حاوره: مصطفى الحجري*
بعد يوم واحد عن إعلان تشكيلة المكتب السياسي الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، انتفض محمد بودرا، رئيس بلدية الحسيمة، والقيادي السابق في الحزب، على الطريقة التي طبعت تعامل قيادة الحزب مع العناصر المنتمية إلى الريف، وقال وقتها إن إقصاء الريفيين “عنصرية حقيقية”. في هذا الحوار يشرح بودرا، الرئيس السابق لجهة تازة الحسيمة تاونات، موقفه من الحزب ومن القيادة الجديدة، معتبرا أن التعامل مع الريفيين بمنطق جغرافي “يهدد وحدة المغاربة”. في الحوار يبسط بودرا رؤيته لعلاقة الريف بالملكية وتعامل الحكومة مع زلزال الحسيمة..وقضايا أخرى.
– انتهى المؤتمر الوطني الأخير، وخرجت بتصريح غاضب من إقصاء الريفيين من تشكيلة المكتب السياسي، وبدا أن إلياس العماري، الأمين العام الجديد للحزب، رضخ للكثير من الضغوطات التي مورست على الحزب قبيل موعد المؤتمر بشأن هيمنة ما أصبح يعرف بالتيار الريفي على الحزب، كيف تفسر تشكيلة المكتب السياسي للحزب؟
أعتقد أنه وقع نوع من تحريف النقاش داخل هياكل الحزب حول الأهلية للوصول إلى المكتب السياسي، فعوض أن يتم الاحتكام إلى معايير الكفاءة والخبرة السياسية وفهم توجهات الحزب بعد انعقاد مؤتمره الأخير، أصبح النقاش ذا بعد ضيق تطغى عليه حسابات جهوية وقبلية ضيقة. «البام» حزب وطني يضم بين ثناياه شخصيات وطنية بغض النظر عن انتمائها الجغرافي. لكن، للأسف، آثر البعض، أو بصيغة أخرى استعذب هذا النقاش الذي أراه مغلوطا من أساسه. قد تكون مثل هذه الاتهامات مفهومة ومعقولة إذا أتت من خارج الحزب لأنه من صميم التدافع السياسي، لكن ما ليس مفهوما بتاتا هو أن يغذي أعضاء من داخل حزب الأصالة والمعاصرة هذا النقاش في اتجاه سلبي يمس صورة حزبنا قبل كل شيء.
– أفهم من كلامك أن القول بسيطرة التيار الريفي يشبه دعوات عنصرية تذكيها النعرات القبلية.
أرى أنا هذه الدعوات لا تفضي إلى أي نتيجة سوى أنها تحاول تقسيم المغاربة بمعيار قبلي ضيق جدا، بل الأنكى من ذلك أن النقاش سيؤدي إلى تبلور فهم لدى الناس بأن المغرب ليس موحدا، والحال أن العكس هو الصحيح، لأن المغاربة موحدون منذ قرون ولم يذعنوا يوما لخطابات التفرقة من أي جهة كانت. أدعو حقا الذين يتبنون خطاب التمييز إلى الكف عن ذلك، إذ لا يفهمون في ذروة الحماس أنهم يزرعون الفتنة وروح الانقسامية. وأعتقد في هذا الصدد أن جميع الجهات المغربية بدون استثناء ساهمت في صنع تاريخ المغرب بتعدد روافده وثقافاته، وكل الجهات، فوق ذلك، ساهمت في الذود عن الوحدة الترابية. لقد ألفنا أن ينعتنا الآخرون بأننا انفصاليون، ولا نحب المغرب، وأنه بالنسبة إلينا ليس سوى مجال لزراعة المخدرات، بينما سكان الريف متشبثون بوطنيتهم وبملكهم، وتاريخ المنطقة يشهد أن الريف أنجب شخصيات وازنة في جميع المجالات مثل طارق بن زياد ومحمد بن عبد الكريم الخطابي والشريف محمد أمزيان، وهي كلها شخصيات ساهمت بقسط وافر في الدفاع عن وحدة المغرب وعن وحدته الترابية، ثم يأتي البعض ويمحو ذلك بجرة قلم، لكنهم لن يفلحوا في ذلك. ما لا يفهمه كثيرون أن الريفيين لم يكونوا يدافعون عن الريف فقط، بل عن كل المغرب، وهنا لا بد من استحضار دور الريفيين في جيش مولاي إسماعيل، الذين حرروا طنجة والعرائش من الإنجليز، ثم في وقت لاحق دورهم من أجل تحرير الصحراء المغربية، ولا يتسع هنا المقام لتعداد مساهمة الريفيين في تاريخ المغرب. صراحة، لا أفهم لماذا يوجهون أصابع الاتهام إلى الريفيين في كل مرة، رغم أنهم كجميع المغاربة.
– هل تعتقد أن اتهام العماري، ومعه الأعضاء المنتمون إلى الريف، يحمل نية مبيتة أو مقصودة؟
يمكن أن يحتمل الأمر الوجهين، أي أنه مقصود في بعض الأحيان وغير مقصود في أحايين أخرى. هناك، مثلا، من يوظف هذه الورقة بطريقة غير مشروعة في صراعه حول التموقع في الحزب.
– كل الذين سبق لهم أن انتقدوا «ترييف الحزب» صاروا أعضاء في المكتب السياسي، ما مبعث كل هذا التناقض؟
على كل حال، فإن المكتب السياسي لم ينتخبه المؤتمر، بل أعضاء المجلس الوطني، الذي يعتبر أكبر هيئة مقررة في الحزب. ما أريده حقا، بعيدا عن أي ضغينة، لأني لم أتعلم أن أكنها لأحد، هو أن يثبت المكتب السياسي نجاعته، ولن يتأتى ذلك إلا بالابتعاد ما أمكن عن الخطابات التي تقيم الفرق بين المغاربة وتميز بينهم بطريقة غير لائقة. إذا كان هدف هؤلاء من وراء الهجوم على الريفيين هو الوصول إلى المكتب السياسي، فهم الآن أعضاء فيه. بمعنى آخر، لم يعد لديهم أي مسوغ لتبرير فشلهم في العمل أو في تنزيل الأفكار والرؤى التي خرج بها المؤتمر الأخير.
– الكثير من قياديي المكتب السياسي للحزب صرحوا بأن الحزب قادر على احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، عَلامَ يستندون في ذلك ليساورهم كل هذا التفاؤل؟
أعتقد أن هذا الرهان مقترن بالدرجة الأولى بقدرة الحزب على استيعاب كل طاقاته دون إقصاء أحد مهما كانت أفكاره وتصوراته حول تدبير الحزب مختلفة، لأننا في حزب يؤمن بالاختلاف وليس حزبا حنبليا جامدا لا يتحرك فيه أحد. يجب في الوقت الراهن الاتصال بكل الطاقات الحزبية التي تؤمن بمشروع «البام»، والتي يمكن أن تكون غاضبة لسبب أو لآخر، لأن ما يهمنا في نهاية المطاف هو قوة الحزب، وقوة الحزب في اختلافه، وهذا ما ينبغي على المكتب السياسي أن يعيه جيدا.
– أنت رئيس لبلدية الحسيمة، كيف نظرت إلى تعامل الحكومة مع حدث الزلزال الذي بلغت قوته 6.3 درجات على سلم ريشتر؟
أولا، أريد أن أشكر كل مكونات الشعب المغربي على الدعم الكبير الذي أعلنوه مع سكان إقليم الحسيمة والأقاليم التي ضربها الزلزال العنيف. قد يبدو الشكر للبعض أمرا غير ذي جدوى. لكنه، في تقديري، أمر ضروري جدا لأنه أثبت مرة أخرى مدى تلاحم الأمة المغربية. بالفعل كان هناك نقص للتواصل بين الحكومة والمواطنين، إذ لم تستطع الحكومة أن توصل المعلومة الحقيقية إلى السكان. ونحن في هذه اللحظة، التي أجري فيها معك هذا الحوار، نعيش حالة من الرعب بسبب توالي الهزات الارتدادية التي يكون بعضها عنيفا، وقد أدى غياب التواصل إلى انتشار الشائعات، التي تمت تغذيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وثمة شائعات صدقها الناس تصديقا غريبا كأن يضرب زلزال عنيف المدينة، بعد تصريحات خبير إسباني، فلو كان التواصل جيدا لما حدث ذلك على الإطلاق. المواطنون في الحسيمة مطالبهم بسيطة للغاية، وهي أن توفر لهم الدولة والحكومة الحقيقة فيما يجري ولا تتركهم لقمة سائغة تنهشها الشائعات من كل جانب. أنا أتفهم مدارك الناس وأفهامهم، خاصة الذين عايشوا لحظة زلزال 2004، حيث مشاهد الموت والخراب المنتشرة في كل مكان، وأتفهم أيضا سهولة تصديقهم للشائعات، لكن ما لم أتفهمه كيف أن الحكومة ترى كل شيء، ثم لا تتواصل بشكل جيد مع المواطنين.
– مضت أكثر من 24 ساعة على الزلزال، ولم تعلن الحكومة عن أي شيء، والناس هذه المرة عقدوا مقارنة بين تعامل الحكومة الإسبانية مع زلزال مليلية وتعامل الحكومة المغربية مع زلزال الحسيمة، كيف تفسر هذا التأخر في التدخل؟
أتصور أن الحكومة كان لديها سوء تقدير كبير للأوضاع التي كانت سائدة في المناطق التي ضربها الزلزال، خاصة في إقليم الحسيمة الذي لم يبرأ بعد، على المستوى النفسي أتحدث، من تبعات زلزال 2004، ولذلك تأخرت في التحرك. وهنا يجب أن أسجل أن الإعلام الرسمي مازال متخلفا، إذ أثبتت الكارثة الأخيرة أنه خارج السياق بالمقارنة مع تغطية الإعلام الأوربي المتقدم، فكيف تفهم أن زلزالا ضرب في الرابعة صباحا ولم يعلن عنه بشكل رسمي في التلفزة إلى في الواحدة زوالا؟ هل ترى الأمر معقولا؟ لا أبدا، فالإعلام كان حريا عليه أن يكون الواجهة الأولى لمواجهة الإشاعات التي تناسلت بشكل غريب في الأيام الأولى التي تلت الزلزال. وأضيف أن التجربة بينت مرة ثانية أن تدبير الكوارث الطبيعية، وليس زلزال الحسيمة فقط، أبان عن ضعف كبير للحكومة في التعامل بجدية مع الموضوع. أسوق لك مثالا، كي أوضح ما أقول، فالجميع يعرف أن الحسيمة منطقة تشهد نشاطا زلزاليا كثيفا، إذ يمكن في أي لحظة أن تهتز الأرض من تحت أقدام السكان، وبالتالي ينبغي على الحكومة أن تتوفر على خطة مسبقة للتعامل مع الزلازل لحماية السكان وتطمينهم أيضا.
– من سنة 2004 إلى الآن، كان على الحكومة أن تتوفر، على الأقل، على حزمة من الإجراءات لاستباق الزلزال، ما الذي تحقق طيلة 12 سنة؟
الذي تحقق، ويجب الإشادة به، أن المنازل التي كانت تشيد في العالم القروي أصبحت تحترم معايير البناء المضاد للزلازل، ولا يمكن التساهل أو التسامح مع هذا الأمر، أيا كانت الظروف، حيث كانت هذه المنازل سببا رئيسا في وفاة أكثر من 600 شخص سنة 2004، ويبدو الوضع الآن مختلفا حيث صارت المباني أكثر متانة وقادرة على تحمل هزات عنيفة. من ناحية أخرى، حصل تقدم بالغ فيما يخص إمكانيات الوقاية المدنية، إذ أصبحت تمتلك وسائل التدخل السريع والإنقاذ والخيام ووسائل أخرى متقدمة جدا للتعاطي مع أي زلزال مرتقب، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي جدا، ففي سنة 2004 كان البطء في التدخل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى وفاة الكثير من الأشخاص. إلا أن وضعية مستشفى محمد الخامس تبعث على الكثير من القلق لأن الأشغال فيه بدأت سنة 2008 ولم تنته إلى حدود اليوم، وقد سبق لي أن قلت للحسين الوردي، وزير الصحة، إنه دخل الحكومة فوجد الأشغال جارية وسيخرج منها والأشغال مازالت كما كانت، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول القدرة الاستيعابية للمستشفى ومدى جاهزيته للتعاطي مع أي كارثة طبيعية. في تقديري المتواضع، لا يزال المستشفى، في الفترة الحالية، غير جاهز مادامت الأشغال لم تكتمل بعد، ولاشك أن الزلزال الأخير شكل إنذارا حقيقيا للمسؤولين عن القطاع الصحي. ولأن الحسيمة منطقة صعبة الولوج ولأن الطريق بين تازة والحسيمة تأخرت كثيرا، طالبنا في المجلس البلدي للحسيمة بإحداث مستشفى عسكري على غرار الكثير من المدن المغربية لنتوفر على بنية صحية قوية قادرة على التعامل مع جميع الاحتمالات، وهو مطلب تتبناه الساكنة وتريده. طبعا، ننحن ننتظر إنجاز مشروع «منارة المتوسط» الذي قدم إلى صاحب الجلالة، لكن ما هو مهم الآن هو أن الحسيمة منطقة زلزالية وينبغي أن توفر لها جميع البنيات.
– من يغذي طرح أن «البام» صار حزبا ريفيا وليس حزبا مغربيا؟
الذين يروجون لمثل هاته الإشاعات معروفون ونعرف نواياهم ومقاصدهم، وندرك أنهم يحاربون بشراسة مشروع الجهوية الموسعة ولا يريدون، مهما كانت الظروف، أن تكون هناك جهات قوية بالمغرب لأنهم ألفوا امتيازات المركز، وليسوا مستعدين إطلاقا أن يتخلوا عن هاته الامتيازات، ولذلك يلجؤون إلى منطق التقسيم القبلي المقيت. إنها ذريعة من بين ذرائع أخرى يختلقونها كل يوم من أجل نسف مشروع الجهوية الموسعة في مهدها، لكن صدقني لن يفلحوا في ذلك، سواء على الأمد القريب أو البعيد، لأن حلمنا أقوى من إرادة الكسر والهدم التي يتقنونها كثيرا، وعلى هذا الأساس لا يجب على البعض أن ينساق وراء هاته الدعوات، التي تكون في الكثير من المرات مقصودة أو قل «مخدومة» إذا شئت الدقة أكثر. بطبيعة الحال هناك خصوم المغرب في الخارج وخصوم الوحدة الترابية يزكون الطرح ويسعون نحو تأبيده والإبقاء عليه بأي طريقة. لكن نحمد الله أن لدينا ملكا، حفظه الله، يزور المنطقة ويتجاوب مع مطالب الساكنة ويتواصل مباشرة مع المواطنين، سواء القاطنين بالمدينة أو بالخارج، وجلالة الملك يعرف جيدا أن الريفيين متعلقون بالمغرب وبوحدته الترابية ومستعدون للتضحية بكل شيء في سبيل الوطن. لا أقول هذا ليفهم الناس أني أدافع عن كون الريفيين ليسوا انفصاليين لأننا لم نكن كذلك يوما ولن نكون. بعض المرات أصاب بالدوار وأنا أقرأ بعض المسوغات التي يدلي بها هؤلاء الذين يغذون هذه النزعات، فأقول لنفسي: ألا يستحون؟ ألم يحن الوقت بعد للكف عن هذا الخطاب؟ لكن يبدو أن قضم جزء كبير من سلطاتهم الاقتصادية والسياسية لم يعجبهم ولم يهضموه بعد. هل رأيت كيف حورب إلياس العماري من طرف كثيرين فقط لأنه ابن الريف؟ أليس من حق الريفيين أن يتبوؤوا مناصب في الأحزاب؟ هل ينتمون إلى كوكب آخر؟ ثم لِمَ حورب إلياس بتلك الطريقة قبل المؤتمر؟ أتصور أن الأمر كان معدا سلفا لنسف جهوده في الوصول إلى الأمانة العاملة، لكنه وصل. ثمة تخوفات لدى بعض الأوساط من أن الريفيين لا يمكن الوثوق بهم، وهي تخوفات ليست مسنودة على أي أساس، ولا أعرف من أين أتوا بهاته الاستنتاجات، ولن أقبل يوما أن يتم إقصاء أي شخص بسبب انتمائه الجغرافي.
– بينت الكثير من المحطات أن ثمة سوء فهم كبير بينك وبين إلياس العماري، إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الاستنتاج صحيحا؟
لا، لا، أبدا، ليس هناك أي خلاف بيني وبين العماري، وتسود علاقة احترام كبيرة بيننا، ونحن نشتغل معا منذ الزيارة الأولى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى إقليم الحسيمة، ونتعاون كثيرا لحل مشاكل الساكنة وتلبية مطالبها، وما يقال عن سوء الفهم بيني وبينه غير صحيح بتاتا. بطبيعة الحال، لا يخلو التعاون بيني وبينه من بعض نقاط الخلاف، فهذا أمر عادي جدا، أما أن يفهم البعض ذلك بالطريقة التي يريدون، فذاك شأنهم وتلك طريقتهم. نحن زملاء في نفس الحزب، ولا بد من الاختلاف.
رأيي في هذه الأسماء..
نبيل بن عبد الله : سياسي ذكي
إلياس العماري : مناضل وإنسان
عبد اللطيف وهبي : محام ناجح
*جريدة المساء
بعد يوم واحد عن إعلان تشكيلة المكتب السياسي الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، انتفض محمد بودرا، رئيس بلدية الحسيمة، والقيادي السابق في الحزب، على الطريقة التي طبعت تعامل قيادة الحزب مع العناصر المنتمية إلى الريف، وقال وقتها إن إقصاء الريفيين “عنصرية حقيقية”. في هذا الحوار يشرح بودرا، الرئيس السابق لجهة تازة الحسيمة تاونات، موقفه من الحزب ومن القيادة الجديدة، معتبرا أن التعامل مع الريفيين بمنطق جغرافي “يهدد وحدة المغاربة”. في الحوار يبسط بودرا رؤيته لعلاقة الريف بالملكية وتعامل الحكومة مع زلزال الحسيمة..وقضايا أخرى.
– انتهى المؤتمر الوطني الأخير، وخرجت بتصريح غاضب من إقصاء الريفيين من تشكيلة المكتب السياسي، وبدا أن إلياس العماري، الأمين العام الجديد للحزب، رضخ للكثير من الضغوطات التي مورست على الحزب قبيل موعد المؤتمر بشأن هيمنة ما أصبح يعرف بالتيار الريفي على الحزب، كيف تفسر تشكيلة المكتب السياسي للحزب؟
أعتقد أنه وقع نوع من تحريف النقاش داخل هياكل الحزب حول الأهلية للوصول إلى المكتب السياسي، فعوض أن يتم الاحتكام إلى معايير الكفاءة والخبرة السياسية وفهم توجهات الحزب بعد انعقاد مؤتمره الأخير، أصبح النقاش ذا بعد ضيق تطغى عليه حسابات جهوية وقبلية ضيقة. «البام» حزب وطني يضم بين ثناياه شخصيات وطنية بغض النظر عن انتمائها الجغرافي. لكن، للأسف، آثر البعض، أو بصيغة أخرى استعذب هذا النقاش الذي أراه مغلوطا من أساسه. قد تكون مثل هذه الاتهامات مفهومة ومعقولة إذا أتت من خارج الحزب لأنه من صميم التدافع السياسي، لكن ما ليس مفهوما بتاتا هو أن يغذي أعضاء من داخل حزب الأصالة والمعاصرة هذا النقاش في اتجاه سلبي يمس صورة حزبنا قبل كل شيء.
– أفهم من كلامك أن القول بسيطرة التيار الريفي يشبه دعوات عنصرية تذكيها النعرات القبلية.
أرى أنا هذه الدعوات لا تفضي إلى أي نتيجة سوى أنها تحاول تقسيم المغاربة بمعيار قبلي ضيق جدا، بل الأنكى من ذلك أن النقاش سيؤدي إلى تبلور فهم لدى الناس بأن المغرب ليس موحدا، والحال أن العكس هو الصحيح، لأن المغاربة موحدون منذ قرون ولم يذعنوا يوما لخطابات التفرقة من أي جهة كانت. أدعو حقا الذين يتبنون خطاب التمييز إلى الكف عن ذلك، إذ لا يفهمون في ذروة الحماس أنهم يزرعون الفتنة وروح الانقسامية. وأعتقد في هذا الصدد أن جميع الجهات المغربية بدون استثناء ساهمت في صنع تاريخ المغرب بتعدد روافده وثقافاته، وكل الجهات، فوق ذلك، ساهمت في الذود عن الوحدة الترابية. لقد ألفنا أن ينعتنا الآخرون بأننا انفصاليون، ولا نحب المغرب، وأنه بالنسبة إلينا ليس سوى مجال لزراعة المخدرات، بينما سكان الريف متشبثون بوطنيتهم وبملكهم، وتاريخ المنطقة يشهد أن الريف أنجب شخصيات وازنة في جميع المجالات مثل طارق بن زياد ومحمد بن عبد الكريم الخطابي والشريف محمد أمزيان، وهي كلها شخصيات ساهمت بقسط وافر في الدفاع عن وحدة المغرب وعن وحدته الترابية، ثم يأتي البعض ويمحو ذلك بجرة قلم، لكنهم لن يفلحوا في ذلك. ما لا يفهمه كثيرون أن الريفيين لم يكونوا يدافعون عن الريف فقط، بل عن كل المغرب، وهنا لا بد من استحضار دور الريفيين في جيش مولاي إسماعيل، الذين حرروا طنجة والعرائش من الإنجليز، ثم في وقت لاحق دورهم من أجل تحرير الصحراء المغربية، ولا يتسع هنا المقام لتعداد مساهمة الريفيين في تاريخ المغرب. صراحة، لا أفهم لماذا يوجهون أصابع الاتهام إلى الريفيين في كل مرة، رغم أنهم كجميع المغاربة.
– هل تعتقد أن اتهام العماري، ومعه الأعضاء المنتمون إلى الريف، يحمل نية مبيتة أو مقصودة؟
يمكن أن يحتمل الأمر الوجهين، أي أنه مقصود في بعض الأحيان وغير مقصود في أحايين أخرى. هناك، مثلا، من يوظف هذه الورقة بطريقة غير مشروعة في صراعه حول التموقع في الحزب.
– كل الذين سبق لهم أن انتقدوا «ترييف الحزب» صاروا أعضاء في المكتب السياسي، ما مبعث كل هذا التناقض؟
على كل حال، فإن المكتب السياسي لم ينتخبه المؤتمر، بل أعضاء المجلس الوطني، الذي يعتبر أكبر هيئة مقررة في الحزب. ما أريده حقا، بعيدا عن أي ضغينة، لأني لم أتعلم أن أكنها لأحد، هو أن يثبت المكتب السياسي نجاعته، ولن يتأتى ذلك إلا بالابتعاد ما أمكن عن الخطابات التي تقيم الفرق بين المغاربة وتميز بينهم بطريقة غير لائقة. إذا كان هدف هؤلاء من وراء الهجوم على الريفيين هو الوصول إلى المكتب السياسي، فهم الآن أعضاء فيه. بمعنى آخر، لم يعد لديهم أي مسوغ لتبرير فشلهم في العمل أو في تنزيل الأفكار والرؤى التي خرج بها المؤتمر الأخير.
– الكثير من قياديي المكتب السياسي للحزب صرحوا بأن الحزب قادر على احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، عَلامَ يستندون في ذلك ليساورهم كل هذا التفاؤل؟
أعتقد أن هذا الرهان مقترن بالدرجة الأولى بقدرة الحزب على استيعاب كل طاقاته دون إقصاء أحد مهما كانت أفكاره وتصوراته حول تدبير الحزب مختلفة، لأننا في حزب يؤمن بالاختلاف وليس حزبا حنبليا جامدا لا يتحرك فيه أحد. يجب في الوقت الراهن الاتصال بكل الطاقات الحزبية التي تؤمن بمشروع «البام»، والتي يمكن أن تكون غاضبة لسبب أو لآخر، لأن ما يهمنا في نهاية المطاف هو قوة الحزب، وقوة الحزب في اختلافه، وهذا ما ينبغي على المكتب السياسي أن يعيه جيدا.
– أنت رئيس لبلدية الحسيمة، كيف نظرت إلى تعامل الحكومة مع حدث الزلزال الذي بلغت قوته 6.3 درجات على سلم ريشتر؟
أولا، أريد أن أشكر كل مكونات الشعب المغربي على الدعم الكبير الذي أعلنوه مع سكان إقليم الحسيمة والأقاليم التي ضربها الزلزال العنيف. قد يبدو الشكر للبعض أمرا غير ذي جدوى. لكنه، في تقديري، أمر ضروري جدا لأنه أثبت مرة أخرى مدى تلاحم الأمة المغربية. بالفعل كان هناك نقص للتواصل بين الحكومة والمواطنين، إذ لم تستطع الحكومة أن توصل المعلومة الحقيقية إلى السكان. ونحن في هذه اللحظة، التي أجري فيها معك هذا الحوار، نعيش حالة من الرعب بسبب توالي الهزات الارتدادية التي يكون بعضها عنيفا، وقد أدى غياب التواصل إلى انتشار الشائعات، التي تمت تغذيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وثمة شائعات صدقها الناس تصديقا غريبا كأن يضرب زلزال عنيف المدينة، بعد تصريحات خبير إسباني، فلو كان التواصل جيدا لما حدث ذلك على الإطلاق. المواطنون في الحسيمة مطالبهم بسيطة للغاية، وهي أن توفر لهم الدولة والحكومة الحقيقة فيما يجري ولا تتركهم لقمة سائغة تنهشها الشائعات من كل جانب. أنا أتفهم مدارك الناس وأفهامهم، خاصة الذين عايشوا لحظة زلزال 2004، حيث مشاهد الموت والخراب المنتشرة في كل مكان، وأتفهم أيضا سهولة تصديقهم للشائعات، لكن ما لم أتفهمه كيف أن الحكومة ترى كل شيء، ثم لا تتواصل بشكل جيد مع المواطنين.
– مضت أكثر من 24 ساعة على الزلزال، ولم تعلن الحكومة عن أي شيء، والناس هذه المرة عقدوا مقارنة بين تعامل الحكومة الإسبانية مع زلزال مليلية وتعامل الحكومة المغربية مع زلزال الحسيمة، كيف تفسر هذا التأخر في التدخل؟
أتصور أن الحكومة كان لديها سوء تقدير كبير للأوضاع التي كانت سائدة في المناطق التي ضربها الزلزال، خاصة في إقليم الحسيمة الذي لم يبرأ بعد، على المستوى النفسي أتحدث، من تبعات زلزال 2004، ولذلك تأخرت في التحرك. وهنا يجب أن أسجل أن الإعلام الرسمي مازال متخلفا، إذ أثبتت الكارثة الأخيرة أنه خارج السياق بالمقارنة مع تغطية الإعلام الأوربي المتقدم، فكيف تفهم أن زلزالا ضرب في الرابعة صباحا ولم يعلن عنه بشكل رسمي في التلفزة إلى في الواحدة زوالا؟ هل ترى الأمر معقولا؟ لا أبدا، فالإعلام كان حريا عليه أن يكون الواجهة الأولى لمواجهة الإشاعات التي تناسلت بشكل غريب في الأيام الأولى التي تلت الزلزال. وأضيف أن التجربة بينت مرة ثانية أن تدبير الكوارث الطبيعية، وليس زلزال الحسيمة فقط، أبان عن ضعف كبير للحكومة في التعامل بجدية مع الموضوع. أسوق لك مثالا، كي أوضح ما أقول، فالجميع يعرف أن الحسيمة منطقة تشهد نشاطا زلزاليا كثيفا، إذ يمكن في أي لحظة أن تهتز الأرض من تحت أقدام السكان، وبالتالي ينبغي على الحكومة أن تتوفر على خطة مسبقة للتعامل مع الزلازل لحماية السكان وتطمينهم أيضا.
– من سنة 2004 إلى الآن، كان على الحكومة أن تتوفر، على الأقل، على حزمة من الإجراءات لاستباق الزلزال، ما الذي تحقق طيلة 12 سنة؟
الذي تحقق، ويجب الإشادة به، أن المنازل التي كانت تشيد في العالم القروي أصبحت تحترم معايير البناء المضاد للزلازل، ولا يمكن التساهل أو التسامح مع هذا الأمر، أيا كانت الظروف، حيث كانت هذه المنازل سببا رئيسا في وفاة أكثر من 600 شخص سنة 2004، ويبدو الوضع الآن مختلفا حيث صارت المباني أكثر متانة وقادرة على تحمل هزات عنيفة. من ناحية أخرى، حصل تقدم بالغ فيما يخص إمكانيات الوقاية المدنية، إذ أصبحت تمتلك وسائل التدخل السريع والإنقاذ والخيام ووسائل أخرى متقدمة جدا للتعاطي مع أي زلزال مرتقب، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي جدا، ففي سنة 2004 كان البطء في التدخل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى وفاة الكثير من الأشخاص. إلا أن وضعية مستشفى محمد الخامس تبعث على الكثير من القلق لأن الأشغال فيه بدأت سنة 2008 ولم تنته إلى حدود اليوم، وقد سبق لي أن قلت للحسين الوردي، وزير الصحة، إنه دخل الحكومة فوجد الأشغال جارية وسيخرج منها والأشغال مازالت كما كانت، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول القدرة الاستيعابية للمستشفى ومدى جاهزيته للتعاطي مع أي كارثة طبيعية. في تقديري المتواضع، لا يزال المستشفى، في الفترة الحالية، غير جاهز مادامت الأشغال لم تكتمل بعد، ولاشك أن الزلزال الأخير شكل إنذارا حقيقيا للمسؤولين عن القطاع الصحي. ولأن الحسيمة منطقة صعبة الولوج ولأن الطريق بين تازة والحسيمة تأخرت كثيرا، طالبنا في المجلس البلدي للحسيمة بإحداث مستشفى عسكري على غرار الكثير من المدن المغربية لنتوفر على بنية صحية قوية قادرة على التعامل مع جميع الاحتمالات، وهو مطلب تتبناه الساكنة وتريده. طبعا، ننحن ننتظر إنجاز مشروع «منارة المتوسط» الذي قدم إلى صاحب الجلالة، لكن ما هو مهم الآن هو أن الحسيمة منطقة زلزالية وينبغي أن توفر لها جميع البنيات.
– من يغذي طرح أن «البام» صار حزبا ريفيا وليس حزبا مغربيا؟
الذين يروجون لمثل هاته الإشاعات معروفون ونعرف نواياهم ومقاصدهم، وندرك أنهم يحاربون بشراسة مشروع الجهوية الموسعة ولا يريدون، مهما كانت الظروف، أن تكون هناك جهات قوية بالمغرب لأنهم ألفوا امتيازات المركز، وليسوا مستعدين إطلاقا أن يتخلوا عن هاته الامتيازات، ولذلك يلجؤون إلى منطق التقسيم القبلي المقيت. إنها ذريعة من بين ذرائع أخرى يختلقونها كل يوم من أجل نسف مشروع الجهوية الموسعة في مهدها، لكن صدقني لن يفلحوا في ذلك، سواء على الأمد القريب أو البعيد، لأن حلمنا أقوى من إرادة الكسر والهدم التي يتقنونها كثيرا، وعلى هذا الأساس لا يجب على البعض أن ينساق وراء هاته الدعوات، التي تكون في الكثير من المرات مقصودة أو قل «مخدومة» إذا شئت الدقة أكثر. بطبيعة الحال هناك خصوم المغرب في الخارج وخصوم الوحدة الترابية يزكون الطرح ويسعون نحو تأبيده والإبقاء عليه بأي طريقة. لكن نحمد الله أن لدينا ملكا، حفظه الله، يزور المنطقة ويتجاوب مع مطالب الساكنة ويتواصل مباشرة مع المواطنين، سواء القاطنين بالمدينة أو بالخارج، وجلالة الملك يعرف جيدا أن الريفيين متعلقون بالمغرب وبوحدته الترابية ومستعدون للتضحية بكل شيء في سبيل الوطن. لا أقول هذا ليفهم الناس أني أدافع عن كون الريفيين ليسوا انفصاليين لأننا لم نكن كذلك يوما ولن نكون. بعض المرات أصاب بالدوار وأنا أقرأ بعض المسوغات التي يدلي بها هؤلاء الذين يغذون هذه النزعات، فأقول لنفسي: ألا يستحون؟ ألم يحن الوقت بعد للكف عن هذا الخطاب؟ لكن يبدو أن قضم جزء كبير من سلطاتهم الاقتصادية والسياسية لم يعجبهم ولم يهضموه بعد. هل رأيت كيف حورب إلياس العماري من طرف كثيرين فقط لأنه ابن الريف؟ أليس من حق الريفيين أن يتبوؤوا مناصب في الأحزاب؟ هل ينتمون إلى كوكب آخر؟ ثم لِمَ حورب إلياس بتلك الطريقة قبل المؤتمر؟ أتصور أن الأمر كان معدا سلفا لنسف جهوده في الوصول إلى الأمانة العاملة، لكنه وصل. ثمة تخوفات لدى بعض الأوساط من أن الريفيين لا يمكن الوثوق بهم، وهي تخوفات ليست مسنودة على أي أساس، ولا أعرف من أين أتوا بهاته الاستنتاجات، ولن أقبل يوما أن يتم إقصاء أي شخص بسبب انتمائه الجغرافي.
– بينت الكثير من المحطات أن ثمة سوء فهم كبير بينك وبين إلياس العماري، إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الاستنتاج صحيحا؟
لا، لا، أبدا، ليس هناك أي خلاف بيني وبين العماري، وتسود علاقة احترام كبيرة بيننا، ونحن نشتغل معا منذ الزيارة الأولى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى إقليم الحسيمة، ونتعاون كثيرا لحل مشاكل الساكنة وتلبية مطالبها، وما يقال عن سوء الفهم بيني وبينه غير صحيح بتاتا. بطبيعة الحال، لا يخلو التعاون بيني وبينه من بعض نقاط الخلاف، فهذا أمر عادي جدا، أما أن يفهم البعض ذلك بالطريقة التي يريدون، فذاك شأنهم وتلك طريقتهم. نحن زملاء في نفس الحزب، ولا بد من الاختلاف.
رأيي في هذه الأسماء..
نبيل بن عبد الله : سياسي ذكي
إلياس العماري : مناضل وإنسان
عبد اللطيف وهبي : محام ناجح
*جريدة المساء