محـمد بوتخريط . هولندا
عندما بدأ في الحديث ، كانت ملامحه تتغير كل لحظة ويشـع نور غريب في عينيه ، وكان يعلو تردد صوته بطريقة غير إرادية.
حكى لي حين دخل المدينة وسار في شوارعها وطرقها النظيفة ، ورأى المواطنين يقومون بتنظيف الشوارع بايديهم وحتى في الأزقة الضيقة رأى من يقوم بالكنس من المواطنين بالطرق اليديوية ...عملا بمبدأ أن الشوارع النظيفة تحتاج إلى أناس محترمين لتكون نظيفة ...قال صديقي.
وحكى لي انه على أطراف ذات الشوارع رأى محطات الاتوبيس .. وحافلات تملأ المكان مكيفة وفاخرة، كان السائقون يطاردون الركاب في الأزقة والشوارع ويطلبون منهم الصعود للحافلات لإيصالهم الى أعمالهم والى منازلهم ودون حتى ان يدفعو فرنكا واحد !
قـال لي أنه حين عاد الى المنزل في المساء بعد يوم عمل مريح ، وجد والدته وضعت على مائدة العشاء ما لذ وطاب من الأكل ، وخليط من الفواكه وأشياء أخرى لذيذة لم يستطع التعرف عليها.
حكى لي عن فريقي هلال الناظور والفتح الناظوري وهما يلعبان في نهائي بطولة افريقية ، وعن التمارين واستعداداتهما داخل ملعب يتسع لخمسة وعشرين ألف متفرج، ويغطي أرضه عشب اصطناعي.
حكى لي كذلك عن بعض فنانينا في الريف وكيف استطاعوا اخيراً إنهاء "مهزلة" الغناء المميع الهابط ، بل أكد لي انهم اعتذروا لكل أهل الريف عن الاغاني الهابطة التى قدموها في السابق ، وتعهدوا بعدم تكرار ذلك.!
وقبل أن يدخل الى مسرح المدينة الذي كان شارعا ابوابه للعموم ( حسب قوله) حكى لي عن صديق مريض يعرفه ، دخل مستشفى المدينة وهو يعاني من صداع في الراس، فقامت المستشفى ولم تقعد، جاء الأطباء ومساعديهم من الممرضين والممرضات للإطمئنان على حالته ، والاجمل من ذلك أنه خرج من المستشفى وهو يمشى على رجليه .!
قال ان المستشفيات والمستوصفات متوفرة في كل الاماكن في المدينة ، و اسعار الأدوية رخيصة وفي متناول الجميع.
لم يعد للمهمشين عالم خاص بهم -قال لي- فكل تطلعاتهم ومتعهم البسيطة وحلمهم الدائم بالخروج من العشوائيات إلى الهواء الطلق قد تحققت.
وحكـى لي بعد أن خرج من مسرح المدينة متجها نحو السوق ، التقى ببعض أصدقاء الطفولة والدراسة وقد تخرجوا من الجامعة ، وتم تعيينهم وفوراً في وظائف مهمة و كبيرة ، وأكد لي انه لم يبقى معطل واحد في المدينة .. كل من تخرج لقي وظيفة في انتظاره . وان جمعية حملة الشهادات المعطلين بالمغرب لم يعد لها وجود ، وأن الأوضاع الاجتماعيّة التي آلت إليها أحوال الشعب في ظل الحكومة الجديدة التي جاءت بعد حكومة بنكيران صحية جدا ، حيث لا زيادات ولا تراجع عن دعم صندوق المقاصّة .. ولا ترخيص للجامعات الخاصة " لخوصصة التعليم العالي"... ولا اعتقالات ولا متابعات ولامحاكمات الرأي التي كانت تقام تحت ذريعة محاكمات حق عام أو إرهاب .. ولا شيء من هذا القبيل او ذاك .
حكى لي انه تم صدور قانون آخر يلزم الوكالات الحكومية بتوظيف "المعوقين" كذلك ..
حكى لي عن صديق لنا "أصم" وكيف انه بعد تخرجه من الجامعة ، حصل على تدريب مع " إدارة عمومية " ، فأعجبت به الإدارة إلى درجة أن عرضت عليه وظيفة بدوام كامل ... بل ان ذات القانون ينص كذلك على أن تؤمن المرافق العامة إزالة الحواجز التي تعيق الأشخاص "المعوقين" من التسوق، او ركوب الحافلات أو ارتياد المسارح، أو استعمال المراحيض العامة التي تملأ المدينة .!
توقف صديقي للحظة عن الحكي ، ثم واصل قائلا ان داخل السوق الذي زاره كان يزدحم بالمواطنين، قال انه رأى رجلاً سقطت منه محفظة نقود ، التقطها أحد المارين وطارد الرجل حتى اعادها اليه.
كان ذلك السوق حسب ما حكى لي هو "السوبيرمارشي" الذي تم إعادة بنائه بعد الحريق وكان الباعة فيه يقومون بتخفيضات هائلة لزبائنهم ، وأكد لي انه كان يلمح ابتسامات متبادلة بينهم،وحالة من الفرح و الرضى والسعادة.!
توقف للحظة أخرى عن الحكي .. نظرت اليه وقبل ان اسأله.. ﺃﺘـﺎﻨﻲ ﺼﻭته ﻫﺎﻤﺴﺎ ﻭﻤﺒﺤﻭﺤﺎ .. مشيرا بيده في اتجاه الشارع الطويل قائلا لي :
هل تراه ؟
هل لا زلتَ تتذكره ؟
إنه فلان صديقك الحميم ..
قلت له كيف ساراه واعرفه وسط ذلك الحشد الكبيرا وهو يتموّج جيئة ً وذهابًا وسط الشارع الطويل ..
بدأ الحشد يقترب ..وجوه أعرفها ولا أعرفها ..
اقتربتُ من الحشد أكثر ... رأيته يتقدم الجموع وهو يردد شعاره الأبدي ( لنا يا رفاق لقاء غدا سنأتي و لن نخلف الموعدا وهذي الجماهير في صفنا ودرب النضال يمد اليدا... ) .
عندما اقتربت منه أكثر ، تبين لي فعلا أنه هو...هو صديقي "المُعطل". تعـانقـنا عناقَ الرفاق والأحبَّة ..حاولت ان اسأله على الوظيفة التي حكى لي عنها صديقي لكن وقْع الشعار جعلني اصرف النظر على السؤال.
بينما صديقي قال انه سيذهب لينام ويعاود إغماض عينيه من جديد ، ليرى المدينة واهلها كما حكى لي عنها وكما يريدها .. قائلا أنه في الكثير من الاحيان تكون الاحلام أجمل بكثير من واقعنا المعاش .
نظرت اليه بشيء من الإستغراب ..تذكرت ان ما حكاه لي عن المدينة والناس لم يكن سوى حلما .
التفتت الى صديقي المعطل سمعته وكأنه سمع سؤالا لم أسأله يقول .
أنا كما انا ياصديقي ، لا زلت ذاك الإنسان المولود ذات يوم لئيم بهذه الأرض السعيدة التي تربينا فيها معا وترعرعنا و تعلمنا في مدارسها حتى تخرجنا من جامعاتها ...عشقت رائحتها حتى "ضننت أنّها وطن نموت من أجله ، ووجدتها الآن وطن نموت على يده."
والمدينة هي المدينة يا صديقي ، لم يتغير فيها شيء إلاً اتساعها...
وأنا وكأيّها الناس ، حلمت أن أرى نفسي إنسانا يتمتع بكل حقوقه كاملة .. يحميني قانون وطني و يعطيني "حقوقي" لأنظبط و بالمقابل لقواعده.
حلمت ان اكون "هكذا" كريما ، عزيزا .. فأحلامنا بسيطة، لا تتعدى بيت صغير نعيش فيه بسلام، وتوفير قوت يومنا، والتمتع بالصحة الجيدة والسعادة ، ولكن ظلّ أملي لم يكبر و بقي الأمل بالحرّية والكرامة والعيش العادل في أرض هذا الوطن مجرّد حلما....تماما ، كالحلم الذي حكاه لك صديقنا...
فهل علمتَ الآن بحالي ...
اليوم أجهضوا حلمي وغدا سيمنعون الأحلام عني بموجب قانون طوارىء جديد .
فهل ﺳ --- يمنعون عنا الأحلام ... ياصديقـي ام انهم فعلا منعوها..؟
نظرت إليـه بشيء من الحزن والإستغراب قلت له :
أظنهم ، فقط ..."برمجوها" يا صديقي !!!.
نحلـم فقط ان نعيش سعداء ولا نحلم كيف سنعيش ... سعداء. !
عندما بدأ في الحديث ، كانت ملامحه تتغير كل لحظة ويشـع نور غريب في عينيه ، وكان يعلو تردد صوته بطريقة غير إرادية.
حكى لي حين دخل المدينة وسار في شوارعها وطرقها النظيفة ، ورأى المواطنين يقومون بتنظيف الشوارع بايديهم وحتى في الأزقة الضيقة رأى من يقوم بالكنس من المواطنين بالطرق اليديوية ...عملا بمبدأ أن الشوارع النظيفة تحتاج إلى أناس محترمين لتكون نظيفة ...قال صديقي.
وحكى لي انه على أطراف ذات الشوارع رأى محطات الاتوبيس .. وحافلات تملأ المكان مكيفة وفاخرة، كان السائقون يطاردون الركاب في الأزقة والشوارع ويطلبون منهم الصعود للحافلات لإيصالهم الى أعمالهم والى منازلهم ودون حتى ان يدفعو فرنكا واحد !
قـال لي أنه حين عاد الى المنزل في المساء بعد يوم عمل مريح ، وجد والدته وضعت على مائدة العشاء ما لذ وطاب من الأكل ، وخليط من الفواكه وأشياء أخرى لذيذة لم يستطع التعرف عليها.
حكى لي عن فريقي هلال الناظور والفتح الناظوري وهما يلعبان في نهائي بطولة افريقية ، وعن التمارين واستعداداتهما داخل ملعب يتسع لخمسة وعشرين ألف متفرج، ويغطي أرضه عشب اصطناعي.
حكى لي كذلك عن بعض فنانينا في الريف وكيف استطاعوا اخيراً إنهاء "مهزلة" الغناء المميع الهابط ، بل أكد لي انهم اعتذروا لكل أهل الريف عن الاغاني الهابطة التى قدموها في السابق ، وتعهدوا بعدم تكرار ذلك.!
وقبل أن يدخل الى مسرح المدينة الذي كان شارعا ابوابه للعموم ( حسب قوله) حكى لي عن صديق مريض يعرفه ، دخل مستشفى المدينة وهو يعاني من صداع في الراس، فقامت المستشفى ولم تقعد، جاء الأطباء ومساعديهم من الممرضين والممرضات للإطمئنان على حالته ، والاجمل من ذلك أنه خرج من المستشفى وهو يمشى على رجليه .!
قال ان المستشفيات والمستوصفات متوفرة في كل الاماكن في المدينة ، و اسعار الأدوية رخيصة وفي متناول الجميع.
لم يعد للمهمشين عالم خاص بهم -قال لي- فكل تطلعاتهم ومتعهم البسيطة وحلمهم الدائم بالخروج من العشوائيات إلى الهواء الطلق قد تحققت.
وحكـى لي بعد أن خرج من مسرح المدينة متجها نحو السوق ، التقى ببعض أصدقاء الطفولة والدراسة وقد تخرجوا من الجامعة ، وتم تعيينهم وفوراً في وظائف مهمة و كبيرة ، وأكد لي انه لم يبقى معطل واحد في المدينة .. كل من تخرج لقي وظيفة في انتظاره . وان جمعية حملة الشهادات المعطلين بالمغرب لم يعد لها وجود ، وأن الأوضاع الاجتماعيّة التي آلت إليها أحوال الشعب في ظل الحكومة الجديدة التي جاءت بعد حكومة بنكيران صحية جدا ، حيث لا زيادات ولا تراجع عن دعم صندوق المقاصّة .. ولا ترخيص للجامعات الخاصة " لخوصصة التعليم العالي"... ولا اعتقالات ولا متابعات ولامحاكمات الرأي التي كانت تقام تحت ذريعة محاكمات حق عام أو إرهاب .. ولا شيء من هذا القبيل او ذاك .
حكى لي انه تم صدور قانون آخر يلزم الوكالات الحكومية بتوظيف "المعوقين" كذلك ..
حكى لي عن صديق لنا "أصم" وكيف انه بعد تخرجه من الجامعة ، حصل على تدريب مع " إدارة عمومية " ، فأعجبت به الإدارة إلى درجة أن عرضت عليه وظيفة بدوام كامل ... بل ان ذات القانون ينص كذلك على أن تؤمن المرافق العامة إزالة الحواجز التي تعيق الأشخاص "المعوقين" من التسوق، او ركوب الحافلات أو ارتياد المسارح، أو استعمال المراحيض العامة التي تملأ المدينة .!
توقف صديقي للحظة عن الحكي ، ثم واصل قائلا ان داخل السوق الذي زاره كان يزدحم بالمواطنين، قال انه رأى رجلاً سقطت منه محفظة نقود ، التقطها أحد المارين وطارد الرجل حتى اعادها اليه.
كان ذلك السوق حسب ما حكى لي هو "السوبيرمارشي" الذي تم إعادة بنائه بعد الحريق وكان الباعة فيه يقومون بتخفيضات هائلة لزبائنهم ، وأكد لي انه كان يلمح ابتسامات متبادلة بينهم،وحالة من الفرح و الرضى والسعادة.!
توقف للحظة أخرى عن الحكي .. نظرت اليه وقبل ان اسأله.. ﺃﺘـﺎﻨﻲ ﺼﻭته ﻫﺎﻤﺴﺎ ﻭﻤﺒﺤﻭﺤﺎ .. مشيرا بيده في اتجاه الشارع الطويل قائلا لي :
هل تراه ؟
هل لا زلتَ تتذكره ؟
إنه فلان صديقك الحميم ..
قلت له كيف ساراه واعرفه وسط ذلك الحشد الكبيرا وهو يتموّج جيئة ً وذهابًا وسط الشارع الطويل ..
بدأ الحشد يقترب ..وجوه أعرفها ولا أعرفها ..
اقتربتُ من الحشد أكثر ... رأيته يتقدم الجموع وهو يردد شعاره الأبدي ( لنا يا رفاق لقاء غدا سنأتي و لن نخلف الموعدا وهذي الجماهير في صفنا ودرب النضال يمد اليدا... ) .
عندما اقتربت منه أكثر ، تبين لي فعلا أنه هو...هو صديقي "المُعطل". تعـانقـنا عناقَ الرفاق والأحبَّة ..حاولت ان اسأله على الوظيفة التي حكى لي عنها صديقي لكن وقْع الشعار جعلني اصرف النظر على السؤال.
بينما صديقي قال انه سيذهب لينام ويعاود إغماض عينيه من جديد ، ليرى المدينة واهلها كما حكى لي عنها وكما يريدها .. قائلا أنه في الكثير من الاحيان تكون الاحلام أجمل بكثير من واقعنا المعاش .
نظرت اليه بشيء من الإستغراب ..تذكرت ان ما حكاه لي عن المدينة والناس لم يكن سوى حلما .
التفتت الى صديقي المعطل سمعته وكأنه سمع سؤالا لم أسأله يقول .
أنا كما انا ياصديقي ، لا زلت ذاك الإنسان المولود ذات يوم لئيم بهذه الأرض السعيدة التي تربينا فيها معا وترعرعنا و تعلمنا في مدارسها حتى تخرجنا من جامعاتها ...عشقت رائحتها حتى "ضننت أنّها وطن نموت من أجله ، ووجدتها الآن وطن نموت على يده."
والمدينة هي المدينة يا صديقي ، لم يتغير فيها شيء إلاً اتساعها...
وأنا وكأيّها الناس ، حلمت أن أرى نفسي إنسانا يتمتع بكل حقوقه كاملة .. يحميني قانون وطني و يعطيني "حقوقي" لأنظبط و بالمقابل لقواعده.
حلمت ان اكون "هكذا" كريما ، عزيزا .. فأحلامنا بسيطة، لا تتعدى بيت صغير نعيش فيه بسلام، وتوفير قوت يومنا، والتمتع بالصحة الجيدة والسعادة ، ولكن ظلّ أملي لم يكبر و بقي الأمل بالحرّية والكرامة والعيش العادل في أرض هذا الوطن مجرّد حلما....تماما ، كالحلم الذي حكاه لك صديقنا...
فهل علمتَ الآن بحالي ...
اليوم أجهضوا حلمي وغدا سيمنعون الأحلام عني بموجب قانون طوارىء جديد .
فهل ﺳ --- يمنعون عنا الأحلام ... ياصديقـي ام انهم فعلا منعوها..؟
نظرت إليـه بشيء من الحزن والإستغراب قلت له :
أظنهم ، فقط ..."برمجوها" يا صديقي !!!.
نحلـم فقط ان نعيش سعداء ولا نحلم كيف سنعيش ... سعداء. !