توفيق بوعيشي
قبل عدة أسابيع من الآن، سافرت من مطار العروي في اتجاه فرنسا، وصلتُ إلى المطار باكراً، ما أتاح لي أن أشاهد معظم الركّاب الذين سيرتحلون معي على متن نفس الطائرة، وهُم يتوافدون واحداً تلو الآخر للشروع في اِستيفاء إجراءات الرحلة التي تُقام داخل بهو المطار قبل بدءِ عملية الإركاب..
بدأت صالة الانتظار تمتلئ شيئاً فشيئا بالمسافرين من مختلف الأعمار، نساءً، أطفالاً، شباباً وشيباً، يرافقوهم أقرباؤهم للوداع وكذا للمساعدة على حمل الحقائب، وبين كل هذه التفاصيل التي تعتبر عادية جدا لكل مسافر، لاحت في المشهد لقطة واحدة أثارت انتباه المسافرين، وهي قُبلة حارّة طبعتها شابة شقراء على شفتيْ شابٍّ أوصلها بسيارته إلى المطار، قبل أن يودعها بحرارة؛ الموقف تحاشى الكلّ التعليق عليه، بسبب انشغالهم في طابور كبير لتسجيل الأمتعة.
أقلعت الطائرة من المطار نحو وجهتها في موعدها المحدّد، كان الجوّ صافيا يُمكِّنك من رؤية كل مناطق الأرض التي تمرّ فوقها الطائرة رغم علوها الشاهق، ما جعل الرحلة ممتعة وشيّقة جدا؛ السفر إلى بلادٍ متقدمة كفرنسا اِنطلاقا من بلدٍ مثل المغرب، ومن مطار كالعروي، يعني الكثير من الأشياء التي ستتغير بمجرد الحلول بتراب بلاد الحريات الثلاث، شكلا ومضمونا..
ستشاهد في بلاد الأنوار، مدناً كبرى نظيفة ومؤسساتٍ تعليمية رفيعة، ومستشفيات أنيقة، وطرقات وقناطر وسدود تيسِّير ظروف عيش المواطنين، لكنني لم أكن أتصوّر أن هذه التغييرات قد تطال حتى أحاسيس الإنسان وعواطفه إلا عندما لمحتُ مجدداً تلك الشقراء تطبع نفس "قبلة العروي" على شفتيْ خليلٍ لها آخر لكنه هذه المرة "كاوري" كان في استقبالها من أجل إصطحابها إلى وجهة أخرى؛ آنذاك أدركت أنه خلال الرحلة التي دامت ساعتين فقط، سقط من الطائرة شيءٌ ثمين لا يُقدّر بمال، لكن للاسف لم يُثر انتباه أحد، لا طاقم الطائرة ولا المسافرين، إلا عند الوصول.
بين قبلة العروي وقبلة فرنسا التي تفصل بينهما ساعتان من الطيران، سقط الوفاء والإخلاص من علياء السماء، وحلّ محل الحبّ اللاَّحب بتعبير الراحل نزار؛ وقبلها كنت دائما ما أسمع قصص الخيانة التي تُروى على مضضٍ تتلقفها المسامع بوجع، لكنني لم أتوقع أن أكون يوماً شاهدا عيانا على واحدةٍ من تفاصيلها كما يبدو ظاهريا على الأقل؛ الواقعة فجرت في دواخلي سؤالا حارقاً عن ما الذي يُغري شخصاً ما بارتكاب جرمِ الخيانة؟ هذه الجريرة الذي يمقتها الجميع لأنها تُجهز على ما تبقى من إحساس وتُشعل بدلها حرائق لا تنطفئ...
لعل أسباب الخيانة تُعزى إلى احتمالات عدة، ربما مُحركها هو البحث عن الأفضل، أو الطباع المختلفة، وتغير النظرة إلى الحياة، وسوء التفاهم الحاد، وعدم القدرة على تحمل تصرفات الآخر... لكن هل هذه الأسباب كافية لجعلك ترتكب جريرة عظيمة مثلها وعلى مرآى الجميع، أو أن تقسم الحب بقبلات لا يعرف أي أحدٍ أيّة واحدة منها صادقة؟؟
قبلة العروي أم قبلة فرنسا؟؟.. في الواقع لم أجد جوابا شافياً ولا عذرا كافياً ولا تعليقا مناسبا، لما حدث أمام ناظريَّ، سوى ما قاله بسخرية عارمة أحد الظرفاء الذين لا يخلو منهم مكانٌ "ديك السيّدة فيساع بدلات الدرهم بالأورو"، مع قهقهات يُسمع صخبها المتعالي الحدّة من بعيد.
في الحقيقة، الأمر لا يبعث على الضحك ولا القهقهة بتاتا، بل على الأسف والحسرة على انعدام قيمٍ كالوفاء والإخلاص في مجتمعاتنا المعتّلة، حيث تنقل لنا وسائل الإعلام يوميا، أخبار الخيانات وحوادثها، حتى أضحى هذا السلوك المشين يطبع كل علاقتنا مع الآخرين أياً كانت هذه العلاقة، صداقة، زمالة، علاقة عاطفية وغيرها.. إذ نادرا ما نَلْفي شخصاً لم يكتوِ بنار الخيانة..
إنّ أسباب إتيان هذا السلوك الذي يُصنف كجُرمٍ أخلاقي متشعبة للغاية، تحتاج إلى دراسة سيكولوجية وسوسيولوجية جادّة، حتّى ترسم لنا الصورة الحقيقية لعلاقاتنا مع الآخرين، بحيث لا يتسنى حصرها في حيّز مقال رأي صغير كهذا، لكن يكفي سرد إحدى قصص "الخيانات" لكي يبطل العجب والسبب في آن.
قبل عدة أسابيع من الآن، سافرت من مطار العروي في اتجاه فرنسا، وصلتُ إلى المطار باكراً، ما أتاح لي أن أشاهد معظم الركّاب الذين سيرتحلون معي على متن نفس الطائرة، وهُم يتوافدون واحداً تلو الآخر للشروع في اِستيفاء إجراءات الرحلة التي تُقام داخل بهو المطار قبل بدءِ عملية الإركاب..
بدأت صالة الانتظار تمتلئ شيئاً فشيئا بالمسافرين من مختلف الأعمار، نساءً، أطفالاً، شباباً وشيباً، يرافقوهم أقرباؤهم للوداع وكذا للمساعدة على حمل الحقائب، وبين كل هذه التفاصيل التي تعتبر عادية جدا لكل مسافر، لاحت في المشهد لقطة واحدة أثارت انتباه المسافرين، وهي قُبلة حارّة طبعتها شابة شقراء على شفتيْ شابٍّ أوصلها بسيارته إلى المطار، قبل أن يودعها بحرارة؛ الموقف تحاشى الكلّ التعليق عليه، بسبب انشغالهم في طابور كبير لتسجيل الأمتعة.
أقلعت الطائرة من المطار نحو وجهتها في موعدها المحدّد، كان الجوّ صافيا يُمكِّنك من رؤية كل مناطق الأرض التي تمرّ فوقها الطائرة رغم علوها الشاهق، ما جعل الرحلة ممتعة وشيّقة جدا؛ السفر إلى بلادٍ متقدمة كفرنسا اِنطلاقا من بلدٍ مثل المغرب، ومن مطار كالعروي، يعني الكثير من الأشياء التي ستتغير بمجرد الحلول بتراب بلاد الحريات الثلاث، شكلا ومضمونا..
ستشاهد في بلاد الأنوار، مدناً كبرى نظيفة ومؤسساتٍ تعليمية رفيعة، ومستشفيات أنيقة، وطرقات وقناطر وسدود تيسِّير ظروف عيش المواطنين، لكنني لم أكن أتصوّر أن هذه التغييرات قد تطال حتى أحاسيس الإنسان وعواطفه إلا عندما لمحتُ مجدداً تلك الشقراء تطبع نفس "قبلة العروي" على شفتيْ خليلٍ لها آخر لكنه هذه المرة "كاوري" كان في استقبالها من أجل إصطحابها إلى وجهة أخرى؛ آنذاك أدركت أنه خلال الرحلة التي دامت ساعتين فقط، سقط من الطائرة شيءٌ ثمين لا يُقدّر بمال، لكن للاسف لم يُثر انتباه أحد، لا طاقم الطائرة ولا المسافرين، إلا عند الوصول.
بين قبلة العروي وقبلة فرنسا التي تفصل بينهما ساعتان من الطيران، سقط الوفاء والإخلاص من علياء السماء، وحلّ محل الحبّ اللاَّحب بتعبير الراحل نزار؛ وقبلها كنت دائما ما أسمع قصص الخيانة التي تُروى على مضضٍ تتلقفها المسامع بوجع، لكنني لم أتوقع أن أكون يوماً شاهدا عيانا على واحدةٍ من تفاصيلها كما يبدو ظاهريا على الأقل؛ الواقعة فجرت في دواخلي سؤالا حارقاً عن ما الذي يُغري شخصاً ما بارتكاب جرمِ الخيانة؟ هذه الجريرة الذي يمقتها الجميع لأنها تُجهز على ما تبقى من إحساس وتُشعل بدلها حرائق لا تنطفئ...
لعل أسباب الخيانة تُعزى إلى احتمالات عدة، ربما مُحركها هو البحث عن الأفضل، أو الطباع المختلفة، وتغير النظرة إلى الحياة، وسوء التفاهم الحاد، وعدم القدرة على تحمل تصرفات الآخر... لكن هل هذه الأسباب كافية لجعلك ترتكب جريرة عظيمة مثلها وعلى مرآى الجميع، أو أن تقسم الحب بقبلات لا يعرف أي أحدٍ أيّة واحدة منها صادقة؟؟
قبلة العروي أم قبلة فرنسا؟؟.. في الواقع لم أجد جوابا شافياً ولا عذرا كافياً ولا تعليقا مناسبا، لما حدث أمام ناظريَّ، سوى ما قاله بسخرية عارمة أحد الظرفاء الذين لا يخلو منهم مكانٌ "ديك السيّدة فيساع بدلات الدرهم بالأورو"، مع قهقهات يُسمع صخبها المتعالي الحدّة من بعيد.
في الحقيقة، الأمر لا يبعث على الضحك ولا القهقهة بتاتا، بل على الأسف والحسرة على انعدام قيمٍ كالوفاء والإخلاص في مجتمعاتنا المعتّلة، حيث تنقل لنا وسائل الإعلام يوميا، أخبار الخيانات وحوادثها، حتى أضحى هذا السلوك المشين يطبع كل علاقتنا مع الآخرين أياً كانت هذه العلاقة، صداقة، زمالة، علاقة عاطفية وغيرها.. إذ نادرا ما نَلْفي شخصاً لم يكتوِ بنار الخيانة..
إنّ أسباب إتيان هذا السلوك الذي يُصنف كجُرمٍ أخلاقي متشعبة للغاية، تحتاج إلى دراسة سيكولوجية وسوسيولوجية جادّة، حتّى ترسم لنا الصورة الحقيقية لعلاقاتنا مع الآخرين، بحيث لا يتسنى حصرها في حيّز مقال رأي صغير كهذا، لكن يكفي سرد إحدى قصص "الخيانات" لكي يبطل العجب والسبب في آن.