المزيد من الأخبار






من أوراق الوجع الريفي المعاصر.. بعد مرور تسعين سنة تذكرة عودة الى شعب لاريونيون


من أوراق الوجع الريفي المعاصر.. بعد مرور تسعين سنة  تذكرة عودة الى شعب لاريونيون
فريد ايث لحسن* :

“..لن أنسى ابدا ما فعلته فرنسا بنا..” كلام يتذكره عصمان دينداربحسرة وحزن عميق ، ذالك اليوم الذي ارتمى فيه بين أحضان الرئيس وهو طفل صغير لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره، ” وقتها لم يدرك الطفل الصغير شيئا مما تختزله تلك العبارة من معنى. أول الكلام من فصول التراجيديا الريفية، خيط رفيع من خيوط الحقيقة المفقود، بعد مرور تسعين سنة بطولها وعرضها أي ما يقارب قرنا من الزمن، قرنا من النسيان والتناسي تدشن رحلة فريدة من نوعها، رحلة تقصي واستقصاء الى لاريونيون،هذه الجزيرة التي احتضنت رجلا يحمل من الثقل التاريخي الشيء الكثير، رجلا بهر بحنكته العدو قبل الصديق واحترم شموخه البعيد والقريب، والجزيرة كمكان جغرافي تعتبر شاهدا على مرحلة المنفى المريرة التي اقتطعت من عمر هذا الرجل ومرافقيه من رجال ونساء واطفال في عمر الزهور، والتي حاول الكثيرين طمس وتزييف معالمها بقصد او بغير قصد.

(… فيديوهات وصور الرئيس مع الضابط الفرنسي سانيي، الباخرة (Amiral Pièrre) ، الباخرة كاتومبا، قصر موارانج (château Morange) ، كاسطيل فلوري ( Castel fleuri) ، les trois Bassinsوعائلات كل من : ديندار ( Dindar) ، طيراي كريم – جي ( Tieraï Carrimejee) ، رافاطي ( Ravate) ، اينغار (Ingar ) …)، هذه هي الصور والكلمات التي تقفز الى الذهن عندما يذكر اسم الرئيس ومرحلة المنفى بجزيرة لا ريونيون، كلمات تلخص القليل جدا من تاريخ فترة الشتات والاقصاء. واحدا وعشرون سنة من المنفى القسري التي قضتها العائلة الخطابية ومرافقيهم بهذه المنطقة البعيدة جغرافيا بعمق المحيط الهندي ، ترى ماذا تبقى من ذكريات ؟ ماذا تبقى من معطيات تشفي غليلنا وتروي عطشنا لمعرفة حيثيات حياة الرجل هنا في هذه الارض التي لا تزال تتراءى لنا ملامحه بتضاريسها ولا نزال نستنشق عبق تواجده بمن لا يزال حيا من مرافقيه وجيرانه، ماذا ظل بالذاكرة ولم تكنسه عواصف السنين وثقلها وجبروتها؟ ماذا ظل برفوف القلوب محفوظا بعناية ولم يعصف به وجع النسيان؟ وهل مثله ينسى؟ وهل صفحات من عايشه تلك المراحل تطوى ؟؟ كان السؤال الذي يؤرقنا هو كيف لنا ان نرتق هذه الحلقة المفقودة من ذاكرتنا وتاريخنا لنعيد له تسلسله الزمني، كيف لنا ان نلملم ما تبعثر من تاريخ بالشتات؟ كيف لنا ان نحافظ على توازننا وعلى تماسك خطواتنا دون ان نتعثر او نسقط في بوتقة ضياع المعلومات؟.

ابتداء من 28 ابريل الاخير الى غاية 5 ماي الحالي وعلى امتداد اسبوع كامل قمنا ضمن فريق البحث بمؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا بزيارة عمل الى جزيرة لا ريونيون، زيارة استثنائية بكل المقاييس من حيث حجم البرنامج المسطر من جهة، وكذا المدة الزمنية القصيرة التي قضيناها هناك من جهة اخرى، خلالها حرصنا بكل جد ومسؤولية وضمن خطة طموحة ومحكمة قوامها منهجية الرصد والتحقيق الاستقصائي عبر البحث والتدقيق والزيارات الميدانية المباشرة لكل ما له صلة مباشرة بموضوع بحثنا، حرصنا كل الحرص على الموضوعية والدقة والتأكد من صحة المادة والمعلومة الميدانية الدقيقة وما قد تخفيها في آن واحد من معطيات مهمة لمهمتنا كفريق بحث ميداني خلال تواجدنا بالجزيرة، مسلحين بمنهجية موضوعية دقيقة سعينا من خلالها العمل على الحصول وجمع اكبر عدد من المعلومات بخصوص موضوع بحثنا الخاص حول ” سنوات منفى الخطابي ومن معه ما بين 1926- 1947″ وذلك من خلال البحث عن الوثائق الرسمية المفتوحة للباحثين وفقا لقانون حرية المعلومات بالجزيرة، اضافة الى مصادر مختلفة يمكن اجمالها في: الباحثين والمختصين الأكاديميين ، المصادر المتطوعة المتمثلة بالخصوص في الشهود الذين هم ما زالوا على قيد الحياة، وكانوا قد عاصروا فترة مهمة من فترات وجود العائلة الخطابية ومرافقيهم بالجزيرة، ويحتفظون بشهادات خاصة وارشيف مادي من صور ووثائق عائلية، من فترة مراحل الطفولة مع ابناء وبنات الرئيس. من البداية كنا واعون ان المعلومات الاكثر اهمية بالنسبة لنا توجد عادة في ذاكرة وعقول الناس، وليس في المصادر الرسمية العلنية، ومن هذا المنطلق كنا نحمل على عاتقنا هم البحث عن الحقيقة بين الناس الذين عايشوا المرحلة واحتكوا بالعائلة الخطابية، فكيف السبيل اذن للعثور على هؤلاء ؟؟ كيف نكسب ودهم ونجعلهم يطمئنون لنا ويحكوا لنا ما يعرفون بكل سلاسة وثقة؟ كيف نستنطق صمتهم ونقرأ تعابير وجوههم وحركات ايديهم ورفة رموشهم ومعاني نظراتهم وحنينهم الذي يغلف الكلمات المختارة بعناية ؟ مرورا بالوثائق الغير المنشورة الموجودة بقسم الارشيف المركزي بالجزيرة. لذلك كنا ندرك حجم الصعوبات الملقاة على عاتق الفريق خصوصا اذا استحضرنا الغياب والشح الشبه المطلق للمعلومات والمصادر الموثوقة حول فترة النفي بالجزيرة. لذلك كان لزاما علينا ايضا ان نلامس صفحة من تاريخنا بعزيمة راسخة، وبعين ثاقبة تلتقط كل حركة وكل همسة، ونقف عن قرب عند فترة تاريخية جد مهمة بالنسبة للرئيس ومرافقيه، نستكشف شعابها رغم صعوبة البحث فيها،هذه الفترة التي غيب فيها الرئيس جسدا فاستحضرناه فكرا وروحا تنثر بانفسنا قيم الحرية والعدل والسلام ، وتزرع فينا العزة والشموخ والوفاء، كنا نحسه يرافقنا ويحرسنا، كنا نحسه يفتح لنا ابواب كل بيوته التي وقفنا عند عتباتها، ويرحب بنا ويستقبلنا بابتسامته المعهودة، كان هناك يمسك بايدينا ويربت بحنان على اكتافنا كلما اصابنا العياء، كان وميض نور ينير طريق بحثنا، كان هناك بعيون وقلوب الناس الذين عاشرهم، كان هناك يتربع شامخا على رأس هرم تسعين عام مضت وعلى رأس سنين اخرى ستأتي، لم يغب ولم تنساه الأمكنة ولم ينساه شعب الجزيرة منذ ان وطئت قدمه ارض الجزيرة يوم 10 اكتوبر 1926 على متن باخرة Amiral Pierre الفرنسية .

وعلى عهد بالوفاء سنظل نحمل في ذاكرتنا وقلوبنا وجرحنا الابدي كل هؤلاء واحدا واحدا، نتذكرهم ونستحضرهم فنحس شموخهم المعجون بشموخ جبال الريف، والمعطر بعطر الخزامى والزعتر البري وبرائحة التراب الذي سقي دما ووجعا، نجددالعهد والوفاء لأرواحهم الخالدة التي لا تزال تسكن الجزيرة من شمالها لجنوبها من غربها لشرقها وسطها وشطآنها، عقدنا العزم والاصرار ان نبقى صادقين في عملنا ، فالمجد والكبرياء والاعتزاز والوفاء لجميع هؤلاء الذين اكتووا بعذابات جريمتي الابعاد والنفي، لذكراهم واحدا واحدا :

محمد بن عبد الكريم الخطابي، امحمد بن عبد الكريم الخطابي، عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم ، فطوش ن احمد بن القاضي المرابطي ، مماس ورحمة ن محمد بن احمد بن القاضي، تايمونت ن موحند ن بوجيبار الأجديري الخطابي، فاطمة نموح اومرابظ علي، فاطمة ن السي اعمار بن الفقيه بن يحيى الخطابي ، عائشة ن محمد بوجداين، فاضمة ن موح اومرابض ن علي (اخت فاطمة موح اومرابظ ن علي )، امحند بن حدو ن زيان، فاطمة ن ذوبوخلفت الورياغلي، فاطمة ن صديق التمسمنتي الخطابي الورياغلي، زينب ن موح ن مسعوذ المرابطي الورياغلي، الحسن ن الحاج حرموش ، موح نسلام او ميس نقيا نذاعاماث او ذوبوخرفت،عبد الكريم محمد بن عبد الكريم الخطابي ن ذميمونت نبوجيبار، عبد السلام محمد بن عبد الكريم الخطابي نفاضمة نموح اومرابض، فاطمة محمد بن عبد الكريم الخطابي نفاضمة نموح اومرابض، محمد امحمد عبد الكريم الخطابي ن فاطمة بنت السب عمار، صلاح امحمد بن عبد الكريم الخطابي ن فاطمة، رشيد امحمد بن عبد الكريم الخطابي ن عائشة ن محمد بوجداين التوزيني، احمد عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، خدوج عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، حبيبة عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، عمر عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم واخيرا وليس آخرا مسعوذة المجهولة / الحاضرة بقوة معنا في رحلة البحث اثناء تواجدنا بالجزيرة، هذه السيدة التي اصر الرئيس أن ترافقه اثناء مغادرة الريف وهو وفاء منقطع النظير لاحباءه الذين عاشوا معه ، عاشت بينهم وماتت بينهم بالجزيرة ولم يسعفنا الوقت لتحديد مكان دفنها،

لروحهم جميعا نقول : شكرا لكم ايها الريفيون الطيبون/ت، الاحرار لقد كنتم بالفعل نموذجا لعائلة ريفية اصيلة سطرت تاريخا مجيدا بالجزيرة، سنعود لاحقا للتفاصيل ضمن شهادات لأفراد من أهالي /ساكنة الجزيرة كانت لديهم علاقات وثيقة مع افراد عائلة الرئيس والمرافقين له، شهادات لمن سميتهم شخصيا بأيتام/ سفراء الرئيس بالجزيرة، تفاصيل ستنشر في التقرير الشامل الذي ستنجزه بعثة مؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا قريبا،

وفي الأخير لابد من الاشادة والتقدير الخاص بكل من كان له من بعيد او قريب دورا في انجاح مهمة فريق البحث الميدانين اذ لولاهم لما استطعنا تحقيق ما سعينا من أجله خلال مدة اقامتنا بين احضان شعب الجزيرة، لذلك فالشكر موصول لمرشدنا العلمي الرائع، ألأكاديمي الفرنسي ميشيل تويو Michel Thouillot))، الشكر والتقدير الخاص للأكاديمي الريفي البروفيسور محمد رشدي، رئيس جامعة سان دوني، الشكرلسفير الرئيس الدائم لدى شعب الجزيرة الرائع السيد عصمان ديندارOsman Dindar الذي أبى وزوجته الرائعة Josette Fontaine أن يرافقانا رغم المرض، الشكرموصول لباشا بلدة Les Trois Bassins السيد Daniel Pausé الذي قدم لنا كل التسهيلات اثناء زيارتنا للبلدة، والشكر موصول ايضا الى القيادي والرمز السياسي اليساري بالجزيرة السيد Paul Verges الذي استقبلنا بمقر جريدة Témoignage، ولا ننسى اعضاء المجلس الجهوي للتعايش الاسلامي بسان دوني السادة: حسين أمود، عصمان آدم، ادريس ايسوب بانيان، بالطبع دون أن ننسى سيدة المفتاح السحري بمنطقة Le Chaudron السيدة ناتالي سوزان راماسامي Nathalie Suzanne Ramassamy والشكر ممدود أيضا لمدير دائرة الأرشيف الاداري بسان دوني السيد Damien Vaisse ومساعدته السيدة Di Pietro Lise اللذين سهلا لنا مهمة البحث في الارشيف وكذا تعاونهم الرائع واللامشروط مع بعثة مؤسسة الخطابي، كما نشكر المهندس المعماري السيد Denis MASSON الذي يشرف شخصيا على ترميم Château Morange الذي حرص على لقائنا بعين المكان وتزويدنا بمعلومات قيمة، والشكر ممدود ايضا لمسؤلي قسم التواصل والاعلام ببلدية Salazie وكذا موظفي “متحف الموسيقى والآلات الموسيقية لمنطقة المحيط الهندي” ببلدة Hell-Bourg ، الشكر الخاص أيضا للشاهدين الرائعين السيدة Rita de la Vergne والسيد Law-Yee Maurice من بلدة Les Trois Bassins اللذين أفادونا بافادات قيمة جدا، وأخيرا وليس آخرا كل الشكر لجميع افراد الفريق الذي عمل باحترافية عالية على انجاح المهمة.

*عضو بعثة مؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا الى شعب لاريونيون













تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح