بقلم: اليزيد الدريوش
شهد صيف 1953 فرار عدد هائل من الوجديين إلى مدينة الناظور.
بعد تفجير ثورة 16 غشت 1953 التي عبرت فيها ساكنة وجدة على رفضها لكل أشكال الإحتلال و الإستبداد الفرنسيين و سقوط عدد لا يستهان به من الشهداء، و اعتقال ألاف من الوجديين المقاومين.
بدأت زبانية برونيل (الحاكم العسكري لوجدة) نهج سياسة القبضة الحديدة و هي إغتيال كل من تحوم حوله تهمة الإنتماء إلى فصيل المقاومة، هاته المقاومة التي أشعل فتيلها ثلة من رجال و نساء وجدة في مقدمتهم السيدة يامنة بورحايلية و مربوحة التومي و محمد الهاشمي المير (كان رفيقا للخطابي في القاهرة) وعبد الصادق البوتشيشي و عمر القهوي و محمد بن بوزيان الدرفوفي و بن عبد الله الوكوتي و غيرهم.
فهؤلاء لم يفروا إلى الناظور خوفا على حياتهم فقط، بل ليؤسسوا قواعد خلفية للمقاومة الوجدية المجيدة، و مواصلة الكفاح حتى بزوغ فجر الحرية.
1 - لماذا الناظور ؟
يقول عبد الله الصنهاجي أحد مؤسسي جيش التحرير في الناظور
"إن إختيار إقليم الناظور من طرف قيادة العامة لجيش التحرير كان على أساس ما تتميز به من الرجال المحاربين الأشداء" ( عبد الله الصنهاجي، مذكرات في تاريخ حركة المقاومة و جيش التحرير. ص 76)
2- محمد بالماحي رجل المهمات الصعبة
ريفي مقاوم، رجل باسل قوي الشكيمة، عرف عند رجال المقاومة الوجدية بإسم مستعار هو «Barra » فقد كان يتنقل ما بين الناظور ووجدة بكل سلاسة ينقل الرسائل الشفوية و المكتوبة من قيادة المقاومة الوجدية بالناظور إلى عناصرها النشيطة بوجدة.
عرف محمد بالماحي « Barra » والذي تعود أصوله إلى بلدة حاسي بركان، حيث قام بإنجاز عدة عمليات تهريب لقادة المقاومة الوجدية الذي يودون اللجوء إلى مدينة الناظور، بالإضافة إلى نقل الرسائل و التعليمات من الناظور إلى وجدة، فقد كان يعتبر أفضل مرشد يمكن الإعتماد عليه للوصول بسلامة إلى المنطقة الخليفية، و الوحيد الذي يعرف كيف يروض خطر تيارات نهر ملوية و إجتيازه بأمان.
يعرفع كل مقاومي وجدة و ضواحيها، لكنه لم ينل نصيبه في ترسيخ إسمه في تاريخ المنطقة الشرقية عموما، ما عدى النذر القليل الذي خصه به المقاوم عبد الصادق بوتشيش في مذكراته ( أضواء على الحركة المقاومة المسلحة ج1 ، ص 157)
3- تأسيس أول خلية مقاومة من الوجديين في الناظور
أول قاعدة خلفية للمقاومة الوجدية شاء لها أن ترى النور، كانت بمدينة زايو و كان على رأسها كل من المقاوم مربوح التومي و أحمد الكعواشي و مفتوح حميدة. ( محمد الهاشمي المير: شدرات من تاريخ حركات المقاومة بوجدة)
و قد كان مقرها في مقهى البوكيلي لصاحبها المختار ولد الحاج صالح ( مربوح التومي: الكابوس و الفجر ج2) فقد كان أغلب أعضاء هذه الخلية من الرياضيين بالدرجات الهوائية، حيث قطع أربعة منهم مسافة من وجدة إلى غاية ضفاف ملوية و تلقوا تعليمات من بلماحي محمد « Barra » وبعدها عادوا إلى وجدة لكن هاته الخلية فشلت و ألقي القبض على معظم عناصرها و ذلك بسبب إنكشاف أحد عناصرها لدى مخبر السلطات الإستعمارية في شخص المقاوم عبد القادر بلباشير.
4- تأسيس الخلية الثانية لمقاومين الموجديين في الناظور
أما الخلية الثانية التي تأسست سنة 1954 بالناظور فقد كان ورائها المقاوم خيري أحمد الميد، رجل قليل الكلام لا يفصح إلى بالقليل فقد كان كثير من عناصر الخلية التي أسسها لا يعرفون بعضهم البعض، من الأعمال الفدائية التي أنجزتها خليته هي إغتيال أحد الخونة بظهر محلا و تعتبر خلية خيري هي أول من يستعمل الرصاص.
5- أوطيل الإسلام لصاحبه عبد القادر بوعنان بالناظور
أوطيل الإسلام أو أوطيل عبد القادر بوعنان، هذه البناية المتواجدة حاليا بشارع الماريشال أمزيان، هذه البناية المتلاصقة مع فندق ڭرت.
لقد كان فندق الإسلام عرين الأسود، فبالإضافة إلى إتخاذه مقرا من طرف المقاومة الوجدية فقد نزل فيه أعظم رجال أنجبتهم منطقة شمال إفريقي.
ففيه كان ينزل المجاهدين الجزائريين مثل: العربي بن مهيدي، محمد بوضياف، أحمد بن بلة و التونسي حافض إبراهيم و المصري عبد المنعم النجار و السوداني ربان باخرة دينا إبراهيم النيال و كذل قادة المقاومة البيضاوية مثل سعيد بونعيلات و حسن الدين الأعرج.
فقد ساعد مالك أوطيل الإسلام السيد عبد القادر بوعنان المقاومة الوجدية بكل المساعدات، من مأكل و مشرب و مبيت بالمجان و أكثر من ذلك فقد كان يمول المقاومة الوجدية بمدها بكل القنابل التي كان يقتنها من إسبانيا، فقد زود حتى المقاومة بمكناس بالقنابل.
لقد خدم المقاومة المغاربية بكل تفاني حيث نجده يمد الثورة الجزائرية هي الأخرى بالسلاح و خاصة كما قلنا تزويدها بالقنابل ( السعيدي وهيبة: الثورة الجزائرية و مشكلة السلاح).
و من أفضال عبد القادر بوعنان ( إبن ترقاع) على المقاومة الوجدية في الناظور، يقول المقاوم محمد المير الهاشمي، ( إلتقينا بالسيد عبد القادر بوعنان أحد كبار أعيان الناظور هو الذي خطط لنا في سرية للوصول إلى تطوان بعد أن منحنا بطاقات مزورة تحمل أسماء جنود الريكولاريس لأجل ضمان سلامتنا،( محمد الهاشمي المير: شذرات من تاريخ حركات المقاومة بوجدة).
هذا هو السيد عبد القادر بوعنان أحد قامات المقاومة المغربية و المغاربية، ساهم بالنفس و النفيس من أجل بزوغ الحرية في شمال إفريقيا.
لكن سماسرة التاريخ الرسمي، جعلوه إسما منسيا مقابل التطبيل و التهليل لناكرات و ذيول كانت بالأمس محسوبة على كاين الإستعمار الفرنسي.
6- محمد كابوس القلعي: الرجل الذي أدخل الذعر في قلوب الفرنسيين و الخونة بوجدة
محمد كابوس ريفي من منطقة قلعية، بطاقة المقاومة تحمل رقم 411239، عاش ردحا من حياه في الجزائر ناحية تلمسان، فقد عرف عن المقاوم محمد كابوس رفضه لكل أشكال الإحتلال، و هكذا تجمعه علاقة مميزة مع الوطنيين في تلمسان، مما أضطره في أحد الأيام أن يتخاصم مع أحد عناصر الشرطة الفرنسية، فألقي عليه القبض و أتهم بمعادات السلطات الفرنسية و نتيجة ذلك قامت سلطات الإحتلال بتلمسان بطرده إلى مدينة و جدة.
بمدينة وجدة إزداد إيمانه بالمقاومة و البحث عمن يشاركه نفس الأفكار و الأهداف ، فكان لقائه بالمقاوم الكبير السيد المامون التدلاوي، حيث نسق معه كيفية التخطيط و ضرب الأهداف الإستعمارية,
لقد كان محمد كابوس غريب المطالب من حيث كيفية تسليحه!
فهو لم يطلب لا مسدس و لا رشاش و لا بندقية، لقد كان طلبه هو الحصول على أكبر مجموعة من القنابل لا غير ( عماري الطهري: المقاومة بالمغرب الشرقي ج 1 )
أعجبت الفكرة السيد المامون التدلاوي لكن يبقى مشكل التمويل يقول السيد التدلاوي.
فما كان إلى أن بعث الله شخصا يعتبر واحد من الوطنيين الكبار في وجدة و هو السيد العماري الطهري، هذا المقاوم تحمس لمسألة تمويل شراء أكبر ما يمكن من القنابل.
تم التنسيق مع أحمد زياد، ممثل حزب الإستقلال في تطوان، لكن هذا الشخص إمتنع عن تقديم المساعدة فما كان من محمد بوكابوس و عماري الطهيري و التدلاوي إلا الإتصال بالسيد عبد القادر بوعنان صاحب أوطيل إسلام بالناظور، فقد قبل السيد بوعنان أن يتعاون معهم و يتدبر لهم مجموعة من القنابل ( عبد الصادق بوتشيش: أضواء على حركة المقاومة المسلحة ج 1)
و لا ننسى دور المقاوم محمد بن ميلود الذي نقل القنابل ليلا عن طريق البحر بواسطة قارب من رأس الماء إلى السعيدية، و قد سلم بن ميلود إلى المقاوم محمد كابوس ما مجموعه سبعة قنابل، مرسلة من طرف عبد القادر بوعنان (إبن تيرقاع)
لقد أنجز المقاوم محمد كابوس أربع عمليات فدائية
أ- إلقاء قنبلة على المسمى بو حلوفة (طريق الديوانة وجدة)
ب- إلقاء قنبلة على الخائن أحمد بائع خمر (طريق بودير وجدة)
ت- تفجير محل تجاري للخائن المسمى فاصلة
ث- محاولة قتل الخائن فاصلة التي باءت بالفشل
أثناء محاولته لإغتيال الخائن فاصلة حاصرته الشرطة و أصيب في أحد رجليه بالرصاص و تم إعتقاله، لكن أبى أن يفشي أسرار المقاومة و مخططاتها في وجدة رغم التعذيب الذي أذاقوه زبانية الإحتلال الفرنسي
7- ريفيون من جنود الريكولاريس ينضمون إلى المقاومة الوجدية
بمجرد ظهور المقاومة بوجدة و ضواحيها على شكلها الحقيقي، خلق نوع من الغيرة في كل ساكنة الناظور من أعيانها و تجارها و جنودها في صفوف الجيش الإسباني ( الريكولاريس).
فقد شهدت سنة 1954 إنشقاق جنود ناظوريين عن الجيش الإسباني، و بالتالي الإلتحاق بالمقاومة في وجدة وضواحيها.
ومن أوائل الريكولاريس الملتحقين بالمقاومة الوجدية نجد المقاوم البويحياوي محمد بن أمجاهد و المقاوم القضياوي بوزيان رقم بطاقة المقاومة 417715 .
لقد خدما الجيش الإسباني مدة 18 سنة، وكان فرارهم فألا على المقاومة الوجدية، حيث إصطحبوا معهم خمس بنادق رشاشة مرقمة على الشكل التالي 6443 ، 6458، 6438، 6471 و 6491 .
فقد شجع انضمامهم إلى المقاومة عناصر أخرى من جيش الريكولاريس على الإلتحاق بالمقاومة الوجدية، مثل المقاوم بن علي بن أحمد و المقاوم حماد و هما من ولاد ستوت (زايو)
8- حمدون شوراق أسد كبدانة
عرف عن حمدون شوراق علاقته المميزة مع قادة الثورة الجزائرية، وخصوصا الزعيمين العربي بن مهيدي و محمد بوضياف.
يعتبر حمدون المسؤول الأول عن إفراغ الباخرة دينا من الأسلحة 1955
رجل ساهم في خدمة الثورتين المغربية و الجزائرية، يعتبر محمد حمو الإدريسي أحد رفاقه و هو الذي عرفه إلى المهتمين بتاريخ المغرب في كتابه (الحركة الوطنية في شمال المغرب ودورها في تحرير المغرب و الجزائر)، في حين تبقى مذكرات حمدون شوراق المعنونة ب (الباخرة دينا مذكرات من أيام المقاومة) واحدة من المؤلفات المجهولة التي سرد فيها المقاوم معظم أطراف حياته في المقاومة.
و في هذا الكتاب نجد فصلا عن كيفية مساهمته في إنشاء أكثر من 12 خلية في رأس الماء، هدفها ضرب مصالح الإستعمار الفرنسي في بركان التي كانت تابعة في عهد الإستعمار لإقليم وجدة.
فقد إستطاع حمدون شوراق في سنة 1958 الهجوم على أحد المقاهي في بركان يرتادوها جنود فرنسيين و خونة، موقعا فيها عددا لا بأس به من القتلى و الجرحى.
9- عائلة بوزردة بسلوان و دورها في المقاومة بتاوريرت
تعود أصول هذه العائلة إلى منطقة سلوان، فقد عرف عن أفراد عائلة بوزردة حبها للوطن و تفانيها من أجل أداء واجب المقاومة، ومن بين أشهر أفرادها نذكر على سبيل الذكر لا الحصر السادة عبد الوهاب بوزردة و الحسن بوزردة و عمهما الحاج الطاهر بوزردة.
لقد شكلوا خلية فدائية جد نشيطة في تاوريرت تكونت من جميع أطياف المغاربة عرب،أمازيغ، يهود.
يقول المقاوم أحمد العياشي عن هؤلاء اليهود "و مما أثرته عنهم هو أنهم أشد الناس كتمانا لأسرار التنظيم". ( الذاكرة الوطنية ع 2 ،2001)
يقول المقاوم محمد التيس " بعد أن تأسست خلية المقاومة المسلحة بتاوريرت، إنتقلت إلى الناظور، وتدرب أفراد هذه الخلية على إستعمال السلاح على يد عباس المسعدي، كما شاركت في نقل السلاح من باخرة النصر التي رست برأس كبدانة... فكنا نحمل السلاح في نعش كأننا في جنازة و نتجه نحو المقبرة و ندفنه هناك لنقوم بإخراجه عند الحاجة إليه" ( الذاكرة الوطنية ع 2، 2001)
و عن عائلة بوزردة يحكي المقاوم عبد الله الوكوتي:
" إن عائلة بوزردة لما طردت من مدينة تاوريرت إلى سلوان بقيت وفية لمبادئها تجاه المقاومة، فمن خلال وجودها بسلوان خلقت متاعب لسلطات الإحتلال الفرنسي في تاوريرت حيث كانت تشن هجومات من فينة لأخرى، كهجومها على الجنود الفرنسيين في ماركشوم رغم سقوط الثلوج و كذلك هجومها على محطة القطار العڭرب."
ومن مقاومي سلوان ضد الإحتلال الفرنسي بمنطقة وجدة و ضواحيها المقاوم أحمد بن مبارك المعروف بأحمد أعراب.
هذا الرجل قدم الكثير للمقاومة في وجدة و تاوريرت و بركان ( عبد الصادق بوتشيش: أضواء على حركة المقاومة المسلحة).
10- محمد بلهاشمي الميري أحد رفاق بن عبد الكريم الخطابي
في سنة 1948، شارك في الحرب العربية الإسرائيلية فكان من المتطوعين الذين أرسلهم محمد بن عبد الكريم الخطاب من أجل تحرير فلسطين، تحت قيادة العقيد محمد الهاشمي الطود.
فقد كان هذا الجيش الريفي يتكون من 300 مجاهد ( طلبة،حجاج، مقاومين) فبعد الهزيمة أمره الخطابي بالعودة إلى وجدة قائلا له : إن دورك ينتظرك هناك، فما عليك سوى أن توظف خبرتك الجهادية في غزة من أجل تحرير بلدك المغرب.
فقد كان محمد بلهاشمي واحدا من مفجري ثورة 16 غشت 1953 بوجدة.
بعد إنكشاف إسمه إضطر بلهاشمي للفرار إلى الناظور، ومن هناك أسس خلايا مقاومة لضرب الأهداف العسكرية الفرنسية في وجدة.
فكانت أولى عملياته الهجوم على أحد المقاهي يرتادها الجنود الفرنسيين و الخونة، حيث تمت هذه العملية بنجاح بحيث أسفرت عن مقتل إثنين من الخونة.
كان الكوماندوس متكون من مقاومين: محمد بن ميلود، محمد معمار و بن عبد الله رابح و لكحل سرسر، و قد إنطلق هذا الكوماندوس من الناظور حاملا معه أحدث الأسلحة و قد شملت العمليات الأخرى ضرب المواقع العسكرية في كل الكربوز و عين الصفاء و بن يسبو و سيدي موسى.
و قد عادت جميع عناصر هذا الكوماندوس سالما إلى الناظور ( محمد بن بوزيان الدرفوفي: من أجلك يا بلادي).
أما العملية الثانية التي تحسب من الإنجازات الكبيرة و التاريخية للمقاوم محمد بلهاشمي هو إرساله لكوماندوس ثاني من الناظور،هذه المرة لضرب في عمق مدينة وجدة و المناسبة الإنتقام لإغتيال السلطات الفرنسية للمقاوم الكبير الشهيد محمد الدرفوفي.
فمباشرة بعد علم السيد محمد الهاشمي الميري بإغتيال المقاوم محمد الدرفوفي بتاريخ 11 نوفمبر1954 ( الحبيب الدرفوفي: شيء من الماضي)
أرسل بلهاشمي كوماندوس من الناظور للقيام بمهمة فدائية في غاية الأهمية و هي الهجوم على حانة الشمس بحي طوبة، و قد أسفرت العملية الفدائية عن مقتل 6 فرنسيين و جرح 12 أخرين، وبعد نجاح المهمة عادة الكوماندوس إلى الناظور سالما غانما، و قد كان يتكون الكوماندوس من المقاومين: مهداوي محمد، مديوني الهمالي و الدرويش المهدي و مصطفى و لد رمضان و المقام الريفي مبارك الكبداني.
خاتمة
أسماء كثيرة سردنها في هذه المقالة حكم عليها بالنسيان لتستبدل بأسماء نكرة أرادوا أن يوهمونا على أنها هي التي صنعت التحرير و جلبت لنا الإستقلال
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار
شهد صيف 1953 فرار عدد هائل من الوجديين إلى مدينة الناظور.
بعد تفجير ثورة 16 غشت 1953 التي عبرت فيها ساكنة وجدة على رفضها لكل أشكال الإحتلال و الإستبداد الفرنسيين و سقوط عدد لا يستهان به من الشهداء، و اعتقال ألاف من الوجديين المقاومين.
بدأت زبانية برونيل (الحاكم العسكري لوجدة) نهج سياسة القبضة الحديدة و هي إغتيال كل من تحوم حوله تهمة الإنتماء إلى فصيل المقاومة، هاته المقاومة التي أشعل فتيلها ثلة من رجال و نساء وجدة في مقدمتهم السيدة يامنة بورحايلية و مربوحة التومي و محمد الهاشمي المير (كان رفيقا للخطابي في القاهرة) وعبد الصادق البوتشيشي و عمر القهوي و محمد بن بوزيان الدرفوفي و بن عبد الله الوكوتي و غيرهم.
فهؤلاء لم يفروا إلى الناظور خوفا على حياتهم فقط، بل ليؤسسوا قواعد خلفية للمقاومة الوجدية المجيدة، و مواصلة الكفاح حتى بزوغ فجر الحرية.
1 - لماذا الناظور ؟
يقول عبد الله الصنهاجي أحد مؤسسي جيش التحرير في الناظور
"إن إختيار إقليم الناظور من طرف قيادة العامة لجيش التحرير كان على أساس ما تتميز به من الرجال المحاربين الأشداء" ( عبد الله الصنهاجي، مذكرات في تاريخ حركة المقاومة و جيش التحرير. ص 76)
2- محمد بالماحي رجل المهمات الصعبة
ريفي مقاوم، رجل باسل قوي الشكيمة، عرف عند رجال المقاومة الوجدية بإسم مستعار هو «Barra » فقد كان يتنقل ما بين الناظور ووجدة بكل سلاسة ينقل الرسائل الشفوية و المكتوبة من قيادة المقاومة الوجدية بالناظور إلى عناصرها النشيطة بوجدة.
عرف محمد بالماحي « Barra » والذي تعود أصوله إلى بلدة حاسي بركان، حيث قام بإنجاز عدة عمليات تهريب لقادة المقاومة الوجدية الذي يودون اللجوء إلى مدينة الناظور، بالإضافة إلى نقل الرسائل و التعليمات من الناظور إلى وجدة، فقد كان يعتبر أفضل مرشد يمكن الإعتماد عليه للوصول بسلامة إلى المنطقة الخليفية، و الوحيد الذي يعرف كيف يروض خطر تيارات نهر ملوية و إجتيازه بأمان.
يعرفع كل مقاومي وجدة و ضواحيها، لكنه لم ينل نصيبه في ترسيخ إسمه في تاريخ المنطقة الشرقية عموما، ما عدى النذر القليل الذي خصه به المقاوم عبد الصادق بوتشيش في مذكراته ( أضواء على الحركة المقاومة المسلحة ج1 ، ص 157)
3- تأسيس أول خلية مقاومة من الوجديين في الناظور
أول قاعدة خلفية للمقاومة الوجدية شاء لها أن ترى النور، كانت بمدينة زايو و كان على رأسها كل من المقاوم مربوح التومي و أحمد الكعواشي و مفتوح حميدة. ( محمد الهاشمي المير: شدرات من تاريخ حركات المقاومة بوجدة)
و قد كان مقرها في مقهى البوكيلي لصاحبها المختار ولد الحاج صالح ( مربوح التومي: الكابوس و الفجر ج2) فقد كان أغلب أعضاء هذه الخلية من الرياضيين بالدرجات الهوائية، حيث قطع أربعة منهم مسافة من وجدة إلى غاية ضفاف ملوية و تلقوا تعليمات من بلماحي محمد « Barra » وبعدها عادوا إلى وجدة لكن هاته الخلية فشلت و ألقي القبض على معظم عناصرها و ذلك بسبب إنكشاف أحد عناصرها لدى مخبر السلطات الإستعمارية في شخص المقاوم عبد القادر بلباشير.
4- تأسيس الخلية الثانية لمقاومين الموجديين في الناظور
أما الخلية الثانية التي تأسست سنة 1954 بالناظور فقد كان ورائها المقاوم خيري أحمد الميد، رجل قليل الكلام لا يفصح إلى بالقليل فقد كان كثير من عناصر الخلية التي أسسها لا يعرفون بعضهم البعض، من الأعمال الفدائية التي أنجزتها خليته هي إغتيال أحد الخونة بظهر محلا و تعتبر خلية خيري هي أول من يستعمل الرصاص.
5- أوطيل الإسلام لصاحبه عبد القادر بوعنان بالناظور
أوطيل الإسلام أو أوطيل عبد القادر بوعنان، هذه البناية المتواجدة حاليا بشارع الماريشال أمزيان، هذه البناية المتلاصقة مع فندق ڭرت.
لقد كان فندق الإسلام عرين الأسود، فبالإضافة إلى إتخاذه مقرا من طرف المقاومة الوجدية فقد نزل فيه أعظم رجال أنجبتهم منطقة شمال إفريقي.
ففيه كان ينزل المجاهدين الجزائريين مثل: العربي بن مهيدي، محمد بوضياف، أحمد بن بلة و التونسي حافض إبراهيم و المصري عبد المنعم النجار و السوداني ربان باخرة دينا إبراهيم النيال و كذل قادة المقاومة البيضاوية مثل سعيد بونعيلات و حسن الدين الأعرج.
فقد ساعد مالك أوطيل الإسلام السيد عبد القادر بوعنان المقاومة الوجدية بكل المساعدات، من مأكل و مشرب و مبيت بالمجان و أكثر من ذلك فقد كان يمول المقاومة الوجدية بمدها بكل القنابل التي كان يقتنها من إسبانيا، فقد زود حتى المقاومة بمكناس بالقنابل.
لقد خدم المقاومة المغاربية بكل تفاني حيث نجده يمد الثورة الجزائرية هي الأخرى بالسلاح و خاصة كما قلنا تزويدها بالقنابل ( السعيدي وهيبة: الثورة الجزائرية و مشكلة السلاح).
و من أفضال عبد القادر بوعنان ( إبن ترقاع) على المقاومة الوجدية في الناظور، يقول المقاوم محمد المير الهاشمي، ( إلتقينا بالسيد عبد القادر بوعنان أحد كبار أعيان الناظور هو الذي خطط لنا في سرية للوصول إلى تطوان بعد أن منحنا بطاقات مزورة تحمل أسماء جنود الريكولاريس لأجل ضمان سلامتنا،( محمد الهاشمي المير: شذرات من تاريخ حركات المقاومة بوجدة).
هذا هو السيد عبد القادر بوعنان أحد قامات المقاومة المغربية و المغاربية، ساهم بالنفس و النفيس من أجل بزوغ الحرية في شمال إفريقيا.
لكن سماسرة التاريخ الرسمي، جعلوه إسما منسيا مقابل التطبيل و التهليل لناكرات و ذيول كانت بالأمس محسوبة على كاين الإستعمار الفرنسي.
6- محمد كابوس القلعي: الرجل الذي أدخل الذعر في قلوب الفرنسيين و الخونة بوجدة
محمد كابوس ريفي من منطقة قلعية، بطاقة المقاومة تحمل رقم 411239، عاش ردحا من حياه في الجزائر ناحية تلمسان، فقد عرف عن المقاوم محمد كابوس رفضه لكل أشكال الإحتلال، و هكذا تجمعه علاقة مميزة مع الوطنيين في تلمسان، مما أضطره في أحد الأيام أن يتخاصم مع أحد عناصر الشرطة الفرنسية، فألقي عليه القبض و أتهم بمعادات السلطات الفرنسية و نتيجة ذلك قامت سلطات الإحتلال بتلمسان بطرده إلى مدينة و جدة.
بمدينة وجدة إزداد إيمانه بالمقاومة و البحث عمن يشاركه نفس الأفكار و الأهداف ، فكان لقائه بالمقاوم الكبير السيد المامون التدلاوي، حيث نسق معه كيفية التخطيط و ضرب الأهداف الإستعمارية,
لقد كان محمد كابوس غريب المطالب من حيث كيفية تسليحه!
فهو لم يطلب لا مسدس و لا رشاش و لا بندقية، لقد كان طلبه هو الحصول على أكبر مجموعة من القنابل لا غير ( عماري الطهري: المقاومة بالمغرب الشرقي ج 1 )
أعجبت الفكرة السيد المامون التدلاوي لكن يبقى مشكل التمويل يقول السيد التدلاوي.
فما كان إلى أن بعث الله شخصا يعتبر واحد من الوطنيين الكبار في وجدة و هو السيد العماري الطهري، هذا المقاوم تحمس لمسألة تمويل شراء أكبر ما يمكن من القنابل.
تم التنسيق مع أحمد زياد، ممثل حزب الإستقلال في تطوان، لكن هذا الشخص إمتنع عن تقديم المساعدة فما كان من محمد بوكابوس و عماري الطهيري و التدلاوي إلا الإتصال بالسيد عبد القادر بوعنان صاحب أوطيل إسلام بالناظور، فقد قبل السيد بوعنان أن يتعاون معهم و يتدبر لهم مجموعة من القنابل ( عبد الصادق بوتشيش: أضواء على حركة المقاومة المسلحة ج 1)
و لا ننسى دور المقاوم محمد بن ميلود الذي نقل القنابل ليلا عن طريق البحر بواسطة قارب من رأس الماء إلى السعيدية، و قد سلم بن ميلود إلى المقاوم محمد كابوس ما مجموعه سبعة قنابل، مرسلة من طرف عبد القادر بوعنان (إبن تيرقاع)
لقد أنجز المقاوم محمد كابوس أربع عمليات فدائية
أ- إلقاء قنبلة على المسمى بو حلوفة (طريق الديوانة وجدة)
ب- إلقاء قنبلة على الخائن أحمد بائع خمر (طريق بودير وجدة)
ت- تفجير محل تجاري للخائن المسمى فاصلة
ث- محاولة قتل الخائن فاصلة التي باءت بالفشل
أثناء محاولته لإغتيال الخائن فاصلة حاصرته الشرطة و أصيب في أحد رجليه بالرصاص و تم إعتقاله، لكن أبى أن يفشي أسرار المقاومة و مخططاتها في وجدة رغم التعذيب الذي أذاقوه زبانية الإحتلال الفرنسي
7- ريفيون من جنود الريكولاريس ينضمون إلى المقاومة الوجدية
بمجرد ظهور المقاومة بوجدة و ضواحيها على شكلها الحقيقي، خلق نوع من الغيرة في كل ساكنة الناظور من أعيانها و تجارها و جنودها في صفوف الجيش الإسباني ( الريكولاريس).
فقد شهدت سنة 1954 إنشقاق جنود ناظوريين عن الجيش الإسباني، و بالتالي الإلتحاق بالمقاومة في وجدة وضواحيها.
ومن أوائل الريكولاريس الملتحقين بالمقاومة الوجدية نجد المقاوم البويحياوي محمد بن أمجاهد و المقاوم القضياوي بوزيان رقم بطاقة المقاومة 417715 .
لقد خدما الجيش الإسباني مدة 18 سنة، وكان فرارهم فألا على المقاومة الوجدية، حيث إصطحبوا معهم خمس بنادق رشاشة مرقمة على الشكل التالي 6443 ، 6458، 6438، 6471 و 6491 .
فقد شجع انضمامهم إلى المقاومة عناصر أخرى من جيش الريكولاريس على الإلتحاق بالمقاومة الوجدية، مثل المقاوم بن علي بن أحمد و المقاوم حماد و هما من ولاد ستوت (زايو)
8- حمدون شوراق أسد كبدانة
عرف عن حمدون شوراق علاقته المميزة مع قادة الثورة الجزائرية، وخصوصا الزعيمين العربي بن مهيدي و محمد بوضياف.
يعتبر حمدون المسؤول الأول عن إفراغ الباخرة دينا من الأسلحة 1955
رجل ساهم في خدمة الثورتين المغربية و الجزائرية، يعتبر محمد حمو الإدريسي أحد رفاقه و هو الذي عرفه إلى المهتمين بتاريخ المغرب في كتابه (الحركة الوطنية في شمال المغرب ودورها في تحرير المغرب و الجزائر)، في حين تبقى مذكرات حمدون شوراق المعنونة ب (الباخرة دينا مذكرات من أيام المقاومة) واحدة من المؤلفات المجهولة التي سرد فيها المقاوم معظم أطراف حياته في المقاومة.
و في هذا الكتاب نجد فصلا عن كيفية مساهمته في إنشاء أكثر من 12 خلية في رأس الماء، هدفها ضرب مصالح الإستعمار الفرنسي في بركان التي كانت تابعة في عهد الإستعمار لإقليم وجدة.
فقد إستطاع حمدون شوراق في سنة 1958 الهجوم على أحد المقاهي في بركان يرتادوها جنود فرنسيين و خونة، موقعا فيها عددا لا بأس به من القتلى و الجرحى.
9- عائلة بوزردة بسلوان و دورها في المقاومة بتاوريرت
تعود أصول هذه العائلة إلى منطقة سلوان، فقد عرف عن أفراد عائلة بوزردة حبها للوطن و تفانيها من أجل أداء واجب المقاومة، ومن بين أشهر أفرادها نذكر على سبيل الذكر لا الحصر السادة عبد الوهاب بوزردة و الحسن بوزردة و عمهما الحاج الطاهر بوزردة.
لقد شكلوا خلية فدائية جد نشيطة في تاوريرت تكونت من جميع أطياف المغاربة عرب،أمازيغ، يهود.
