بقلم: رمسيس بولعيون
لـم يكن مخطئاً أبدا "ونستون تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قال إنّ لا وجود في السياسة لعدوٍّ دائمٍ أو صديقٍ دائم، وإنّما هناك مصالحٌ دائمة، وهي المقولة التي أثبتت المواقف العديدة في هذا المضمار، أنها فعلاً القاعدة الوحيدة الأصّح في عالم السياسة، ولا أصدق منها زعماً، والباقي كلُّه مُتغيّر.
ولإثبات صِحّة وصِدْقية المقولة المأثورة عن "تشرشل"، نسُوق هنا نموذجاً حيّاً وصارخاً من الحالة المغربية، إذ بالأمس القريب كان حزب "الأصالة والمعاصرة" ونظيره "الأحرار"، "سمنٌ على عسل" على حد تعبير إخواننا المصريين، بل كانا يتقاطعان في مشروع مشترك وموّحد، إثر تأسيس "مجموعة8"، كسلاحٍ موضوعٍ خصيصاً بهدف مواجهة حزب "العدالة والتنمية"، أو بالأحرى من أجل الحدّ من استحواذ وتغوُّل وهيمنة بن كيران على الساحة السياسية، وكانت قيادات الحزبين متفقُة تماما على كون المسعى الأول، الذي لا محيد عنه، هو بالضرورة وقفُ الإكتساح الإنتخابي المنتظر لـ"القنديل".
وفي غضُون ذلك، لم يكُن عرّاب "الجرّار" المثير للجدل إلياس العماري، مُتحكماً في دواليب حزبه فحسب، بل كانت له اليدُ الطولى حتّى داخل أحزابٍ أخرى، على رأسها أساساً حزب "الحمامة" إبّان ترؤُسه من أمينه العام السّابق، وذلك عبر "التحكّم عن بُعد" بواسطة "التليكوموند"، بل إنّ العارفين بخبايا ومرامي التحركات السياسية للرجّل، يَعُونَ جيّدا أنّ تحيّيد "الإستقلال" عن حكومة عبد الإله بن كيران، والاستعاضة عنه بـ"الأحرار"، لم يكن أبداً مصادفة أو نتيجةً لتمخُضات سياسية! فحزب "التجمعيُّون" في هذه الظرفية بالذات اُعتبر بمثابة ذراع "البام" داخل الحكومة، ولعل عدة محطات أثبتت صحّة ذلك بالملموس، حيث قام الوزراء التجمعيُّون في الكثير من الأحيان، بعرقلة مشاريع وخلق توّتر داخل التحالف الحكومي، في سعيٍ حثيث نحو إضعاف حكومة العدالة والتنمية وبن كيران من الداخل، في خطّة واضحةٍ ومكشوفة!
لكن بمجرد إخفاق البّام في تصدّر نتائج الاستحقاقات الأخيرة، بالاضاقة إلى اِعتلاء أخنوش "رأس" حزب التجمعيِّين، طرأ تغيُّر جذري نسبياً على مستوى الخريطة السياسية، من تجلياتها أنْ ولَّى "الأحرار" دُبره لـ"البام" وأصبح يُسوّق لنفسه على أنه البديل بعد نكسة الجرار، بحيث بات يلعب أوراقه بمفرده بعيدا عن العماري، الذي بدوره لم يركن ويستكين للصمت، فالقضية قضية إثبات ذاتٍ ووجود وقوّة ليس في الساحة السياسية وحسب، وإنّما في مركز دوائر القرار في البلاد، ليُعلنها حرباً على أخنوش، معطياً الإشارة لأتباعه بغية مهاجمة الأخير، كما فعل هُو في لقاءٍ حزبي بمراكش حين صرَّح "ليس كل صاحب بومبة ليصانص يقدر إدير حزب"؛ ما دفع أخنوش بدوره إلى إطلاق صقور حزبه للنهش في لحم "البام"، وَازَى ذلك عمله على محاولة إستقطاب أسماء وازنة من الأعيان القريبين من حزب الأصالة والمعاصرة في مناطق سيطرته بالشّمال والرّيف، ما جعل "علاقة الحزبين" تتخذ منحًى آخر يعرف تطورات مثيرة..
ولم تُخفِ قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد واقعة رفع شعارات غاضبة ضدّ أخنوش أمام حضرة وفـد الملك بطنجة مؤخراً، أنّ الأمر "مفبرك" في تقديرها، بحيث وجّهت إصبع الإتهام ولو بالإيحاء والتلميح والترميز، نحو إلياس العماري وحزبه على أساس كونهما الواقفان وراء الفِعلـة!، وهو ما يدل عليه بوضوح في هذا السياق تصريح مدير المقر المركزي لحزب الحمامة، القائل بصريح العبارة إن الواقعة "مُدبرة" من طرف من "ألِفَ اللّعب بالنار"، لتبدأ فصول حربٍ معلنة، بعدما كانت تجرى تحت الطاولة، وخلف ستائر الكواليس.
إنَّ ما تناساه الرّيفي العماري، والذي يبدو أنّه عاد إلى تطبيق المثل الريفي "ثوري ثُوري آمّي حنُّو"، وكذلك ما تناساه خصمه عزيز أخنوش الذي إستمّد حملته من المثل السُوسي "أغراس أغراس"، أنّ الإثنين أصبحت ورقتهما شبه محروقة، إذْ رغم محاولتهما إثبات قوتهما لـدى صُنّاع القرار، فقد سبق لحراك الرّيف أن أعطى صورةً حقيقة وواضحة عن من يقول كلمته بهذه المنطقة، كما بينت المقاطعة لاحقاً الحجم الحقيقي لمن كان يدّعي ويُقدّم نفسه كحلٍّ بديل للمغاربة لإخراجهم من عنق الزجاجة؛ إذ لم يعُد يتبقّ أمام "الأوّل" إلاّ العودة إلى ما كان عليه في السابق، وإقفال أدراجه مع الرّيح للرجوع من حيث آتي، بينما يجب على "الثاني" الإبتعاد عن السياسة، والإهتمام بمشاريعه.. لأنّ خارطة الطريق ما عاد لهم فيها طريق..
لـم يكن مخطئاً أبدا "ونستون تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قال إنّ لا وجود في السياسة لعدوٍّ دائمٍ أو صديقٍ دائم، وإنّما هناك مصالحٌ دائمة، وهي المقولة التي أثبتت المواقف العديدة في هذا المضمار، أنها فعلاً القاعدة الوحيدة الأصّح في عالم السياسة، ولا أصدق منها زعماً، والباقي كلُّه مُتغيّر.
ولإثبات صِحّة وصِدْقية المقولة المأثورة عن "تشرشل"، نسُوق هنا نموذجاً حيّاً وصارخاً من الحالة المغربية، إذ بالأمس القريب كان حزب "الأصالة والمعاصرة" ونظيره "الأحرار"، "سمنٌ على عسل" على حد تعبير إخواننا المصريين، بل كانا يتقاطعان في مشروع مشترك وموّحد، إثر تأسيس "مجموعة8"، كسلاحٍ موضوعٍ خصيصاً بهدف مواجهة حزب "العدالة والتنمية"، أو بالأحرى من أجل الحدّ من استحواذ وتغوُّل وهيمنة بن كيران على الساحة السياسية، وكانت قيادات الحزبين متفقُة تماما على كون المسعى الأول، الذي لا محيد عنه، هو بالضرورة وقفُ الإكتساح الإنتخابي المنتظر لـ"القنديل".
وفي غضُون ذلك، لم يكُن عرّاب "الجرّار" المثير للجدل إلياس العماري، مُتحكماً في دواليب حزبه فحسب، بل كانت له اليدُ الطولى حتّى داخل أحزابٍ أخرى، على رأسها أساساً حزب "الحمامة" إبّان ترؤُسه من أمينه العام السّابق، وذلك عبر "التحكّم عن بُعد" بواسطة "التليكوموند"، بل إنّ العارفين بخبايا ومرامي التحركات السياسية للرجّل، يَعُونَ جيّدا أنّ تحيّيد "الإستقلال" عن حكومة عبد الإله بن كيران، والاستعاضة عنه بـ"الأحرار"، لم يكن أبداً مصادفة أو نتيجةً لتمخُضات سياسية! فحزب "التجمعيُّون" في هذه الظرفية بالذات اُعتبر بمثابة ذراع "البام" داخل الحكومة، ولعل عدة محطات أثبتت صحّة ذلك بالملموس، حيث قام الوزراء التجمعيُّون في الكثير من الأحيان، بعرقلة مشاريع وخلق توّتر داخل التحالف الحكومي، في سعيٍ حثيث نحو إضعاف حكومة العدالة والتنمية وبن كيران من الداخل، في خطّة واضحةٍ ومكشوفة!
لكن بمجرد إخفاق البّام في تصدّر نتائج الاستحقاقات الأخيرة، بالاضاقة إلى اِعتلاء أخنوش "رأس" حزب التجمعيِّين، طرأ تغيُّر جذري نسبياً على مستوى الخريطة السياسية، من تجلياتها أنْ ولَّى "الأحرار" دُبره لـ"البام" وأصبح يُسوّق لنفسه على أنه البديل بعد نكسة الجرار، بحيث بات يلعب أوراقه بمفرده بعيدا عن العماري، الذي بدوره لم يركن ويستكين للصمت، فالقضية قضية إثبات ذاتٍ ووجود وقوّة ليس في الساحة السياسية وحسب، وإنّما في مركز دوائر القرار في البلاد، ليُعلنها حرباً على أخنوش، معطياً الإشارة لأتباعه بغية مهاجمة الأخير، كما فعل هُو في لقاءٍ حزبي بمراكش حين صرَّح "ليس كل صاحب بومبة ليصانص يقدر إدير حزب"؛ ما دفع أخنوش بدوره إلى إطلاق صقور حزبه للنهش في لحم "البام"، وَازَى ذلك عمله على محاولة إستقطاب أسماء وازنة من الأعيان القريبين من حزب الأصالة والمعاصرة في مناطق سيطرته بالشّمال والرّيف، ما جعل "علاقة الحزبين" تتخذ منحًى آخر يعرف تطورات مثيرة..
ولم تُخفِ قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد واقعة رفع شعارات غاضبة ضدّ أخنوش أمام حضرة وفـد الملك بطنجة مؤخراً، أنّ الأمر "مفبرك" في تقديرها، بحيث وجّهت إصبع الإتهام ولو بالإيحاء والتلميح والترميز، نحو إلياس العماري وحزبه على أساس كونهما الواقفان وراء الفِعلـة!، وهو ما يدل عليه بوضوح في هذا السياق تصريح مدير المقر المركزي لحزب الحمامة، القائل بصريح العبارة إن الواقعة "مُدبرة" من طرف من "ألِفَ اللّعب بالنار"، لتبدأ فصول حربٍ معلنة، بعدما كانت تجرى تحت الطاولة، وخلف ستائر الكواليس.
إنَّ ما تناساه الرّيفي العماري، والذي يبدو أنّه عاد إلى تطبيق المثل الريفي "ثوري ثُوري آمّي حنُّو"، وكذلك ما تناساه خصمه عزيز أخنوش الذي إستمّد حملته من المثل السُوسي "أغراس أغراس"، أنّ الإثنين أصبحت ورقتهما شبه محروقة، إذْ رغم محاولتهما إثبات قوتهما لـدى صُنّاع القرار، فقد سبق لحراك الرّيف أن أعطى صورةً حقيقة وواضحة عن من يقول كلمته بهذه المنطقة، كما بينت المقاطعة لاحقاً الحجم الحقيقي لمن كان يدّعي ويُقدّم نفسه كحلٍّ بديل للمغاربة لإخراجهم من عنق الزجاجة؛ إذ لم يعُد يتبقّ أمام "الأوّل" إلاّ العودة إلى ما كان عليه في السابق، وإقفال أدراجه مع الرّيح للرجوع من حيث آتي، بينما يجب على "الثاني" الإبتعاد عن السياسة، والإهتمام بمشاريعه.. لأنّ خارطة الطريق ما عاد لهم فيها طريق..