بتاريخ 6/12/1962 نشرت جريدة التحرير في عددها 292، مقالا لمحمد عبد الكريم الخطابي بمناسبة الإستفتاء حول أول دستور مغربي، فيما يلي نص المقال، و مقتضب للرسالة المرافقة له.
1: المـــقال.
~ لا نريد أن تـكون أضحـوكة الدستور المصنوعة للمغاربة مؤخـرا، موضـوعا للمشاحنات، و الخلافات، وأن تكـون هدفا للمنازعات و الخصومات، وحلا للـجدال و المراء، بين أبـناء الأمـة المغربية.
فمادامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الإسلام الحنيف، و مدام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله فمن السهولة بمكان أن نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية بدون اللجوء إلى التحايل و التضليل.
إن التنصيص في هذا الدستور المزعوم على ( ولاية العهد) ما هو إلا تلاعب، و استخفاف بدين الإسلام و المسلمين، إذ كلنا نعلم أن مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الإسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي، هذا في الإمامة،
و أما في ولاية العهد فلا خلاف أنها بدعة منكرة في الإسلام، و كلنا يعلم أن مؤسسها معـروف، و يعلم من سعى في خلقها في ظروف معينة، و لغاية معلومة، فإذا كانت مخالفة للشرع الإسلامي فلا محالة أن تكون موضوع ( تهمة )، ويقول إمام مذهب مالك ابن انس: ليس من طلب الأمر كمن لم يطلبه، وذلك لأن الطلب يدل على الرغبة، و الرغبة تدل على التهمة، و عدم الطلب يدل على الزهادة و النزاهة،
ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المعروف أن كل بيعة أو يمين كانت بالكره تكون باطلة.
إذا كانت الأمة المغربية، أمة مسلمة، فلابد لحاكمها المسلم أن يكون مطيعا لله، و بالخصوص فيما بينه و بين الأمة المسلمة، و عليه أن يستشير المسلمين في كل الأمور، عملا بقوله تعالى ^ و أمرهم شورى بينهم ^، و بقوله في آية أخرى ^ و شاورهم في الأمر ^، فأين نحن من مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، وكيف نوفق بينهما وبين من يريد الإكتفاء بالتحايل و خداع الأمة في أمر الشورى وغير الشورى،؟
لا شك أن التهمة موجودة وواضحة بشأن هذا الدستور المزعوم، و كلنا يعلم أن الرسول الكريم (ص) أمر باستشارة جماعة المسلمين، رغم كونه مؤيدا من عند الله بالوحي، ومعصوما، والله يعلم عصمة نبيه وحبيبه، ومع ذلك أمر بأخذ رأي الجماعة وذلك للتسنين.
فالحاكم المسلم يعلم أن الدستور يعد وجوابيا باستشارة الأمة من غير أن تطالبه به، فكيف بحاكم يريد أن يخدع الأمة، في الوقت الذي تلح فيه هي في طلب الاستشارة؟ لقد نادى المغاربة بالدستور بعد أن فقد العدل، وبعد أن سيطر الجور و الظلم والطغيان؟ ظنا منه أنهم سيجدون ( العلاج) في الدستور، فإذا بهم أمام كارثة أخرى أدهى، و أمر مما سبق،
إن المغاربة لا يحتاجون إلى دستور منمق بجمل و تعابير، تحمل بين طياتها القيود و الأغلال، إنهم يريدون تطبيق دستورهم السماوي الذي يقول: إن الله يأمر بالعدل و الإحسان، ويقول ^ و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ^، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي جاءت دستورا سليما للأمة الإسلامية، و أما من خالف هذا الدستور فقد قال فيه القران الكريم: ^ و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ^، ويقول الرسول الأكرم (ص): ^ إن أعتى الناس على الله، و أبغض الناس إلى الله، وأبعد الناس منم الله، رجل ولاه الله أمر أمة محمد، فلم يعدل فيهم ^، ويقول عليه الصلاة والسلام: ^ من مات غاشا لرعيته، لم يرح رائحة الجنة ^، ولا نكون من المغالين إذا قلنا، أن هذا الدستور المزعوم، قصد به في الحقيقة تطويع الشعب المغربي، و ترويضه طوعا أو كرها، حتى يصبح معتقدا بان حكام البلاد يحكمون بتفويض من الله، وهذا شيء يتنافى مع ( معتقد ) الأمة الحقيقي.
إذن، فخير، لواضعي الدستور المزعوم أن يرجعوا إلى الجادة المستقيمة حتى لا يتسببوا في الكارثة و يكونون من ( الجناة ).
و بهذه المناسبة أوجه ندائي للشعب المغربي كله، في قراه، و حواضره، و بواديه أن ينتبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، و إنما فقط هناك حيلة و لا أظن أنها ستنطلي عليهم، فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى.~
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في 1/12/1962
2:بعض ما جاء في الرسالة المقدمة للمقال.
~ ... ومن الغريب أن يأتي هذا الدستور المموه، والباطل من أساسه، وبعد طول الانتظار، يأتي في شكل لا يستطيع الإنسان أن يفهم منه إلا شيئا واحدا، وهو الإمعان في كبت الحرية و تقييدها، حتى أصبح المواطن المغربي يندب حظه عن الفترة التي عاشها في الانتظار قبل مولد خرافة الدستور.
حقا إن البلاد على أبواب الكارثة، نتيجة لهذا التلاعب المزري بمصالح الأمة المغربية، و نحن لسنا في حاجة إلى سرد كل ما كتبه كاتب هذا الدستور المجهول، من الأبواب، و ما تفرع عنها من فصول، التي يناقض بعضها البعض الآخر، أو جاءت تافهة.
ونظرا لهذا كله، فإننا لا نعتقد انه يوجد بالبلاد من يقبل ما جاء به هذا الدستور المزعوم، نعم لا ننكر أن هناك أناس تعوزهم الشجاعة الأدبية، فلا يستعطون الصراحة، فهذه الفئة وهي قليلة و لله الحمد، ستقول نعم بلسانها و قلوبها تلعن الدستور و واضعيه، وما في ذلك ريب، و لكن الكلمة الأخيرة للشعب.
وبعد، فالواجب على كل مغربي و مغربية أن ينصحوا واضعي الدستور بالعدول عنه في الحين، قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يجنوا على أنفسهم، وقبل أن يتسع الخرق على الراقع، كما ندعوا المغاربة إلى التعبير عن إرادته في قول الحق، إذ لا داعي للجبن، فالجبن هو الذي آل بنا إلى الحالة التي عشناها فيما مضى، و الجبن وحده الذي جر علينا كل بلاء، حتى استسلمنا للظالمين، و المعتدين المفسدين.
إن المغرب في مفترق الطرق، فإما الخير و إما إلى الشقاء الأبدي، و الشر الدائم، إما الاستقلال و الحرية و الاستقرار، و إما الفتنة و الإضطراب و الفوضى، وعلى واضعي الدستور المزعوم، أن يدركوا هذا جيدا، كما أن على الشعب المغربي أن يفهمه، وبالله التوفيق. ~
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في 30/11/1962
1: المـــقال.
~ لا نريد أن تـكون أضحـوكة الدستور المصنوعة للمغاربة مؤخـرا، موضـوعا للمشاحنات، و الخلافات، وأن تكـون هدفا للمنازعات و الخصومات، وحلا للـجدال و المراء، بين أبـناء الأمـة المغربية.
فمادامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الإسلام الحنيف، و مدام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله فمن السهولة بمكان أن نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية بدون اللجوء إلى التحايل و التضليل.
إن التنصيص في هذا الدستور المزعوم على ( ولاية العهد) ما هو إلا تلاعب، و استخفاف بدين الإسلام و المسلمين، إذ كلنا نعلم أن مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الإسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي، هذا في الإمامة،
و أما في ولاية العهد فلا خلاف أنها بدعة منكرة في الإسلام، و كلنا يعلم أن مؤسسها معـروف، و يعلم من سعى في خلقها في ظروف معينة، و لغاية معلومة، فإذا كانت مخالفة للشرع الإسلامي فلا محالة أن تكون موضوع ( تهمة )، ويقول إمام مذهب مالك ابن انس: ليس من طلب الأمر كمن لم يطلبه، وذلك لأن الطلب يدل على الرغبة، و الرغبة تدل على التهمة، و عدم الطلب يدل على الزهادة و النزاهة،
ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المعروف أن كل بيعة أو يمين كانت بالكره تكون باطلة.
إذا كانت الأمة المغربية، أمة مسلمة، فلابد لحاكمها المسلم أن يكون مطيعا لله، و بالخصوص فيما بينه و بين الأمة المسلمة، و عليه أن يستشير المسلمين في كل الأمور، عملا بقوله تعالى ^ و أمرهم شورى بينهم ^، و بقوله في آية أخرى ^ و شاورهم في الأمر ^، فأين نحن من مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، وكيف نوفق بينهما وبين من يريد الإكتفاء بالتحايل و خداع الأمة في أمر الشورى وغير الشورى،؟
لا شك أن التهمة موجودة وواضحة بشأن هذا الدستور المزعوم، و كلنا يعلم أن الرسول الكريم (ص) أمر باستشارة جماعة المسلمين، رغم كونه مؤيدا من عند الله بالوحي، ومعصوما، والله يعلم عصمة نبيه وحبيبه، ومع ذلك أمر بأخذ رأي الجماعة وذلك للتسنين.
فالحاكم المسلم يعلم أن الدستور يعد وجوابيا باستشارة الأمة من غير أن تطالبه به، فكيف بحاكم يريد أن يخدع الأمة، في الوقت الذي تلح فيه هي في طلب الاستشارة؟ لقد نادى المغاربة بالدستور بعد أن فقد العدل، وبعد أن سيطر الجور و الظلم والطغيان؟ ظنا منه أنهم سيجدون ( العلاج) في الدستور، فإذا بهم أمام كارثة أخرى أدهى، و أمر مما سبق،
إن المغاربة لا يحتاجون إلى دستور منمق بجمل و تعابير، تحمل بين طياتها القيود و الأغلال، إنهم يريدون تطبيق دستورهم السماوي الذي يقول: إن الله يأمر بالعدل و الإحسان، ويقول ^ و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ^، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي جاءت دستورا سليما للأمة الإسلامية، و أما من خالف هذا الدستور فقد قال فيه القران الكريم: ^ و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ^، ويقول الرسول الأكرم (ص): ^ إن أعتى الناس على الله، و أبغض الناس إلى الله، وأبعد الناس منم الله، رجل ولاه الله أمر أمة محمد، فلم يعدل فيهم ^، ويقول عليه الصلاة والسلام: ^ من مات غاشا لرعيته، لم يرح رائحة الجنة ^، ولا نكون من المغالين إذا قلنا، أن هذا الدستور المزعوم، قصد به في الحقيقة تطويع الشعب المغربي، و ترويضه طوعا أو كرها، حتى يصبح معتقدا بان حكام البلاد يحكمون بتفويض من الله، وهذا شيء يتنافى مع ( معتقد ) الأمة الحقيقي.
إذن، فخير، لواضعي الدستور المزعوم أن يرجعوا إلى الجادة المستقيمة حتى لا يتسببوا في الكارثة و يكونون من ( الجناة ).
و بهذه المناسبة أوجه ندائي للشعب المغربي كله، في قراه، و حواضره، و بواديه أن ينتبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، و إنما فقط هناك حيلة و لا أظن أنها ستنطلي عليهم، فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى.~
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في 1/12/1962
2:بعض ما جاء في الرسالة المقدمة للمقال.
~ ... ومن الغريب أن يأتي هذا الدستور المموه، والباطل من أساسه، وبعد طول الانتظار، يأتي في شكل لا يستطيع الإنسان أن يفهم منه إلا شيئا واحدا، وهو الإمعان في كبت الحرية و تقييدها، حتى أصبح المواطن المغربي يندب حظه عن الفترة التي عاشها في الانتظار قبل مولد خرافة الدستور.
حقا إن البلاد على أبواب الكارثة، نتيجة لهذا التلاعب المزري بمصالح الأمة المغربية، و نحن لسنا في حاجة إلى سرد كل ما كتبه كاتب هذا الدستور المجهول، من الأبواب، و ما تفرع عنها من فصول، التي يناقض بعضها البعض الآخر، أو جاءت تافهة.
ونظرا لهذا كله، فإننا لا نعتقد انه يوجد بالبلاد من يقبل ما جاء به هذا الدستور المزعوم، نعم لا ننكر أن هناك أناس تعوزهم الشجاعة الأدبية، فلا يستعطون الصراحة، فهذه الفئة وهي قليلة و لله الحمد، ستقول نعم بلسانها و قلوبها تلعن الدستور و واضعيه، وما في ذلك ريب، و لكن الكلمة الأخيرة للشعب.
وبعد، فالواجب على كل مغربي و مغربية أن ينصحوا واضعي الدستور بالعدول عنه في الحين، قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يجنوا على أنفسهم، وقبل أن يتسع الخرق على الراقع، كما ندعوا المغاربة إلى التعبير عن إرادته في قول الحق، إذ لا داعي للجبن، فالجبن هو الذي آل بنا إلى الحالة التي عشناها فيما مضى، و الجبن وحده الذي جر علينا كل بلاء، حتى استسلمنا للظالمين، و المعتدين المفسدين.
إن المغرب في مفترق الطرق، فإما الخير و إما إلى الشقاء الأبدي، و الشر الدائم، إما الاستقلال و الحرية و الاستقرار، و إما الفتنة و الإضطراب و الفوضى، وعلى واضعي الدستور المزعوم، أن يدركوا هذا جيدا، كما أن على الشعب المغربي أن يفهمه، وبالله التوفيق. ~
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في 30/11/1962