المزيد من الأخبار






سنة مرت على وفاة سماك الحسيمة وولادة أكبر حركة احتجاجية بالريف.. هل استجابت الدولة لمطالب الحراك؟


سنة مرت على وفاة سماك الحسيمة وولادة أكبر حركة احتجاجية بالريف.. هل استجابت الدولة لمطالب الحراك؟
إعداد: علي كراجي

أقفل حراك الريف عامه الأول، محسن فكري الذي لقي مصرعه مطحونا داخل شاحنة لم النفايات الصلبة، ليلة 28 أكتوبر 2016، لم يعتقد وهو على قيد الحياة أنه سيكون سبباً مباشراً في اندلاع أكبر حراك اجتماعي بمغرب ما بعد الربيع الديمقراطي. تراجيديا اليوم الأخير من حياة سماك الحسيمة ما زالت عالقة في أذهان ساكنة جوهرة البحر الأبيض المتوسط وزوالها لن يتحقق بتلك السهولة التي قد يتصورها البعض، نظرا لمجموع العوامل والخصوصيات المحيطة بهذا الحدث الأليم.

اندلاع الشرارة الاولى لـ "حراك الريف" بمدينة الحسيمة مباشرة بعد شيوع أنباء وفاة محسن فكري بتلك الطريقة المأساوية ، لم يكن اعتباطياً وفق ما يؤكده دارسون ومهتمون بسيكولوجية مجتمع هذه المنطقة، بل هو وليد تراكمات قديمة-جديدة وما شهدته ليلة 28 أكتوبر من عام 2016 كان قطرة أفاضت الكأس وفجرت غضبا ظل قابعا في نفوس الكثيرين، ولا يستثنى من هذه الفئة شباب الحراك الذين دشنوا لمرحلة احتجاجية جديدة ظن المغرب أنه قد وضع حداً لها بعد الخروج سالما من الربيع الديمقراطي.

إن ما جرى من أحداث وتغيرات على المستوى المحلي بالحسيمة، والمركزي بعاصمة المملكة، شكل علاقة فارقة على أكثر من صعيد، سواء تعلق الامر بفتح نقاش عمومي امتد لخارج أرض الوطن، أو على صعيد إعادة الحياة إلى مفاهيم كانت محصورة بين النخبة و السياسيين فقط، فالحراك بصم على ولادة سريعة ساعات قليلة بعد توديع ألاف المشيعين لـ" محسن فكري" بمقبرة المجاهدين حيث وري الثرى، معلناً بذلك دخول مرحلة جديدة تميزت برفع مطالب تختلف بين ما هو سياسي-قانوني و اجتماعي-تنموي و حقوقي واقتصادي، وهو ما سنحاول من خلال هذا الاستطلاع البحث عن مدى استجابة الدولة لمطالب الحراك بعد مرور عام على ميلاده؟.

مطالب الحراك
ظل الناشط "ناصر الزفزافي" بمعية رفاقه المشكلين للجنة الحراك الشعبي بالحسيمة، يدعون الدولة إلى الاستجابة لمجموعة من المطالب التي تم تجميعها في ملف سمي بـ ’’ وثيقة مطالب الحراك الشعبي بإقليم الحسيمة‘‘، تضمن أربعة محاور أساسية؛ حقوقية وقانونية واجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى مطلب رئيسي يتعلق بمحاسبة الضالعين في مقتل محسن فكري، رأى النشطاء بعد تبني الملف و تزكيته من طرف آلاف الجماهير التي أثثت الميادين باحتجاجاتها، أن الاستجابة لها سيضع حداً لمسلسل التهميش و سيفتح الباب على مصراعيه لمستقبل تسمو فيه العدالة الاجتماعية والكرامة.

على المستويين الحقوقي والقانوني، شدد "الحراك" على ضرورة تقديم جميع المتورطين في مقتل "محسن فكري" إلى العدالة والذهاب بالتحقيقات إلى أبعد مدى مع الإفراج على النتائج ، وضمان عدم تكرار ما جرى، وطالب النشطاء أيضا بإلغاء ظهير 1.58.381 الذي يعتبر إقليم الحسيمة منطقة عسكرية.

وشكلت مطالب إحداث نواة جامعية بإقليم الحسيمة و بناء مستشفى إقليمي وآخر لعلاج مرضى السرطان، نقطاً استعجالية، اعتبرها نشطاء الحراك غير قابلة للتأخير لاعتبارات شتى تتعلق أساساً برفع الحيف الاجتماعي عن شرائح هامة من ساكنة الإقليم، لا سيما وان المنطقة تضم فئة عريضة من مرضى السرطان و شباباً يفرض عليهم الواقع مغادرة مسقط رأسهم بحثا عن جامعة او معهد يواصلون فيه تعليمهم العالي. فضلا عن مطالب تنموية أخرى تتعلق بما هو ثقافي و رياضي.

إن رزمة المطالب التي سطرها "حراك الحسيمة" لم تقتصر على ما هو اجتماعي و قانوني فقط، بل خصصت حيزاً مهما للحقل الاقتصادي، وركزت أساسا على الفلاحة والصيد البحري والتشغيل، إذ دعا ناشطو الحركة الاحتجاجية إلى خلق فرص شغل قارة للشباب العاطل و تحسين ظروف اشتغال مهنيي الصيد البحري و الفلاحين بالمنطقة.

تفاعل الدولة مع مطالب الحراك
إضافة إلى الخروج الرسمي لوزير الداخلية آنذاك في وسائل الاعلام، وتأكيده على التنقل إلى الحسيمة ولمنزل عائلة محسن فكري بتعليمات ملكية سامية، يرى متتبعون ان الدولة استجابت بشكل فوري للمطلب المتعلق بمحاسبة الضالعين في وفاة "محسن فكري"، ويتجلى ذلك بعيداً عن الخوض في التفاصيل المحيطة بهذا الموضوع، في مباشرة المؤسسة القضائية لبحثها في الملف، و انتهائه باعتقال مسؤولين بالسلطة المحلية والصيد البحري و الطب البيطري داخل الميناء، مع ادانتهم بالسجن النافذ. وفي إطار تفعيلها لقاعدة المحاسبة فقد عزلت السلطات الحكومية مندوب قطاع الصيد البحري بالحسيمة و تلى هذا القرار إعفاءات أحرى امتدت إلى مكتب عامل الإقليم و مسؤولين آخرين تابعين للإدارة الترابية بالمنطقة.

ولم يتعامل المركز بالإنكار مع ثاني مطلب قانوني سطره "الحراك"، والمتمثل في إلغاء ظهير العسكرة، إذ بمجرد ما إن خرج المغرب من نفق البلوكاج الحكومي و تعيين الملك لحكومة جديدة، تنقل وزير الداخلية لمدينة الحسيمة، وأجرى بها لقاء مع فعاليات مدنية و سياسية وأخرى منتخبة، أكد خلاله رفضه للادعاءات بشأن جعل الإقليم منطقة عسكرية، مشدداً أن ظهير 1958 قد تم نسخه وإلغاؤه بصدور الظهير المنظم للتقسيم الإداري سنة 1959، وهذا التصريح اعتبر من لدن متتبعين موقفاً إيجابياً منسجماً و مطالب الحركة الاحتجاجية بالمنطقة.

أما على باقي المستويات، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو تنموية، فالتوجه الرسمي يؤكد تفاعل الدولة مع مطالب الحراك أيضا، وذلك من خلال اعتراف الحكومة بشرعية و مشروعية المطالب، او عبر الزيارات المتتالية لمسؤولي القطاعات الحكومية في الصحة والتجهيز والبيئة والفلاحة والصيد البحري والماء والكهرباء... لإقليم الحسيمة.

ويزكي هذا الطرح الرسمي، دخول عاهل البلاد على خط الاحتجاجات من خلال تعبير جلالته للوزراء المعنيين بمشاريع برنامج التنمية المجالية "الحسيمة منارة المتوسط"، عن استيائه وانزعاجه وقلقه، بسبب عدم تنفيذهم للمشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي الكبير. و ترتب عن ذلك فتح تحقيقات وتحريات باشرتها مفتشيتي وزارتي المالية والداخلية والمجلس الأعلى للحسابات، انتهت بزلزال سياسي أعفي على اثره 4 وزراء في حكومة العثماني، و المدير العام للمكتب الوطني للماء والكهرباء، و 14 مسؤولا إداريا، بالإضافة إلى تبليغ وزراء سابقين في حكومة عبد الإله بنكيران عدم رضى الملك عنهم و حرمانهم من تقلد مسؤوليات رسمية في المستقبل، كإجراء عقابي و تأديبي جراء تهاونهم في القيام بالمهام الموكولة لهم.

وفضلا عن ما سبق، يؤكد أكثر من تقرير، ان أشغال تشييد مشاريع طالب بها الحراك انطلقت العام الجاري، من بينها المستشفى الإقليمي و مشاريع أخرى فلاحية و رياضية (الملعب الكبير) و تعليمية، إضافة إلى تأهيل مركز الانكولوجيا الخاص بمرضى السرطان و تعزيزه بتجيهزات متطورة.

هل من مخرجات؟
كرونولوجيا الأحداث التي عرفها إقليم الحسيمة منذ 28 أكتوبر 2016 إلى غاية اليوم، فتحت نقاشا واسعا بين شرائح عريضة، وهذا النقاش لم يظل حبيس منطقة صغيرة جغرافيا، بل حطم كل الحدود داخل الوطن وخارجه، و نظمت لآجلها لقاءات كثيرة وندوات، فضلا عن اسالتها لمداد ألاف الأقلام الصحفية و الباحثين والمهتمين بالحركات الاحتجاجية عبر العالم، حيث اختلفت المواقف وتعددت الرؤى، لكن الهدف ظل واحداً هو البحث عن النتيجة.

الجريدة الإلكترونية "ناظورسيتي" حاولت من خلال هذا الاستطلاع، تحري جزء رؤى عينة من سكان الريف عامة و الحسيمة بشكل خاص، وطرحت عليهم سؤال المرحلة "ماذا حقق الحراك؟".

الحسين باغور: تعاطي الدولة مع مطالب الحراك كان فضفاضا
الحسين باغور، ناشط جمعوي بمدينة الناظور، إعتبر أن تعاطي الدولة مع مطالب الحراك كان فضفاضا وضبابياً ’’بحيث رغم كل الإشارات المباشرة وغير المباشرة على وعي الدولة بالتقصير الحاصل في المشاريع التنموية بمنطقة الريف، إلّا أنها لا زالت لم تضع الإصبع على الجرح الحقيقي الذي جعل الريف ينزف هتافات تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فرغم ما سُمي بالزلزال السياسي الذي أُقيل على إثره عدد من المسؤولين ووُبخ آخرون إلّا أن هذه الإجراءات المحتشمة والتي لم تشمل جميع من يراهم أهل الريف ضالعين في نهب خيرات بلادهم لا تتناسب وتطلعات الساكنة، ولا تتناسب بالخصوص مع روح المصالحة وجبر الضرر المعنوي التي أطلقتها وأكدت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة‘‘.

وأضاف ’’قد يبدو أمر محاسبة الفاسدين مسألة جزئية، لكن واقع الأمر غير ذلك. فهذه هي الطريقة الوحيدة لإعادة الاعتبار لأهل الريف الذين انتفضوا في وجه التهميش والإقصاء‘‘.

وختم باغور حديثه ’’لا بد من الإعلان عن مشاريع هيكلية جديدة تعيد الحياة للاقتصاد الاجتماعي في الريف، وذلك لتجاوز المرحلة التاريخية التي حكمت على الريف عامة بالتهميش خلال سنوات القمع الأسود. فالمقاربة بالريف يجب أن تكون معنوية قبل كل شيء بحيث أن كل الإجراءات والمشاريع الملموسة رغم أهميتها ستكون في الواقع تجسيدا لعودة الريف إلى حضن الوطن بعد طول غبن وإبعاد كل الظالمين‘‘.

عبد الرحيم الجعواني: التغيير ملحوظ
عبد الرحيم الجعواني، من ساكنة الحسيمة، قال في تصريح لـ "ناظورسيتي"، أنه سجل ملاحظات ايجابية من حيث انجاز مشاريع بالمنطقة بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالإقليم، من بينها تسريع وتيرة مجموعة من أشغال المشاريع المرتبطة بورش الحسيمة منارة المتوسط.

و استدرك الجعواني قائلا ’’لكن لحد الان لم تخرج أي من المشاريع الى الوجود لكنها في طور الانجاز، مثل المستشفى، وتهيئة الشوارع ، والتسريع في انجاز طريق تازة الحسيمة ، وبرمجة تشييد كلية باقليم الحسيمة.. وغيرها ، لكن ساكنة الحسيمة تنتظر المزيد من المشاريع خصوصا تلك التي تشغل اليد العاملة وتحرك اقتصاد الاقليم الذي تضرر بشكل سلبي بسبب الاحداث التي شهدتها المدينة‘‘.

الحسين أمزريني : وجب استحضار الحراك في شقيه السلبي والإيجابي
الفاعل الجمعوي والحقوقي، والناشط الإعلامي الحسين أمزريني، تحدث في تصريحه لـ "ناظوررسيتي"، عن حراكين، الأول اعتبره ايجابياً والثاني سلبي، ولخص ذلك في وضع ’’ما كانت تقوم به بعض المجموعات في مختلف مدن الريف بمطالبتهم مطالب مشروعة ومعقولة دون أية نيات مبيتة ‘‘ ضمن خانة الايجابيات، أما الشق السلبي من الحراك فقد تحدث عن بعض العناصر التي لم يسميها وقال أن حركتها متحكم فيها من لدن أعداء الوطن.

وأضاف ’’أما الأهداف فبعض المشاريع كانت معطلة والبعض الآخر كانت في الطريق، إلا أن الحراك الإيجابي استطاع أن يكشف عن ذلك وتدخل صاحب الجلالة وأعطى أوامره السامية للمجلس الأعلى للحسابات للبث في الموضوع وتحديد المسؤوليات، وهناك مشاريع نفذت كمستشفى السرطان بالحسيمة وبناء مستشفى إقليمي بإقليم الناظور وبعض مراكز التشخيص للسرطان وأخرى للتطبيب والبعض الآخر لازال بطبيعة الحال حبرا على ورق لأسباب مجهولة‘‘.

ياسمينة الفارسي: أشيد بمجهودات الملك
الفارسي، اسم ليس بغريب على نشطاء الحراك الشعبي بالحسيمة، لكونها من المساهمات في مرحلة التأسيس، قبل أن تعلن الانسحاب لأسباب خاصة، فإضافة إلى ذلك تعتبر المذكورة فاعلة اقتصادية بالحسيمة لاشتغالها في مجال المقاولات.

قالت ’’أشيد بالمجهودات الملكية السامية الرامية الى تحسين اوضاع الشباب العاطل بالإقليم واعطاء انطلاقة حقيقية للورش الكبير (الحسيمة منارة المتوسط)، هذا المشروع الكبير الذي تقدر حجم استثماراته 6،5 مليار درهم، والذي جمع في مجمله 644 مشروع مبرمج ما بين 2015/2019، لم تُنفذ منه سوى 5 مشاريع و البدء في انجاز 45 مشروعا فقط حسب ما جاء في آخر تقرير للمجلس الاعلى للحسابات بتكليف من صاحب الجلالة الملك محمد السادس والذي بسببه تم اعفاء عدد مهم من الوزراء والمسؤولين، وبحسب نفس التقرير فقد ارتفع عدد المشاريع في طور الانجاز او في مرحلة الانطلاق الى 512 مشروعا منذ التوجيهات الملكية الصارمة في المجلس الوزاري المنعقد في يونيو الماضي‘‘.

و كشفت الفارسي تسجيلها لجملة من الايجابيات على مستوى الإقليم ’’لا بد من الإشارة هنا إلى أن عددا مهما من المستثمرين قاموا بزيارة الحسيمة بغرض الاطلاع على فرص الاستثمار وتدارس طرق وسبل تحقيقها، والتي تبقى مهمة خاصة في المجال الصناعي، دون أن ننسى بداية اشغال بناء عدد من المعامل على مستوى المنطقة الصناعية آيت قمرة‘‘.

ولم تغفل المعنية بعض الأمور الأخرى التي برزت على مستوى المخرجات بالمنطقة، وقالت:’’ان هناك اهتماما خاصا لقطاع التكنولوجيات الحديثة ومواكبة الشركات الناشئة (startups )، وكذا المقاول الذاتي والشركات الصغيرة جدا من طرف الهيئات الحكومية والمؤسسات العمومية‘‘.

وختمت الفارسي تصريحها ’’هذا يشكل دافعا قويا من أجل الانخراط الجاد للجميع، بمن فيهم أبناء المنطقة، لتفعيل مثل هذه المشاريع التنموية التي لا شك أنها ستعود بالنفع على مستقبل ساكنة الإقليم، على المدى الطويل والمتوسط وكذا القصير، وتحتاج إلى وقت لازم وظروف تنفيذ واقعية، مقابل تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‘‘.



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح