ترجمة: عاشور العمراوي
إنعكست عواقب الحرب المغربية الإسبانية بمدينة تطوان عام 1859، وهي الحرب التي تم خوضها من أجل البحث عن اتفاقيات جديدة تكون في صالح إسبانيا إقتصاديا، وأمنيا (الإستقرار) في صالح المخزن بقيادة السلطان م.الحسن، على منطقة فرخانة أو بالمعنى الدقيق ( أراضي فرخانة ) التي تبقى اليوم تحت نفوذ مليلية والسيادة الإسبانية، من خلال إنتهاء ذات الحرب إلى معاهدة سلام تزكي ما سبق، صيغت على شكل اتفاقية تبينت فيها أهداف إسبانيا وانكشف فيها سر تعامل السلطان مع القوى الخارجية بدل أبناء الوطن من طلعات المقاومة المحلية لفرخانة كمنطقة متضررة بشكل مباشر من جراء الإتفاقية التي وقعت عام 60 أكتوبر، وكمقاومة إقليمية تابعة لمنطقة الريف عامة أثبتت وجودها وأبانت عن قوتها في التنظيم وفي العمليات الحربية فيما سمي مستقبل المعارك بين الريفيون والإسبان تمثل بالملموس في معركة سيذي ورياش كقوة متواضعة خاضتها الطلائع المحلية، ثم تليها معركة سيذي احمذ رحاج ( برّانكو ذيل لوبو ) يوليوز 27 عام 1909، وتنتهي بالمعركة التي هزت عرش الإمبريالية وقطعت أوصال تاريخها المزور والمبني على أساطير الخرافة والإنتصارات الوهمية، أنوال المجيدة عام 1921 فاتح يوليوز. .
بداية الغزو الاستعماري
الإتفاقية الذليلة التي وقعها السلطان م . الحسن الأول الذي كان يقيم في طنجة، كانت قد حملت قرارا بتنفيذ ضربات مدفعية حجم A24 إنطلاقا من القاعدة العسكرية "فيكتوريا "، الأمر الذي نفذ 25 سنة بعد ذلك أو يزيد، ليحرك الشعور القومي لأبناء الريف بمنطقة فرخانة بالتحديد وتبدأ المناوشات التي ستقود المنطقة إلى حرب دامية إستمرت لما يزيد عن ال30 سنة، وينتهي الأمر بتبخر الحلم القومي الريفي جراء تحالف العدو الأول سلطان المخزن المروكي وجنرالات إسبانيا والماريشال ليوطي أولا من خلال تقاريره المخادعة ثم الماريشال بيتان الذي أكمل المهمة بعده بنجاح حققوه بعد قصف الريف لأول مرة في التاريخ بالغازات السامة أو ما يصطلح عليه بسلاح الدمار الشامل حسب مختصين .
ففي ال14 يونيو 1962 ومن فوق سطح ثكنة فيكتوريا، أطلق المدفع (El Caminante) وبأقصى زاوية قذيفتين أعطتا مسافة 2900 متر واتخذت مقياسا لباقي الجهات مع احترام مقبرة ومزار سيذي ورياش، إلا أن ضعف القوة الإسبانية مكن أبناء فرخانة من استغلال مزارعهم الفلاحية التي كانت تتواجد بوسط المدينة حاليا أو بالمحاذاة من "إغزار ن رمضوار"، قبل أن تأتي قرارات جديدة بالشروع في تأسيس المدينة وإطلاق مجموعة من مشاريع البناء والطرقات لساكنة لم تتعدى وقتها ال3000 وقتها وفقا لإحصائيات 1844 التي حددتها في 2000 نسمة، حيث بدأ تطبيق تصميم مليلية الجديدة عام 1864 والذي سيتم تعديله عام 67 من قبل المهندس العسكري فرانسيسكو رولدان ليتضمن تخطيط استراتيجي لحماية المدينة، سينطلق عام 1881 من خلال عملية بناء أول ثلاث معسكرات بالقرب من الحدود الجديدة وهي : (San Lorenzo (1881-83), Camellos (1883-84) y Cabrerizas Bajas (1884-86),) ثم يليها بناء معسكر روستروغورذو 1888/90 و كابريريسا ألطا 90/93 ، ويظهر إلى العلن الحي اليهودي السيفرذي "بوليكونو" ذي الأغلبية اليهودية القادمة من تطوان ومن آيث سيذال وعديد القبائل المجاورة بالريف، كما سيظهر حي مانتيليتي فوق انقاض المدينة القديمة، وستنتج عنها تبعات خطيرة من الناحية الأمنية داخل المدينة نفسها، ويطفو على السطح مسرح حادث أعتبر جريمة في الأوساط الشعبية لمليلية بمقتل شاب إسباني يوم 23 من صيف العام 1893 ، وستليه عملية أخرى للمقاومة الريفية بإصابة إمرأة إسبانية داخل المزارع لتفارق الحياة بستة ايام بعد ذلك.
بعد الحدثين القاتلين بالنسبة للمجتمع الإسباني، سيأتي الدور على البنيان ليعمد أبناء فرخانة ليلا إلى هدم كل ما يتم بناؤه نهارا من قبل الإسبان فوق أراضيهم، وستتحرك الفرق العسكرية من أجل حماية العمال، إلا أن ظهور طلائع المقاومة يوم ثاني أكتوبر بأعداد تفوق الألف تكونت داخل سوق فرخانة، وإطلاقها للنار على العمال والحراس من الجيش، أشعل النار في الجنرال مارغايو الذي بعث برسالة مستعجلة إلى حكومة مدريد يطالبها بإرسال وحدات من الجيش، قبل التنسيق بين الثكنات لسحب الجنود والعمال من سيذي ورياش تحت قصف جهنّمي دام لساعات أبطاله أبناء فرخانة أسفر في النهاية على مقتل العشرات من الجنود والعمال بينهم جرحى فارقوا الحياة بعد أيام .
الأحداث التي أجبرت مارغايو على طلب المساعدة الفورية، إضطر معها ممثل دولة إسبانيا لدى السلطان الحسن المقيم بطنجة، على رفع إحتجاجا شديد اللهجة إلى هذا الأخير باسم الملكة ، كما رفع برقيات أخرى إلى ممثلي القوى الأوربية العظمى بطنجة، فرنسا وبريطانيا إطاليا وألمانيا، هؤلاء نصحوا إسبانيا بمعاقبة القبائل التي اعتبروها معتدية دون إعلان الحرب على الإمبراطورية المروكية.
إستمر الضغط الحربي على سلطات مليلية العسكرية من قبل أبناء فرخانة والمناطق المجاورة منها آيث شيشار وآيث سيذال وآيث سعيد وآيث نصار ومقاومين من منطقة شبذان، لأسابيع مع تأخر الوحدات العسكرية المنتظرة في مليلية من قبل مارغايو، وهو الذي توصل مؤخرا ببعض الوحدات العسكرية التي حلت بعد 25 يوما من الحادث، ولقي معها الكثير من المشاكل الخاصة باللوجيستيك، كما أعلم من مدريد بتأخر محتمل لباقي الوحدات والمعدات لينتقل إلى تنفيذ الخطط الدفاعية ب 3000 جندي مخيمين وسط ساحة إسبانيا "لابلاصا"، أمام ما يزيد عن 8000 مقاوم ريفي حسب استخباراته المحلية، وقد تمكن المقاومين من إحتلال أجزاء كبيرة جدا من أراضي مليلية الجديدة حتى أنهم هددوا باحتلال ساحة إسبانيا أظهر بوضوح خطورة الأمر بالنسبة للإسبان الذين كانوا على وشك فقدان مليلية بالكامل أمام الزحف العسكري لأبناء الريف وفرخانة بالتحديد، إذ عمد الإسبان إلى توظيف جميع المدافع الممكن استعمالها لوقف الزحف، وتزامن ذلك مع وصول معدات دفاعية جديدة من الضفة الأخرى .
ظل أبناء فرخانة وطيلة شهر أكتوبر 1893 يسيطرون على معظم أجزاء مليلية الجديدة، وعجز الإسبان عن الإقتراب حتى لمسافة 500 متر من المناطق التي يتواجد فيها المقاومين، واستمر الهدوء الذي سيختفي فجأة لأسابيع قبل أن يحل يوم 27 أكتوبر حيث تقدم الجنرال مارغايو وحدات عسكرية للرماة بالموسر والخيالة بالإضافة إلى المدفعية محاولا إجتياز نهر رمضوار، فتراءت له على هضبات جبل سيذي احمذ رحاج "كوركو"، أعداد كبيرة من الريفيين مشاة وخيالة أبانوا عن استعدادهم للمواجهة، حيث ومع منتصف النهار كانت المسافة الفاصلة بين الطرفين لا تتعدى الكيلومتر الواحد، الأمر الذي حذى بمارغايو إلى تبديل الخطط في ارتباك تام وإرسال الرماة إلى ثكنة كامايو.
استعمال المدفعية
ففي الساعة ال15:30 سمع مارغايو إطلاق الرصاص من جهة غير محتملة تمثلت في منطقة كابريريسا ألطا، على عكس الواقع تماما، فكان إلا أن يرد بالمدفعية الثقيلة، وعند الرابعة مساء كانت المنطقة الفاصلة عبارة عن بركان من جراء المدافع والرصاص والدخان المنبعث من المعركة، ليستسلم الجنرال مارغايو للتراجع خلفا صوب لابلاصا، وتنتشر الفوضى في المنطقة ويتم معاينة تحركات سريعة للمقاومة الريفية من كابريريسا نحو روستروغورضو ومنه إلى الشرق في خطة جهنمية لاحتواء مليلية من كل الجهات، هذا الأمر حمل الجنرال أورتيكا إلى التخلي عن أوامر مارغايو والإتجاه صوب روستروغورضو لاحتواء القوات المنتشرة هناك دون قيادة، وعند معرفة مارغايو بالأمر تابع رفقة ست من القيادات تفقد الأحوال الخطيرة التي تتواجد عليها المنطقة وبشكل خاص الثكنة العسكرية لكابريريسا ألطا التي كانت مهددة فعليا باجتياحها من طرف المقاومة الريفية التي بدأت تتجمع بالمنطقة.
المقاومة التي قادها أبناء فرخانة والنواحي إقتربت من الثكنة لمسافة 25 مترا واحتلت الخنادق التي حفرها الإسبان، وحاصروا أورتيكا ورجاله وقطعت الإتصالات بفعل الإطلاق العنيف للرصاص كما عبر عن ذلك الإسبان انفسهم، وهم الذي صرحوا بأن الجنود داخل الثكنة إضطروا إلى اقتسام نصف خبزة للفرد الواحد عند وجبة العشاء بسبب الحصار، فيما توجهت مجموعات أخرى من رجال المقاومة إلى مناطق أخرى احتلها الإسبان من اجل استعادتها ، فووجهوا بالمدفعية الثقيلة طيلة الليل، هذا الأمر جعل الإسبان يستشعرون الخطر بوضوح، الأمر الذي نتج عنه إنهيار كامل في انضباط القيادات للجنرال مارغايو الذي تبين فشله في إدارة المعركة، فتهيأ الجنرال كاسيليس وهو في مليلية القديمة للخروج صباحا على رأس كتيبة كاملة من أجل السيطرة على الوضع.
يحمل تاريخ الإسبان في المدينة ذكرى ليلة ال27 من أكتوبر، تلك الليلة التي ترسخت في ذاكرة سكان مليلية الإسبان واعتبرت أخطر ليلة تعيشها المدينة، باعتبار أن الإسبان ليلتها عاشوا على وقع آخر صباح محتمل في المدينة لليوم الموالي، هذا اليوم ال28 الذي إستطاع فيه القبطان بيكاسو الذي سيصير جنرالا مستقبلا، الفرار من الثكنة المحاصرة رفقة عسكريين إثنين وصولا إلى ساحة إسبانيا أين وجد كاسيليس يستعد لقيادة قافلة نحو الشمال تشمل اللوجيستيك و 1.900 عسكري لفك الحصار على الثكنة العسكرية التي يحاصر فيها مارغايو وعسكرييه الذين استبشروا خيرا ببروز الوحدات العسكرية القادمة باتجاه الثكنة، الأمر الذي تهور معه مارغايو معطيا أوامره بإخراج مدفعين خارج الثكنة وكان يرافق العسكريين الذين دخلوا في مواجهة قريبة مع الريفيين، هنا سيقوم أحد ابطال فرخانة بتصويب بندقيته نحو رأس مارغايو ويرديه قتيلا على الفور، وتوالت الردات تلو اخرى وقتل العديد من الجنود الإسبان الذين حاولوا الخروج من الثكنة، هؤلاء تجرأ أحد القباطنة الشباب الذي سيصير رئيسا لحكومة إسبانيا ما بين 1923/1930 وهو ميكيل بريمو ذي ريفيرا، على رأس مجموعة صغيرة من العسكريين لاستعادة جثامينهم من خارج الثكنة، وسيحصل على ميدالية لورييادا لشجاعته .
توالي الأحداث أدى إلى وصول العديد من الوحدات العسكرية من قوافل أفريقيا، ووحدات المشاة بالإضافة إلى أخرى وصل عدد العساكر فيها إلى 22.000 رجل، لتتم السيطرة على الوضع بصعوبة وإعادة إعمار بعض البنايات، ومنها إلى حلول يوم ال24 من يناير 1894 حيث إلتقى الجنرال مارتينيز كامبوس السلطان المروكي بمراكش مطالبا إياه باسم إسبانيا مبالغ مالية باهضة لتأدية الخسائر الناجمة عن الإجتياح الذي قادته المقاومة الريفية إنطلاقا من فرخانة على اراضيها داخل ما سيعرف بمليلية مستقبلا وفق اتفاقية عار ما تزال تحيط رقبة موقعيها من سلاطين المروك.
وقد قدرت المبالغ التي طلبتها إسبانيا من السلطان في 25 مليون بسيطاس، قبل السلطان بتأدية منها مبلغ 500.000 فقط، إلا أن الضغوط التي مورست على سلطان فاقد للشرعية أدت إلى قبوله تأدية 20 مليونا، وقد تم الإتفاق في ال5 من مارس 1894، وينتهي مع ذات التاريخ خطر زوال مليلية ورحيل إسبانيا عن افريقيا التي تواجدت فيها بدعم تام من السلطان صاحب الأرض والسيادة المزيفة .
الترجمة عن :
Las Guerras de Melilla (I – 1893(Pronunciada por Emilio Abad Ripoll (Universidad de Las Palmas, 30 de septiembre de 2010).
إنعكست عواقب الحرب المغربية الإسبانية بمدينة تطوان عام 1859، وهي الحرب التي تم خوضها من أجل البحث عن اتفاقيات جديدة تكون في صالح إسبانيا إقتصاديا، وأمنيا (الإستقرار) في صالح المخزن بقيادة السلطان م.الحسن، على منطقة فرخانة أو بالمعنى الدقيق ( أراضي فرخانة ) التي تبقى اليوم تحت نفوذ مليلية والسيادة الإسبانية، من خلال إنتهاء ذات الحرب إلى معاهدة سلام تزكي ما سبق، صيغت على شكل اتفاقية تبينت فيها أهداف إسبانيا وانكشف فيها سر تعامل السلطان مع القوى الخارجية بدل أبناء الوطن من طلعات المقاومة المحلية لفرخانة كمنطقة متضررة بشكل مباشر من جراء الإتفاقية التي وقعت عام 60 أكتوبر، وكمقاومة إقليمية تابعة لمنطقة الريف عامة أثبتت وجودها وأبانت عن قوتها في التنظيم وفي العمليات الحربية فيما سمي مستقبل المعارك بين الريفيون والإسبان تمثل بالملموس في معركة سيذي ورياش كقوة متواضعة خاضتها الطلائع المحلية، ثم تليها معركة سيذي احمذ رحاج ( برّانكو ذيل لوبو ) يوليوز 27 عام 1909، وتنتهي بالمعركة التي هزت عرش الإمبريالية وقطعت أوصال تاريخها المزور والمبني على أساطير الخرافة والإنتصارات الوهمية، أنوال المجيدة عام 1921 فاتح يوليوز. .
بداية الغزو الاستعماري
الإتفاقية الذليلة التي وقعها السلطان م . الحسن الأول الذي كان يقيم في طنجة، كانت قد حملت قرارا بتنفيذ ضربات مدفعية حجم A24 إنطلاقا من القاعدة العسكرية "فيكتوريا "، الأمر الذي نفذ 25 سنة بعد ذلك أو يزيد، ليحرك الشعور القومي لأبناء الريف بمنطقة فرخانة بالتحديد وتبدأ المناوشات التي ستقود المنطقة إلى حرب دامية إستمرت لما يزيد عن ال30 سنة، وينتهي الأمر بتبخر الحلم القومي الريفي جراء تحالف العدو الأول سلطان المخزن المروكي وجنرالات إسبانيا والماريشال ليوطي أولا من خلال تقاريره المخادعة ثم الماريشال بيتان الذي أكمل المهمة بعده بنجاح حققوه بعد قصف الريف لأول مرة في التاريخ بالغازات السامة أو ما يصطلح عليه بسلاح الدمار الشامل حسب مختصين .
ففي ال14 يونيو 1962 ومن فوق سطح ثكنة فيكتوريا، أطلق المدفع (El Caminante) وبأقصى زاوية قذيفتين أعطتا مسافة 2900 متر واتخذت مقياسا لباقي الجهات مع احترام مقبرة ومزار سيذي ورياش، إلا أن ضعف القوة الإسبانية مكن أبناء فرخانة من استغلال مزارعهم الفلاحية التي كانت تتواجد بوسط المدينة حاليا أو بالمحاذاة من "إغزار ن رمضوار"، قبل أن تأتي قرارات جديدة بالشروع في تأسيس المدينة وإطلاق مجموعة من مشاريع البناء والطرقات لساكنة لم تتعدى وقتها ال3000 وقتها وفقا لإحصائيات 1844 التي حددتها في 2000 نسمة، حيث بدأ تطبيق تصميم مليلية الجديدة عام 1864 والذي سيتم تعديله عام 67 من قبل المهندس العسكري فرانسيسكو رولدان ليتضمن تخطيط استراتيجي لحماية المدينة، سينطلق عام 1881 من خلال عملية بناء أول ثلاث معسكرات بالقرب من الحدود الجديدة وهي : (San Lorenzo (1881-83), Camellos (1883-84) y Cabrerizas Bajas (1884-86),) ثم يليها بناء معسكر روستروغورذو 1888/90 و كابريريسا ألطا 90/93 ، ويظهر إلى العلن الحي اليهودي السيفرذي "بوليكونو" ذي الأغلبية اليهودية القادمة من تطوان ومن آيث سيذال وعديد القبائل المجاورة بالريف، كما سيظهر حي مانتيليتي فوق انقاض المدينة القديمة، وستنتج عنها تبعات خطيرة من الناحية الأمنية داخل المدينة نفسها، ويطفو على السطح مسرح حادث أعتبر جريمة في الأوساط الشعبية لمليلية بمقتل شاب إسباني يوم 23 من صيف العام 1893 ، وستليه عملية أخرى للمقاومة الريفية بإصابة إمرأة إسبانية داخل المزارع لتفارق الحياة بستة ايام بعد ذلك.
بعد الحدثين القاتلين بالنسبة للمجتمع الإسباني، سيأتي الدور على البنيان ليعمد أبناء فرخانة ليلا إلى هدم كل ما يتم بناؤه نهارا من قبل الإسبان فوق أراضيهم، وستتحرك الفرق العسكرية من أجل حماية العمال، إلا أن ظهور طلائع المقاومة يوم ثاني أكتوبر بأعداد تفوق الألف تكونت داخل سوق فرخانة، وإطلاقها للنار على العمال والحراس من الجيش، أشعل النار في الجنرال مارغايو الذي بعث برسالة مستعجلة إلى حكومة مدريد يطالبها بإرسال وحدات من الجيش، قبل التنسيق بين الثكنات لسحب الجنود والعمال من سيذي ورياش تحت قصف جهنّمي دام لساعات أبطاله أبناء فرخانة أسفر في النهاية على مقتل العشرات من الجنود والعمال بينهم جرحى فارقوا الحياة بعد أيام .
الأحداث التي أجبرت مارغايو على طلب المساعدة الفورية، إضطر معها ممثل دولة إسبانيا لدى السلطان الحسن المقيم بطنجة، على رفع إحتجاجا شديد اللهجة إلى هذا الأخير باسم الملكة ، كما رفع برقيات أخرى إلى ممثلي القوى الأوربية العظمى بطنجة، فرنسا وبريطانيا إطاليا وألمانيا، هؤلاء نصحوا إسبانيا بمعاقبة القبائل التي اعتبروها معتدية دون إعلان الحرب على الإمبراطورية المروكية.
إستمر الضغط الحربي على سلطات مليلية العسكرية من قبل أبناء فرخانة والمناطق المجاورة منها آيث شيشار وآيث سيذال وآيث سعيد وآيث نصار ومقاومين من منطقة شبذان، لأسابيع مع تأخر الوحدات العسكرية المنتظرة في مليلية من قبل مارغايو، وهو الذي توصل مؤخرا ببعض الوحدات العسكرية التي حلت بعد 25 يوما من الحادث، ولقي معها الكثير من المشاكل الخاصة باللوجيستيك، كما أعلم من مدريد بتأخر محتمل لباقي الوحدات والمعدات لينتقل إلى تنفيذ الخطط الدفاعية ب 3000 جندي مخيمين وسط ساحة إسبانيا "لابلاصا"، أمام ما يزيد عن 8000 مقاوم ريفي حسب استخباراته المحلية، وقد تمكن المقاومين من إحتلال أجزاء كبيرة جدا من أراضي مليلية الجديدة حتى أنهم هددوا باحتلال ساحة إسبانيا أظهر بوضوح خطورة الأمر بالنسبة للإسبان الذين كانوا على وشك فقدان مليلية بالكامل أمام الزحف العسكري لأبناء الريف وفرخانة بالتحديد، إذ عمد الإسبان إلى توظيف جميع المدافع الممكن استعمالها لوقف الزحف، وتزامن ذلك مع وصول معدات دفاعية جديدة من الضفة الأخرى .
ظل أبناء فرخانة وطيلة شهر أكتوبر 1893 يسيطرون على معظم أجزاء مليلية الجديدة، وعجز الإسبان عن الإقتراب حتى لمسافة 500 متر من المناطق التي يتواجد فيها المقاومين، واستمر الهدوء الذي سيختفي فجأة لأسابيع قبل أن يحل يوم 27 أكتوبر حيث تقدم الجنرال مارغايو وحدات عسكرية للرماة بالموسر والخيالة بالإضافة إلى المدفعية محاولا إجتياز نهر رمضوار، فتراءت له على هضبات جبل سيذي احمذ رحاج "كوركو"، أعداد كبيرة من الريفيين مشاة وخيالة أبانوا عن استعدادهم للمواجهة، حيث ومع منتصف النهار كانت المسافة الفاصلة بين الطرفين لا تتعدى الكيلومتر الواحد، الأمر الذي حذى بمارغايو إلى تبديل الخطط في ارتباك تام وإرسال الرماة إلى ثكنة كامايو.
استعمال المدفعية
ففي الساعة ال15:30 سمع مارغايو إطلاق الرصاص من جهة غير محتملة تمثلت في منطقة كابريريسا ألطا، على عكس الواقع تماما، فكان إلا أن يرد بالمدفعية الثقيلة، وعند الرابعة مساء كانت المنطقة الفاصلة عبارة عن بركان من جراء المدافع والرصاص والدخان المنبعث من المعركة، ليستسلم الجنرال مارغايو للتراجع خلفا صوب لابلاصا، وتنتشر الفوضى في المنطقة ويتم معاينة تحركات سريعة للمقاومة الريفية من كابريريسا نحو روستروغورضو ومنه إلى الشرق في خطة جهنمية لاحتواء مليلية من كل الجهات، هذا الأمر حمل الجنرال أورتيكا إلى التخلي عن أوامر مارغايو والإتجاه صوب روستروغورضو لاحتواء القوات المنتشرة هناك دون قيادة، وعند معرفة مارغايو بالأمر تابع رفقة ست من القيادات تفقد الأحوال الخطيرة التي تتواجد عليها المنطقة وبشكل خاص الثكنة العسكرية لكابريريسا ألطا التي كانت مهددة فعليا باجتياحها من طرف المقاومة الريفية التي بدأت تتجمع بالمنطقة.
المقاومة التي قادها أبناء فرخانة والنواحي إقتربت من الثكنة لمسافة 25 مترا واحتلت الخنادق التي حفرها الإسبان، وحاصروا أورتيكا ورجاله وقطعت الإتصالات بفعل الإطلاق العنيف للرصاص كما عبر عن ذلك الإسبان انفسهم، وهم الذي صرحوا بأن الجنود داخل الثكنة إضطروا إلى اقتسام نصف خبزة للفرد الواحد عند وجبة العشاء بسبب الحصار، فيما توجهت مجموعات أخرى من رجال المقاومة إلى مناطق أخرى احتلها الإسبان من اجل استعادتها ، فووجهوا بالمدفعية الثقيلة طيلة الليل، هذا الأمر جعل الإسبان يستشعرون الخطر بوضوح، الأمر الذي نتج عنه إنهيار كامل في انضباط القيادات للجنرال مارغايو الذي تبين فشله في إدارة المعركة، فتهيأ الجنرال كاسيليس وهو في مليلية القديمة للخروج صباحا على رأس كتيبة كاملة من أجل السيطرة على الوضع.
يحمل تاريخ الإسبان في المدينة ذكرى ليلة ال27 من أكتوبر، تلك الليلة التي ترسخت في ذاكرة سكان مليلية الإسبان واعتبرت أخطر ليلة تعيشها المدينة، باعتبار أن الإسبان ليلتها عاشوا على وقع آخر صباح محتمل في المدينة لليوم الموالي، هذا اليوم ال28 الذي إستطاع فيه القبطان بيكاسو الذي سيصير جنرالا مستقبلا، الفرار من الثكنة المحاصرة رفقة عسكريين إثنين وصولا إلى ساحة إسبانيا أين وجد كاسيليس يستعد لقيادة قافلة نحو الشمال تشمل اللوجيستيك و 1.900 عسكري لفك الحصار على الثكنة العسكرية التي يحاصر فيها مارغايو وعسكرييه الذين استبشروا خيرا ببروز الوحدات العسكرية القادمة باتجاه الثكنة، الأمر الذي تهور معه مارغايو معطيا أوامره بإخراج مدفعين خارج الثكنة وكان يرافق العسكريين الذين دخلوا في مواجهة قريبة مع الريفيين، هنا سيقوم أحد ابطال فرخانة بتصويب بندقيته نحو رأس مارغايو ويرديه قتيلا على الفور، وتوالت الردات تلو اخرى وقتل العديد من الجنود الإسبان الذين حاولوا الخروج من الثكنة، هؤلاء تجرأ أحد القباطنة الشباب الذي سيصير رئيسا لحكومة إسبانيا ما بين 1923/1930 وهو ميكيل بريمو ذي ريفيرا، على رأس مجموعة صغيرة من العسكريين لاستعادة جثامينهم من خارج الثكنة، وسيحصل على ميدالية لورييادا لشجاعته .
توالي الأحداث أدى إلى وصول العديد من الوحدات العسكرية من قوافل أفريقيا، ووحدات المشاة بالإضافة إلى أخرى وصل عدد العساكر فيها إلى 22.000 رجل، لتتم السيطرة على الوضع بصعوبة وإعادة إعمار بعض البنايات، ومنها إلى حلول يوم ال24 من يناير 1894 حيث إلتقى الجنرال مارتينيز كامبوس السلطان المروكي بمراكش مطالبا إياه باسم إسبانيا مبالغ مالية باهضة لتأدية الخسائر الناجمة عن الإجتياح الذي قادته المقاومة الريفية إنطلاقا من فرخانة على اراضيها داخل ما سيعرف بمليلية مستقبلا وفق اتفاقية عار ما تزال تحيط رقبة موقعيها من سلاطين المروك.
وقد قدرت المبالغ التي طلبتها إسبانيا من السلطان في 25 مليون بسيطاس، قبل السلطان بتأدية منها مبلغ 500.000 فقط، إلا أن الضغوط التي مورست على سلطان فاقد للشرعية أدت إلى قبوله تأدية 20 مليونا، وقد تم الإتفاق في ال5 من مارس 1894، وينتهي مع ذات التاريخ خطر زوال مليلية ورحيل إسبانيا عن افريقيا التي تواجدت فيها بدعم تام من السلطان صاحب الأرض والسيادة المزيفة .
الترجمة عن :
Las Guerras de Melilla (I – 1893(Pronunciada por Emilio Abad Ripoll (Universidad de Las Palmas, 30 de septiembre de 2010).