تقديم :
يأتي هذا الموضوع انطلاقا من هموم الحاضر و يستهدف مقاربة واقع التربية / التعليم والتنمية في بلادنا والعلاقة بينهما من اجل التحسيس بأهمية هذا القطاع قصد الارتقاء به إلى ما هو أفضل. فما هي دوافع اختيار الموضوع ؟
الدافع الاقتصادي:
إن قطاع التربية و التعليم في بلادنا يلتهم قسطا كبيرا من الميزانية، و يعتبر ثاني أولوية بعد الوحدة الترابية لبلادنا حيث تمثل الميزانية المخصصة لهذا القطاع %28 من الميزانية العامة 7 % من الناتج الوطني الخام. كما أن هذا القطاع يحظى دائما بأكبر عدد ممكن من المناصب المالية، فقد خصصت له 8000 منصب شغل من أصل 25000 حسب الميزانية العامة لسنة 2013.
كما يعتبر قطاع التربية و التعليم مجالا للاستثمار في الرأسمال البشري، ومن القطاعات المساهمة في التنمية الاقتصادية عبر تأهيل اليد العاملة والأطر الملائمة، ومع ذلك فإن هذا القطاع لا يصل إلى الهدف المنشود الذي يخدم التنمية.
الدافع الاجتماعي:
إن التربية والتعليم هي أداة لتلقين المعارف والمعلومات للمجتمع بكل فئاته بدون استثناء، كما تسهل المؤسسة التعليمية عملية الإدماج الاجتماعي، كما إن التربية المدرسية تؤثر في التطبيع الاجتماعي للتلميذ بصورة إيجابية وتساعده على تكوين شخصيته تكوينا ينسجم و مستجدات التربية الحديثة حتى يتوافق مع ذاته و مجتمعه.
كما يلاحظ أن التربية والتعليم تؤثر على المحيط الاجتماعي الذي تمارس فيه عبر إمكانية تطويره وتغييره، مع العلم أن التربية تستقي أهدافها من المجتمع وهذا دليل على العلاقة التفاعلية بينهما.
الدافع السياسي:
إن قطاع التربية والتعليم يساهم في تكوين المواطن المغربي القادر على الحوار والإقناع والاقتناع، ويفترض في هذا المواطن الوعي باللحظة التاريخية التي يجد فيها نفسه مرغما على فهم عقلاني للمنظومة العالمية و موقعه داخل هذه المنظومة. كما أن هذا القطاع هو مرآة تعبر عن السياسة العامة للبلاد و تحدد للنظام مساره، وآماله وصيرورته، كما يتأثر هذا القطاع بالتحولات السياسية مثل تغيير الحكومات.
الدافع الثقافي:
يساهم قطاع التربية والتعليم في تطوير الفكر العلمي، علما إن لكل مجتمع ثقافته ونسقه القيمي الخاص.وتشكل المقررات الدراسية قنوات لنشر الثقافة أو الإيديولوجيا المهيمنة، لكن ما يلاحظ على هذه المقررات هو عدم التداخل فيما بينها وتخارجها مع الأسرة والمدرسة، مع العلم أن المجتمع المغربي يعتبر المدرسة هي وحدها المسئولة عن التربية والتعليم.
بعد تحديد دوافع اختيار الموضوع، أنتقل الآن إلى تحديد إشكاليته، والمتمثلة في: ما هي العلاقة بين التربية والتنمية؟ وقبل الإجابة على هذه الإشكالية نحدد المفاهيم التالية:
مفهوم التربية:
» إن المعنى الاشتقاقي لكلمة (تربية) في أصلها اللاتيني (educare غذى، أو educere رقى أو قاد إلى) تدل على تغذية الطفل ماديا و معنويا و قيادته نحو النضج، وبالتالي الانتقال به من المستوى البيولوجي إلى المستوى الاجتماعي « (1) وتتم التربية داخل مؤسسة اجتماعية تعليمية وتربوية هي المدرسة، وهي إلزامية في المستوى الأساسي وضرورية في المستوى الثانوي ولها أهمية في المستوى الجامعي. والمدرسة مؤسسة حيوية في حياة الأفراد والجماعات، حيث قال فيكتور هيجوVictor- Hugo » من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا. « (2)، مما يعني أنها ترمز لتحرر الإنسان والإنعتاق من الجهل.
إن التربية تبدأ من الأسرة، الشارع، المسجد ووسائل الإعلام...فهذه الوسائل تكمل العملية التعليمية وتتداخل مع المدرسة بهدف تطوير المجتمع وتحديثه وعصرنته وإحداث الهدف المنشود ألا وهو التنمية.
والتربية تتغير كلما تغير المجتمع، مما يعني أنها ممارسة سلوكية عرفت وجودها مع وجود الحياة الإنسانية ذاتها ومورست بشكل تلقائي منذ العصور التاريخية الأولى، حيث تطورت أساليبها، كما إنتقلت من الفرد إلى الإستعانة بعلوم التربية وعلى رأسها البيداغوجيا التي تستعين بها المدرسة لإحداث عملية التعليم والتعلم داخل الفصل الدراسي، كما أنها أداة للتأمل النظري في الممارسة التربوية.
كما ساهم تطور الحركة العلمية خاصة في منتصف القرن 19 و بداية القرن 20 في هاجس الدقة و الموضوعية في تناول الظواهر الإنسانية ، ولذلك سميت " بعلم التربية " وأكثر من هذا انتقل علم التربية من المفرد إلى الاهتمام بمجموع الظاهرة التربوية و هو ما يسمى اليوم بعلوم التربية Sciences de l’ Education التي أصبحت تنظر إلى التربية كظاهرة مركبة، وهي بمثابة » فعالية إنسانية تتداخل فيها عدة عناصر: ما هو سوسيولوجي وما هو سيكولوجي وما هو سيكو سوسيولوجي وما هو اقتصادي... « (3).
انطلاقا من هذه الأهمية فإن التربية لها دور كبير في تغيير الأمم وتطويرها وهي وسيلة للتنمية. فما هو إذن مفهوم التنمية ؟
مفهوم التنمية
إن التنمية بصفة عامة لفظ يقابله التخلف مما يعني أنها مرادفة للتحديث والعصرنة. وظهر مفهوم التنمية أولا في علم الاقتصاد ويعني إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين، عبر الرفع من حجم الإنتاج الداخلي الإجمالي. ثم انتقل إلى حقل السياسة في الستينات من القرن العشرين ويهتم بتطوير البلدان غير الأوربية في اتجاه الديمقراطية عبر تطويرها والمشاركة الواسعة في الحياة السياسية. كما ظهر مفهوم التنمية الاجتماعية وتعني القضاء على الفقر وتحقيق الاندماج الاجتماعي وتحسين الخدمات الاجتماعية.
وأخيرا ظهر مفهوم التنمية البشرية المستدامة » التي تجعل من الإنسان منطلقها وغايتها، وتتعامل مع الأبعاد البشرية والاجتماعية باعتبارها العنصر المهيمن، وتتطرق للطاقات المادية باعتبارها شرطا من شروط تحقيق هذه التنمية دون أن تهمل أهميتها. « (4). وبذلك تم الإنتقال من النظر إلى التنمية كمشكل تقني إلى الاهتمام بالإنسان، وقد ظهرت التنمية بهذا المفهوم في أوربا مع الثورة الصناعية التي انتقلت من أنماط تقليدية إلى أنماط عصرية في الفكر والتنظيم الاجتماعي، السياسي والاقتصادي بقيادة الطبقة البورجوازية، وهو ما تحاول دول الجنوب تحقيقه عبر محاولة اللحاق بمصاف هذه الدول.
بعد أن حددنا دوافع اختيار الموضوع وإشكاليته ثم مفهوم التربية والتنمية وهما ظاهرتان اجتماعيتان مركبتان. لننتقل إلى تحديد العلاقة بينهما.
يحظى قطاع التربية والتعليم بمكانة بارزة في أدبيات التنمية ،» فغالبا ما يكون ذلك لا من أجل نشر المعرفة العلمية وتطوير الثقافة وتحديث العقل والذهنية، بل إنما من أجل ما ينسب للتعليم من دور أساسي في التنمية الاقتصادية ( إعداد الأطر، أو الكوادر، البحث العلمي... « (5)
كما أن التربية والتعليم تجدد و تغير رؤية الناس إلى الحياة وتطور علاقاتهم مع بعضهم البعض، وهو ما يسمى بالبعد الثقافي أو التنمية الثقافية وهي » شرط للتنمية الاقتصادية بقدر ما هي مشروطة بها. وبالتالي فلا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية بدون أن تواكبها منذ البداية تنمية ثقافية... « (6)، ومقابل ذلك تساهم التنمية في رفع المستوى الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي للفرد والمجتمع، وهي الزيادة في الدخل الفردي والإجمالي عبر تطوير الموارد البشرية وتدريبها للمساهمة في الرفع من الإنتاج الاقتصادي وتخفيض مستوى الفقر.
وعموما فإن محور التربية والتعليم والتنمية هو الإنسان، باعتباره الغاية والوسيلة الذي تعمل التربية على تطويره ثقافيا واجتماعيا مما ينعكس على مهاراته وقدراته التي يوظفها في عملية التنمية التي تهدف إلى الرفع من المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والسياسي للفرد والمجتمع بهدف تحقيق رفاهيته ، ولكن هل يمكن اعتبار التربية والتعليم كما هي الآن تحقق التنمية؟ وهل يتميز قطاعنا التربوي والتعليمي بالعقلنة والحداثة، الجواب هو طبعا لا كيف ؟ ولماذا ؟ يقول الأستاذ محمد عابد الجابري » ...أن الثقافة التي يحملها معهم طلاب العلوم إلى كلياتهم ومعاهدهم هي تلك التي تلقوها في البيت والمدرسة الابتدائية والإعدادية، والمبنية كلها على التلقين والتلقي والوثوقية، أدركنا السبب الذي يجعل الكليات العلمية والمعاهد المتخصصة التقنية مرتعا للتطرف الديني وما شابهه. هذا مثال يجسم انفصال العلم عن الثقافة عندنا : العلم في واد والثقافة في واد آخر. « (7)
كما يشير نفس الأستاذ إلى أن التربية والتعليم في بلادنا تنقسم إما إلى » تعليم تقني يصنع عقولا قانونية دوغمائية، وإما تعليم ميثولوجي يصنع عقولا راكدة أسطورية، والقاسم المشترك بين هذين النوعين هو غياب السؤال النقدي، سؤال : لماذا، وكيف؟ « (8)
يتضح أن التربية والتعليم في بلادنا ما زالت تعاني من ضعف الفكر النقدي والعلمي رغم المجهودات التي تبذلها الدولة والمبالغ المالية الكبيرة المرصودة لهذا القطاع، ورغم عدد الجامعات والكليات العلمية والأدبية والمعاهد التي تغطي مجموع التراب الوطني، مما يعني استمرار التخلف، وبالتالي عدم تحقيق التنمية التي تصبو إليها بلادنا.
تبين أن قطاع التربية والتعليم ما زال متخلفا، وهذا يعني احتلال المغرب رتب متأخرة على مستوى مؤشر التنمية البشرية، وهو ما تعكسه التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن.
يتمثل المؤشر الأول في التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة سنة 2013 والذي صنف المغرب ضمن الرتبة 130 حسب مؤشر التنمية البشرية من أصل 187 دولة وهو ما يعني أن بلادنا لم تغير موقعها بالمقارنة مع سنة 2012 حيث احتلت نفس الترتيب، مع العلم أن هذا المؤشر الذي وضعته الأمم المتحد سنة 1990 يقيس مستوى التنمية اعتمادا على ثلاثة عناصر وهي المستوى التعليمي وهو ما له علاقة بموضوعنا إلى جانب المستوى الصحي والدخل الفردي..
أما المؤشر الثاني فيتمثل في التقرير الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاءات الذي قدم صورة سوداوية عن الوضع التعليمي في المغرب سنة 2011، حيث أشار إلى أن المغرب يحتل رتبا متأخرة في أغلب المؤشرات مقارنة مع دول افريقية و عربية، حيث أشار مثلا إلى أن % 10 من الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس لم يلتحقوا بالمدرسة سنة 2009، في حين حققت % 100 من التمدرس كل من مالاوي و بوروندي في إفريقيا.
إن هذه المؤشرات لا تشرف بلادنا، وهي دليل على تخلف تعليمنا، مما يعني عدم تداخل التربية مع التنمية و التنمية مع التربية. فما هو المطلوب لتحديث منظومتنا التربوية ومجتمعنا بصفة عامة لتجاوز التخلف مع ضرورة الوعي به » إذ كيف نتحرر من التخلف دون فهمه، ليصبح حدثا إيجابيا ومحفزا قابلا للتجاوز؟ « (9)
والسؤال هو لماذا لم تتحرر بلادنا من التخلف رغم الإصلاحات العديدة التي طبقتها منذ الاستقلال إلى الآن في مجال التربية و التعليم ؟ فأين يكمن الخلل؟
يتمثل الخلل أساسا فيما يلي : » نلاحظ كيف تم استيراد بيداغوجية الأهداف، وكيف تم تشويه الجيل الجديد من بيداغوجية الكفايات وممارستها على تخصصات ومواد لا تنتمي ابستومولوجيا إلى نفس نظامها الفكري، مما أفرز تشتتا معرفيا للدروس التي لا يدرك المتلقي منها إلا الكم الكبير... «ا (10)
وهذا يعني أن التعليم قد ركز على استيراد الأهداف واعتبرها كسلعة إلى جانب الكم المعرفي. ولتجاوز هذه الاختلالات قام المغرب بعدة إصلاحات في مجال التربية والتعليم، وهو تاريخ الإصلاحات بامتياز منذ الاستقلال إلى الآن كان أخرها ميثاق التربية والتكوين" 2000- 2010 ثم البرنامج الإستعجالي" 2009- 2012 الذي تم التراجع عنه.
اعتمدت بلادنا طيلة هذه الإصلاحات على الاستيراد، أي استيراد بيداغوجية الأهداف وتارة استيراد الكفايات، وأخيرا الإدماج التربوي الذي تم التخلي عنه، إلى جانب استيراد الطرق التربوية وأدوات التقويم التربوي، ومع ذلك فشلت في إصلاح نظامنا التعليمي.فما هو المطلوب؟
خاتمة:
إن المنهج العلمي يقتضي دراسة المجتمع دراسة شاملة ( اقتصادية، اجتماعية، سياسية، تاريخية، وثقافية ) من قبل ذوي الاختصاص وإيلاء العلوم الإنسانية مكانة خاصة في المنظومة التربوية ، وإضفاء النسبية على المناهج المستوردة، مع الأخذ بعين الاعتبار اللحظة التاريخية التي يمر منها مجتمعنا المغربي في علاقته مع المجتمعات المتقدمة حتى نتمكن من المساهمة بدورنا في تأسيس البيداغوجيا، الطرق التربوية، أدوات التقويم التربوي، الوسائل التربوية بهدف تحقيق التنمية المستدامة التي تصبو إليها بلادنا بمعناها الشامل.
المراجع المعتمدة
(1) خالد المير- إدريس القاسمي- الطيب أموراق- عبد الرحمان الهامة- محمد بيددة، سلسلة التكوين التربوي، العدد 3 ص 6، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1994.
(2) نفس المرجع السابق ص 37.
(3) خالد المير- ادريس قاسمي- محمد بيددة- حميد بودار، سلسلة التكوين التربوي العدد 1 ص 11، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ص 11.
(4) مورد التاريخ و الجغرافيا (الكتاب المدرسي) السنة أولى من سلك البكالوريا / كتاب التلميذ و التلميذ، ص 120 دار النشر التجديد للنشر و التوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2006
(5) محمد عابد الجابري: مواقف: إضاءات وشهادات، العدد 64 ص 58 دار النشر المغربية- أديما- الدار البيضاء، الطبعة الأولى يونيو 2007.
(6) نفس المرجع السابق ص 60.
(7) نفس المرجع السابق ص 66.
(8) نفس المرجع السابق ص 67.
(9) عبد الفتاح أبو العز: قضايا المنهج في العلوم الإنسانية المعاصرة ص 7، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، البيضاء 2008.
(10) نفس المرجع السابق ص 74.
يأتي هذا الموضوع انطلاقا من هموم الحاضر و يستهدف مقاربة واقع التربية / التعليم والتنمية في بلادنا والعلاقة بينهما من اجل التحسيس بأهمية هذا القطاع قصد الارتقاء به إلى ما هو أفضل. فما هي دوافع اختيار الموضوع ؟
الدافع الاقتصادي:
إن قطاع التربية و التعليم في بلادنا يلتهم قسطا كبيرا من الميزانية، و يعتبر ثاني أولوية بعد الوحدة الترابية لبلادنا حيث تمثل الميزانية المخصصة لهذا القطاع %28 من الميزانية العامة 7 % من الناتج الوطني الخام. كما أن هذا القطاع يحظى دائما بأكبر عدد ممكن من المناصب المالية، فقد خصصت له 8000 منصب شغل من أصل 25000 حسب الميزانية العامة لسنة 2013.
كما يعتبر قطاع التربية و التعليم مجالا للاستثمار في الرأسمال البشري، ومن القطاعات المساهمة في التنمية الاقتصادية عبر تأهيل اليد العاملة والأطر الملائمة، ومع ذلك فإن هذا القطاع لا يصل إلى الهدف المنشود الذي يخدم التنمية.
الدافع الاجتماعي:
إن التربية والتعليم هي أداة لتلقين المعارف والمعلومات للمجتمع بكل فئاته بدون استثناء، كما تسهل المؤسسة التعليمية عملية الإدماج الاجتماعي، كما إن التربية المدرسية تؤثر في التطبيع الاجتماعي للتلميذ بصورة إيجابية وتساعده على تكوين شخصيته تكوينا ينسجم و مستجدات التربية الحديثة حتى يتوافق مع ذاته و مجتمعه.
كما يلاحظ أن التربية والتعليم تؤثر على المحيط الاجتماعي الذي تمارس فيه عبر إمكانية تطويره وتغييره، مع العلم أن التربية تستقي أهدافها من المجتمع وهذا دليل على العلاقة التفاعلية بينهما.
الدافع السياسي:
إن قطاع التربية والتعليم يساهم في تكوين المواطن المغربي القادر على الحوار والإقناع والاقتناع، ويفترض في هذا المواطن الوعي باللحظة التاريخية التي يجد فيها نفسه مرغما على فهم عقلاني للمنظومة العالمية و موقعه داخل هذه المنظومة. كما أن هذا القطاع هو مرآة تعبر عن السياسة العامة للبلاد و تحدد للنظام مساره، وآماله وصيرورته، كما يتأثر هذا القطاع بالتحولات السياسية مثل تغيير الحكومات.
الدافع الثقافي:
يساهم قطاع التربية والتعليم في تطوير الفكر العلمي، علما إن لكل مجتمع ثقافته ونسقه القيمي الخاص.وتشكل المقررات الدراسية قنوات لنشر الثقافة أو الإيديولوجيا المهيمنة، لكن ما يلاحظ على هذه المقررات هو عدم التداخل فيما بينها وتخارجها مع الأسرة والمدرسة، مع العلم أن المجتمع المغربي يعتبر المدرسة هي وحدها المسئولة عن التربية والتعليم.
بعد تحديد دوافع اختيار الموضوع، أنتقل الآن إلى تحديد إشكاليته، والمتمثلة في: ما هي العلاقة بين التربية والتنمية؟ وقبل الإجابة على هذه الإشكالية نحدد المفاهيم التالية:
مفهوم التربية:
» إن المعنى الاشتقاقي لكلمة (تربية) في أصلها اللاتيني (educare غذى، أو educere رقى أو قاد إلى) تدل على تغذية الطفل ماديا و معنويا و قيادته نحو النضج، وبالتالي الانتقال به من المستوى البيولوجي إلى المستوى الاجتماعي « (1) وتتم التربية داخل مؤسسة اجتماعية تعليمية وتربوية هي المدرسة، وهي إلزامية في المستوى الأساسي وضرورية في المستوى الثانوي ولها أهمية في المستوى الجامعي. والمدرسة مؤسسة حيوية في حياة الأفراد والجماعات، حيث قال فيكتور هيجوVictor- Hugo » من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا. « (2)، مما يعني أنها ترمز لتحرر الإنسان والإنعتاق من الجهل.
إن التربية تبدأ من الأسرة، الشارع، المسجد ووسائل الإعلام...فهذه الوسائل تكمل العملية التعليمية وتتداخل مع المدرسة بهدف تطوير المجتمع وتحديثه وعصرنته وإحداث الهدف المنشود ألا وهو التنمية.
والتربية تتغير كلما تغير المجتمع، مما يعني أنها ممارسة سلوكية عرفت وجودها مع وجود الحياة الإنسانية ذاتها ومورست بشكل تلقائي منذ العصور التاريخية الأولى، حيث تطورت أساليبها، كما إنتقلت من الفرد إلى الإستعانة بعلوم التربية وعلى رأسها البيداغوجيا التي تستعين بها المدرسة لإحداث عملية التعليم والتعلم داخل الفصل الدراسي، كما أنها أداة للتأمل النظري في الممارسة التربوية.
كما ساهم تطور الحركة العلمية خاصة في منتصف القرن 19 و بداية القرن 20 في هاجس الدقة و الموضوعية في تناول الظواهر الإنسانية ، ولذلك سميت " بعلم التربية " وأكثر من هذا انتقل علم التربية من المفرد إلى الاهتمام بمجموع الظاهرة التربوية و هو ما يسمى اليوم بعلوم التربية Sciences de l’ Education التي أصبحت تنظر إلى التربية كظاهرة مركبة، وهي بمثابة » فعالية إنسانية تتداخل فيها عدة عناصر: ما هو سوسيولوجي وما هو سيكولوجي وما هو سيكو سوسيولوجي وما هو اقتصادي... « (3).
انطلاقا من هذه الأهمية فإن التربية لها دور كبير في تغيير الأمم وتطويرها وهي وسيلة للتنمية. فما هو إذن مفهوم التنمية ؟
مفهوم التنمية
إن التنمية بصفة عامة لفظ يقابله التخلف مما يعني أنها مرادفة للتحديث والعصرنة. وظهر مفهوم التنمية أولا في علم الاقتصاد ويعني إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين، عبر الرفع من حجم الإنتاج الداخلي الإجمالي. ثم انتقل إلى حقل السياسة في الستينات من القرن العشرين ويهتم بتطوير البلدان غير الأوربية في اتجاه الديمقراطية عبر تطويرها والمشاركة الواسعة في الحياة السياسية. كما ظهر مفهوم التنمية الاجتماعية وتعني القضاء على الفقر وتحقيق الاندماج الاجتماعي وتحسين الخدمات الاجتماعية.
وأخيرا ظهر مفهوم التنمية البشرية المستدامة » التي تجعل من الإنسان منطلقها وغايتها، وتتعامل مع الأبعاد البشرية والاجتماعية باعتبارها العنصر المهيمن، وتتطرق للطاقات المادية باعتبارها شرطا من شروط تحقيق هذه التنمية دون أن تهمل أهميتها. « (4). وبذلك تم الإنتقال من النظر إلى التنمية كمشكل تقني إلى الاهتمام بالإنسان، وقد ظهرت التنمية بهذا المفهوم في أوربا مع الثورة الصناعية التي انتقلت من أنماط تقليدية إلى أنماط عصرية في الفكر والتنظيم الاجتماعي، السياسي والاقتصادي بقيادة الطبقة البورجوازية، وهو ما تحاول دول الجنوب تحقيقه عبر محاولة اللحاق بمصاف هذه الدول.
بعد أن حددنا دوافع اختيار الموضوع وإشكاليته ثم مفهوم التربية والتنمية وهما ظاهرتان اجتماعيتان مركبتان. لننتقل إلى تحديد العلاقة بينهما.
يحظى قطاع التربية والتعليم بمكانة بارزة في أدبيات التنمية ،» فغالبا ما يكون ذلك لا من أجل نشر المعرفة العلمية وتطوير الثقافة وتحديث العقل والذهنية، بل إنما من أجل ما ينسب للتعليم من دور أساسي في التنمية الاقتصادية ( إعداد الأطر، أو الكوادر، البحث العلمي... « (5)
كما أن التربية والتعليم تجدد و تغير رؤية الناس إلى الحياة وتطور علاقاتهم مع بعضهم البعض، وهو ما يسمى بالبعد الثقافي أو التنمية الثقافية وهي » شرط للتنمية الاقتصادية بقدر ما هي مشروطة بها. وبالتالي فلا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية بدون أن تواكبها منذ البداية تنمية ثقافية... « (6)، ومقابل ذلك تساهم التنمية في رفع المستوى الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي للفرد والمجتمع، وهي الزيادة في الدخل الفردي والإجمالي عبر تطوير الموارد البشرية وتدريبها للمساهمة في الرفع من الإنتاج الاقتصادي وتخفيض مستوى الفقر.
وعموما فإن محور التربية والتعليم والتنمية هو الإنسان، باعتباره الغاية والوسيلة الذي تعمل التربية على تطويره ثقافيا واجتماعيا مما ينعكس على مهاراته وقدراته التي يوظفها في عملية التنمية التي تهدف إلى الرفع من المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والسياسي للفرد والمجتمع بهدف تحقيق رفاهيته ، ولكن هل يمكن اعتبار التربية والتعليم كما هي الآن تحقق التنمية؟ وهل يتميز قطاعنا التربوي والتعليمي بالعقلنة والحداثة، الجواب هو طبعا لا كيف ؟ ولماذا ؟ يقول الأستاذ محمد عابد الجابري » ...أن الثقافة التي يحملها معهم طلاب العلوم إلى كلياتهم ومعاهدهم هي تلك التي تلقوها في البيت والمدرسة الابتدائية والإعدادية، والمبنية كلها على التلقين والتلقي والوثوقية، أدركنا السبب الذي يجعل الكليات العلمية والمعاهد المتخصصة التقنية مرتعا للتطرف الديني وما شابهه. هذا مثال يجسم انفصال العلم عن الثقافة عندنا : العلم في واد والثقافة في واد آخر. « (7)
كما يشير نفس الأستاذ إلى أن التربية والتعليم في بلادنا تنقسم إما إلى » تعليم تقني يصنع عقولا قانونية دوغمائية، وإما تعليم ميثولوجي يصنع عقولا راكدة أسطورية، والقاسم المشترك بين هذين النوعين هو غياب السؤال النقدي، سؤال : لماذا، وكيف؟ « (8)
يتضح أن التربية والتعليم في بلادنا ما زالت تعاني من ضعف الفكر النقدي والعلمي رغم المجهودات التي تبذلها الدولة والمبالغ المالية الكبيرة المرصودة لهذا القطاع، ورغم عدد الجامعات والكليات العلمية والأدبية والمعاهد التي تغطي مجموع التراب الوطني، مما يعني استمرار التخلف، وبالتالي عدم تحقيق التنمية التي تصبو إليها بلادنا.
تبين أن قطاع التربية والتعليم ما زال متخلفا، وهذا يعني احتلال المغرب رتب متأخرة على مستوى مؤشر التنمية البشرية، وهو ما تعكسه التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن.
يتمثل المؤشر الأول في التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة سنة 2013 والذي صنف المغرب ضمن الرتبة 130 حسب مؤشر التنمية البشرية من أصل 187 دولة وهو ما يعني أن بلادنا لم تغير موقعها بالمقارنة مع سنة 2012 حيث احتلت نفس الترتيب، مع العلم أن هذا المؤشر الذي وضعته الأمم المتحد سنة 1990 يقيس مستوى التنمية اعتمادا على ثلاثة عناصر وهي المستوى التعليمي وهو ما له علاقة بموضوعنا إلى جانب المستوى الصحي والدخل الفردي..
أما المؤشر الثاني فيتمثل في التقرير الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاءات الذي قدم صورة سوداوية عن الوضع التعليمي في المغرب سنة 2011، حيث أشار إلى أن المغرب يحتل رتبا متأخرة في أغلب المؤشرات مقارنة مع دول افريقية و عربية، حيث أشار مثلا إلى أن % 10 من الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس لم يلتحقوا بالمدرسة سنة 2009، في حين حققت % 100 من التمدرس كل من مالاوي و بوروندي في إفريقيا.
إن هذه المؤشرات لا تشرف بلادنا، وهي دليل على تخلف تعليمنا، مما يعني عدم تداخل التربية مع التنمية و التنمية مع التربية. فما هو المطلوب لتحديث منظومتنا التربوية ومجتمعنا بصفة عامة لتجاوز التخلف مع ضرورة الوعي به » إذ كيف نتحرر من التخلف دون فهمه، ليصبح حدثا إيجابيا ومحفزا قابلا للتجاوز؟ « (9)
والسؤال هو لماذا لم تتحرر بلادنا من التخلف رغم الإصلاحات العديدة التي طبقتها منذ الاستقلال إلى الآن في مجال التربية و التعليم ؟ فأين يكمن الخلل؟
يتمثل الخلل أساسا فيما يلي : » نلاحظ كيف تم استيراد بيداغوجية الأهداف، وكيف تم تشويه الجيل الجديد من بيداغوجية الكفايات وممارستها على تخصصات ومواد لا تنتمي ابستومولوجيا إلى نفس نظامها الفكري، مما أفرز تشتتا معرفيا للدروس التي لا يدرك المتلقي منها إلا الكم الكبير... «ا (10)
وهذا يعني أن التعليم قد ركز على استيراد الأهداف واعتبرها كسلعة إلى جانب الكم المعرفي. ولتجاوز هذه الاختلالات قام المغرب بعدة إصلاحات في مجال التربية والتعليم، وهو تاريخ الإصلاحات بامتياز منذ الاستقلال إلى الآن كان أخرها ميثاق التربية والتكوين" 2000- 2010 ثم البرنامج الإستعجالي" 2009- 2012 الذي تم التراجع عنه.
اعتمدت بلادنا طيلة هذه الإصلاحات على الاستيراد، أي استيراد بيداغوجية الأهداف وتارة استيراد الكفايات، وأخيرا الإدماج التربوي الذي تم التخلي عنه، إلى جانب استيراد الطرق التربوية وأدوات التقويم التربوي، ومع ذلك فشلت في إصلاح نظامنا التعليمي.فما هو المطلوب؟
خاتمة:
إن المنهج العلمي يقتضي دراسة المجتمع دراسة شاملة ( اقتصادية، اجتماعية، سياسية، تاريخية، وثقافية ) من قبل ذوي الاختصاص وإيلاء العلوم الإنسانية مكانة خاصة في المنظومة التربوية ، وإضفاء النسبية على المناهج المستوردة، مع الأخذ بعين الاعتبار اللحظة التاريخية التي يمر منها مجتمعنا المغربي في علاقته مع المجتمعات المتقدمة حتى نتمكن من المساهمة بدورنا في تأسيس البيداغوجيا، الطرق التربوية، أدوات التقويم التربوي، الوسائل التربوية بهدف تحقيق التنمية المستدامة التي تصبو إليها بلادنا بمعناها الشامل.
المراجع المعتمدة
(1) خالد المير- إدريس القاسمي- الطيب أموراق- عبد الرحمان الهامة- محمد بيددة، سلسلة التكوين التربوي، العدد 3 ص 6، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1994.
(2) نفس المرجع السابق ص 37.
(3) خالد المير- ادريس قاسمي- محمد بيددة- حميد بودار، سلسلة التكوين التربوي العدد 1 ص 11، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ص 11.
(4) مورد التاريخ و الجغرافيا (الكتاب المدرسي) السنة أولى من سلك البكالوريا / كتاب التلميذ و التلميذ، ص 120 دار النشر التجديد للنشر و التوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2006
(5) محمد عابد الجابري: مواقف: إضاءات وشهادات، العدد 64 ص 58 دار النشر المغربية- أديما- الدار البيضاء، الطبعة الأولى يونيو 2007.
(6) نفس المرجع السابق ص 60.
(7) نفس المرجع السابق ص 66.
(8) نفس المرجع السابق ص 67.
(9) عبد الفتاح أبو العز: قضايا المنهج في العلوم الإنسانية المعاصرة ص 7، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، البيضاء 2008.
(10) نفس المرجع السابق ص 74.