حليمة بوتمارت
اعتبر علي الإدريسي، الأستاذ الباحث والمؤرخ، في هذا الحوار أن اختيار حزب الاستقلال، جناح حميد شباط، موقع أجدير بالأطلس المتوسط للمطالبة بترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية، ومنع أعضائه في البرلمان من حضور جلساته بدعوى الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يحتمل أشياء كثيرة قد تضر بالحزب أكثر مما تخدم أهدافه، مشيرا إلى أن "هذا النوع من تحركات حزب الاستقلال لا ترمي إلا إلى «قنص» أصوات أولئك الذين كان يسميهم قادة الحزب ذات يوم بأعداء الوحدة الوطنية وعملاء الاستعمار وأعداء العروبة، فلربما أصبحت الأولوية اليوم لأصوات الأمازيغ في الاستحقاقات المقبلة. ونعتقد أنه إذا كان ذلك هو القصد فإنه قد يضاعف من زلات الحزب ويجره إلى فقدان ما تبقى له من رصيد".
- كيف تنظر إلى خطوة حزب الاستقلال الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من منطقة أجدير ودعوته الحكومة إلى إعلان السنة الأمازيغية يوما وطنيا؟
عندما يلقي الملك خطابا إلى الأمة من أي بقعة أو مدينة يكون الأمر مفهوما، كون الملك يجسد وحدة الوطن والأمة، وفقا لنص الدستور ولمدلول إمارة المؤمنين، وترسيخا لتقليد سلطاني قديم يفيد بأن عرش غالبية السلاطين العلويين كان على صهوات جيادهم.
والمغاربة يعيشون مع الملك محمد السادس انعقاد مجلس الوزراء في مدن خارج العاصمة، بل إن رئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران عينه الملك من مدينة صغيرة من خارج العاصمة كما هو معروف. أما أن يلجأ رئيس حزب إلى إعلان موقف ثقافي – سياسي وتاريخي - من خارج عاصمة الدولة، فالأمر يحمل أكثر من تساؤل، ويوحي بأكثر من قراءة وتأويل، لأن التصرفات والسلوكيات الحزبية ذات البعد السياسي والهوياتي وذات الصبغة الوطنية، حتى لو لم تأخذ صفتها الرسمية بعد، سيكون من المنطق السياسي والنباهة الحزبية أن يتم التعبير عنها من عاصمة الدولة وليس من منطقة من مناطقها.
ذلك سلوك كان يلجأ إليه المقاومون المسلحون أيام الاستعمار أثناء تسليط القمع وممارسة سياسة حصار العواصم. وقد حدث ذلك حتى في زمن الدولة الوطنية، وكمثال على ذلك إعلان الثورة على نظام الحسن الثاني في منطقة مولاي بوعزة في 3 مارس 1973، أثناء ما عرف بسنوات الجمر والرصاص.
أما أن يختار حزب الاستقلال، جناح حميد شباط، موقع أجدير بالأطلس المتوسط للمطالبة بترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية، ومنع أعضائه في البرلمان من حضور جلساته بدعوى الاحتفال بالسنة الأمازيغية، فالمسألة تحتمل أشياء كثيرة قد تضر بالحزب أكثر مما تخدم أهدافه.
ربما لم ينتبه إليها مستشارو الحزب، أو أن المنهجية المتبعة حاليا في الحزب هي، لا رأي يعلو فوق رأي السيد حميد شباط. فهل أراد الأمين العام للحزب أن يقلد الملك فذهب إلى أجدير للمطالبة بترسيم السنة الأمازيغية، وكان أجدر به أن يفعل ذلك في أروقة المؤسسة التشريعية وتحت قبة البرلمان، حيث نواب الشعب. اللهم إذا كان ليس مقتنعا بدور المؤسسة التشريعية فذهب إلى منطقة أمازيغية ليمارس هوايته في الاحتجاج، وهي هواية بعض المناضلين النقابيين المبتدئين على كل حال.
- هل تعتقد أن حزب الاستقلال أراد أن يوجه إشارات معينة، حين اختار التوجه إلى نفس المنطقة التي وجه منها ملك البلاد خطاب أجدير، ويطالب الحكومة من هناك بجعل السنة الأمازيغية يوما وطنيا؟
كان من الحكمة السياسية، لو كانت الحكمة لا تزال نهجا وأخلاقا عند أحزاب مغربية، تفضل حزب الاستقلال بإعلان مراميه من اختيار المنطقة نفسها التي وجه منها محمد السادس خطابه الشهير عن الثقافة الأمازيغية، فهو، أي الحزب، كان مطلوبا منه أن يوضح لعموم الشعب المغربي مقاصده من اختيار أجدير بدلا عن العاصمة، التي ترمز إلى كل الوطن. وكنا ولا نزال نعتقد بأن السياسات الحزبية ليست طلاسم لا يدرك ماهيتها إلا سدنة الحزب وحدهم.
هذا من جانب ما كان مأمولا من قيادة الحزب العتيد أن توضحه لمناضليها ولكل المغاربة إذا كان هذا الحزب لا يزال حزبا وطنيا. أما من وجهة نظري، فإن ما أقدم عليه أمين عام هذا الحزب قد يكون نوعا من القيام بنقد ذاتي وتقديم الاعتذار للأمازيغ.
قد يكون النقد الذاتي يهدف إلى تصحيح الخطأ التاريخي للحزب الذي كان ينكر الهوية الأمازيغية كجزء يكوّن مع الجزء العربي والحساني هوية المغرب. فمثلا جاء في التقرير المذهبي للحزب في المؤتمر السادس ما يلي: «إن وطنيتنا عربية، وبلادنا عربية، ولنا الحق أن نطالب العرب بالتكتل حول كلمة سواء؛ هي العروبة التي تحمل في محتواها رسالة الإسلام.
أما الاعتذار، إذا اعتبرنا النية الحسنة لقادة الحزب الحاليين، فهو اعتذار عما صدر من تصريحات عن قادة الحزب غداة الاستقلال وبعده في حق الأمازيغ المحتجين والمطالبين بحقوقهم في دولة الاستقلال، والمستنكرين للظلم عليهم. فسارع قادة الحزب إلى وصفهم بعملاء الاستعمار، والمتآمرين على الوحدة الوطنية. وهذه الأوصاف موجودة في صحافة الحزب بالعربية والفرنسية في تلك الظرفية، وليست مستوردة من أي جهة كانت.
وقد لا يكون هذا ولا ذاك من اختيار القيادة الحالية لأجدير، وإنما قد يكون السيد حميد شباط سار على نهج سلفه حين سئل عن برنامج حكومته فأجاب: خطب صاحب الجلالة. وربما اعتقد الأمين الحالي للحزب بأنه حين يذهب إلى أجدير يكون مؤيدا لخطاب صاحب الجلالة أكثر من غيره.
- لكن، هل يمكن القول إن هناك تغييرا بدأ يحدث في موقف حزب الاستقلال، الذي كان العدو رقم واحد للأمازيغ والأمازيغية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون استغلالا سياسيا وبراغماتيا لإحراج حكومة بنكيران؟
بالنسبة لإحراج الحكومة الحالية فمسألة لا غبار عليها في منطق المعارضة، أي معارضة سياسية في العالم يكون من حقها إحراج حكومتها، بتقديم مقترحات أو برامج بديلة تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وليس التهريج الحزبي القائم على ظاهرة «خالف تعرف»، حتى ولو كان هذا التميز «خالف تعرف» يقوم على تسيير مظاهرة في الشوارع لا شيء فيها يلفت نظر الناس. فيتم اللجوء إلى إشراك حتى الحمير في تلك المظاهرة، حتى يكون حديث الأحياء والحومات والمقاهي الشعبية للتفكه وتبادل النكت...
- ونحن لا نعلم إن كان حزب الاستقلال قد قدم مذكرة في موضوع السنة الأمازيغية للحكومة وللدولة، أو مشروع قانون للمؤسسة التشريعية. نرجو أن يكون قد فعل؟
أما كون حزب الاستقلال كان العدو الأول للأمازيغ والأمازيغية فلنترك ذلك لحكم التاريخ، لأن توجيه أنظارنا بالكلية إلى ما حدث بالأمس فقط وفقط، سيحجب عنا بلا شك رؤية الغد والمستقبل. لكن هذا لا يعني «عفا الله عما سلف»، بل ينبغي على الحزب أن يعتذر للمغاربة الأمازيغ وغير الأمازيغ من خلال رؤية نقدية، مع الإقرار بتحمل الحزب مسؤوليته فيما ساهم فيه من الأضرار التي أصبحت معروفة اليوم، وكانت من بين أسباب عوائق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتفاعل الهوياتي والثقافي للمغاربة.
أما إذا كانت مثل هذه التحركات لا ترمي إلا إلى «قنص» أصوات أولئك الذين كان يسميهم قادة الحزب ذات يوم بأعداء الوحدة الوطنية وعملاء الاستعمار وأعداء العروبة، فلربما أصبحت الأولوية اليوم لأصوات الأمازيغ في الاستحقاقات المقبلة. ونعتقد بأنه إذا كان ذلك هو القصد فإنه قد يضاعف من زلات الحزب ويجره إلى فقدان ما تبقى له من رصيد.
- ما رأيك في الذين يعتبرون أن تحرك حزب الاستقلال الأخير يمكن إدراجه ضمن الاستغلال السياسي وليس الدفاع عن التعددية الثقافية في المغرب؟
إذا كنت تعتقدين أنه لا يزال في المغرب من يمكن له ممارسة الاستغلال السياسي للمغاربة، فذلك أمر أصبح من تراث الماضي، فدرجة الوعي السياسي أصبحت عالية بعد رفض التجارب التي حاولت أن تمارس سياسة «استحمار» المغاربة من قِبَل من حاول استغلال مشاعرهم نحو وطنهم، اعتقادا منه بأنه هو وحده من يحوز على شرف الوطنية المغربية. نقول له: ذلك عهد مضى، لم ولن يعود. ثم إن المستوى الثقافي النوعي لدى المغاربة، حتى ولو كان غير مهيكل في غالبيته، فهو حاضر بقوة في التأثير على مجريات الأحداث. ولا أعتقد أن حزبا ما يستطيع أن يدعي أنه قادر على استغلال طيبة المغاربة. واليوم تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن نسبة العزوف في الاستحقاقات المقبلة قد تصل إلى 87 في المائة.. ونقول لهؤلاء وأمثالهم: «في الصيف ضيعت اللبن»، كما يقول مثل عربي قديم.
ومن زاوية أخرى، فإن دستور 2011 فصل في المسألة الثقافية بالمغرب بصفة نهائية. ويمكن لأي إنسان أن يطالع ديباجة هذا الدستور، كما يمكنه اللجوء إلى المادة الخامسة منه ليطمئن قلبه. وكل من يحاول عكس ذلك فما عليه إلا ينضم إلى حزب دون كيشوط ليحارب طواحين الهواء.
- باعتبارك باحثا في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، كيف كانت علاقة حزب الاستقلال ورموزه بالأمازيغية؟
أشرنا فيما تقدم إلى توجهات حزب الاستقلال العروبية، وتخوين الأمازيغ لسبب أو لآخر. وقد وصل الأمر في العقد الأول من الاستقلال إلى الاعتداء ضربا على كل من يتكلم بالأمازيغية. وكنا نخفي هويتنا الثقافية واللغوية تجنبا للاعتداء علينا والشتم حتى داخل المؤسسات التعليمية... والكل يعرف موقف الحزب من زعماء أمازيغيين سواء في الأطلس أو في الريف، ولسنا بحاجة إلى وضع الملح على الجراح التي لم تندمل بعد. ويكفي أن نشير إلى أن حزب الاستقلال لم يسبق له أن اقترح أي شخص من أبناء الريف مثلا لتولي أي وزارة. كما كان ينبغي أن ننتظر حوالي 7 عقود من الزمن لكي تُمنح عضوية اللجنة التنفيذية لشخص ينتسب إلى منطقة الريف.
واليوم نتمنى أن تتوافر عند الجميع إرادة التوجه سويا نحو تحقيق المواطنة والديمقراطية السياسية، ونحو بناء غد أفضل مما حدث في العقود الستة الماضية، وتجنب تكرار نفس السلوكيات الحزبية، وذلك أقرب طريق لتحقيق الوحدة في ظل التعدد.
اعتبر علي الإدريسي، الأستاذ الباحث والمؤرخ، في هذا الحوار أن اختيار حزب الاستقلال، جناح حميد شباط، موقع أجدير بالأطلس المتوسط للمطالبة بترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية، ومنع أعضائه في البرلمان من حضور جلساته بدعوى الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يحتمل أشياء كثيرة قد تضر بالحزب أكثر مما تخدم أهدافه، مشيرا إلى أن "هذا النوع من تحركات حزب الاستقلال لا ترمي إلا إلى «قنص» أصوات أولئك الذين كان يسميهم قادة الحزب ذات يوم بأعداء الوحدة الوطنية وعملاء الاستعمار وأعداء العروبة، فلربما أصبحت الأولوية اليوم لأصوات الأمازيغ في الاستحقاقات المقبلة. ونعتقد أنه إذا كان ذلك هو القصد فإنه قد يضاعف من زلات الحزب ويجره إلى فقدان ما تبقى له من رصيد".
- كيف تنظر إلى خطوة حزب الاستقلال الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من منطقة أجدير ودعوته الحكومة إلى إعلان السنة الأمازيغية يوما وطنيا؟
عندما يلقي الملك خطابا إلى الأمة من أي بقعة أو مدينة يكون الأمر مفهوما، كون الملك يجسد وحدة الوطن والأمة، وفقا لنص الدستور ولمدلول إمارة المؤمنين، وترسيخا لتقليد سلطاني قديم يفيد بأن عرش غالبية السلاطين العلويين كان على صهوات جيادهم.
والمغاربة يعيشون مع الملك محمد السادس انعقاد مجلس الوزراء في مدن خارج العاصمة، بل إن رئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران عينه الملك من مدينة صغيرة من خارج العاصمة كما هو معروف. أما أن يلجأ رئيس حزب إلى إعلان موقف ثقافي – سياسي وتاريخي - من خارج عاصمة الدولة، فالأمر يحمل أكثر من تساؤل، ويوحي بأكثر من قراءة وتأويل، لأن التصرفات والسلوكيات الحزبية ذات البعد السياسي والهوياتي وذات الصبغة الوطنية، حتى لو لم تأخذ صفتها الرسمية بعد، سيكون من المنطق السياسي والنباهة الحزبية أن يتم التعبير عنها من عاصمة الدولة وليس من منطقة من مناطقها.
ذلك سلوك كان يلجأ إليه المقاومون المسلحون أيام الاستعمار أثناء تسليط القمع وممارسة سياسة حصار العواصم. وقد حدث ذلك حتى في زمن الدولة الوطنية، وكمثال على ذلك إعلان الثورة على نظام الحسن الثاني في منطقة مولاي بوعزة في 3 مارس 1973، أثناء ما عرف بسنوات الجمر والرصاص.
أما أن يختار حزب الاستقلال، جناح حميد شباط، موقع أجدير بالأطلس المتوسط للمطالبة بترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية، ومنع أعضائه في البرلمان من حضور جلساته بدعوى الاحتفال بالسنة الأمازيغية، فالمسألة تحتمل أشياء كثيرة قد تضر بالحزب أكثر مما تخدم أهدافه.
ربما لم ينتبه إليها مستشارو الحزب، أو أن المنهجية المتبعة حاليا في الحزب هي، لا رأي يعلو فوق رأي السيد حميد شباط. فهل أراد الأمين العام للحزب أن يقلد الملك فذهب إلى أجدير للمطالبة بترسيم السنة الأمازيغية، وكان أجدر به أن يفعل ذلك في أروقة المؤسسة التشريعية وتحت قبة البرلمان، حيث نواب الشعب. اللهم إذا كان ليس مقتنعا بدور المؤسسة التشريعية فذهب إلى منطقة أمازيغية ليمارس هوايته في الاحتجاج، وهي هواية بعض المناضلين النقابيين المبتدئين على كل حال.
- هل تعتقد أن حزب الاستقلال أراد أن يوجه إشارات معينة، حين اختار التوجه إلى نفس المنطقة التي وجه منها ملك البلاد خطاب أجدير، ويطالب الحكومة من هناك بجعل السنة الأمازيغية يوما وطنيا؟
كان من الحكمة السياسية، لو كانت الحكمة لا تزال نهجا وأخلاقا عند أحزاب مغربية، تفضل حزب الاستقلال بإعلان مراميه من اختيار المنطقة نفسها التي وجه منها محمد السادس خطابه الشهير عن الثقافة الأمازيغية، فهو، أي الحزب، كان مطلوبا منه أن يوضح لعموم الشعب المغربي مقاصده من اختيار أجدير بدلا عن العاصمة، التي ترمز إلى كل الوطن. وكنا ولا نزال نعتقد بأن السياسات الحزبية ليست طلاسم لا يدرك ماهيتها إلا سدنة الحزب وحدهم.
هذا من جانب ما كان مأمولا من قيادة الحزب العتيد أن توضحه لمناضليها ولكل المغاربة إذا كان هذا الحزب لا يزال حزبا وطنيا. أما من وجهة نظري، فإن ما أقدم عليه أمين عام هذا الحزب قد يكون نوعا من القيام بنقد ذاتي وتقديم الاعتذار للأمازيغ.
قد يكون النقد الذاتي يهدف إلى تصحيح الخطأ التاريخي للحزب الذي كان ينكر الهوية الأمازيغية كجزء يكوّن مع الجزء العربي والحساني هوية المغرب. فمثلا جاء في التقرير المذهبي للحزب في المؤتمر السادس ما يلي: «إن وطنيتنا عربية، وبلادنا عربية، ولنا الحق أن نطالب العرب بالتكتل حول كلمة سواء؛ هي العروبة التي تحمل في محتواها رسالة الإسلام.
أما الاعتذار، إذا اعتبرنا النية الحسنة لقادة الحزب الحاليين، فهو اعتذار عما صدر من تصريحات عن قادة الحزب غداة الاستقلال وبعده في حق الأمازيغ المحتجين والمطالبين بحقوقهم في دولة الاستقلال، والمستنكرين للظلم عليهم. فسارع قادة الحزب إلى وصفهم بعملاء الاستعمار، والمتآمرين على الوحدة الوطنية. وهذه الأوصاف موجودة في صحافة الحزب بالعربية والفرنسية في تلك الظرفية، وليست مستوردة من أي جهة كانت.
وقد لا يكون هذا ولا ذاك من اختيار القيادة الحالية لأجدير، وإنما قد يكون السيد حميد شباط سار على نهج سلفه حين سئل عن برنامج حكومته فأجاب: خطب صاحب الجلالة. وربما اعتقد الأمين الحالي للحزب بأنه حين يذهب إلى أجدير يكون مؤيدا لخطاب صاحب الجلالة أكثر من غيره.
- لكن، هل يمكن القول إن هناك تغييرا بدأ يحدث في موقف حزب الاستقلال، الذي كان العدو رقم واحد للأمازيغ والأمازيغية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون استغلالا سياسيا وبراغماتيا لإحراج حكومة بنكيران؟
بالنسبة لإحراج الحكومة الحالية فمسألة لا غبار عليها في منطق المعارضة، أي معارضة سياسية في العالم يكون من حقها إحراج حكومتها، بتقديم مقترحات أو برامج بديلة تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وليس التهريج الحزبي القائم على ظاهرة «خالف تعرف»، حتى ولو كان هذا التميز «خالف تعرف» يقوم على تسيير مظاهرة في الشوارع لا شيء فيها يلفت نظر الناس. فيتم اللجوء إلى إشراك حتى الحمير في تلك المظاهرة، حتى يكون حديث الأحياء والحومات والمقاهي الشعبية للتفكه وتبادل النكت...
- ونحن لا نعلم إن كان حزب الاستقلال قد قدم مذكرة في موضوع السنة الأمازيغية للحكومة وللدولة، أو مشروع قانون للمؤسسة التشريعية. نرجو أن يكون قد فعل؟
أما كون حزب الاستقلال كان العدو الأول للأمازيغ والأمازيغية فلنترك ذلك لحكم التاريخ، لأن توجيه أنظارنا بالكلية إلى ما حدث بالأمس فقط وفقط، سيحجب عنا بلا شك رؤية الغد والمستقبل. لكن هذا لا يعني «عفا الله عما سلف»، بل ينبغي على الحزب أن يعتذر للمغاربة الأمازيغ وغير الأمازيغ من خلال رؤية نقدية، مع الإقرار بتحمل الحزب مسؤوليته فيما ساهم فيه من الأضرار التي أصبحت معروفة اليوم، وكانت من بين أسباب عوائق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتفاعل الهوياتي والثقافي للمغاربة.
أما إذا كانت مثل هذه التحركات لا ترمي إلا إلى «قنص» أصوات أولئك الذين كان يسميهم قادة الحزب ذات يوم بأعداء الوحدة الوطنية وعملاء الاستعمار وأعداء العروبة، فلربما أصبحت الأولوية اليوم لأصوات الأمازيغ في الاستحقاقات المقبلة. ونعتقد بأنه إذا كان ذلك هو القصد فإنه قد يضاعف من زلات الحزب ويجره إلى فقدان ما تبقى له من رصيد.
- ما رأيك في الذين يعتبرون أن تحرك حزب الاستقلال الأخير يمكن إدراجه ضمن الاستغلال السياسي وليس الدفاع عن التعددية الثقافية في المغرب؟
إذا كنت تعتقدين أنه لا يزال في المغرب من يمكن له ممارسة الاستغلال السياسي للمغاربة، فذلك أمر أصبح من تراث الماضي، فدرجة الوعي السياسي أصبحت عالية بعد رفض التجارب التي حاولت أن تمارس سياسة «استحمار» المغاربة من قِبَل من حاول استغلال مشاعرهم نحو وطنهم، اعتقادا منه بأنه هو وحده من يحوز على شرف الوطنية المغربية. نقول له: ذلك عهد مضى، لم ولن يعود. ثم إن المستوى الثقافي النوعي لدى المغاربة، حتى ولو كان غير مهيكل في غالبيته، فهو حاضر بقوة في التأثير على مجريات الأحداث. ولا أعتقد أن حزبا ما يستطيع أن يدعي أنه قادر على استغلال طيبة المغاربة. واليوم تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن نسبة العزوف في الاستحقاقات المقبلة قد تصل إلى 87 في المائة.. ونقول لهؤلاء وأمثالهم: «في الصيف ضيعت اللبن»، كما يقول مثل عربي قديم.
ومن زاوية أخرى، فإن دستور 2011 فصل في المسألة الثقافية بالمغرب بصفة نهائية. ويمكن لأي إنسان أن يطالع ديباجة هذا الدستور، كما يمكنه اللجوء إلى المادة الخامسة منه ليطمئن قلبه. وكل من يحاول عكس ذلك فما عليه إلا ينضم إلى حزب دون كيشوط ليحارب طواحين الهواء.
- باعتبارك باحثا في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، كيف كانت علاقة حزب الاستقلال ورموزه بالأمازيغية؟
أشرنا فيما تقدم إلى توجهات حزب الاستقلال العروبية، وتخوين الأمازيغ لسبب أو لآخر. وقد وصل الأمر في العقد الأول من الاستقلال إلى الاعتداء ضربا على كل من يتكلم بالأمازيغية. وكنا نخفي هويتنا الثقافية واللغوية تجنبا للاعتداء علينا والشتم حتى داخل المؤسسات التعليمية... والكل يعرف موقف الحزب من زعماء أمازيغيين سواء في الأطلس أو في الريف، ولسنا بحاجة إلى وضع الملح على الجراح التي لم تندمل بعد. ويكفي أن نشير إلى أن حزب الاستقلال لم يسبق له أن اقترح أي شخص من أبناء الريف مثلا لتولي أي وزارة. كما كان ينبغي أن ننتظر حوالي 7 عقود من الزمن لكي تُمنح عضوية اللجنة التنفيذية لشخص ينتسب إلى منطقة الريف.
واليوم نتمنى أن تتوافر عند الجميع إرادة التوجه سويا نحو تحقيق المواطنة والديمقراطية السياسية، ونحو بناء غد أفضل مما حدث في العقود الستة الماضية، وتجنب تكرار نفس السلوكيات الحزبية، وذلك أقرب طريق لتحقيق الوحدة في ظل التعدد.