ناظورسيتي:
قال صبحي حديدي الناقد والمترجم، السوري، ضمن مقال رأي عنونه بـ"حراك الريف: أبعد من طحن الأجساد" و استفردت جريدة القدس العربي اللندنية بنشره، أنه ليس من صواب التحليل، الاجتماعي أولاً، ثمّ السياسي والحقوقي، أن يفصل المرء الحراك الشعبي في منطقة الريف المغربية عن شبكة المؤثرات المترابطة التي كانت وراء انطلاقته، واستمراره في زخم عريض وحيوي؛ سواء على الصعيد المحلي، في مدينة الحسيمة وجوارها، وأرجاء الريف الأمازيغي عموماً؛ أو على الصعيد الوطني المغربي، الذي شهد تضامناً شعبياً واسعاً مع الحراك، في معظم المدن الرئيسية؛ أو، أخيراً، على الصعيد العربي، وضمن سياق التطورات التي أعقبت موجات ما يُسمّى بـ الربيع العربي".
و استطرد حديدي ’’ولعلها ليست محض مفارقة مأساوية، ودامية، أن يتشابه احتراق جسد محمد البوعزيزي، بائع الخضار والفواكه الفقير، في سيدي بوزيد التونسية؛ مع طحن جسد محسن فكري، الصياد الفقير في ميناء الحسيمة المغربي. ذلك لأنّ الفقر، مقترناً بانتهاك الكرامة على يد ممثلي السلطة في تونس والمغرب، كان المحرّك الأوّل خلف المشهدين؛ ومن هنا كانت الشرارة التي ستتكفل باندلاع اللهيب الشعبي‘‘.
ويضيف نفس الكاتب ’’صحيح، في المقابل، أنّ مطالب الحراك الشعبي في الريف المغربي لم تتبلور حول أيّ من شعارات تغيير النظام جوهرياً، وبدأت وما تزال تتواصل حول مطالب «جامعة، ومستشفى، وشغل»، فضلاً عن إحقاق حقوق شتى اقتصادية واجتماعية ومعيشية وخدمية؛ إلا أنّ أيّ عاقل لا يتجاسر على فصل ما شهدته مناطق الريف، بعد طحن جسد الصياد الفقير، عن الحراك الجنيني الذي اجتاح المغرب في 20 شباط (فبراير) 2011، وكانت مطالبه أوسع نطاقاً من كلّ مطلب محلي ضيّق، لأنها في الجوهر تناغمت مع ما كانت الشوارع الشعبية العربية تشهده في تونس وليبيا ومصر واليمن والبحرين وسوريا‘‘.
في المستوى الثاني من شبكة المؤثرات المترابطة، أشار المذكور، أن الحسيمة كانت تردد أصداء حاجات شعبية عابرة لمنطقة الريف، لأنها ببساطة كانت تشمل المغرب بأسره، وتخصّ سياسات اقتصادية واجتماعية وطنية الإطار، جامعة للبلد بأسره، في المدن كما في الأرياف، ومن بطاح الصحراء إلى ذرى الأطلس. ولم يكن غريباً، في هذا، أن تتضمن وثيقة مطالب الحراك الشعبي، التي قُدّمت إلى سكان الريف والسلطات في 5 آذار (مارس) الماضي، جملة مطالب لا تقتصر على الريف وحده، وتشير مباشرة إلى حركة 20 فبراير 2011.
وحتى حين تطالب الوثيقة برفع الملاحقات عن مزارعي القنب الهندي، بوصفه نشاطاً زراعياً رئيسياً يكفل لقمة العيش الوحيدة للآلاف، أو معاقبة كل مجموعات الضغط المتورطة في الاختلالات التي يعرفها قطاع الصيد البحري، أو استغلال مؤهلات المنطقة الفلاحية لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي»؛ فإنّ هذه المطالب كانت تحيل إلى معضلات وطنية مغربية أوسع، نجمت أساساً عن اشتراطات صندوق النقد الدولي واتفاقيات «سيرورة برشلونة» مع الاتحاد الأوروبي، مطلع التسعينيات، حيث فُرضت على المغرب سلّة إجراءات مجحفة في «لَبرلَة» الاقتصاد وخيارات الاستيراد والتصدير وتنظيم الاستثمار.
وفي المستوى الثالث من شبكة المؤثرات المترابطة، قال الحديدي ’’ثمة عجز القوى السياسية المحلية، والتنظيمات الحزبية ذات الحضور الجماهيري، عن استضافة هذه المطالب المحقة، أو احتضان الحراك الشعبي وتطوير شعاراته على نحو يكفل التضامن الشعبي الوطني الأوسع والأعلى فاعلية وجدوى. وكما جرى في مواقع أخرى لهذا «الربيع العربي»، اقتصر حضور تلك القوى على ملاقاة السطح وليس التوغل في الأعماق -وهذا ما يصحّ أن توصف به مواقف حزبَيْ العدل والإحسان و الاصالة والمعاصرة في المغرب-؛ إما لاعتبارات تتصل بواقع التحالفات مع السلطة المخزنية، وفق الاصطلاح المغربي العريق، أو لاعتبارات أخرى عقائدية وإقليمية قاصرة عن استيعاب دلالات الحراك الشعبي في الأصل‘‘.
هذه ثلاثة، فقط، من مستويات أخرى تحكم المشهد الراهن في الحسيمة وجوارها؛ إذا جاز للمرء أن يؤجل النظر في حقائق الريف التاريخية والاجتماعية والثقافية الأخرى، وأبرزها أنه موطن التمرد والاحتجاج والعصيان، ليس ضدّ السلطات المركزية وحدها، وليس لأنّ صياداً فقيراً طُحن جسده علانية، على مرأى ومسمع أبناء الريف... يختم الكاتب مقالته.
قال صبحي حديدي الناقد والمترجم، السوري، ضمن مقال رأي عنونه بـ"حراك الريف: أبعد من طحن الأجساد" و استفردت جريدة القدس العربي اللندنية بنشره، أنه ليس من صواب التحليل، الاجتماعي أولاً، ثمّ السياسي والحقوقي، أن يفصل المرء الحراك الشعبي في منطقة الريف المغربية عن شبكة المؤثرات المترابطة التي كانت وراء انطلاقته، واستمراره في زخم عريض وحيوي؛ سواء على الصعيد المحلي، في مدينة الحسيمة وجوارها، وأرجاء الريف الأمازيغي عموماً؛ أو على الصعيد الوطني المغربي، الذي شهد تضامناً شعبياً واسعاً مع الحراك، في معظم المدن الرئيسية؛ أو، أخيراً، على الصعيد العربي، وضمن سياق التطورات التي أعقبت موجات ما يُسمّى بـ الربيع العربي".
و استطرد حديدي ’’ولعلها ليست محض مفارقة مأساوية، ودامية، أن يتشابه احتراق جسد محمد البوعزيزي، بائع الخضار والفواكه الفقير، في سيدي بوزيد التونسية؛ مع طحن جسد محسن فكري، الصياد الفقير في ميناء الحسيمة المغربي. ذلك لأنّ الفقر، مقترناً بانتهاك الكرامة على يد ممثلي السلطة في تونس والمغرب، كان المحرّك الأوّل خلف المشهدين؛ ومن هنا كانت الشرارة التي ستتكفل باندلاع اللهيب الشعبي‘‘.
ويضيف نفس الكاتب ’’صحيح، في المقابل، أنّ مطالب الحراك الشعبي في الريف المغربي لم تتبلور حول أيّ من شعارات تغيير النظام جوهرياً، وبدأت وما تزال تتواصل حول مطالب «جامعة، ومستشفى، وشغل»، فضلاً عن إحقاق حقوق شتى اقتصادية واجتماعية ومعيشية وخدمية؛ إلا أنّ أيّ عاقل لا يتجاسر على فصل ما شهدته مناطق الريف، بعد طحن جسد الصياد الفقير، عن الحراك الجنيني الذي اجتاح المغرب في 20 شباط (فبراير) 2011، وكانت مطالبه أوسع نطاقاً من كلّ مطلب محلي ضيّق، لأنها في الجوهر تناغمت مع ما كانت الشوارع الشعبية العربية تشهده في تونس وليبيا ومصر واليمن والبحرين وسوريا‘‘.
في المستوى الثاني من شبكة المؤثرات المترابطة، أشار المذكور، أن الحسيمة كانت تردد أصداء حاجات شعبية عابرة لمنطقة الريف، لأنها ببساطة كانت تشمل المغرب بأسره، وتخصّ سياسات اقتصادية واجتماعية وطنية الإطار، جامعة للبلد بأسره، في المدن كما في الأرياف، ومن بطاح الصحراء إلى ذرى الأطلس. ولم يكن غريباً، في هذا، أن تتضمن وثيقة مطالب الحراك الشعبي، التي قُدّمت إلى سكان الريف والسلطات في 5 آذار (مارس) الماضي، جملة مطالب لا تقتصر على الريف وحده، وتشير مباشرة إلى حركة 20 فبراير 2011.
وحتى حين تطالب الوثيقة برفع الملاحقات عن مزارعي القنب الهندي، بوصفه نشاطاً زراعياً رئيسياً يكفل لقمة العيش الوحيدة للآلاف، أو معاقبة كل مجموعات الضغط المتورطة في الاختلالات التي يعرفها قطاع الصيد البحري، أو استغلال مؤهلات المنطقة الفلاحية لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي»؛ فإنّ هذه المطالب كانت تحيل إلى معضلات وطنية مغربية أوسع، نجمت أساساً عن اشتراطات صندوق النقد الدولي واتفاقيات «سيرورة برشلونة» مع الاتحاد الأوروبي، مطلع التسعينيات، حيث فُرضت على المغرب سلّة إجراءات مجحفة في «لَبرلَة» الاقتصاد وخيارات الاستيراد والتصدير وتنظيم الاستثمار.
وفي المستوى الثالث من شبكة المؤثرات المترابطة، قال الحديدي ’’ثمة عجز القوى السياسية المحلية، والتنظيمات الحزبية ذات الحضور الجماهيري، عن استضافة هذه المطالب المحقة، أو احتضان الحراك الشعبي وتطوير شعاراته على نحو يكفل التضامن الشعبي الوطني الأوسع والأعلى فاعلية وجدوى. وكما جرى في مواقع أخرى لهذا «الربيع العربي»، اقتصر حضور تلك القوى على ملاقاة السطح وليس التوغل في الأعماق -وهذا ما يصحّ أن توصف به مواقف حزبَيْ العدل والإحسان و الاصالة والمعاصرة في المغرب-؛ إما لاعتبارات تتصل بواقع التحالفات مع السلطة المخزنية، وفق الاصطلاح المغربي العريق، أو لاعتبارات أخرى عقائدية وإقليمية قاصرة عن استيعاب دلالات الحراك الشعبي في الأصل‘‘.
هذه ثلاثة، فقط، من مستويات أخرى تحكم المشهد الراهن في الحسيمة وجوارها؛ إذا جاز للمرء أن يؤجل النظر في حقائق الريف التاريخية والاجتماعية والثقافية الأخرى، وأبرزها أنه موطن التمرد والاحتجاج والعصيان، ليس ضدّ السلطات المركزية وحدها، وليس لأنّ صياداً فقيراً طُحن جسده علانية، على مرأى ومسمع أبناء الريف... يختم الكاتب مقالته.