يقول المقاوم أحمد العياشي عن هؤلاء اليهود "و مما أثرته عنهم هو أنهم أشد الناس كتمانا لأسرار التنظيم". ( الذاكرة الوطنية ع 2 ،2001)
يقول المقاوم محمد التيس " بعد أن تأسست خلية المقاومة المسلحة بتاوريرت، إنتقلت إلى الناظور، وتدرب أفراد هذه الخلية على إستعمال السلاح على يد عباس المسعدي، كما شاركت في نقل السلاح من باخرة النصر التي رست برأس كبدانة... فكنا نحمل السلاح في نعش كأننا في جنازة و نتجه نحو المقبرة و ندفنه هناك لنقوم بإخراجه عند الحاجة إليه" ( الذاكرة الوطنية ع 2، 2001)
و عن عائلة بوزردة يحكي المقاوم عبد الله الوكوتي:
" إن عائلة بوزردة لما طردت من مدينة تاوريرت إلى سلوان بقيت وفية لمبادئها تجاه المقاومة، فمن خلال وجودها بسلوان خلقت متاعب لسلطات الإحتلال الفرنسي في تاوريرت حيث كانت تشن هجومات من فينة لأخرى، كهجومها على الجنود الفرنسيين في ماركشوم رغم سقوط الثلوج و كذلك هجومها على محطة القطار العڭرب."
ومن مقاومي سلوان ضد الإحتلال الفرنسي بمنطقة وجدة و ضواحيها المقاوم أحمد بن مبارك المعروف بأحمد أعراب.
هذا الرجل قدم الكثير للمقاومة في وجدة و تاوريرت و بركان ( عبد الصادق بوتشيش: أضواء على حركة المقاومة المسلحة).
10- محمد بلهاشمي الميري أحد رفاق بن عبد الكريم الخطابي
في سنة 1948، شارك في الحرب العربية الإسرائيلية فكان من المتطوعين الذين أرسلهم محمد بن عبد الكريم الخطاب من أجل تحرير فلسطين، تحت قيادة العقيد محمد الهاشمي الطود.
فقد كان هذا الجيش الريفي يتكون من 300 مجاهد ( طلبة،حجاج، مقاومين) فبعد الهزيمة أمره الخطابي بالعودة إلى وجدة قائلا له : إن دورك ينتظرك هناك، فما عليك سوى أن توظف خبرتك الجهادية في غزة من أجل تحرير بلدك المغرب.
فقد كان محمد بلهاشمي واحدا من مفجري ثورة 16 غشت 1953 بوجدة.
بعد إنكشاف إسمه إضطر بلهاشمي للفرار إلى الناظور، ومن هناك أسس خلايا مقاومة لضرب الأهداف العسكرية الفرنسية في وجدة.
فكانت أولى عملياته الهجوم على أحد المقاهي يرتادها الجنود الفرنسيين و الخونة، حيث تمت هذه العملية بنجاح بحيث أسفرت عن مقتل إثنين من الخونة.
كان الكوماندوس متكون من مقاومين: محمد بن ميلود، محمد معمار و بن عبد الله رابح و لكحل سرسر، و قد إنطلق هذا الكوماندوس من الناظور حاملا معه أحدث الأسلحة و قد شملت العمليات الأخرى ضرب المواقع العسكرية في كل الكربوز و عين الصفاء و بن يسبو و سيدي موسى.
و قد عادت جميع عناصر هذا الكوماندوس سالما إلى الناظور ( محمد بن بوزيان الدرفوفي: من أجلك يا بلادي).
أما العملية الثانية التي تحسب من الإنجازات الكبيرة و التاريخية للمقاوم محمد بلهاشمي هو إرساله لكوماندوس ثاني من الناظور،هذه المرة لضرب في عمق مدينة وجدة و المناسبة الإنتقام لإغتيال السلطات الفرنسية للمقاوم الكبير الشهيد محمد الدرفوفي.
فمباشرة بعد علم السيد محمد الهاشمي الميري بإغتيال المقاوم محمد الدرفوفي بتاريخ 11 نوفمبر1954 ( الحبيب الدرفوفي: شيء من الماضي)
أرسل بلهاشمي كوماندوس من الناظور للقيام بمهمة فدائية في غاية الأهمية و هي الهجوم على حانة الشمس بحي طوبة، و قد أسفرت العملية الفدائية عن مقتل 6 فرنسيين و جرح 12 أخرين، وبعد نجاح المهمة عادة الكوماندوس إلى الناظور سالما غانما، و قد كان يتكون الكوماندوس من المقاومين: مهداوي محمد، مديوني الهمالي و الدرويش المهدي و مصطفى و لد رمضان و المقام الريفي مبارك الكبداني.
خاتمة
أسماء كثيرة سردنها في هذه المقالة حكم عليها بالنسيان لتستبدل بأسماء نكرة أرادوا أن يوهمونا على أنها هي التي صنعت التحرير و جلبت لنا الإستقلال
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار