عبد الرشيد القدوري*
لما يشعر الحاكم - وقد يكون هذا الحاكم رئيسا أو ملكا أو أميرا أو زعيما... سمِّه ما شئت، المهم أنه أتى إلى سدة الحكم عن طريق آخر غير الطريق الذي يرتضيه الشعب- أقول لما يشعر أنه لا يستمد شرعيته وسلطته من الشعب، يسعى إلى خلق مجموعة من الآليات والوسائل لشرعنة وجوده ومن ثم فرض هيمنته واستمراره، ومن بين هذه الوسائل التي يلجأ إليها لتحقيق ذلك إنشاء حزب تابع له يبارك له كل ما يقرره وكل ما ينفذه.
لكن المشكلة أن حزبه هذا يولد مشوها ابتداء، لأنه لقيط لا صلة له بالشعب، لذلك نجده ممقوتا غير مرغوب فيه، وقد يرغب فيه بعض الاستثناءات كالمتسخين فكريا وسياسيا وبعض الانتهازيين، فالطيور على أشكالها تقع كما يقال.
حاولت أن أجد وصفا لهذا الحزب الذي ينشِئه الحاكم -الذي لا يُسأل عما يفعل وغيره يسأل-، فلم أجد ما يسعفني من كلمات في ذلك كي أفتتح به، سوى تلكم الكلمات التي استهل بها برنامج وثائقي إحدى حلقاته حول مكر الجاسوسية، حيث جاء فيها: أساليبها قذرة..! ضربها تحت الحزام..! يلجأ إليها الأفراد أحيانا ولا تستغني عنها الحكومات في كل حين...
الذي يهمني من هذا كله وله علاقة بما أريد قوله، تلكم الجملتين الأولتين، وهما: أساليبها قذرة وضربها تحت الحزام.
ولنبدأ بالأولى، لماذا الضرب تحت الحزام؟ الجواب مرتبط بفهم المعنى أولا، فالضرب تحت الحزام مصطلح مأخوذ من عالم الرياضة، خاصة المشهورة منها باسم: "box" (اللكمات) وهي كناية عن اللاعب الذي يشعر أنه مهدد بالهزيمة، فيلجأ إلى غش الحَكَم وخداعه وضرب غريمه في أماكن غير مسموح أن يضرب فيها. إذن فما علاقة هذا بذاك؟
الجواب بسيط، فالحزب التي ينشأ تحت رعاية نظام فاسد مستبد، مهزوم ابتداء ولا شرعية له ولا منهاج، ولأن حاله كما أسلفت، فإنه يلجأ إلى الضرب من تحت الحزام من قبيل ما يلجأ إليه من الاستقواء بأجهزة النظام الذي أنشأه واللجوء إلى التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن رفض الخضوع والخنوع له، يفعل ذلك لأنه ببساطة يحمل "مشاريع" في زعمه، ولا ينبغي التردد في التنفيذ...
أما الثانية: أساليبها قذرة، فهي أيضا من المرتكزات الرئيسة التي يعتمد عليها هذا الحزب ويلجأ إليها في كل حين، فلا يمكن له أن يعيش ويستمر دون اختلاق أحداث وأكاذيب وقحة لتشويه الخصم، حتى وإن تطلب ذلك إزهاق الأرواح وسفك الدماء وجعل جثث الناس قنطرة يمر عليها للوصول إلى أهدافه.
إنه حقا محضن عصابة ومافيا. ورغم أنه يحاول الظهور بوجه بريء وكأنه غيور على مصلحة الوطن والمواطن، إلا أن حقيقته لا تخفى على أحد، فهو فيروس سياسي خبيث ينخر المجتمع، وبضاعة سياسية فاسدة سامة، لذلك يمكن القول - ولسوء حظه- أن جرثومة انقراضه يحملها في ذاته.
أما المرتمون في أحضانه، فلا يخفون على أحد، إذ سيماهم في وجوهم إن رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة، قسمات ابتساماتهم مفضوحة، لأنها كاذبة خاطئة، رائحتهم غير طيبة إن لم نقل نتنة... لذلك نُطمئنهم أننا يكفينا أنهم هم، ولا نسبهم لأنهم أحقر من أن يسبوا... ومصيرهم معلوم. وما مصير البنعليات واللامباركيات عنا ببعيد.
وعلى ذكر مصير الطغاة وكلابهم الضالة. فلابد من القول، أنه لا يستطيع أحد أو يزعم كاذب أن ما تبقى منهم بمنأى عن هذا المصير "الخايب"، فالحبل على الجرار إن لم يبادروا -وبسرعة فائقة- إلى الاستجابة للمطالب والحقوق المشروعة التي يطالب بها الشرفاء والأحرار.
وحُقَّ لشباب اليوم أن يحلم ويأمل في قرب هذا التغيير الموعود الذي طال انتظاره. لكن بالمقابل، لابد من الإشارة إلى أن مهر هذا التغيير المنشود غالي لمن يطلبه، ذلكم أن الخطوة الأولى لتحقيقه ومن ثم إنقاذ هذا الوادي الغارق في البؤس والدموع هي كنس الاستبداد الملطخ بالاستعباد والاستفراد، ودون هذه الخطوة محال الوصول إلى المأمول. ولِكنْسه لابد من الاستعداد لبذل مزيد من النضال والصمود.
وعليه، فلابد من تكاثف الجهود، وليكن هذا التكاثف والتعاون مع كل من يحركه غضب شريف، ومع كل من تغلي في صدره الغيرة على ما آلت إليه الأوضاع، ومع كل من له طموح شريف ليخدم العباد والبلاد، ومع كل حر شريف أيقظته أنَفتُه ضد الكذب والزور…
هل ممكن ذلك؟ نعم ممكن ما دام الشرفاء يرضوْن بالجلوس على بساطٍ وطني، وفي أرضية وطنية، لأن القضية قضية شعب مستهدف في كرامته وحريته وخبزه…
لا مناص لكل من ينشد مستقبلا أفضل من هذا الخيار الوحيد المتبقي أمامه لتغيير عميق وشامل. والتغيير والنصر لصالح المستضعفين قد آن أوانه وهو آت آت لا محالة، هذا يقيننا في سنن الكون وسنن التاريخ، وقبل هذا كله، يقيننا في الله سبحانه وتعالى الذي وعدنا بهذا النصر وهذا التمكين، قال جلّ جلاله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.﴾ وهذه سنة الله في أرضه، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولو كره الطاغية وأغرى وسفك الدماء.
• abderrachid70@hotmail.com