د.جمال الدين الخضيري
لعل ما اعْتَرى المشهد السياسي لمدينة الناظور من تطورات، وما رافق ذلك من تصريحات ومواقف وأفعال وردود أفعال لا سيما أثناء انتخاب المجلس البلدي، وكذا انتخاب المجلس الإقليمي، وكل ما اكْتَنَف ذلك من تكهنات وتحالفات مفترضة وضرب الأخماس في أسداس، أشبه بحكاية أمازيغية من تراثنا الشعبي، تتحدث عن المكر المزدوج، وتكشف عن النفس النَّزَّاعة إلى النصب والاحتيال مع سبق إصرار وترصد، فليعذرني القراء الأعزاء على إدراجها في هذا المقام:
"يُحكى أن رجلا أراد أن يتخلص من رأس كلب، وعزم أن يبيعه على أنه رأس جَدْي، فقَصَد السوق فجرا حتى يتمكن من تمويه الراغب في شرائه مستعينا بالظلمة التي تخفي ملامح الرأس. ولنفس الغاية قصد السوق أيضا رجل آخر في حوزته عُمْلة نقدية زائفة تَحْدُوه رغبة تمريرها وتلفيقها لأي بائع، ومن ثم شراء ما يجده معروضا، مُتَدَثِّرا بدوره بخيوط من الظلمة لا تكشف عن كُنْهِ العُمْلة. التقى الشخصان، وَحَّدَتْهما نِيَّة واحدة مُبَطّنة وهي التَّدْليس، وكل منهما كان قد دبر أمره ليلا كما يقال، وجمعهما مَوْضِع من شر البقاع (السوق)، الذي يجوز فيه ملا يجوز في غيره. فكان طبيعيا ألا يَتَمَاكَسَا أو يختلفا في الثمن، كل بادر إلى تسليم الآخر ما بحوزته وتراضيا ضمنيا على هذه العملية المغشوشة مع اعتقاد كل منهما أنه الرابح الظافر. وبمجرد ما بَزَغَ ضوء النهار، انكشفت الحقيقة وقيمة الصفقة الخاسرة للطرفين. كانا مُمَثّلين بارعين تقمصا دورهما بامتياز وتناوبا على التردّي والسقوط (هذه بتلك). ولما التقيا بعد ذلك ذات ظهيرة، بادر الأول صاحبه مُعاتبا: (أَوَدّي ما ذْشاكْ أَقَّشاكْ ذِينْ؟/!! أي شخص أنت يا هذا؟!!) كناية عن خديعته له. فأجابه الثاني بتهكم: (مْرِي غَ ثْزاذْ شاكْ عاذْ !!/ وأنت أيضا لا تختلف عني !!)". انتهت الحكاية.
يجب أن نعترف أن الوضع السياسي بمدينة الناظور بمختلف النخب السياسية التي تمثله وضع كَسِيح ومُشَوّه لا يحتكم في أغلب الأحيان إلى أبسط الأعراف الديمقراطية ولا حتى إلى قواعد اللعبة السياسية وما تتضمنه من بركماتية وميكيافيلية. والحقيقة أن (ميكيافيلي) رغم تنظيراته المُحَفِّزة على طلب السلطة والحكم بأي طريقة كانت، كان أشرف بكثير وأذكى مما نراه اليوم من هُجْنَة وعشوائية. وتحكيم المصلحة الفردية على ما هو عام، والانخراط في تصفية حسابات شخصية واهية. فالضحية دائما هي مدينتنا البئيسة التي تتلقى الطعنات من أبنائها أكثر من أية جهة أخرى. من الذي تسبّب في هذه الغابة الإسمنتية العشوائية والمُخْزية بعد رحيل الاستعمار؟ من الذي عمل على إجهاض كل المساحات الخضراء سواء القائمة أو التي من المفروض أن تنجز وقامت مكانها بنايات مشبوهة؟ من فَوَّتَ ورَخَّص ما لا يُفَوَّت وما لا يُرَخّص؟ من اغتال الفعل الثقافي والممارسة الرياضية بالمدينة في مختلف تجلياتهما؟ من مَسَحَ وطَمَسَ وشَوَّه أو سكت عن ذلك؟ من رَحَّل الساكنة وودائعهم المالية ومشاريعهم المفترضة عن المدينة؟ من لَوَّث كل ما يحيط بنا من سماء وبر وبحر؟ أسئلة عديدة أشد إيلاما لا يتسع المقام لسردها هنا، لكن الثابت أن نخبنا بمختلف أطيافها تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية ما وقع.
مُحْزن جدا أن نرى المدينة قد تخلّفت عن الركب مقارنة بمجموعة من المدن المجاورة حتى باتت عدة مشاريع واعدة معطلة، والتنمية المستدامة شعارا أكثر من واقع. والصادم حقا أن نعجز عن جمع نفاياتنا ومخلفاتنا وكم تضيق شوارعنا وساحاتنا بالأزبال وحاويات القمامة!، ويتفاقم هذا الوضع بشكل كارثي في مناسباتنا وأعيادنا وطيلة فصل الصيف، حتى أصبح الرهان الحقيقي للمجالس المنتخبة هو تنظيف تراب جماعاتهم بشكل منتظم ودون مشاكل. إننا نشكل استثناء في هذا الجانب (وفرة الأزبال وتراكمها) حتى يُخَيَّلُ لزائر المدينة أننا قوم من القَوَارِض نستهلك أضعافا مضاعفة ما يستهلكه الآخرون. وغريب أن نظهر بهذه الصورة (إوذان نّوغانْ ذي مينْ غ شّانْ، نَشّينْ نَنُّوغ ذي مينْ نَشّا/ غيرنا يتدبر أمر ما سيستهلكه، ونحن تائهون غارقون في مخلفات ما أكلناه واستهلكناه). أما البنيات التحتية الضرورية، وتأهيل الأحياء الشعبية، وتنظيم السير والجولان، وفوضى استهلاك الملك العمومي، وغيرها من أبسط الضروريات التي تبُثّ السكينة والطمأنينة فإنه عبارة عن مسلسل هتشكوكي لاينتهي.
أمام كل هذا، وأمام هذه المُعيقات والتحديات، ما زلنا ننظر إلى تسيير الشأن المحلي والحَكَامة الترابية المحلية بلا مبالاة وبازدراء في ظل جهوية موسعة قادمة، وفي ظل ترسانة من القوانين التنظيمية أتى بها الدستور الجديد. فلم تُثِرْ فينا هذه التطورات أي استشعار للمسؤولية باعتبارنا مواطنين من حقنا أن نختار من يمثلنا بوعي ودون ضغوطات. ولقد عشنا بعضا من مظاهر الحملات الانتخابية وكانت في جوانب كثيرة منها مَسْخَرَة وبَهْرَجَة وصراخا من أجل الصراخ، ولقد أثارني حقا أن أرى صباحا أناسا يُطَبِّلون لمرشح معين في إحدى الحملات المصحوبة بالزعيق والسّبّ هم أنفسهم الذين سأراهم مساء يهتفون ويرقصون لخصمه ويسبّون الذي رفعوا صورته وشعار حزبه من قبل، وهكذا دواليك يتنقلون بين هذا وذاك ببلاهة، هذا ناهيك عن خطاب عدواني مُسْتَشْر يردده أنصار أكثر من متقدم للانتخابات، ومن بين الشعارات الرائجة والمتكررة (موتْ موتْ ألعدو فلان عندو شعبو)، ولست أدري لماذا نفترض دائما أعداء ما وإِضْفاء أجواء المواجهات والحروب على هذه الاستحقاقات التي تبقى أثارها ومضاعفاتها لأمد طويل تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
فكل من يخوض هذه الانتخابات إذن له أعداء وشعب، وهكذا نجد أنفسنا أمام شعوب عدة وجحافل من الأعداء الأَلِدّاء يتناحرون فيما بينهم، ولسنا إطلاقا أمام برامج تكون الريادة فيها للمُقْنعة والأصلح منها. والمرشحون بدورهم يتنقلون بين الأحزاب ويغيرونها كما يغيرون جواربهم، فتارة تجدهم في أقصى اليمين وتارة في أقصى اليسار، وكَرَّةً ليبراليين، وكَرَّة أخرى أسلاميين. يوزعون المال يمينا وشمالا وبسخاء لم يُعْهد فيهم من قبل، ويكفي ما أنفقه بعضهم على حملاتهم الانتخابية وبطرق ملتبسة أن يساهم في حل كثير من المشاكل التي تتخبط فيها المدينة. وعندما ينجحون في دوائرهم ويتهيئون لتشكيل المجالس المختلفة من جماعية أو بلدية أو إقليمية أو جهوية تبرز ميولاتهم الشاذة والمتناقضة.
كائنات غريبة حقا تجتمع وتَنْفَضُّ، تَأْتَلِف وتختلف في اليوم الواحد مرات عدة. صفقات ونفقات، أغلظ الأيمان على المصحف الشريف، يَنْكُثون ذلك فيما بعد، شيكات على بياض، دسائس ومؤامرات، اختطافات وتهديدات. وبعد تكوين المجالس وانتهاء المسلسل الانتخابي بمختلف مراحله وما يكون قد أفرزه من أحلاف ومجالس، أو من صاعد وهابط، تبدأ حرب من نوع خاصة، والزّاد الذي يتم الرجوع إليه هذه المرة هو تصفية الحسابات، وفضح المستور، ونشر الغسيل، والاكتفاء من متاع هذه الاستحقاقات بلَوْكِ أَعْراض الناس عن حق أو دون حق. ووَقُود كل هذا هو المعاندة والمُكابرة، أو ما نصطلح عليه بالأمازيغية (ثغنّانتْ)، حتى باتت هذه الخِصلة طبعا مَكِينا فينا. نتقدم للانتخابات بسبب (ثغنّانتْ)، ونُصوِّت على هذا بسبب (ثغنّانتْ)، ونغير قناعاتنا في آخر لحظة وربما ونحن في مكاتب التصويت بسبب موقف تستدعيه (ثغنّانتْ).
فليس غريبا في هذا السوق العفن أن نلحظ كل هذا، وليس غريبا أن نرصد تدليسات مركبة ومزدوجة، وطبيعي أن نتعامل فيه بعملات مزيفة وأن نبيع لبعضنا البعض الوهم والدجل ونضحك في المقابل على المشتري. فالخداع هو العملة الرائجة، والمواطن وحده الذي يدفع الثمن، ويأتي كل هذا على حساب التنمية، والرُّقي بالإنسان. إنه زمن رديء حقا ومَطَبٌّ سحيق سقط فيه المجتمع الأمازيغي المتخلي عن قيمه وخصوصيته وعزته التي كان يضرب بها المثل.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هل نستحق ممثلينا؟ أليسوا على مقاسنا وفي حجم أحلامنا؟ لا ريب أن الغد كفيل بتوضيح رؤانا أكثر، وكل انتخابات وأنتم بخير.
لعل ما اعْتَرى المشهد السياسي لمدينة الناظور من تطورات، وما رافق ذلك من تصريحات ومواقف وأفعال وردود أفعال لا سيما أثناء انتخاب المجلس البلدي، وكذا انتخاب المجلس الإقليمي، وكل ما اكْتَنَف ذلك من تكهنات وتحالفات مفترضة وضرب الأخماس في أسداس، أشبه بحكاية أمازيغية من تراثنا الشعبي، تتحدث عن المكر المزدوج، وتكشف عن النفس النَّزَّاعة إلى النصب والاحتيال مع سبق إصرار وترصد، فليعذرني القراء الأعزاء على إدراجها في هذا المقام:
"يُحكى أن رجلا أراد أن يتخلص من رأس كلب، وعزم أن يبيعه على أنه رأس جَدْي، فقَصَد السوق فجرا حتى يتمكن من تمويه الراغب في شرائه مستعينا بالظلمة التي تخفي ملامح الرأس. ولنفس الغاية قصد السوق أيضا رجل آخر في حوزته عُمْلة نقدية زائفة تَحْدُوه رغبة تمريرها وتلفيقها لأي بائع، ومن ثم شراء ما يجده معروضا، مُتَدَثِّرا بدوره بخيوط من الظلمة لا تكشف عن كُنْهِ العُمْلة. التقى الشخصان، وَحَّدَتْهما نِيَّة واحدة مُبَطّنة وهي التَّدْليس، وكل منهما كان قد دبر أمره ليلا كما يقال، وجمعهما مَوْضِع من شر البقاع (السوق)، الذي يجوز فيه ملا يجوز في غيره. فكان طبيعيا ألا يَتَمَاكَسَا أو يختلفا في الثمن، كل بادر إلى تسليم الآخر ما بحوزته وتراضيا ضمنيا على هذه العملية المغشوشة مع اعتقاد كل منهما أنه الرابح الظافر. وبمجرد ما بَزَغَ ضوء النهار، انكشفت الحقيقة وقيمة الصفقة الخاسرة للطرفين. كانا مُمَثّلين بارعين تقمصا دورهما بامتياز وتناوبا على التردّي والسقوط (هذه بتلك). ولما التقيا بعد ذلك ذات ظهيرة، بادر الأول صاحبه مُعاتبا: (أَوَدّي ما ذْشاكْ أَقَّشاكْ ذِينْ؟/!! أي شخص أنت يا هذا؟!!) كناية عن خديعته له. فأجابه الثاني بتهكم: (مْرِي غَ ثْزاذْ شاكْ عاذْ !!/ وأنت أيضا لا تختلف عني !!)". انتهت الحكاية.
يجب أن نعترف أن الوضع السياسي بمدينة الناظور بمختلف النخب السياسية التي تمثله وضع كَسِيح ومُشَوّه لا يحتكم في أغلب الأحيان إلى أبسط الأعراف الديمقراطية ولا حتى إلى قواعد اللعبة السياسية وما تتضمنه من بركماتية وميكيافيلية. والحقيقة أن (ميكيافيلي) رغم تنظيراته المُحَفِّزة على طلب السلطة والحكم بأي طريقة كانت، كان أشرف بكثير وأذكى مما نراه اليوم من هُجْنَة وعشوائية. وتحكيم المصلحة الفردية على ما هو عام، والانخراط في تصفية حسابات شخصية واهية. فالضحية دائما هي مدينتنا البئيسة التي تتلقى الطعنات من أبنائها أكثر من أية جهة أخرى. من الذي تسبّب في هذه الغابة الإسمنتية العشوائية والمُخْزية بعد رحيل الاستعمار؟ من الذي عمل على إجهاض كل المساحات الخضراء سواء القائمة أو التي من المفروض أن تنجز وقامت مكانها بنايات مشبوهة؟ من فَوَّتَ ورَخَّص ما لا يُفَوَّت وما لا يُرَخّص؟ من اغتال الفعل الثقافي والممارسة الرياضية بالمدينة في مختلف تجلياتهما؟ من مَسَحَ وطَمَسَ وشَوَّه أو سكت عن ذلك؟ من رَحَّل الساكنة وودائعهم المالية ومشاريعهم المفترضة عن المدينة؟ من لَوَّث كل ما يحيط بنا من سماء وبر وبحر؟ أسئلة عديدة أشد إيلاما لا يتسع المقام لسردها هنا، لكن الثابت أن نخبنا بمختلف أطيافها تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية ما وقع.
مُحْزن جدا أن نرى المدينة قد تخلّفت عن الركب مقارنة بمجموعة من المدن المجاورة حتى باتت عدة مشاريع واعدة معطلة، والتنمية المستدامة شعارا أكثر من واقع. والصادم حقا أن نعجز عن جمع نفاياتنا ومخلفاتنا وكم تضيق شوارعنا وساحاتنا بالأزبال وحاويات القمامة!، ويتفاقم هذا الوضع بشكل كارثي في مناسباتنا وأعيادنا وطيلة فصل الصيف، حتى أصبح الرهان الحقيقي للمجالس المنتخبة هو تنظيف تراب جماعاتهم بشكل منتظم ودون مشاكل. إننا نشكل استثناء في هذا الجانب (وفرة الأزبال وتراكمها) حتى يُخَيَّلُ لزائر المدينة أننا قوم من القَوَارِض نستهلك أضعافا مضاعفة ما يستهلكه الآخرون. وغريب أن نظهر بهذه الصورة (إوذان نّوغانْ ذي مينْ غ شّانْ، نَشّينْ نَنُّوغ ذي مينْ نَشّا/ غيرنا يتدبر أمر ما سيستهلكه، ونحن تائهون غارقون في مخلفات ما أكلناه واستهلكناه). أما البنيات التحتية الضرورية، وتأهيل الأحياء الشعبية، وتنظيم السير والجولان، وفوضى استهلاك الملك العمومي، وغيرها من أبسط الضروريات التي تبُثّ السكينة والطمأنينة فإنه عبارة عن مسلسل هتشكوكي لاينتهي.
أمام كل هذا، وأمام هذه المُعيقات والتحديات، ما زلنا ننظر إلى تسيير الشأن المحلي والحَكَامة الترابية المحلية بلا مبالاة وبازدراء في ظل جهوية موسعة قادمة، وفي ظل ترسانة من القوانين التنظيمية أتى بها الدستور الجديد. فلم تُثِرْ فينا هذه التطورات أي استشعار للمسؤولية باعتبارنا مواطنين من حقنا أن نختار من يمثلنا بوعي ودون ضغوطات. ولقد عشنا بعضا من مظاهر الحملات الانتخابية وكانت في جوانب كثيرة منها مَسْخَرَة وبَهْرَجَة وصراخا من أجل الصراخ، ولقد أثارني حقا أن أرى صباحا أناسا يُطَبِّلون لمرشح معين في إحدى الحملات المصحوبة بالزعيق والسّبّ هم أنفسهم الذين سأراهم مساء يهتفون ويرقصون لخصمه ويسبّون الذي رفعوا صورته وشعار حزبه من قبل، وهكذا دواليك يتنقلون بين هذا وذاك ببلاهة، هذا ناهيك عن خطاب عدواني مُسْتَشْر يردده أنصار أكثر من متقدم للانتخابات، ومن بين الشعارات الرائجة والمتكررة (موتْ موتْ ألعدو فلان عندو شعبو)، ولست أدري لماذا نفترض دائما أعداء ما وإِضْفاء أجواء المواجهات والحروب على هذه الاستحقاقات التي تبقى أثارها ومضاعفاتها لأمد طويل تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
فكل من يخوض هذه الانتخابات إذن له أعداء وشعب، وهكذا نجد أنفسنا أمام شعوب عدة وجحافل من الأعداء الأَلِدّاء يتناحرون فيما بينهم، ولسنا إطلاقا أمام برامج تكون الريادة فيها للمُقْنعة والأصلح منها. والمرشحون بدورهم يتنقلون بين الأحزاب ويغيرونها كما يغيرون جواربهم، فتارة تجدهم في أقصى اليمين وتارة في أقصى اليسار، وكَرَّةً ليبراليين، وكَرَّة أخرى أسلاميين. يوزعون المال يمينا وشمالا وبسخاء لم يُعْهد فيهم من قبل، ويكفي ما أنفقه بعضهم على حملاتهم الانتخابية وبطرق ملتبسة أن يساهم في حل كثير من المشاكل التي تتخبط فيها المدينة. وعندما ينجحون في دوائرهم ويتهيئون لتشكيل المجالس المختلفة من جماعية أو بلدية أو إقليمية أو جهوية تبرز ميولاتهم الشاذة والمتناقضة.
كائنات غريبة حقا تجتمع وتَنْفَضُّ، تَأْتَلِف وتختلف في اليوم الواحد مرات عدة. صفقات ونفقات، أغلظ الأيمان على المصحف الشريف، يَنْكُثون ذلك فيما بعد، شيكات على بياض، دسائس ومؤامرات، اختطافات وتهديدات. وبعد تكوين المجالس وانتهاء المسلسل الانتخابي بمختلف مراحله وما يكون قد أفرزه من أحلاف ومجالس، أو من صاعد وهابط، تبدأ حرب من نوع خاصة، والزّاد الذي يتم الرجوع إليه هذه المرة هو تصفية الحسابات، وفضح المستور، ونشر الغسيل، والاكتفاء من متاع هذه الاستحقاقات بلَوْكِ أَعْراض الناس عن حق أو دون حق. ووَقُود كل هذا هو المعاندة والمُكابرة، أو ما نصطلح عليه بالأمازيغية (ثغنّانتْ)، حتى باتت هذه الخِصلة طبعا مَكِينا فينا. نتقدم للانتخابات بسبب (ثغنّانتْ)، ونُصوِّت على هذا بسبب (ثغنّانتْ)، ونغير قناعاتنا في آخر لحظة وربما ونحن في مكاتب التصويت بسبب موقف تستدعيه (ثغنّانتْ).
فليس غريبا في هذا السوق العفن أن نلحظ كل هذا، وليس غريبا أن نرصد تدليسات مركبة ومزدوجة، وطبيعي أن نتعامل فيه بعملات مزيفة وأن نبيع لبعضنا البعض الوهم والدجل ونضحك في المقابل على المشتري. فالخداع هو العملة الرائجة، والمواطن وحده الذي يدفع الثمن، ويأتي كل هذا على حساب التنمية، والرُّقي بالإنسان. إنه زمن رديء حقا ومَطَبٌّ سحيق سقط فيه المجتمع الأمازيغي المتخلي عن قيمه وخصوصيته وعزته التي كان يضرب بها المثل.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هل نستحق ممثلينا؟ أليسوا على مقاسنا وفي حجم أحلامنا؟ لا ريب أن الغد كفيل بتوضيح رؤانا أكثر، وكل انتخابات وأنتم بخير.