المزيد من الأخبار






رسالة من بروكسيل.. مَاذا بعد المُنتدى العالمي لحقوق الإنسَان ؟


رسالة من بروكسيل.. مَاذا بعد المُنتدى العالمي لحقوق الإنسَان ؟
محمد أشهبار / بروكسيل

لقد أثار استضافة المغرب للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان في نسخته الثانية، الكثير من ردود فعل متباينية بين مرحب ومعارض وبين مشارك ومقاطع، إذ حاول كل طرف قدر المستطاع تبرير موقفه وإضفاء عليه صفة المعقولية عبر توظيف حجج ودلائل قد تكون ضعيفة وغير منطقية وتفتقد إلى الرزانة بالنسبة للطرف المناقض له. كما أن مسألة المشاركة في الحدث الحقوقي العالمي من عدمها أسالت الكثير من المداد، حيث كانت هناك قراءات استباقية وتنبؤات بخصوص نتائج وأهداف هذا الحدث.

في نفس السياق، سأحاول الخوض في هذا النقاش عبر الوقوف على بعض النقط التي أراها ذات أهمية، لكن على خلاف ما كُتب من قبل ـ أي قبل بداية أشغال المنتدى ـ لأنني سأكون مستقويا بالنتائج التي يمكن استخلصها وبالظروف التي مر منها هذا الحدث .

يبدو أن اللعنة الحقوقية لا تريد أن تترك السيد اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وشأنه، فبعد النكسة الحقوقية التي تعرض لها في ندوة بالبرلمان الأوروبي يوم 20 نوفنبر 2014، والتي خرج منها منكسرا غير قادر على مواجهة الحقيقة التي واجهه بها بعض البرلمانيين الأوربيين حول المشهد الحقوقي المهترئ ، تأتي نكسة مراكش لتؤكد من جديد للرأي العام الوطني والدولي حقيقة حقوق الإنسان ولتزيد من تعقيد المهمة التي أُسندت إلى اليازمي. طبعا نحن نعلم جيدا أن المهمة التي أُسندت لمجلس اليازمي الذي يتبنى مقاربة النظام في مجال حقوق الإنسان، هي العمل بكل الوسائل القانونية وغير القانونية على رسم صورة وردية للمشهد الحقوقي المغربي وتسويقها، بل أحيانا يتم خرق حقوق الإنسان من أجل التسويق دوليا لهذه الصورة الوردية، تماما كما حدث في مراكش من قمع للمظاهرات، وحصار لبعضها، ومنع بعض المناضليين من الوصول إلى مراكش، ناهيك عن الفوضى وسوء التنظيم.

إنها بعض من المعطيات التي تؤكد بالملموس أن استضافة هذا الحدث كان خطأً للأسرة الحقوقية، بل يمكن اعتباره خرق سافر لحقوق الإنسان، إذ كيف يمكن لبلد أن يستضيف حدثا حقوقيا يتم فيه خرق لحقوق الإنسان من أجل إنجاح الحدث شكلا وتلميع صورته!!؟.

يحق لنا وبكل جرأة أن نؤكد على أن خيار المقاطعة كان خيار واقعي وسديد يمليه ويزكيه الواقع الملموس الذي يوثقه زمان التكنولوجية، حيث تزامنت النقاشات الصالونية العقيمة التي كانت تجرى داخل أروقة المنتدى مع غضب الطبيعة التي أبت إلا أن تعبر عن سخطها وتذمرها ، والتي أبت إلا أن تكشف عن هشاشة البنية التحتية والبنية الفكرية لمسؤولي الدولة في تعاملهم مع المواطنيين/ المنكوبين، تزامن الحدث مع مشاهد جد مؤلمة لغرق المواطنيين في غياب تام للوقاية المدنية، تزامن الحدث والتعامل بالإنتقائية في إنقاذ الأرواح، تزامن الحدث ونقل الموتى في شاحنات الأزبال !!! هكذا هي حال دولة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان.

إن الإيمان بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان هو إيمان بفلسفة تجعل من الإنسانية أسمى ما يمكن أن يحققه الإنسان ويصل إليه ، بل التزام أخلاقي مبني على قواعد تُرسخ لقيم نبيلة، ولم يكن الإيمان بها ـ أي بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان ـ من أجل تبرير المشاركة في صياغة وإعداد تقارير صفراء، وبالتالي إذا كان هناك وضوح مع العموم يجب أن يكون على هذا الأساس أن موقف المقاطعة هو جريئ نابع من قناعة لتصفية حسابات حقوقية مع الدولة والتعبير عن السخط على ما يعانيه واقع حقوق الإنسان والحركات الإحتجاجية والحقوقية من قمع ممنهج خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ونظرا لما تتميز به هذه الأخيرة من قوة حقوقية في الداخل والخارج وما تشكله من ازعاج للدولة المغربية في المحافل الدولية، ونظرا لقيمة تقاريرها التي أصبحت مرجعا تعتمد عليها كبريات المنظمات الحقوقية الدولية، فكرت الدولة وبالإستعانة ببعض الأقلام المأجورة الإنتقام منها وفرض حصار عليها بغية إرغامها على خوض معركة الوجود، لكن النظام لم يكن ذكيا في خطته لأن الدفاع عن البقاء والوجود هو صفة الضعفاء، العبيد بتعبير نيتشه، أما القوي/البطل حسب نيتشه هو الذي يفضل المواجهة ليزداد قوة وثبات.

هكذا إذن كان لابد من تحديد طبيعة وأهداف هذا المنتدى العالمي لحقوق الإنسان التي لا تختلف من حيث الشكل والمضمون عن أهداف المهرجانات ( موازين، ثويزا..)، الأول ينظم باسم حقوق الإنسان في دولة يشهد لها التاريخ المعاصر والمنظمات الحقوقية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، والثاني ـ أي المهرجانات ـ باسم التعدد الثقافي في دولة لا تؤمن بالتعدد .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح