المزيد من الأخبار






الصحافة بين النضال و”التمخزين” والتخابر


الصحافة بين النضال و”التمخزين” والتخابر
محمد أشهبار/ بروكسيل

تقديم:

أحيانا تكون إكراهات الحياة وإلتزامتها سبابا في تأجيل بعض من أفكارك وقرارتك إلى أجل غير مسمى، فكرة الكتابة عن الإعلام كانت تراودني منذ مدة أجلتها لأكثر من مرة، لكن اليوم وجدت نفسي مجبرا على الكتابة والمساهمة بهذا المقال المتواضع سعيا مني لإغناء النقاش الدائر حياليا إعلاميا وفيسبوكيا حول السلطة الرابعة، خاصة بعد تسريبات كرس كوليمان حول الرسائل الإلكترونية لرضوان الرمضاني وسميرة السطايل…، حيث وجدنا أنفسنا محاطين بمجموعة من الأسئلة المقلقة والمحرجة، أهمية طرحها ليس من أجل البحث عن الأجوبة، بل أهميتها تتجلى في الوعي باستمرارية طرحها لأنها ستكون السبب والمنهج السليم لرفض ثقافة الأجوبة الجاهزة الكاذبة التي تخدر عقول الكثير منا. إن الوعي بطرح هذه الأسئلة هي بداية إعلان التمرد على الصحافة الصفراء لوضع حد للخمول الفكري والعقلي الذي يمنعنا من التفكير ويجعل البعض منا مساجين لأجوبتها الجاهزة. منذ متى كان الإعلام الرسمي والشبه الرسمي والأقلام المأجورة تنقل الحقيقة إلى المواطنين ؟ أليس الإعلام الرسمي ـ في وقت كان هو الإعلام الوحيد الذي يدخل منازل المغاربة ـ هو من صنع لنا العياشة ؟ لكن وأمام هذا التطور الذي عرفه الإعلام الإلكتروني الذي أيقظ العديد من سباتهم العميق ماذا أعد النظام لمواجهته ؟ ألا يعتبر مثلا الرمضاني ، نيني، المختار الغزيوي وسطايل … نماذج من "الصحافمخبراتية".

لمواجهة الإعلام الحر؟ ومتى تبدأ الصحافة وينتهي التخابر؟ ومتى ينتهي التخابر وتبدأ الصحافة ؟ بمعنى أخر هل هناك علاقة بينهما؟ هل الصحفي مناضل؟ ما علاقة الصحافة بالنضال؟ متى يمكن أن يصبح الصحفي مخزني ؟ هل "الصحفمخبراتية" كان لها دور في إضعاف حركة 20 فبراير ؟ وهل انخرطت "الصحفمخبراتية" في مواجهة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ؟

علاقة الصحافة بالنضال والتمخزين والتخابر :

غالبا ما نقوم بتوزيع التهم والصفات على الصحفيين فنصف هذا بالمناضل وذاك بالمخزني والمخبر، لكن هل نحن محقون في توزيع هذه التهم ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما المعايير التي اعتمدنا عليها لإصدار مثل هذه الأحكام ؟ إن الجواب على هذه الأسئلة يستدعي منا استحضار مفهوم الصحافة ومهام الصحفي. إن المهمة الأساسية التي يجب على الصحفي القيام بها داخل مؤسسة صحفية هي جمع ونقل الخبر بعد التحقيق من مصداقيته على أساس تقديمه للرأي العام والمتتبعين، سواء أكانت أخبار متعلقة بمستجدات الساحة السياسية أو الحقوقية أو الثقافية… ملتزما في نقلها وتحليلها بالضوابط الأخلاقية للمهنة، الموضوعية، الحياد، المهنية… تفديا لأي سقوط في العبثية والذاتية والإنحياز لفئة ما أو مكون ما. فمثلا أن ينتقد الصحفي المؤسسة الملكية والحكومة… يجب أن يعتمد في ذالك على تحقيقات يتناول فيها ميزانية القصر وكيف تصرف… وأن يتسلح بلغة الأرقام في تحليله لهذه المادة الإخبارية مستبعدا آليات ومناهج المعارضين والسياسيين، لأن هذه
المناهج تُسقط عنه صفة الصحفي ويصبح مناضلا ومعارضا بالوكالة. ولكي لا يصبح الصحفي مخزنيا بالوكالة، عليه أن يتجنب الدفاع عن مسألة ما منطلقا في ذالك من الفراغ أو
معتمدا في ذلك على تقارير جهة دون الأخرى سعيا منه لإرضائها لينال رضى المخزن، فمثلا أن يتحدث عن الوضع الحقوقي لابد له أن يعتمد في تحليله لهذا الموضوع على
التقارير الدولية والوطنية في مجال حرية التعبير، الصحة، التعليم، التنمية البشرية… لا فقط على تقارير وزارة العدل والداخلية، ولكي لا يتحول الصحفي إلى مخبر
بالوكالة يجب أن لا ينتظر تعليمات إملاء وتوجيهات وزارة الداخلية في نقده للإطارات السياسية والحقوقية تماما كما حدث مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حيث إنخرط مجموعة من الصحفيين في شن هجوماتهم مستندين في ذلك إلى معطيات خاطئة ومغلوطة لأجل مغالطة الرأي العام والتشويش عليه، إذن نحن أمام صحافة جديدة اسمها "الصحفمخبراتية" تقوم باعداد تقارير على
المناضلين والإطارات السياسية والحقوقية وترسلها إلى لاجيد.

"الصحافمخبراتية" والحراك الشعبي بقيادة 20 فبراير:

لا يمكن لنا الحديث عن الصحافة كمهنة محايثة للتخابر بل ليس هناك أي تبرير أخلاقي وقانوني ليقوم الصحفي بدور المخبر، بل لا يمكن الجمع بين الإثنين، إما أن تكون مخبرا وإما أن تكون صحفيا، لكن تحت عباءة الصحافة انتعشت كثيرا هذه الصحافمخبراتية إبان الحراك الشعبي 2011 بقيادة حركة 20 فبراير، حيث جندت لاجيد كل رجالالتها الصحفية بكل الوسائل الفتاكة بغية تدمير الحركة و إقبارها.

وللحديث عن الدور الذي لعبته هذه الصحافة في إضعاف حركة 20 فبراير لابد من استحضار ثلاثة مراحل أساسية. المرحلة الأولى: مرحلة الوجود الإفتراضي للحركة.
في هذه المرحلة التأسيسية للحركة أو الوجود الإفتراضي الفايسبوكي طفت على السطح مجموعة من الأقلام والأصوات المخبراتية تحت عباءة الصحافة التي كانت تنسق بشكل مباشر مع المخابرات، تتحرك وتجتهد وفق تعليماتها بغية إقبار الحركة في مهدها الإفتراضي، و ذلك عبر الإجتهاد لعزل مناضلي الحركة عن باقي مكونات المجتمع تارة عن طريق اللعب على أوتار الدين ونعتهم بالملحدين، وتارة عبر اللعب على وتر الوطنية ووصفهم بأعداء الوحدة الوطنية …ومولون لأجندة خارجية، فرشيد نيني مثلا وصف الناقش الدائر آنذاك في الصفحات الفيسبوكية بدردشة المراهقين، لكن كل هذا الإجتهاد لأجل إقبار الحركة في مهدها لم يكلل بالنجاح حيث استطاعت الحركة أن تخرج من الوجود الإفتراضي إلى الوجود الفعلي يوم 20 فبراير 2011 في مجموعة من
المدن المغربية مما جعل هذه الأقلام و الأصوات تغير في استراتجياتها.

المرحلة الثانية : مرحلة الوجود الميداني والفعلي للحركة: بعدما تأكدت هذه "الصحافمخبراتية" أن خطة تقويض الحركة وقتلها في مهدها بآت بالفشل، كان لابد لها من البحث عن استراتجية جديدة لإحتوائها، فكانت أولى الخطط هي خلق قيادة إعلامية للحركة يتم استدعائها في بعض البرامج التلفزية لتتحدث بإسم الحركة لتمرير رسالة سياسية قوية إلى الرأي العام الوطني و الدولي ظاهرها الليونة والدبلوماسية و الرزانة … في تعامل النظام مع مطالب الشعب، لكن جوهرها مليء بالخداع والحيل… لكن للمرة الثانية ستفشل "الصحافمخبراتية" في مهمتها حيث أدركت تماما أن الحركة ليس لها قيادات تتحدث باسمها، خاصة بعد خطاب 9 مارس الذي سمي آنذاك بالتاريخي، لكن بعد أسبوع فقط من هذا الخطاب خرجت الحركة من جديد إلى الشارع معلنة بشكل أو بأخر أن ً الإصلاحات ً التي جاءت في خطاب 9 مارس غير مقبولة، لتتأكد بعد ذلك تلك الأصوات والأقلام أنها فشلت في مهمتها.

المرحلة الثالثة : مرحلة ما بعد خطاب 9 مارس: لم يكن هناك أي خيار أخر للنظام غير اللجوء إلى سياسة الإعتقالات معتمدا في ذلك على تقارير و صور المناضلين التي أرسلتها "الصحفمخبراتية"

خاتمة:

إن التسلح بالحس النقدي كفيل لعرفة وإدراك الخط التحريري "للصحفمخبراتية" دون انتظار تسريبات كوليمان أو أحد أخر، ولمواجهة مثل هذه الصحافة يجب لنا أن نضع
حدا للكسل الفكري ونساهم في زعزعة الروتينية والرتابة المريحة للأفكار والأجوبة الجاهزة.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح