محمد بوتخريط . هولندا
الريف ..
إغتصاب الفرحة من وجوه الأطفال ..
غياب الأمان بوجه الأجيال..
نسيان الابتسامة في زمن الاعتقال . .
لي اليوم عتاب لا ينقضي ... فلا احد وصي و وكيل على الريف.
وجميعنا لسنا بعيدين بفكرنا وروحنا وعواطفنا عن الحراك وقياداته من الشباب الأنقياء.
لكن...هنا و هناك تطفوا أحيانا ممارسات خاطئة لا أحد يقبلها،
ندعو إلى الوحدة و نتهم الآخرين في ريفهم..
نتهم من نختلف معهم في الاتجاهات بـ "التخوين" و الجميع شركاء في هذا الريف الكبير.
ننصب خيمة من أجل الإنسانية.. من أجل الكرامة الإنسانية..خيمة الشهيد والمعتقل ..وينصب البعض أنفسهم أوصياء على كل الناس، ويبدأون بتوزيع أنواط الامتياز و الشرف والوطنية على من يحبون، ويسحبونها عمن يكرهون !
في ظل هذا المشهد طافت أمام عيناي زنازين الاعتقال والمعتقلين و المضربين عن الطعام من أجل حريتهم وكرامتهم الإنسانية، تجسد أمامي منظر دماء من سقطوا ، ووصل لمسامعي أصواتهم وهم يؤكدون على حبهم للوطن والتضحيات التي لا تساوي شيئاً مقابل هذا الوطن، تجسدت أمامي أوضاع أهاليهم وذويهم وهم يعدون الأيام والأشهر والسنوات التي سيقضيها فلذة أكبادهم خلف القضبان..
فاليعي الجميع ، وليعي من لم يعي بعد أن الريف أكبر منا جميعاً، وهو ما تعلمناه بل وتهجيناه منذ طفولتنا، وكتبناه بدم أجدادنا .
الريف أكبر من الجميع وفوق الجميع، ومن رأى نفسه أكبر من الريف فهو أصغر خلق الله.
كما الحراك تماما ، أكبر من الجميع أكبر من جعله ارتهاناً يغامر به الفاسدون ... أكبر من حماقاتنا وصراعاتنا وخلافاتنا ، مهما كانت.
أكبر من المناصب والقيادات، وأكبر من أحلامنا الذاتية ومن أوهامنا ورغباتنا الخاصة، أكبر من العسكرة و من أي حصار و أكبر من أي اسم وأي شخص..
أكبر من أصحاب الشعارات الذين لم يستطيعوا مرة أن يحولوا الشعار إلى عمل في مستوى دلالاته ومعناه.
سيظل مهما كثر أعداؤه ومهما حاول بعضهم، وما أكثرهم، تشويه صورته . حراك الانقياء، وإن كان متوقعا أن يواجه هذا الحراك ما واجه من عثرات وعقبات فهو استطاع أن يطوى صفحات ويفتح صفحات .. وأعداؤه الذين تربصوا به وكمنوا له هم أكثر من أن يحصوا. عمد بعضهم إلى رثائه بعد دفنهم إياه بين الركام ، وسعى بعض آخر إلى هجائه حتى السخرية منه ومن صانعيه . لكنّه يظل مهما قيل عنه وكتب، حراك شعب كامل ، حراك مدن وساحات...حراك الشباب الأنقياء..حراك الأحلام النبيلة...حراك موقّع بأحلام الشباب..
حقق من النجاحات أضعاف ما يتصوره أكثر المنحازين له .. نجاحات حسية ملموسة وأخرى خفية.
صحيح شهداء من الريف استشهدوا ، معتقلين من الريف اعتقلوا وحوكموا ، مأساة العائلات تزداد مآسي على إيقاع الأحزان بين المسافات من الريف الى البيضاء، بين ثنايا شوارع المدينة وزوايا القرى وَجَعٌ يسكن في كل زاويةٍ من هذا الريف وقهر يخيم على المكان...بؤس مرتسم على وجوه أطفال ابرياء لا تكاد تميزهم عن الرجال سوى أجسادهم الصغيرة بأياديهم الخشنة المجرّحة كرجلٍ ناهز الستين من العمر.
صبر جميل، إصرار كبير ، إيمان بانتصار قريب ، الموت لا المذلة.. هذا هو سلاحهم في وجه حياة لا تحمل من اسمها شيئاً..
لكن ثمة نجاحات تبزغ في جوانب أخرى مختلفة؛ نجاحات خفية تتحول إلى انتصارات تشعرك بالحياة!
وإن كان الخفي من الأمور دائما ما يكون أعظم ، فالخفي من الحراك أنقى وأجمل..ومن لم يرى ويستوعب الخفي منه بعد، فاليفهمه من خلال أمثلة تاريخية كثيرة سابقة ، "تذكرنا بأن تقدم علاجات أمراض العظام والكسور مثلا لم يتحقق إلا في مناخ الحرب مع أنها لم تندلع من أجل تطوير جراحات العظام والمفاصل، كما أن أكثر الوسائل التشخيصية فائدة لأطباء القلب وهي "الدوبلر" لم تنشأ إلا لرصد الغواصات الألمانية في أعماق البحار في الحرب العالمية الثانية التي لم يكن من أهدافها ولا من مخططاتها تطوير تشخيص أمراض القلب، لكن التفاعلات المنطقية والتجريبية كانت كفيلة بأن تهدي للمتفاعلين هدايا لم تكن في الحسابات"1.
نجاحات خفية أمامنا جاءت في صورة مفاتيح كانت قد ضاعت وبذلت جهود عدة وتضحيات كثيرة من أجل العثور عليها حتى جاء الحراك ليقدم الفرز "المجاني" العلني الكاشف والدقيق. الدولة ﻋﺒﺮ ﻛﻞ ﻣؤﺳﺴﺎﺗﻬﺎ اصبحت تتحرك .. ساعدت رياح الحراك الدافئة في زيادة اشتعال النار في المسؤولين عقب فصل من فصول البلاد الأكثر جفافا على الاطلاق.
أصبح المسؤول يرتجف من الخوف...وما يجري حولنا بفعل هذا الحراك يجعلنا فعلا نزداد ايماناً بأن "الخوف" اداة هامة في ردع المسؤول وجعله دائماً يتعامل وفق حسابات دقيقة بعيداً عن الاهمال والفساد واي سلوك مخالف للقانون. والخوف الذي اتحدث عنه ليس الرعب الذي يصنع التردد والضعف ، بل الشعور بالرقابة والمحاسبة.. وهو ما فرضه الحراك... ولا يعيه الكثيرون .
صحيح أن الخوف لم يغب يوما عن المسؤولين لكن فقط كحالة رعب، والحراك حوَّله الى منهجية عامة في المتابعة للأداء ولم تجعل صاحب الخطأ وحده من يدفع ثمن خطئه ، بل أكد انه عندما تكون المحاسبة فلابد أن تكون شموليتها ضرورية جدا والعقاب كذلك بحيث يصل الى كل مخطئ .. وليس فقط الى الموظف البسيط...بل الى المدير والى الوزير و....
خٌلاصة الحكاية ...
الريف أكبر من الجميع وفوق الجميع، ومن رأى نفسه أكبر من الريف فهو أصغر خلق الله.
فاتركوا لنا الريف لـِ/ نتنفسه...ولكم كل الهواء لتتنفسوه...
'أتركوا لنا حروف احلام شهدائنا ... نقرأ باحداق القلوب ما كتبوا..'
الريف ..
إغتصاب الفرحة من وجوه الأطفال ..
غياب الأمان بوجه الأجيال..
نسيان الابتسامة في زمن الاعتقال . .
لي اليوم عتاب لا ينقضي ... فلا احد وصي و وكيل على الريف.
وجميعنا لسنا بعيدين بفكرنا وروحنا وعواطفنا عن الحراك وقياداته من الشباب الأنقياء.
لكن...هنا و هناك تطفوا أحيانا ممارسات خاطئة لا أحد يقبلها،
ندعو إلى الوحدة و نتهم الآخرين في ريفهم..
نتهم من نختلف معهم في الاتجاهات بـ "التخوين" و الجميع شركاء في هذا الريف الكبير.
ننصب خيمة من أجل الإنسانية.. من أجل الكرامة الإنسانية..خيمة الشهيد والمعتقل ..وينصب البعض أنفسهم أوصياء على كل الناس، ويبدأون بتوزيع أنواط الامتياز و الشرف والوطنية على من يحبون، ويسحبونها عمن يكرهون !
في ظل هذا المشهد طافت أمام عيناي زنازين الاعتقال والمعتقلين و المضربين عن الطعام من أجل حريتهم وكرامتهم الإنسانية، تجسد أمامي منظر دماء من سقطوا ، ووصل لمسامعي أصواتهم وهم يؤكدون على حبهم للوطن والتضحيات التي لا تساوي شيئاً مقابل هذا الوطن، تجسدت أمامي أوضاع أهاليهم وذويهم وهم يعدون الأيام والأشهر والسنوات التي سيقضيها فلذة أكبادهم خلف القضبان..
فاليعي الجميع ، وليعي من لم يعي بعد أن الريف أكبر منا جميعاً، وهو ما تعلمناه بل وتهجيناه منذ طفولتنا، وكتبناه بدم أجدادنا .
الريف أكبر من الجميع وفوق الجميع، ومن رأى نفسه أكبر من الريف فهو أصغر خلق الله.
كما الحراك تماما ، أكبر من الجميع أكبر من جعله ارتهاناً يغامر به الفاسدون ... أكبر من حماقاتنا وصراعاتنا وخلافاتنا ، مهما كانت.
أكبر من المناصب والقيادات، وأكبر من أحلامنا الذاتية ومن أوهامنا ورغباتنا الخاصة، أكبر من العسكرة و من أي حصار و أكبر من أي اسم وأي شخص..
أكبر من أصحاب الشعارات الذين لم يستطيعوا مرة أن يحولوا الشعار إلى عمل في مستوى دلالاته ومعناه.
سيظل مهما كثر أعداؤه ومهما حاول بعضهم، وما أكثرهم، تشويه صورته . حراك الانقياء، وإن كان متوقعا أن يواجه هذا الحراك ما واجه من عثرات وعقبات فهو استطاع أن يطوى صفحات ويفتح صفحات .. وأعداؤه الذين تربصوا به وكمنوا له هم أكثر من أن يحصوا. عمد بعضهم إلى رثائه بعد دفنهم إياه بين الركام ، وسعى بعض آخر إلى هجائه حتى السخرية منه ومن صانعيه . لكنّه يظل مهما قيل عنه وكتب، حراك شعب كامل ، حراك مدن وساحات...حراك الشباب الأنقياء..حراك الأحلام النبيلة...حراك موقّع بأحلام الشباب..
حقق من النجاحات أضعاف ما يتصوره أكثر المنحازين له .. نجاحات حسية ملموسة وأخرى خفية.
صحيح شهداء من الريف استشهدوا ، معتقلين من الريف اعتقلوا وحوكموا ، مأساة العائلات تزداد مآسي على إيقاع الأحزان بين المسافات من الريف الى البيضاء، بين ثنايا شوارع المدينة وزوايا القرى وَجَعٌ يسكن في كل زاويةٍ من هذا الريف وقهر يخيم على المكان...بؤس مرتسم على وجوه أطفال ابرياء لا تكاد تميزهم عن الرجال سوى أجسادهم الصغيرة بأياديهم الخشنة المجرّحة كرجلٍ ناهز الستين من العمر.
صبر جميل، إصرار كبير ، إيمان بانتصار قريب ، الموت لا المذلة.. هذا هو سلاحهم في وجه حياة لا تحمل من اسمها شيئاً..
لكن ثمة نجاحات تبزغ في جوانب أخرى مختلفة؛ نجاحات خفية تتحول إلى انتصارات تشعرك بالحياة!
وإن كان الخفي من الأمور دائما ما يكون أعظم ، فالخفي من الحراك أنقى وأجمل..ومن لم يرى ويستوعب الخفي منه بعد، فاليفهمه من خلال أمثلة تاريخية كثيرة سابقة ، "تذكرنا بأن تقدم علاجات أمراض العظام والكسور مثلا لم يتحقق إلا في مناخ الحرب مع أنها لم تندلع من أجل تطوير جراحات العظام والمفاصل، كما أن أكثر الوسائل التشخيصية فائدة لأطباء القلب وهي "الدوبلر" لم تنشأ إلا لرصد الغواصات الألمانية في أعماق البحار في الحرب العالمية الثانية التي لم يكن من أهدافها ولا من مخططاتها تطوير تشخيص أمراض القلب، لكن التفاعلات المنطقية والتجريبية كانت كفيلة بأن تهدي للمتفاعلين هدايا لم تكن في الحسابات"1.
نجاحات خفية أمامنا جاءت في صورة مفاتيح كانت قد ضاعت وبذلت جهود عدة وتضحيات كثيرة من أجل العثور عليها حتى جاء الحراك ليقدم الفرز "المجاني" العلني الكاشف والدقيق. الدولة ﻋﺒﺮ ﻛﻞ ﻣؤﺳﺴﺎﺗﻬﺎ اصبحت تتحرك .. ساعدت رياح الحراك الدافئة في زيادة اشتعال النار في المسؤولين عقب فصل من فصول البلاد الأكثر جفافا على الاطلاق.
أصبح المسؤول يرتجف من الخوف...وما يجري حولنا بفعل هذا الحراك يجعلنا فعلا نزداد ايماناً بأن "الخوف" اداة هامة في ردع المسؤول وجعله دائماً يتعامل وفق حسابات دقيقة بعيداً عن الاهمال والفساد واي سلوك مخالف للقانون. والخوف الذي اتحدث عنه ليس الرعب الذي يصنع التردد والضعف ، بل الشعور بالرقابة والمحاسبة.. وهو ما فرضه الحراك... ولا يعيه الكثيرون .
صحيح أن الخوف لم يغب يوما عن المسؤولين لكن فقط كحالة رعب، والحراك حوَّله الى منهجية عامة في المتابعة للأداء ولم تجعل صاحب الخطأ وحده من يدفع ثمن خطئه ، بل أكد انه عندما تكون المحاسبة فلابد أن تكون شموليتها ضرورية جدا والعقاب كذلك بحيث يصل الى كل مخطئ .. وليس فقط الى الموظف البسيط...بل الى المدير والى الوزير و....
خٌلاصة الحكاية ...
الريف أكبر من الجميع وفوق الجميع، ومن رأى نفسه أكبر من الريف فهو أصغر خلق الله.
فاتركوا لنا الريف لـِ/ نتنفسه...ولكم كل الهواء لتتنفسوه...
'أتركوا لنا حروف احلام شهدائنا ... نقرأ باحداق القلوب ما كتبوا..'