيد عن عشرة اشهر (من أكتوبر 2016 الى الآن ) .
لكن كما قلنا سابقا وما هو عليه الاجماع من طرف الجميع، ان هذه المؤسسات كاملة مغشوشة ومضطربة بداخلها وفيما بينها، مما يجعلها خارجة التغطية ولا يعول عليها
بتاتا وعلى الاطلاق لإنهاء لا هذه الازمة ولا أزمات أخرى. ولقد وضعت مصداقيتها وفعاليتها أمام ملفات كثيرة وكانت بدون جدوى.
والجدير بالذكر، انه في الآونة الأخيرة هناك شخصيات بارزة عبرت عن نيتها عن المطالبة بمراجعة دستور 2011، وانا بدوري أطالب بهذه المراجعة، واختلف مع هؤلاء في هذه الاطروحة من حيث الجوهر والموضوع. بل ان الاطروحة التي اتبناها هي مناقضة وفي اتجاه معاكس لما تمت الدعوة إليه. أرى انه فعلا لابد من التفكير مجددا في المراجعة الاولية لدستور 2011، ليتم وبدون تردد توسيع اختصاصات جلالة الملك اكثر بكثير مما هي عليه الأمور في هذا الدستور، وان تشمل جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤسساتية والتدبيرية ،وذلك حتى يضمن الشعب المغربي، من طنجة الى لكويرة، استقراره ووحدته الترابية .
ويجب ان تكون هذه المراجعة جد موسعة وعلى حساب كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الأخرى. لأنه لا معنى ان تعطى صلاحيات واختصاصات لمؤسسات وجهات تنعدم فيها الثقة ولا هي غير مؤهلة لا سياسيا ولا أخلاقيا لممارستها مهامها كما يجب أن يكون واقع الحال.
ان المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك، هي المؤسسة الوحيدة التي بوسعها حل ازمة منطقة الريف، وهي آخر بطاقة فوق المائدة امام الجميع. لكن بإمكانها لوحدها ومنفردة العمل على المحاور الأساسية الثلاثة، العفو العام، أولا ، الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية ، ثانيا، ورفع العسكرة على منطقة الريف، ثالثا وأخيرا.
وفي الأخير، لي اليقين، بل اكاد اجزم، انه بالتدخل المولوي الشريف في هذا الملف ، فان ازمة الريف سوف تذوب وتختفي تجلياتها تدريجيا حتى تصبح في خبر كان . مما يسمح للمنطقة، من جديد، استرجاع هدوءها وسكينتها وتختفي التظاهرات كليا من الشارع، حتى تترك الفرصة لمؤسسات الدولة للاشتغال لحل المشاكل والاستجابة لانشغالات الساكنة بالمنطقة.
فليتأكد الجميع ان المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك، تبقى هي الملاذ الوحيد والأول والأخير للامة في الماضي والحاضر والمستقبل.
الدكتور محمد بوضيل.
med-boudil@hotmail.fr