بقلم: عبد الوهاب التدموري
تابعت مؤخرا بعض النقاشات التي تدور حول مايجري من أحداث عنيفة تنذر بتحولات سياسية عميقة لدي جارتنا اسبانيا فوجدت هناك انقساما في المواقف والآراء لدي الرأي العام الوطني تغذية سجالات بين بعض النخب الفكرية والسياسية المغربية .لكنها سجالات لم تنفذ مع الاسف الى عمق الموضوع ولم تجرؤ علي ملامسة الأسئلة الجوهرية التي يتمثلها الاستفتاء علي الاستقلال في إقليم كتالونيا ابتداءا من التحديات والانعكاسات التي يفرضها هذا الموضوع علي النخبة السياسية الكتالانية التي طرحته ودافعت عنه باستماتة اولا وذلك بغض النظر علي النتائج التقنية المتمثلة في عدد المصوتين بنعم اولا التي يمكن ان تنبثق عن هذه الآلية الديموقراطية الي ما يمكن ان يترتب عنه من نقاشات سياسية ودستورية في عموم اسبانيا ثانيا وهي النقاشات التي ستؤشر علي تحول عميق في شكل الدولة و في شكل نظام الحكم المناسب لتلك التحولات وهو ما سيشكل في نفس الآن بداية نهاية الفكر السياسي الفرنكوي الذي تحكم في المفاصل الكبرى للدولة الاسبانية وفي دوائر صناعة القرار من داخل الحكومات السياسية المركزية المتعاقبة حتى بعد دستور 1978 الذي أسس للانتقال الديمقراطي في إسبانيا.
ان الانقسام الذي تحدثت عنه فيما يخص مسألة الاستفتاء بإقليم كاطالونيا فبقدر ما يمكن اعتباره انقساما سطحيا وعاطفيا تغذية انفعالات تتباين بين المتضامن المبدئي مع شعب كاطالونيا الضحية للتدخل العنيف للأجهزة القمعية للدولة الاسبانية او المتضامن العاطفي الذي يري في تجربة كتالونيا تماثلا لما يعيشه في وطنه من إهانة لكرامته واحتقارا لثقافته وذاكرته المحلية من طرف الحكومة او الدولة المركزية المستبدة التي تدعي تمثيله او كنية بالدولة الاسبانية وإغاظة لها والتي تجرم عندها ما تسميه حق تقرير مصير الشعوب عند الآخرين.
وهو التضامن الذي يبدو أنه لم يتشكل من خلال قراءة موضوعية للأحداث بقدر ما يمكن اعتباره موقف أملاه وغذاه في جزء كبير منه لدي هؤلاء ذالك الاحساس بالظلم نتيجة استبداد الدولة المغربية وقمعها لكل أشكال التعبير والاحتجاج .كما ان هذا التعاطف والتضامن يجد مصوغاته كذلك فيما يشكله من موقف نقيض للموقف الرسمي الرافض للاستفتاء والداعم للحكومة الاسبانية وهو الموقف الذي عبرت عنه الدولة المغربية وابدعت في اخراجه للقراء وللرأي العام الوطني تلك الأقلام التي توفرت لها كل الامكانيات من اجل تسهيل مهمتها رغم ما عبرت عنه من امتعاض مبطن وماخذة الجارة الاسبانية علي موقفها الداعم للانفصال في الأقاليم الصحراوية .
انها نفس الاقلام التي تبنت موقف الدولة في شأن الحراك ونشطاءه وعملت جاهدة علي شيطنته بعد ان ألبسته لباس المؤامرة الخارجية والانفصال والتآمر علي الوحدة الوطنية. وهو ما جعل موقف التضامن يتموقع في موقع التضاد مع الموقف الرسمي الذي كان دون مستوى القراءة المتأنية للأحداث. و الذي مع الاسف اقحم نفسه في شأن داخلي لدولة أخرى رغم ما يتسم به هذا الموقف من تأييد رسمي لها ومحاولة يائسة لاستجداء تضامنها وصمتها فيما يشهده المغرب من حراك شعبي سلمي من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والذي تتم مواجهته بكل الاشكال القمعية والمحاكمات الصورية للمئات من نشطاء الحراك بالريف وكل الوطن. إلا أن ما لم يدركه العقل الرسمي المغربي أن الدولة الإسبانية المركزية ستعمل علي حل مشاكلها السياسية عن طريق الحوار الديموقراطي والاحتكام الى لغة العقل لان الجميع يدرك ان لا مصلحة لأي طرف في العودة إلى الماضي الدكتاتوري وانه لا مناص من إعادة صياغة مفهوم الوحدة الوطنية بالشكل الذي يقطع فكريا وثقافيا وقانونيا مع الوحدة القسرية المتوارثة من العهد الفرنكوي يؤسس لقيم بديلة قائمة علي الوحدة الطوعية لعموم شعوب اسبانيا .
ان الموقف الرسمي المغربي اذن المعارض للاستفتاء والمؤيد للحكومة الإسبانية المركزية هو موقف مجاني لا ولن يؤثر في مجرى الاحداث في اسبانيا .موقف يعكس تبعية عمياء لدولة استعمرتنا سابقا ولا تزال ويعادي بالمقابل شعبا وجهة قوية سيكون لها دور أساسي في صناعة القرار السياسي الاسباني مستقبلا.
اذا كانت هذه المواقف المتباينة بين التضامن المطلق أو المتحفظ مع ما يتعرض له الشعب الكطلاني من مصادرة لحقه في تقرير مصيره وبين التأييد الكلي للحكومة الإسبانية المركزية وما قامت به من تدخل أمني عنيف من اجل الغاء عملية الاستفتاء هي مواقف لم تلامس جوهر الإشكالات التي تطرحها هذه العملية التي يمكن اعتبارها من الناحية التقنية أنها آلية ديمقراطية وحق للشعب الكطلاني. إذن فما هي التحديات التي تعيق التمتع بهذا الحق وما هي انعكاساتها علي النخب السياسية الكتلانية المؤيدة له وعلى مستقبل اسبانيا ككل ؟.
ان الجواب عن هذا السؤال يؤدي بنا الي استيلاد اسئلة اخرى يمكن تلخيصها فيما يلي :
1 هل كانت حقا النخب السياسية الكتالانية متاكدة من تحقيق هذا الحلم المتمثل بالاستقلال عن إسبانيا رغم ان الرأسمال الاقتصادي والمالي الكطلاني هو المستفيد الأساسي من اسبانيا الموحدة وانها فعلا اشتغلت من اجل تحقيق هذه الغاية ؟
ألم تدرك هذه النخب الصعوبات التي تجعل من تحقيق هذا الحلم أمرا مستحيلا علاقة بما يمكن ان تسخره الدولة والحكومة الإسبانية المركزية من ترسانة قانونية ودستورية وعسكرية من اجل التصدي لسياسة الأمر الواقع التي تريد هذه النخب وضعها أمامها؟.
الم تستحضر هذه النخب بشكل قبلي ما يمكن ان ينتج من مواقف رافضة لهذا الإجراء من طرف الدولة الاسبانية اولا ومن طرف دول الاتحاد الأوروبي ثايا التي تشكل إسبانيا احد اعضاءه وتفويض دول الاتحاد الحكومة المركزية صلاحية معالجة الاوضاع بدعوى اعتباره شانا داخليا و سياديا لاسبانيا؟. وهو ما ورد لاحقا في موقف دول الاتحاد الاوروبي علاقة بما يجري من أحداث سياسية في هذا البلد وبالاستفتاء في اقليم كاطالونيا؟.
لكن إذا كانت بالفعل هذه النخب قد صدقت انها تستطيع تحقيق هذا الهدف من خلال الاستفتاء أمام كل هذه الأسئلة التي طرحناها والتي يستوجب طرحها من اي فاعل سياسي .فاني اكاد اجزم انها كانت ضحية للشحنة العاطفية الزائدة التي أبعدتها عن متطلبات التحليل السياسي العلمي للوضع سواء بكطالونيا او باسبانيا .وانها تحولت الي ضحية للماكينة الدعائية التي تفننت في إخراجها من اجل خلق اجماع علي الاستفتاء واستنفار شعور القومي للشعب الكتلوني .هذا ان افترضنا جدلا ان انها كانت فعلا ضحية .
2/اما ان كانت هذه النخب مدركة لمدى استحالة تحقيق هذا الهدف وتمادت رغم ذلك في استنفار الشعور القومي لدي غالبية الشعب الكطلاني من اجل تحقيق هدف تدرك جيدا استحالة تحقيقه بالآليات الديمقراطية السلمية .وأنها فقط تريد ان تجعل من الاستفتاء علي الاستقلال ورقة ضغط على الدولة والحكومة المركزية الاسبانية من اجل انتزاع أكبر عدد ممكن من المكتسبات لصالح الحكومة والشعب الكطلاني ان علي مستوى الصلاحيات السياسية والقانونية او علي المستوى المالي بما يحول ما كان مرسوما من هدف/الاستقلال/ إلى مجرد تكتيك /التفاوض/ وبما يقتضيه هذا التكتيك من استعداد قبلي لهذه النخب للدخول في مفاوضات مع الحكومة المركزية .
ولما لا فتح نقاشات عمومية بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني حول مراجعة دستور 1978 الذي يعتبر دستورا انتقاليا من الدولة الدكتاتورية الفرانكوية التي تأسست بالحديد والنار علي مفهوم الأمة الواحدة إلى الدولة الديموقراطية المتعددة.اي انتقال الدولة الاسبانية من الدولة البسيطة حيث عدد الجهات التي تتمتع بالحكم الذاتي لايتجاوز رؤوس الأصابع هذا في الوقت الذي يصل عدد الجهات في إسبانيا الي سبعة عشر جهة لازالت غالبيتها تتأطر ضمن مفهوم الجهوية الإدارية الخاضعة كليا للحكومة المركزية .إلى الدولة الفيدرالية الذي يقتضي احقاقها مراجعة جذرية لدستور 1978 في اطار تعاقدات سياسية ومجتمعية جديدة بما يتطلبه هذا الانتقال من إعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي وتقليص عدد الجهات والعمل علي تأهيلها حسب جدول زمني محدد يفرض علي الجميع الاشتغال عليه من أجل تحقيقه.
لكن إذا كان الاستفتاء بالنسبة لهذه النخب الغاية منه هو الضغط على الحكومة المركزية من أجل فتح باب التفاوض الذي طالما طالبت به دون ان يجد الآذان الصاغية لدى دوائر صناعة القرار في الدولة الإسبانية التي يبدو انها كانت ولاتزال تحت سيطرة اللوبي المحافظ الذي يعود الي عهد المرحلة الديكتاتورية .
اذن فلماذا لم تصارح هذه النخب منذ البداية الشعب الكطلاني حول أهدافها من عملية الاستفتاء ؟. ولماذا كل هذا الشحن العاطفي واستنفار الشعور القومي لديهم من أجل تحقيق غاية مستحيلة التحقيق في الوقت الراهن ا وهي اصلا مغيبة من أجندة النخب السياسية والفكرية الكتالانية ؟.الا يمكن اعتبار طريقة تدبيرها للصراع مع الحكومة المركزية من أجل المزيد من الحقوق والمكتسبات الذي هو حق لها كان يلزم عليها إظهار حقيقته للشعب الكطلاني ولن لا تسقط في فخ اخفاءها المتعمد لحقيقة نواياها الغير المعلنة من الاستفتاء وأن لا تتمادى في سياستها التي توهم الشعب الكطلاني بالاستقلال في الوقت الذي تعلم فيه جيدا استحالة تحقيق هذا الهدف اضافة الى ما يمكن ان ينتج عنه من انقسامات حادة بين العائلة الواحدة في إقليم كاطالونيا اضافة الى انعكاساته علي الرأسمال الكطلاني المستفيد الأول من الصفقات الاقتصادية للحكومة الإسبانية المركزية .؟الا يمكن اعتبار هذه المنهجية تحمل الكثير من المخاطر علي العملية الديموقراطية التي تتأسس علي قاعدة الشفافية والثقة بين السياسي و قواعده الانتخابية.
ألا يمكن لمثل هذا السلوك ان يؤدي الي حالة من فقدان الثقة في العمل السياسي من طرف الشعب الكطلاني الذي تحول الي ضحية مزدوجة لنخبه السياسية من جهة و للقوي القمعية للحكومة المركزية الاسبانية التي لم تكن بحاجة الي هذا الاستعمال المفرط للقوة الذي يمكن ان يزيد من تأجيج الحقد والكراهية ازاءها من جهة أخرى؟.
أقول ان الاستفتاء وما رافقه من استنفار للشعور القومي سيكون له ما بعده ان علي مستوى الدولة الاسبانية ككل او على مستوى كتالونيا التي ستجد نخبها نفسها سجينة شعارات الانفصال التي روجت لها وأقنعت بها الشعب الكطلاني وبين ما يتطلبه الواقع بكل تحدياته إن على المستوى المحلي او في عموم اسبانيا او علي المستوى الأوروبي للذي يجعل من المفاوضات الاطار المناسب لتحقيق المزيد من المكتسبات في إطار الوحدة الوطنية الضامنة للتعدد .
وفي كلا الحالتين سينتج عن هذا الاوضع انقسام حاد في النسيج الاجتماعي الكتلاني و سيتشكل مشهد حزبي وسياسي جديد.بكاتالونيا ويفقد العمل السياسي الكثير من مصداقيته. لان فساد العملية السياسية تبدأ عندما يخفي السياسي حقيقة نواياه و يتنكر لالتزاماته أمام الشعب او ناخبيه.
تابعت مؤخرا بعض النقاشات التي تدور حول مايجري من أحداث عنيفة تنذر بتحولات سياسية عميقة لدي جارتنا اسبانيا فوجدت هناك انقساما في المواقف والآراء لدي الرأي العام الوطني تغذية سجالات بين بعض النخب الفكرية والسياسية المغربية .لكنها سجالات لم تنفذ مع الاسف الى عمق الموضوع ولم تجرؤ علي ملامسة الأسئلة الجوهرية التي يتمثلها الاستفتاء علي الاستقلال في إقليم كتالونيا ابتداءا من التحديات والانعكاسات التي يفرضها هذا الموضوع علي النخبة السياسية الكتالانية التي طرحته ودافعت عنه باستماتة اولا وذلك بغض النظر علي النتائج التقنية المتمثلة في عدد المصوتين بنعم اولا التي يمكن ان تنبثق عن هذه الآلية الديموقراطية الي ما يمكن ان يترتب عنه من نقاشات سياسية ودستورية في عموم اسبانيا ثانيا وهي النقاشات التي ستؤشر علي تحول عميق في شكل الدولة و في شكل نظام الحكم المناسب لتلك التحولات وهو ما سيشكل في نفس الآن بداية نهاية الفكر السياسي الفرنكوي الذي تحكم في المفاصل الكبرى للدولة الاسبانية وفي دوائر صناعة القرار من داخل الحكومات السياسية المركزية المتعاقبة حتى بعد دستور 1978 الذي أسس للانتقال الديمقراطي في إسبانيا.
ان الانقسام الذي تحدثت عنه فيما يخص مسألة الاستفتاء بإقليم كاطالونيا فبقدر ما يمكن اعتباره انقساما سطحيا وعاطفيا تغذية انفعالات تتباين بين المتضامن المبدئي مع شعب كاطالونيا الضحية للتدخل العنيف للأجهزة القمعية للدولة الاسبانية او المتضامن العاطفي الذي يري في تجربة كتالونيا تماثلا لما يعيشه في وطنه من إهانة لكرامته واحتقارا لثقافته وذاكرته المحلية من طرف الحكومة او الدولة المركزية المستبدة التي تدعي تمثيله او كنية بالدولة الاسبانية وإغاظة لها والتي تجرم عندها ما تسميه حق تقرير مصير الشعوب عند الآخرين.
وهو التضامن الذي يبدو أنه لم يتشكل من خلال قراءة موضوعية للأحداث بقدر ما يمكن اعتباره موقف أملاه وغذاه في جزء كبير منه لدي هؤلاء ذالك الاحساس بالظلم نتيجة استبداد الدولة المغربية وقمعها لكل أشكال التعبير والاحتجاج .كما ان هذا التعاطف والتضامن يجد مصوغاته كذلك فيما يشكله من موقف نقيض للموقف الرسمي الرافض للاستفتاء والداعم للحكومة الاسبانية وهو الموقف الذي عبرت عنه الدولة المغربية وابدعت في اخراجه للقراء وللرأي العام الوطني تلك الأقلام التي توفرت لها كل الامكانيات من اجل تسهيل مهمتها رغم ما عبرت عنه من امتعاض مبطن وماخذة الجارة الاسبانية علي موقفها الداعم للانفصال في الأقاليم الصحراوية .
انها نفس الاقلام التي تبنت موقف الدولة في شأن الحراك ونشطاءه وعملت جاهدة علي شيطنته بعد ان ألبسته لباس المؤامرة الخارجية والانفصال والتآمر علي الوحدة الوطنية. وهو ما جعل موقف التضامن يتموقع في موقع التضاد مع الموقف الرسمي الذي كان دون مستوى القراءة المتأنية للأحداث. و الذي مع الاسف اقحم نفسه في شأن داخلي لدولة أخرى رغم ما يتسم به هذا الموقف من تأييد رسمي لها ومحاولة يائسة لاستجداء تضامنها وصمتها فيما يشهده المغرب من حراك شعبي سلمي من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والذي تتم مواجهته بكل الاشكال القمعية والمحاكمات الصورية للمئات من نشطاء الحراك بالريف وكل الوطن. إلا أن ما لم يدركه العقل الرسمي المغربي أن الدولة الإسبانية المركزية ستعمل علي حل مشاكلها السياسية عن طريق الحوار الديموقراطي والاحتكام الى لغة العقل لان الجميع يدرك ان لا مصلحة لأي طرف في العودة إلى الماضي الدكتاتوري وانه لا مناص من إعادة صياغة مفهوم الوحدة الوطنية بالشكل الذي يقطع فكريا وثقافيا وقانونيا مع الوحدة القسرية المتوارثة من العهد الفرنكوي يؤسس لقيم بديلة قائمة علي الوحدة الطوعية لعموم شعوب اسبانيا .
ان الموقف الرسمي المغربي اذن المعارض للاستفتاء والمؤيد للحكومة الإسبانية المركزية هو موقف مجاني لا ولن يؤثر في مجرى الاحداث في اسبانيا .موقف يعكس تبعية عمياء لدولة استعمرتنا سابقا ولا تزال ويعادي بالمقابل شعبا وجهة قوية سيكون لها دور أساسي في صناعة القرار السياسي الاسباني مستقبلا.
اذا كانت هذه المواقف المتباينة بين التضامن المطلق أو المتحفظ مع ما يتعرض له الشعب الكطلاني من مصادرة لحقه في تقرير مصيره وبين التأييد الكلي للحكومة الإسبانية المركزية وما قامت به من تدخل أمني عنيف من اجل الغاء عملية الاستفتاء هي مواقف لم تلامس جوهر الإشكالات التي تطرحها هذه العملية التي يمكن اعتبارها من الناحية التقنية أنها آلية ديمقراطية وحق للشعب الكطلاني. إذن فما هي التحديات التي تعيق التمتع بهذا الحق وما هي انعكاساتها علي النخب السياسية الكتلانية المؤيدة له وعلى مستقبل اسبانيا ككل ؟.
ان الجواب عن هذا السؤال يؤدي بنا الي استيلاد اسئلة اخرى يمكن تلخيصها فيما يلي :
1 هل كانت حقا النخب السياسية الكتالانية متاكدة من تحقيق هذا الحلم المتمثل بالاستقلال عن إسبانيا رغم ان الرأسمال الاقتصادي والمالي الكطلاني هو المستفيد الأساسي من اسبانيا الموحدة وانها فعلا اشتغلت من اجل تحقيق هذه الغاية ؟
ألم تدرك هذه النخب الصعوبات التي تجعل من تحقيق هذا الحلم أمرا مستحيلا علاقة بما يمكن ان تسخره الدولة والحكومة الإسبانية المركزية من ترسانة قانونية ودستورية وعسكرية من اجل التصدي لسياسة الأمر الواقع التي تريد هذه النخب وضعها أمامها؟.
الم تستحضر هذه النخب بشكل قبلي ما يمكن ان ينتج من مواقف رافضة لهذا الإجراء من طرف الدولة الاسبانية اولا ومن طرف دول الاتحاد الأوروبي ثايا التي تشكل إسبانيا احد اعضاءه وتفويض دول الاتحاد الحكومة المركزية صلاحية معالجة الاوضاع بدعوى اعتباره شانا داخليا و سياديا لاسبانيا؟. وهو ما ورد لاحقا في موقف دول الاتحاد الاوروبي علاقة بما يجري من أحداث سياسية في هذا البلد وبالاستفتاء في اقليم كاطالونيا؟.
لكن إذا كانت بالفعل هذه النخب قد صدقت انها تستطيع تحقيق هذا الهدف من خلال الاستفتاء أمام كل هذه الأسئلة التي طرحناها والتي يستوجب طرحها من اي فاعل سياسي .فاني اكاد اجزم انها كانت ضحية للشحنة العاطفية الزائدة التي أبعدتها عن متطلبات التحليل السياسي العلمي للوضع سواء بكطالونيا او باسبانيا .وانها تحولت الي ضحية للماكينة الدعائية التي تفننت في إخراجها من اجل خلق اجماع علي الاستفتاء واستنفار شعور القومي للشعب الكتلوني .هذا ان افترضنا جدلا ان انها كانت فعلا ضحية .
2/اما ان كانت هذه النخب مدركة لمدى استحالة تحقيق هذا الهدف وتمادت رغم ذلك في استنفار الشعور القومي لدي غالبية الشعب الكطلاني من اجل تحقيق هدف تدرك جيدا استحالة تحقيقه بالآليات الديمقراطية السلمية .وأنها فقط تريد ان تجعل من الاستفتاء علي الاستقلال ورقة ضغط على الدولة والحكومة المركزية الاسبانية من اجل انتزاع أكبر عدد ممكن من المكتسبات لصالح الحكومة والشعب الكطلاني ان علي مستوى الصلاحيات السياسية والقانونية او علي المستوى المالي بما يحول ما كان مرسوما من هدف/الاستقلال/ إلى مجرد تكتيك /التفاوض/ وبما يقتضيه هذا التكتيك من استعداد قبلي لهذه النخب للدخول في مفاوضات مع الحكومة المركزية .
ولما لا فتح نقاشات عمومية بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني حول مراجعة دستور 1978 الذي يعتبر دستورا انتقاليا من الدولة الدكتاتورية الفرانكوية التي تأسست بالحديد والنار علي مفهوم الأمة الواحدة إلى الدولة الديموقراطية المتعددة.اي انتقال الدولة الاسبانية من الدولة البسيطة حيث عدد الجهات التي تتمتع بالحكم الذاتي لايتجاوز رؤوس الأصابع هذا في الوقت الذي يصل عدد الجهات في إسبانيا الي سبعة عشر جهة لازالت غالبيتها تتأطر ضمن مفهوم الجهوية الإدارية الخاضعة كليا للحكومة المركزية .إلى الدولة الفيدرالية الذي يقتضي احقاقها مراجعة جذرية لدستور 1978 في اطار تعاقدات سياسية ومجتمعية جديدة بما يتطلبه هذا الانتقال من إعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي وتقليص عدد الجهات والعمل علي تأهيلها حسب جدول زمني محدد يفرض علي الجميع الاشتغال عليه من أجل تحقيقه.
لكن إذا كان الاستفتاء بالنسبة لهذه النخب الغاية منه هو الضغط على الحكومة المركزية من أجل فتح باب التفاوض الذي طالما طالبت به دون ان يجد الآذان الصاغية لدى دوائر صناعة القرار في الدولة الإسبانية التي يبدو انها كانت ولاتزال تحت سيطرة اللوبي المحافظ الذي يعود الي عهد المرحلة الديكتاتورية .
اذن فلماذا لم تصارح هذه النخب منذ البداية الشعب الكطلاني حول أهدافها من عملية الاستفتاء ؟. ولماذا كل هذا الشحن العاطفي واستنفار الشعور القومي لديهم من أجل تحقيق غاية مستحيلة التحقيق في الوقت الراهن ا وهي اصلا مغيبة من أجندة النخب السياسية والفكرية الكتالانية ؟.الا يمكن اعتبار طريقة تدبيرها للصراع مع الحكومة المركزية من أجل المزيد من الحقوق والمكتسبات الذي هو حق لها كان يلزم عليها إظهار حقيقته للشعب الكطلاني ولن لا تسقط في فخ اخفاءها المتعمد لحقيقة نواياها الغير المعلنة من الاستفتاء وأن لا تتمادى في سياستها التي توهم الشعب الكطلاني بالاستقلال في الوقت الذي تعلم فيه جيدا استحالة تحقيق هذا الهدف اضافة الى ما يمكن ان ينتج عنه من انقسامات حادة بين العائلة الواحدة في إقليم كاطالونيا اضافة الى انعكاساته علي الرأسمال الكطلاني المستفيد الأول من الصفقات الاقتصادية للحكومة الإسبانية المركزية .؟الا يمكن اعتبار هذه المنهجية تحمل الكثير من المخاطر علي العملية الديموقراطية التي تتأسس علي قاعدة الشفافية والثقة بين السياسي و قواعده الانتخابية.
ألا يمكن لمثل هذا السلوك ان يؤدي الي حالة من فقدان الثقة في العمل السياسي من طرف الشعب الكطلاني الذي تحول الي ضحية مزدوجة لنخبه السياسية من جهة و للقوي القمعية للحكومة المركزية الاسبانية التي لم تكن بحاجة الي هذا الاستعمال المفرط للقوة الذي يمكن ان يزيد من تأجيج الحقد والكراهية ازاءها من جهة أخرى؟.
أقول ان الاستفتاء وما رافقه من استنفار للشعور القومي سيكون له ما بعده ان علي مستوى الدولة الاسبانية ككل او على مستوى كتالونيا التي ستجد نخبها نفسها سجينة شعارات الانفصال التي روجت لها وأقنعت بها الشعب الكطلاني وبين ما يتطلبه الواقع بكل تحدياته إن على المستوى المحلي او في عموم اسبانيا او علي المستوى الأوروبي للذي يجعل من المفاوضات الاطار المناسب لتحقيق المزيد من المكتسبات في إطار الوحدة الوطنية الضامنة للتعدد .
وفي كلا الحالتين سينتج عن هذا الاوضع انقسام حاد في النسيج الاجتماعي الكتلاني و سيتشكل مشهد حزبي وسياسي جديد.بكاتالونيا ويفقد العمل السياسي الكثير من مصداقيته. لان فساد العملية السياسية تبدأ عندما يخفي السياسي حقيقة نواياه و يتنكر لالتزاماته أمام الشعب او ناخبيه.