كتب : محمد كاريم - كريم بركة
صور: مراد ميموني
كثيرة هي الكتب التاريخية التي تناولت منطقة الريف في السنوات الأخيرة، بالدراسة والفحص والتحليل وتقويم أوضاعه التاريخية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وعديدة كذلك هي الكتب التي ألفت حول شخصية عبد الكريم الخطابي الأسطورية ومقاومته للإستعمار الإسباني، إضافة إلى المئات من المقالات المنشورة في كبريات الصحف الدولية بالدول الإستعمارية كفرنسا وإسبانيا وإنجلتيرا، حيث شكل هذا البطل مجالا خصبا للباحثين والدارسين من مختلف المشارب والتوجهات، ومازالت شخصيته إلى يومنا هذا تثير شهية التأويلات والتخريجات من طرف المؤرخين ودارسوا الحركات التحررية في كل بقاع العالم، منها ما يلامس بعضا من ملامحها ومنها مايجانب الصواب ، والكتاب موضوع التقديم للحضور الكريم، يتميز عن كل ما كتب إلى حد الآن حول هذه الشخصية التاريخية والكاريزماتية البارزة والتي أثرت بشكل كبير في التاريخ المحلي والوطني وحتى العالمي لكونه يندرج ضمن الأبحاث العلمية الجادة والقليلة
فبإحدى مدرجات الكلية المتعددة التخصصات بالناظور وبالتحديد في الفترة الزوالية ليوم الأربعاء 10 مارس الجاري تشرف الأستاذ الجامعي ميمون أزيزا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس بتقديم الأستاذة ماريا روسا دي مادريكادا للجمهور الحاضر، كما قام بسرد كرونولوجي بصيغة مختصرة للكتاب موضوع التقديم ثم عرج على السيرة الذاتية للمؤرخة الإسبانية، وسر إختيارها للريف كموضوع جغرافي للكتابات التاريخية، كل هذا تحت إشراف عمادة الكلية التي تكلف الأستاذ الخضر غريبي بالإعداد اللوجيستيكي لإنجاح الندوة والترحيب بضيف الجامعة الكبير إعتبارا لقيمته التاريخية والعلمية وذلك بحضور طلبة الكلية المتعددة التخصصات وبعض الأساتذة الباحثين في تاريخ الريف خصوصا القادمين من جامعات أخرى خارج مدينة الناظور إضافة طبعا إلى بعض التلاميذ الذين يدرسون في المعهد الإسباني بالناظور لوبي دي فيغا، كما سجلت القاعة حضور بعض الفاعلين في الميدان الإجتماعي والسياسي ونخص بالذكر رئيس المجلس البلدي لمدينة بني انصار السيد يحيى يحيى الذي تشرف بالحضور إلى الجامعة لمواكبة ومتابعة تقديم كتاب الباحثة الإسبانية ماريا روسا، بعدما كان قد تشرف بإستدعائها سابقا للحضور إلى ندوة بني أنصار حول معركة إغزا أن ووشن لكن مصادفة تاريخ الندوة لتقديم كتابها الجديد بأحد أعرق الجامعات الإسبانية ببرشلونة حال دون حضورها، كما حضر الندوة نخبة من الأساتذة المهتمون بالريف كمادة خصبة للبحث والكتابة من مدن مجاورة كالحسيمة مثلا
وتمهد الباحثة كتابها الجديد بذكر أسباب إختيارها للريف كموضوع للبحث الأكاديمي، موضحة أن السبب يعود أولا إلى الشخصية الأسطورية والثورية لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، التي حركت لديها فضولا وإهتماما كبيرين بالثقافة الريفية والأمازيغية، التي أغنت الموروث الثقافي الإسباني، ثم إن عودة عبد الكريم الخطابي إلى واجهة الإعلام الإسباني بعد الإعلان عن وفاته بالقاهرة في 06 من فبراير 1963، وما رافق من ذلك من تشويه وتزوير وطمس للحقائق للإرث الخطابي وتاريخه وصورته في المخيال الإسباني، كانت وراء عزمها على إتخاذ الريف موضوعا لدراستها المستقبلية التي إستغرقت أزيد من أربعة عقود كاملة
إبان تلك الفترة تناقلت الصحف الإسبانية خصوصا ذات التوجه اليميني أنباء حدث الوفاة، وقرأت ماريا روسا في جريدة (أ ب س) اليمينية كلاما إعتبرته قذفا وتقصيرا في حق بطل وأسطورة الريف وتهجما على شخصيته البطولية، وتوضح روسا أسباب هذا الإهتمام بدقة متناهية في مقدمة كتابها وتجملها في قولها: "مسألة واحدة كانت واضحة بالنسبة لي، وهي أن الأعداء الذين حاربهم عبد الكريم الخطابي كانوا أعدائي كذلك، حملوا الدمار والموت إلى الريف أولا، وبعد عشر سنوات قاموا بنفس الشيء في إسباني"، وتشير ماريا روسا بالتحديد إلى الحركة الفرنكاوية الفاشيستية التي إنطلقت من هنا ومن مليلية بالتحديد، لتنتقل بعد ذلك إلى إسبانبا، وهناك سبب آخر جعلها تتعاطف مع المقاومة الريفية للإحتلال الإسبانب، وهو إنتماءها إلى عائلة ليبيرالية تقدمية معادية لكل أشكال الإحتلال والإستعمار والإستعباد، مما حذا بها إلى الإنخراط منذ نعومة أضافرها في الحركات المساندة لحركات التحرر الوطني والمعادية للفرانكاوية والأنظمة الفاشية
وبعد ذلك قامت الباحثة ماريا روسا دي مادريكادا سنة 1969 بزيارة إلى الريف للتعرف على جغرافيته المتشعبة وللوقوف على المواقع العسكرية العديدة مثل أنوال وأعروي والناظور وغيرها، حيث تم اللقاء بعدة شخصيات شاركت من قريب أو من بعيد في حرب الريف، كما إجتمعت ببعض الزعماء السياسيين كعبد الله إبراهيم بإعتباره كرئيس أول حكومة تقدمية بالبلاد بعد الإستقلال الشكلي، إضافة إلى بعض أصدقاء محمد بن عبد الكريم الخطابي
وتعتبر المؤرخة ماريا روسا من بين الباحثين الذين أغنوا المكتبة الإسبانية والمغربية في السنوات الأخيرة لمجموعة من المؤلفات والأبحاث الأكاديمية حول حرب الريف ونذكر منها على وجه التحديد لا الحصر /إسبانيا والريف، حكاية تاريخ شبه منسي/ مغاربة في خدمة فرانكو/ معركة إغزار أن ووشن/ عبد الكريم والكفاح من أجل الإستقلال/ إلى غير ذلك من الكتب التي تعتبر مراجع أكاديمية لكل الباحثين مغاربة وأجانب
أما بالنسبة للعوامل المؤثرة في تكوين شخصيتها العلمية، فبعدما حصلت ماريا روسا على شهادة الإجازة من كلية الفلسفة والآداب بمدريد، عرجت على عاصمة الأنوار باريس لإستكمال دراستها حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر من جامعة السربون عام 1988، وكان موضوع أطروحتها هو:"إسبانيا والريف، الإحتلال العسكري والمقاومة المحلية"، كما حصلت على دبلوم الدراسات العامة في اللغة والآداب العربية من معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس، ثم عملت بعد ذلك كأستاذة جامعية بجامعة السربون لتلتحق بعد ذلك باليونيسكو حيث إشتغلت هنالك لسنوات عديدة
وأهم مؤثر جعل من الباحثة ماريا روسا تلتزم بمعانقة قضايا الريف في كفاحهم ضد الإستعمار هو أنها كانت تتلقى من عائلاتها وتعطيها صورا عن عبد الكريم الخطابي ومقاومته تختلف جذريا عن الصورة التي يقدمها التاريخ الرسمي للنظام الفرانكاوي
ولقد صدر كتاب موضوع التقديم "عبد الكريم الخطابي، والكفاح من أجل الإستقلال" عن دار "ألينثا"، ويتكون هذا المرجع القيم من حوالي 556 صفحة من الحجم المتوسط، ويقع في عشرة أبواب إضافة إلى المقدمة ومعجم بأسماء الأعلام، ولائحة المصادر والمراجع والوثائق المعتمدة، وقد زينت هذه الطبعة على الواجهة الأمامية للغلاف بصورة لعبد الكريم الخطابي وأخيه أمحمد والوزير عبد الله إبراهيم، ويعتبر هذا الإصدار الجديد كقيمة مضافة حقيقية ضمن أحسن ما ألف في هذا الباب نظرا لتناوله لأول مرة وبدقة علمية عالية قضايا تاريخية وأساسية وحاسمة، مثل قضية تعامل أو تعامل العائلة الخطابية مع الإسبان، وإذا كانت هذه القضية قد تناولها فعلا المؤرخ الإسباني جرمان عياش في كتابه: "أصول حرب الريف" الصادر سنة 1981، وأهم جديد في كتاب ماريا روسا هو تمكنها من الإطلاع على وثائق جديدة لم يتمكن عياش من الإطلاع عليها، إستمدتها من مادتها المصدرية الخاصة التي تتميز بالغنى والتنوع، والتي تتكون بالأساس من وثائق إسبانية ومغربية، ثم وثائق فرنسية بالخصوص وإنجليزية أيضا، وتتجلى في الأرشيف العسكري بمدريد، ووثائق الأرشيف الديبلوماسي بباريس وإلى غيرها من المصادر الأخرى
وجدير بالإشارة إلى أن المؤرخة تلح كثيرا على قضية الإعتماد على الوثائق المكتوبة بالدرجة الأولى من أجل إثبات الحقائق التاريخية، وتفادي إصدار الأحكام الجاهزة وهذا ما يعكس حرصها على إعتماد منهج بحث تاريخي وعلمي صارم، لايترك المجال للشك وللآراء الشخصية فكل رأي تبديه أو حكم تصدره أو فكرة تطرحها إلا وتحيلنا على الوثائق التي إستاقت منها معلوماتها أو إعتمدت عليها للخروج بهذه الخلاصة أو تلك، وهذا ما ينطبق' على كل فصول الكتاب
ومن أبرز القضايا التي يعالجها الكتاب، الولادة قبالة جزيرة النكور بالحسيمة، وعلاقة الجهاد بالمقاومة ثم إنعكاسات الحرب العالمية الأولى على الريف، مواجهة إسبانيا، إمتداد النزاع إلى منطقة الحماية الفرنسية، عبد الكريم ومحيطه، عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الدولة القومية، حرب الريف في الإطار الدولي نهاية بعبد الكريم اتلخطابي في المنفى
تناولت المؤلفة بالدراسة والتحليل شخصية عبد الكريم الخطابي وحركة مقاومة الإستعمار الإسباني، وقامت بفحص دقيق لها، وإنتقدت في هذا المجال ماريا روسا مجموعة منالإصدارات والكتابات الحديثة مثل كتاب زكية داود، أو الكتاب الذي صدر مؤخرا لصحافيين فرنسيين
وقد إستطردت الباحثة كثيرا بالتعريف بعائلة الخطابي العالمة إبتداء بالتدريس وصولا إلى القضاء مرورا بالترجمة والصحافة كمحرر للصفحة العربية بجريدة تلغراف الريف بالنسبة لعبد الكريم الأب، وتذكر ماريا روسا بمراحل تعاون عائلة الخطابي مع الإسبان وتعطي أمثلة كثيرة على ذلك مثل الزيارات المتكررة لعبد الكريم الأب لمدينة مليلية وجرزيرة النكور ولمدينة مالقة، وكمثل الكثير من سكان القبائل المتاخمة لمناطق الإحتلال على الساحل المغربي كانت تربط عبد الكريم الخطابي الأب علاقات الصداقة وحسن الجوار، ليس فقط مع السلطات العسكرية ولكن أيضا مع السكان المدنيين
أما قضية الجهاد وعلاقتها بالمقاومة، فتتناول الباحثة في معرض كتابها مسألة الصراعات الداخلية من أجل السلطة بين أنصار إسبانيا في أجدير أي الذين يتقاضون معاشا من السلطات الإسبانية، وتستمر في رسم صورة المجتمع الريفي في بداية القرن العشرين، وصنفت الباحثة ماريا روسا في علاقتهم بإسبانيا إلى صنفين متعاونون أو مايعرف بحزب أصدقاء إسبانيا، ومعارضوا أو ما يسمى بأعداء إسبانيا، وتدخل العائلة الخطابية ضمن الصنف الأول
وأما بالنسبة لإنعكايات الحرب العالمية الأولى على الريف والتي تجلت في بداية التحول في موقف الخطابي من إسبانيا حيث تطرقت إلى كل التجليات التي تناولت هذا التغيير في المواقف، في حين أن المواجهة الحقيقية بين عبد الكريم الأب والسلطات الإسبانية المعنونة بعنوان من المغرب المتعاون إلى المغرب الثائر، وتستفيض في قضية إستعمال الغازات السامة من طرف الجيش الإسباني لقتل السكان الريفيين المدنيين الأبرياء، فهي بجرأتها وموقفها من هذه القضية تقر بإستعمال الجيش الإستعماري الفرنسي والإسباني لهذه الغازات المحرقة عكس ما حاول البعض تفنيده
وتخلص الباحثة في كتابها إلى الحديث عن التحالف الإستعماري على الثورة الخطابية بالريف حيث أن الجنيرال ليوطي لم يكن مرتاحا لنتائج إنتصارات الثورة الريفية منذ سنة 1920، وعندما شاهد إنتصارات معركة أنوال الخالدة تأكد لديه بالملموس أكثر مما كان يتصور، حيث بقي يرصد ويتتبع هذه الثورة وإنعكاساتها على مستقبل الفرنسيين في منطقتهم الجنوبية من المغرب، وبعد هزيمة الجيش الإسباني وإعلانه عن الإنسحاب مرغما بعد تمريغ أنوف جنوده سنة 1924، بدأ ليوطي يعلن صراحة عن خطر الثورة الريفية على المصالح الفرنسية، رغم سابق إعلان الخطابي عن عدم رغبته في الإصطدام مع فرنسا وعدم نيته في التوسع إلى المنطقة الفرنسية، إلا أن الظروف الموضوعية للمواجهة كانت قائمة، وهكذا تم اتحالف الإسباني الفرنسي على الخطابي وثورته سنة 1925، ورغم لعبة المفاوضات التي كان يراد منها ربح الوقت وإحكام الإستعدادات من طرف المتحالفين، فإن الخطابي لم يكن ليستطيع مواجهة أعتى الدول الإستعمارية في ذلك الوقت بجيوشها وعتادها، وبعد مؤتمر وجدة سنة 1926 تم القضاء على الثورة الريفية، وإستسلم البطل عبد الكريم الخطابي لفرنسا وليس لإسبانيا درءا لأرواح المدنيين العزل، وهذا ما لم تستسغه إسبانيا
وبعيدا عن كل التأويلات المغرضة التي كانت تقول بأن الأمير عبد الكريم يريد الحلول محل السلطان، ويفسرون إعلان الجمهورية بكونه يندرج في إطار العلاقات العامة من أجل مخاطبة الرأي العام الغربي، وهذا ما أكده أحد الصحفيين الأمريكيين بعد سنتين من معركة أنوال، حيث أصدر الخطابي بيانا بعلن فيه إستقلال جمهوريته، كما وجه نداء إلى الأمم يطلعها بعدالة قضيته ويطلب الإعتراف بها من خلال إستعراض المؤسسات التي كونها الخطابي حيث يتبين بالملموس أنه كان يسعى إلى تكوين نظام ديموقراطي يستفيد من التراث الريفي، ومن الصيغ الإدارية للدولة الحديثة، وتتمثل هذه المؤسسات في تنظيم القضاء ، ونظام المالية، والجيش، والتعليم، والصحة، وختمت بحثها بإستعراض الإنعكايات الوطنية والدولية لإعلان الجمهورية الريفية، ثم مرحلة المنفى/النفي إلى جزيرة لارينيون/ ثم اللجوء السياسي بالقاهرة
وقد عرف المدرج غليانا في النقاش والتدخلات بمختلف الأسئلة والتدخلات والإستفسارات من طرف الحضور الكريم بألسنة متعددة أمازيغية غالبة، عربية، فرنسية وإسبانية، فكانت المؤرخة والباحثة ماريا روسا التي تتقن كل هذه اللغات إضافة إلى الإنجليزية تجيب على كل هذه الأسئلة بصدر رحب، أغنت الحضور برصيدها التاريخي حول تاريخ المنطقة، وثورة الريف
تصريحات
ماريا روسا في حديث مع يحيي يحيي
حوار مع ماريا روسا
رئيس المجلس البلدي لمدينة بني انصار السيد يحيى يحيى الذي تشرف بالحضور إلى الجامعة لمواكبة ومتابعة تقديم كتاب الباحثة الإسبانية ماريا روسا، بعدما كان قد تشرف بإستدعائها سابقا للحضور إلى ندوة بني أنصار حول معركة إغزا أن ووشن لكن مصادفة تاريخ الندوة لتقديم كتابها الجديد بأحد أعرق الجامعات الإسبانية ببرشلونة حال دون حضورها
صور: مراد ميموني
كثيرة هي الكتب التاريخية التي تناولت منطقة الريف في السنوات الأخيرة، بالدراسة والفحص والتحليل وتقويم أوضاعه التاريخية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وعديدة كذلك هي الكتب التي ألفت حول شخصية عبد الكريم الخطابي الأسطورية ومقاومته للإستعمار الإسباني، إضافة إلى المئات من المقالات المنشورة في كبريات الصحف الدولية بالدول الإستعمارية كفرنسا وإسبانيا وإنجلتيرا، حيث شكل هذا البطل مجالا خصبا للباحثين والدارسين من مختلف المشارب والتوجهات، ومازالت شخصيته إلى يومنا هذا تثير شهية التأويلات والتخريجات من طرف المؤرخين ودارسوا الحركات التحررية في كل بقاع العالم، منها ما يلامس بعضا من ملامحها ومنها مايجانب الصواب ، والكتاب موضوع التقديم للحضور الكريم، يتميز عن كل ما كتب إلى حد الآن حول هذه الشخصية التاريخية والكاريزماتية البارزة والتي أثرت بشكل كبير في التاريخ المحلي والوطني وحتى العالمي لكونه يندرج ضمن الأبحاث العلمية الجادة والقليلة
فبإحدى مدرجات الكلية المتعددة التخصصات بالناظور وبالتحديد في الفترة الزوالية ليوم الأربعاء 10 مارس الجاري تشرف الأستاذ الجامعي ميمون أزيزا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس بتقديم الأستاذة ماريا روسا دي مادريكادا للجمهور الحاضر، كما قام بسرد كرونولوجي بصيغة مختصرة للكتاب موضوع التقديم ثم عرج على السيرة الذاتية للمؤرخة الإسبانية، وسر إختيارها للريف كموضوع جغرافي للكتابات التاريخية، كل هذا تحت إشراف عمادة الكلية التي تكلف الأستاذ الخضر غريبي بالإعداد اللوجيستيكي لإنجاح الندوة والترحيب بضيف الجامعة الكبير إعتبارا لقيمته التاريخية والعلمية وذلك بحضور طلبة الكلية المتعددة التخصصات وبعض الأساتذة الباحثين في تاريخ الريف خصوصا القادمين من جامعات أخرى خارج مدينة الناظور إضافة طبعا إلى بعض التلاميذ الذين يدرسون في المعهد الإسباني بالناظور لوبي دي فيغا، كما سجلت القاعة حضور بعض الفاعلين في الميدان الإجتماعي والسياسي ونخص بالذكر رئيس المجلس البلدي لمدينة بني انصار السيد يحيى يحيى الذي تشرف بالحضور إلى الجامعة لمواكبة ومتابعة تقديم كتاب الباحثة الإسبانية ماريا روسا، بعدما كان قد تشرف بإستدعائها سابقا للحضور إلى ندوة بني أنصار حول معركة إغزا أن ووشن لكن مصادفة تاريخ الندوة لتقديم كتابها الجديد بأحد أعرق الجامعات الإسبانية ببرشلونة حال دون حضورها، كما حضر الندوة نخبة من الأساتذة المهتمون بالريف كمادة خصبة للبحث والكتابة من مدن مجاورة كالحسيمة مثلا
وتمهد الباحثة كتابها الجديد بذكر أسباب إختيارها للريف كموضوع للبحث الأكاديمي، موضحة أن السبب يعود أولا إلى الشخصية الأسطورية والثورية لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، التي حركت لديها فضولا وإهتماما كبيرين بالثقافة الريفية والأمازيغية، التي أغنت الموروث الثقافي الإسباني، ثم إن عودة عبد الكريم الخطابي إلى واجهة الإعلام الإسباني بعد الإعلان عن وفاته بالقاهرة في 06 من فبراير 1963، وما رافق من ذلك من تشويه وتزوير وطمس للحقائق للإرث الخطابي وتاريخه وصورته في المخيال الإسباني، كانت وراء عزمها على إتخاذ الريف موضوعا لدراستها المستقبلية التي إستغرقت أزيد من أربعة عقود كاملة
إبان تلك الفترة تناقلت الصحف الإسبانية خصوصا ذات التوجه اليميني أنباء حدث الوفاة، وقرأت ماريا روسا في جريدة (أ ب س) اليمينية كلاما إعتبرته قذفا وتقصيرا في حق بطل وأسطورة الريف وتهجما على شخصيته البطولية، وتوضح روسا أسباب هذا الإهتمام بدقة متناهية في مقدمة كتابها وتجملها في قولها: "مسألة واحدة كانت واضحة بالنسبة لي، وهي أن الأعداء الذين حاربهم عبد الكريم الخطابي كانوا أعدائي كذلك، حملوا الدمار والموت إلى الريف أولا، وبعد عشر سنوات قاموا بنفس الشيء في إسباني"، وتشير ماريا روسا بالتحديد إلى الحركة الفرنكاوية الفاشيستية التي إنطلقت من هنا ومن مليلية بالتحديد، لتنتقل بعد ذلك إلى إسبانبا، وهناك سبب آخر جعلها تتعاطف مع المقاومة الريفية للإحتلال الإسبانب، وهو إنتماءها إلى عائلة ليبيرالية تقدمية معادية لكل أشكال الإحتلال والإستعمار والإستعباد، مما حذا بها إلى الإنخراط منذ نعومة أضافرها في الحركات المساندة لحركات التحرر الوطني والمعادية للفرانكاوية والأنظمة الفاشية
وبعد ذلك قامت الباحثة ماريا روسا دي مادريكادا سنة 1969 بزيارة إلى الريف للتعرف على جغرافيته المتشعبة وللوقوف على المواقع العسكرية العديدة مثل أنوال وأعروي والناظور وغيرها، حيث تم اللقاء بعدة شخصيات شاركت من قريب أو من بعيد في حرب الريف، كما إجتمعت ببعض الزعماء السياسيين كعبد الله إبراهيم بإعتباره كرئيس أول حكومة تقدمية بالبلاد بعد الإستقلال الشكلي، إضافة إلى بعض أصدقاء محمد بن عبد الكريم الخطابي
وتعتبر المؤرخة ماريا روسا من بين الباحثين الذين أغنوا المكتبة الإسبانية والمغربية في السنوات الأخيرة لمجموعة من المؤلفات والأبحاث الأكاديمية حول حرب الريف ونذكر منها على وجه التحديد لا الحصر /إسبانيا والريف، حكاية تاريخ شبه منسي/ مغاربة في خدمة فرانكو/ معركة إغزار أن ووشن/ عبد الكريم والكفاح من أجل الإستقلال/ إلى غير ذلك من الكتب التي تعتبر مراجع أكاديمية لكل الباحثين مغاربة وأجانب
أما بالنسبة للعوامل المؤثرة في تكوين شخصيتها العلمية، فبعدما حصلت ماريا روسا على شهادة الإجازة من كلية الفلسفة والآداب بمدريد، عرجت على عاصمة الأنوار باريس لإستكمال دراستها حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر من جامعة السربون عام 1988، وكان موضوع أطروحتها هو:"إسبانيا والريف، الإحتلال العسكري والمقاومة المحلية"، كما حصلت على دبلوم الدراسات العامة في اللغة والآداب العربية من معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس، ثم عملت بعد ذلك كأستاذة جامعية بجامعة السربون لتلتحق بعد ذلك باليونيسكو حيث إشتغلت هنالك لسنوات عديدة
وأهم مؤثر جعل من الباحثة ماريا روسا تلتزم بمعانقة قضايا الريف في كفاحهم ضد الإستعمار هو أنها كانت تتلقى من عائلاتها وتعطيها صورا عن عبد الكريم الخطابي ومقاومته تختلف جذريا عن الصورة التي يقدمها التاريخ الرسمي للنظام الفرانكاوي
ولقد صدر كتاب موضوع التقديم "عبد الكريم الخطابي، والكفاح من أجل الإستقلال" عن دار "ألينثا"، ويتكون هذا المرجع القيم من حوالي 556 صفحة من الحجم المتوسط، ويقع في عشرة أبواب إضافة إلى المقدمة ومعجم بأسماء الأعلام، ولائحة المصادر والمراجع والوثائق المعتمدة، وقد زينت هذه الطبعة على الواجهة الأمامية للغلاف بصورة لعبد الكريم الخطابي وأخيه أمحمد والوزير عبد الله إبراهيم، ويعتبر هذا الإصدار الجديد كقيمة مضافة حقيقية ضمن أحسن ما ألف في هذا الباب نظرا لتناوله لأول مرة وبدقة علمية عالية قضايا تاريخية وأساسية وحاسمة، مثل قضية تعامل أو تعامل العائلة الخطابية مع الإسبان، وإذا كانت هذه القضية قد تناولها فعلا المؤرخ الإسباني جرمان عياش في كتابه: "أصول حرب الريف" الصادر سنة 1981، وأهم جديد في كتاب ماريا روسا هو تمكنها من الإطلاع على وثائق جديدة لم يتمكن عياش من الإطلاع عليها، إستمدتها من مادتها المصدرية الخاصة التي تتميز بالغنى والتنوع، والتي تتكون بالأساس من وثائق إسبانية ومغربية، ثم وثائق فرنسية بالخصوص وإنجليزية أيضا، وتتجلى في الأرشيف العسكري بمدريد، ووثائق الأرشيف الديبلوماسي بباريس وإلى غيرها من المصادر الأخرى
وجدير بالإشارة إلى أن المؤرخة تلح كثيرا على قضية الإعتماد على الوثائق المكتوبة بالدرجة الأولى من أجل إثبات الحقائق التاريخية، وتفادي إصدار الأحكام الجاهزة وهذا ما يعكس حرصها على إعتماد منهج بحث تاريخي وعلمي صارم، لايترك المجال للشك وللآراء الشخصية فكل رأي تبديه أو حكم تصدره أو فكرة تطرحها إلا وتحيلنا على الوثائق التي إستاقت منها معلوماتها أو إعتمدت عليها للخروج بهذه الخلاصة أو تلك، وهذا ما ينطبق' على كل فصول الكتاب
ومن أبرز القضايا التي يعالجها الكتاب، الولادة قبالة جزيرة النكور بالحسيمة، وعلاقة الجهاد بالمقاومة ثم إنعكاسات الحرب العالمية الأولى على الريف، مواجهة إسبانيا، إمتداد النزاع إلى منطقة الحماية الفرنسية، عبد الكريم ومحيطه، عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الدولة القومية، حرب الريف في الإطار الدولي نهاية بعبد الكريم اتلخطابي في المنفى
تناولت المؤلفة بالدراسة والتحليل شخصية عبد الكريم الخطابي وحركة مقاومة الإستعمار الإسباني، وقامت بفحص دقيق لها، وإنتقدت في هذا المجال ماريا روسا مجموعة منالإصدارات والكتابات الحديثة مثل كتاب زكية داود، أو الكتاب الذي صدر مؤخرا لصحافيين فرنسيين
وقد إستطردت الباحثة كثيرا بالتعريف بعائلة الخطابي العالمة إبتداء بالتدريس وصولا إلى القضاء مرورا بالترجمة والصحافة كمحرر للصفحة العربية بجريدة تلغراف الريف بالنسبة لعبد الكريم الأب، وتذكر ماريا روسا بمراحل تعاون عائلة الخطابي مع الإسبان وتعطي أمثلة كثيرة على ذلك مثل الزيارات المتكررة لعبد الكريم الأب لمدينة مليلية وجرزيرة النكور ولمدينة مالقة، وكمثل الكثير من سكان القبائل المتاخمة لمناطق الإحتلال على الساحل المغربي كانت تربط عبد الكريم الخطابي الأب علاقات الصداقة وحسن الجوار، ليس فقط مع السلطات العسكرية ولكن أيضا مع السكان المدنيين
أما قضية الجهاد وعلاقتها بالمقاومة، فتتناول الباحثة في معرض كتابها مسألة الصراعات الداخلية من أجل السلطة بين أنصار إسبانيا في أجدير أي الذين يتقاضون معاشا من السلطات الإسبانية، وتستمر في رسم صورة المجتمع الريفي في بداية القرن العشرين، وصنفت الباحثة ماريا روسا في علاقتهم بإسبانيا إلى صنفين متعاونون أو مايعرف بحزب أصدقاء إسبانيا، ومعارضوا أو ما يسمى بأعداء إسبانيا، وتدخل العائلة الخطابية ضمن الصنف الأول
وأما بالنسبة لإنعكايات الحرب العالمية الأولى على الريف والتي تجلت في بداية التحول في موقف الخطابي من إسبانيا حيث تطرقت إلى كل التجليات التي تناولت هذا التغيير في المواقف، في حين أن المواجهة الحقيقية بين عبد الكريم الأب والسلطات الإسبانية المعنونة بعنوان من المغرب المتعاون إلى المغرب الثائر، وتستفيض في قضية إستعمال الغازات السامة من طرف الجيش الإسباني لقتل السكان الريفيين المدنيين الأبرياء، فهي بجرأتها وموقفها من هذه القضية تقر بإستعمال الجيش الإستعماري الفرنسي والإسباني لهذه الغازات المحرقة عكس ما حاول البعض تفنيده
وتخلص الباحثة في كتابها إلى الحديث عن التحالف الإستعماري على الثورة الخطابية بالريف حيث أن الجنيرال ليوطي لم يكن مرتاحا لنتائج إنتصارات الثورة الريفية منذ سنة 1920، وعندما شاهد إنتصارات معركة أنوال الخالدة تأكد لديه بالملموس أكثر مما كان يتصور، حيث بقي يرصد ويتتبع هذه الثورة وإنعكاساتها على مستقبل الفرنسيين في منطقتهم الجنوبية من المغرب، وبعد هزيمة الجيش الإسباني وإعلانه عن الإنسحاب مرغما بعد تمريغ أنوف جنوده سنة 1924، بدأ ليوطي يعلن صراحة عن خطر الثورة الريفية على المصالح الفرنسية، رغم سابق إعلان الخطابي عن عدم رغبته في الإصطدام مع فرنسا وعدم نيته في التوسع إلى المنطقة الفرنسية، إلا أن الظروف الموضوعية للمواجهة كانت قائمة، وهكذا تم اتحالف الإسباني الفرنسي على الخطابي وثورته سنة 1925، ورغم لعبة المفاوضات التي كان يراد منها ربح الوقت وإحكام الإستعدادات من طرف المتحالفين، فإن الخطابي لم يكن ليستطيع مواجهة أعتى الدول الإستعمارية في ذلك الوقت بجيوشها وعتادها، وبعد مؤتمر وجدة سنة 1926 تم القضاء على الثورة الريفية، وإستسلم البطل عبد الكريم الخطابي لفرنسا وليس لإسبانيا درءا لأرواح المدنيين العزل، وهذا ما لم تستسغه إسبانيا
وبعيدا عن كل التأويلات المغرضة التي كانت تقول بأن الأمير عبد الكريم يريد الحلول محل السلطان، ويفسرون إعلان الجمهورية بكونه يندرج في إطار العلاقات العامة من أجل مخاطبة الرأي العام الغربي، وهذا ما أكده أحد الصحفيين الأمريكيين بعد سنتين من معركة أنوال، حيث أصدر الخطابي بيانا بعلن فيه إستقلال جمهوريته، كما وجه نداء إلى الأمم يطلعها بعدالة قضيته ويطلب الإعتراف بها من خلال إستعراض المؤسسات التي كونها الخطابي حيث يتبين بالملموس أنه كان يسعى إلى تكوين نظام ديموقراطي يستفيد من التراث الريفي، ومن الصيغ الإدارية للدولة الحديثة، وتتمثل هذه المؤسسات في تنظيم القضاء ، ونظام المالية، والجيش، والتعليم، والصحة، وختمت بحثها بإستعراض الإنعكايات الوطنية والدولية لإعلان الجمهورية الريفية، ثم مرحلة المنفى/النفي إلى جزيرة لارينيون/ ثم اللجوء السياسي بالقاهرة
وقد عرف المدرج غليانا في النقاش والتدخلات بمختلف الأسئلة والتدخلات والإستفسارات من طرف الحضور الكريم بألسنة متعددة أمازيغية غالبة، عربية، فرنسية وإسبانية، فكانت المؤرخة والباحثة ماريا روسا التي تتقن كل هذه اللغات إضافة إلى الإنجليزية تجيب على كل هذه الأسئلة بصدر رحب، أغنت الحضور برصيدها التاريخي حول تاريخ المنطقة، وثورة الريف
تصريحات
ماريا روسا في حديث مع يحيي يحيي
حوار مع ماريا روسا
رئيس المجلس البلدي لمدينة بني انصار السيد يحيى يحيى الذي تشرف بالحضور إلى الجامعة لمواكبة ومتابعة تقديم كتاب الباحثة الإسبانية ماريا روسا، بعدما كان قد تشرف بإستدعائها سابقا للحضور إلى ندوة بني أنصار حول معركة إغزا أن ووشن لكن مصادفة تاريخ الندوة لتقديم كتابها الجديد بأحد أعرق الجامعات الإسبانية ببرشلونة حال دون حضورها