محمد مسعاد
كيف يحدث أن تكشف صحفية ألمانية من أصل أجنبي مكان اختباء مجرم نازي؟ كان هذا هو السؤال التي عنونت به يومية دي فيلت، أحد أشهر الصحف الألمانية، صدر صفحتها الأولى، تعقيبا على صدور كتاب “طبيب الموت” للصحفية الألمانية من أصل مغربي سعاد مخنت. ترد سعاد على هذا الجواب قائلة: “لسنوات عديدة، اشتغلت على روبورتاجات من مناطق الأزمات، منها مواد كثيرة على الارهاب. وذات يوم اتصل بي أحد مصادري الذي أثق فيه جيدا، وتعاملت معه لسنوات طويلة، ليسألني إن كنت حقا الاكتفاء بقضايا الارهاب فقط؟ أم لدي رغبة في الاشتغال على قضية تهم النازيين”. هكذا يبدو الجواب في أول وهلة، غير أن القصة أقدم من ذلك بكثير، وتعود جذورها إلى ثقافتها المغربية. ولدت هذه الشابة المنحدرة نتيجة زواج مختلط، من أب مغربي وأم تركية، في مدينة فرانكفورت سنة 1978، وتقول: “قضيت سنوات عديدة من طفولتي مع جدتي في المغرب وكان ذلك مهم بالنسبة لي. لقد كانت جدتي امرأة قوية جدا وكان لنا جيران يهود، وتلقينا تربية تقوم على احترام جميع الأديان. كما أن أفضل صديقاتي، في ذلك الوقت، كانت فتاة يهودية.” وعند عودتها للعيش في فرانكفورت، سألت أمها ببراءة الطفولة، أين هم العائلات اليهودية؟ ليشكل الرد حول الهولوكوست والنازية، بداية اهتمام سعاد بقصة اليهود في ألمانيا. كان مصدر سعاد، قد وضع أمامها صورة لشخص وسيم في ريعان شبابه، بشعر مقصوص ورؤية حادة. وتعود الصورة لشخص يحمل إسم أريبرت هايم، وهو المعروف ب”طبيب الموت” أو ”جزار ماتهاوزن"، نسبة إلى المعتقل النازي الشهير، أحد أكبر معتقلات النازية فوق التراب النمساوي. ويتعلق الأمر بطبيب كان يعمل لصالح النازية، اشتهر بممارسة وسائل فضيعة على السجناء في مراكز الاعتقال، كانت سببا في قتلهم، وأغلبهم من اليهود. وبحسب صك الاتهام الموجه ضد هايم، فإن “جزار ماتهاوزن”، اتبع طرقا وحشية وسادية عديدة من بينها حقن المعتقلين بمادة البنزين ومواد أخرى سامة، ويتهم أيضا بحقنه لطفل يهودي، يبلغ من العمر إثنى عشرة سنة بمادة سامة على مستوى القلب. كما أنه قام ببقر شخص وهو حيا ليستخرج أعضاءه الباطنية وسلخ جلد آخرين. هذا بالاضافة إلى قطع رؤوس العديد من السجناء وغليها في الماء، ووضعها كنماذج للعرض. لقد كان هايم أحد أشهر مجرمي النازية المطلوبين للعدالة، ورصدت مكافأة ب315 ألأف يورو لمن يدل على مكانه. غير أن المثير للدهشة أنه أقنع الأمريكيين بعد اعتقاله أنه مجرد متعاون مع النظام النازي، ليمارس حياة عادية كطبيب. ونجح في الفرار، قبل يوم واحد من اعتقاله في 13 سبتمبر 1962 ليختفي إلى الأبد. التحقيق الذي قامت به الصحفية سعاد مخنت وزميلها الأمريكي نيكولاس كوليش، قادت إلى معرفة مخبئه، وذلك بعد سبع سنين من البحث. وأظهرت التحقيقات أن طبيب الموت، فر إلى فرنسا ومنها إلى إسبانيا ثم المغرب ليستقر في القاهرة إلى أن وافته المنية في العاشر من غشت 1992، بعد إصابته بمرض السرطان. بعد حصول سعاد على الصورة وتوصلها بمعلومة مفادها أنه قد يكون في القاهرة وليس أمريكا اللاتينية كما اعتقد الجميع، سافرت إلى هناك وأخذت تسأل بشكل عشوائي الناس في أحياء القاهرة، عن صاحب الصورة، إلى أن صادفت رجلا، أخبرها أن صاحب الصورة يحمل إسم طارق حسين، وكان يقيم في أحد الفنادق في منطقة الحسين. التحقيق الذي قامت به سعاد، أوصلها إلى المكان، حيث تواصلت مع صاحب الفندق الذي أخبرها أن المعني بالأمر يحمل فعلا إسم طارق وأنه اعتنق الاسلام في بداية الثمانينات. وأثناء ذلك عثر على محفظة خاصة به، وبها أكثر من مئة وثيقة، من بينها صورة لجواز سفره المصري وعددا من الرسائل والوثائق الطبية التي كان هايم يحتفظ بها والتي أثبتت أن طارق حسين هو أريبرت هايم، أحد أشهر المبحوثين عنهم من مجرمي الحقبة النازية. وهكذا استطاعت هذه الشابة صاحبة كتاب أطفال الجهاد، أن تكشف مكان اختباء مجرم نازي، فشلت الموصاد والأجهزة الاستخباراتية في الكشف عن مصيره.
كيف يحدث أن تكشف صحفية ألمانية من أصل أجنبي مكان اختباء مجرم نازي؟ كان هذا هو السؤال التي عنونت به يومية دي فيلت، أحد أشهر الصحف الألمانية، صدر صفحتها الأولى، تعقيبا على صدور كتاب “طبيب الموت” للصحفية الألمانية من أصل مغربي سعاد مخنت. ترد سعاد على هذا الجواب قائلة: “لسنوات عديدة، اشتغلت على روبورتاجات من مناطق الأزمات، منها مواد كثيرة على الارهاب. وذات يوم اتصل بي أحد مصادري الذي أثق فيه جيدا، وتعاملت معه لسنوات طويلة، ليسألني إن كنت حقا الاكتفاء بقضايا الارهاب فقط؟ أم لدي رغبة في الاشتغال على قضية تهم النازيين”. هكذا يبدو الجواب في أول وهلة، غير أن القصة أقدم من ذلك بكثير، وتعود جذورها إلى ثقافتها المغربية. ولدت هذه الشابة المنحدرة نتيجة زواج مختلط، من أب مغربي وأم تركية، في مدينة فرانكفورت سنة 1978، وتقول: “قضيت سنوات عديدة من طفولتي مع جدتي في المغرب وكان ذلك مهم بالنسبة لي. لقد كانت جدتي امرأة قوية جدا وكان لنا جيران يهود، وتلقينا تربية تقوم على احترام جميع الأديان. كما أن أفضل صديقاتي، في ذلك الوقت، كانت فتاة يهودية.” وعند عودتها للعيش في فرانكفورت، سألت أمها ببراءة الطفولة، أين هم العائلات اليهودية؟ ليشكل الرد حول الهولوكوست والنازية، بداية اهتمام سعاد بقصة اليهود في ألمانيا. كان مصدر سعاد، قد وضع أمامها صورة لشخص وسيم في ريعان شبابه، بشعر مقصوص ورؤية حادة. وتعود الصورة لشخص يحمل إسم أريبرت هايم، وهو المعروف ب”طبيب الموت” أو ”جزار ماتهاوزن"، نسبة إلى المعتقل النازي الشهير، أحد أكبر معتقلات النازية فوق التراب النمساوي. ويتعلق الأمر بطبيب كان يعمل لصالح النازية، اشتهر بممارسة وسائل فضيعة على السجناء في مراكز الاعتقال، كانت سببا في قتلهم، وأغلبهم من اليهود. وبحسب صك الاتهام الموجه ضد هايم، فإن “جزار ماتهاوزن”، اتبع طرقا وحشية وسادية عديدة من بينها حقن المعتقلين بمادة البنزين ومواد أخرى سامة، ويتهم أيضا بحقنه لطفل يهودي، يبلغ من العمر إثنى عشرة سنة بمادة سامة على مستوى القلب. كما أنه قام ببقر شخص وهو حيا ليستخرج أعضاءه الباطنية وسلخ جلد آخرين. هذا بالاضافة إلى قطع رؤوس العديد من السجناء وغليها في الماء، ووضعها كنماذج للعرض. لقد كان هايم أحد أشهر مجرمي النازية المطلوبين للعدالة، ورصدت مكافأة ب315 ألأف يورو لمن يدل على مكانه. غير أن المثير للدهشة أنه أقنع الأمريكيين بعد اعتقاله أنه مجرد متعاون مع النظام النازي، ليمارس حياة عادية كطبيب. ونجح في الفرار، قبل يوم واحد من اعتقاله في 13 سبتمبر 1962 ليختفي إلى الأبد. التحقيق الذي قامت به الصحفية سعاد مخنت وزميلها الأمريكي نيكولاس كوليش، قادت إلى معرفة مخبئه، وذلك بعد سبع سنين من البحث. وأظهرت التحقيقات أن طبيب الموت، فر إلى فرنسا ومنها إلى إسبانيا ثم المغرب ليستقر في القاهرة إلى أن وافته المنية في العاشر من غشت 1992، بعد إصابته بمرض السرطان. بعد حصول سعاد على الصورة وتوصلها بمعلومة مفادها أنه قد يكون في القاهرة وليس أمريكا اللاتينية كما اعتقد الجميع، سافرت إلى هناك وأخذت تسأل بشكل عشوائي الناس في أحياء القاهرة، عن صاحب الصورة، إلى أن صادفت رجلا، أخبرها أن صاحب الصورة يحمل إسم طارق حسين، وكان يقيم في أحد الفنادق في منطقة الحسين. التحقيق الذي قامت به سعاد، أوصلها إلى المكان، حيث تواصلت مع صاحب الفندق الذي أخبرها أن المعني بالأمر يحمل فعلا إسم طارق وأنه اعتنق الاسلام في بداية الثمانينات. وأثناء ذلك عثر على محفظة خاصة به، وبها أكثر من مئة وثيقة، من بينها صورة لجواز سفره المصري وعددا من الرسائل والوثائق الطبية التي كان هايم يحتفظ بها والتي أثبتت أن طارق حسين هو أريبرت هايم، أحد أشهر المبحوثين عنهم من مجرمي الحقبة النازية. وهكذا استطاعت هذه الشابة صاحبة كتاب أطفال الجهاد، أن تكشف مكان اختباء مجرم نازي، فشلت الموصاد والأجهزة الاستخباراتية في الكشف عن مصيره.