المزيد من الأخبار






سياسة حكومة السيد عزيز أخنوش في ملف الأمازيغية: شىء من التمويل وقليل من الإرادة السياسية


سياسة حكومة السيد عزيز أخنوش في ملف الأمازيغية: شىء من التمويل وقليل من الإرادة السياسية
ناظورسيتي: متابعة

لقد دأبت الحكومة المغربية برئاسة السيد عزيز أخنوش على إطلاق خطاب مفاده أن حكومته تعمل بشكل مستمر على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتستدل على ذلك في أكثر من مناسبة بكون الميزانية المخصصة للأمازيغية تعتبر جد مهمة، بحيث كانت خلال السنة المالية الماضية هي200 مليون درهم بينما سيخصص لهذه السنة ميزانية ثلاثمائة مليون درهم، كما أنها ستحرص على الرفع من هذه الميزانية بشكل تدريجي لتصل إلى مليار درهم في أواخر ولايتها. وكلما جاءت للسيد رئيس الحكومة فرصة للحديث عن إنجازاته في بخصوص الأمازيغية إلا وأشهر ورقة تعبئة الموارد المالية لصالح الأمازيغية. هذا النوع من الخطاب الذي يمارسه السيد رئيس الحكومة يطرح إشكالات كثيرة من بينها إشكال يمكن تناوله في السؤال التالي: إلى أي حد يمكن المراهنة على التمويل وحده لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟ للإجابة على هذا الإشكال سنعمل على معالجة بعض مظاهر حياة الأمازيغية في الفضاء العام ونعتمدها كمؤشرات من أجل الحكم إن كان التمويل كافيا لكي يكون يتم النهوض بملف الأمازيغية كما يجب.

بداية لابد من الإشادة بالسيد الرئيس وحكومته بشكل عام على هذه المبادرة الرائعة، فلا يمكن لنا سوى التنويه بها والتصفيق له ولحكومته على اتخاذهم لهذه الخطوة، فعلى الأقل خصصت هذه الحكومة ميزانية ملموسة للأمازيغية حتى ولو قيل في حقها أنها غير كافية، إذ لم نألف من الحكومات السابقة إلا البخل و"التقرزيز" تجاه الأمازيغية. لكن رغم هذه الخطوة التي أقدمت عليها هذه الحكومة إلا أن ذلك يبقى عملا قليلا بالنظر لما هو مطلوب فعله تجاه الأمازيغية التي يعتبرها دستور 2011 بكونها إرثا حضاريا مغربيا ولغة وطنية ملكا لجميع المغاربة دون استثناء.

ولكي نتطرق لسياسة الحكومة الحالية فيما يخص ملف الأمازيغية سنعمل على دراسة مدى تجاوبها مع نصوص الدستور والقانون التنظيمي رقم 16.26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وبما أن تناول كل مضامين هذا الأخير والدستور فيما يرتبط بالنهوض بالأمازيغية يتطلب مجالا اوسعا من مقالة كهذه سنكتفي بمعالجة النقاط التالية:


أولا: الأمازيغية في الخطاب الرسمي
ينص دستور سنة 2011 على أن الأمازيغية لغة وطنية ورصيد مشترك لجميع المغاربة، وأشار في نفس الوقت إلى تعدد مقومات الهوية المغربية باعتبار الأمازيغية إحدى مكوناتها. ومن ثم، فإن اعتبار المغرب دولة عربية بشكل مطلق بات مرفوضا وخارج عن التوجه العام لسياسة الدولة وفقا للوثيقة الدستورية خاصة وأن هذه الأخيرة أبعدت مصطلح "المغرب العربي" وأحلت محله اسم "المغرب الكبير". وإذا كان الدستور يذهب في هذا الاتجاه وأنتم وعدتم في حملاتكم الانتخابية وفي برنامجكم الحكومي بالعمل على النهوض بالأمازيغية والاهتمام بها، أليس الأولى الدفاع عن القيم الوطنية التي نص عليها الدستور؟ لكن مع الأسف، إذا استحضرنا بعضا من مواقفكم و تفاعلاتكم مع ملف الأمازيغية يتبين لنا أنكم تخالفون نصوص الدستور وروحه في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، عندما تنطقون بمصطلح "العالم العربي" وتربطون بلاد المغرب وكأنه بلد عربي قح، فإن ذلك يعد مخالفة لنصوص الوثيقة الدستورية ومضامين برنامجكم الحكومي وكذا وعودكم الانتخابية ذات العلاقة بملف الأمازيغية، وفي هذا السياق عبرتم خلال فوز منتخب المغرب في إحدى مباريات كرة القدم بمونديال قطر بصفحتكم على "الفيسبوك" على أن فوز المنتخب المغربي هدية "للعالم العربي"، ومعنى ذلك أنكم تقصدون أن المغرب عربيا بل و جزء من الجسد العربي ولم تعطوا أدنى أهمية لهويته المتعددة رغم حدة النقاشات التي تمت خلال تلك المرحلة على مستوى فضاءات التواصل الاجتماعي بشأن نفس الموضوع، ولم تستعملوا حتى التعبير "عربي -امازيغي" على الأقل كما يستعمله بعض من الذين لم يحسموا بعد في طبيعة هوية المغرب. ففي الوقت الذي كان فيه الرأي العام الأمازيغي ينتظر منكم اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الخطاب العمومي السائد داخل مختلف المؤسسات الوطنية الذي يتنكر للهوية الأمازيغية لبلدنا، أصبحتم أنتم رئيس الحكومة الذي تعهد بالنهوض بالأمازيغية وتمثلون جميع المغاربة بحكم موقع مسؤوليتكم، تقفزون على الحقيقة وتقولون أقوالا تخالف الدستور ومختلف الخطابات الملكية المعنية بالهوية والتاريخ المغربيين بل والشخصية المغربية المتميزة.

وفي نفس السياق، يلاحظ استمرار الخطاب المعادي والناكر للهوية الأمازيغية للمغرب في مختلف المؤسسات العمومية كالمدارس والجامعات والإدارات العمومية، إذ يتجرأ الكثير من الشخصيات العلمية والسياسية والإعلامية وغيرها على تسمية المغرب بدولة عربية واستعمال مصطلح "المغرب العربي" متنكرين لهويته الأمازيغية، على سبيل المثال لا الحصر يمكن استحضار وكالة ما يسمى "أنباء المغرب العربي"، إذ لا تزال توظف مصطلح "المغرب العربي" في خطابها، كما أن الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية لا تزال تستعمل تعمل نفس الخطاب، والأكثر غرابة السيد رئيس الحكومة ما حدث خلال مونديال قطر، إذ تم تغييب الإعلام الأمازيغي نهائيا ومعه الكتابة الأمازيغية في الإعلانات والتشوير، أليس هذا مخالف لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 16.26 الذي يحث على ضرورة تسهيل الدولة التواصل باللغة الأمازيغية وتنمية استعمالها في مختلف مناحي الحياة العامة ذات الأولوية وذلك من خلال تحديد التوجهات الكبرى للسياسة العامة للدولة في تفعيل طابعها الرسمي في مختلف مناحي الحياة العامة من جهة والمقتضيات المتعلقة بإدماج الأمازيغية في وسائل التواصل والإعلام وكذلك بالمقتضيات المرتبطة بإدماجها في الفضاءات العمومية من جهة ثانية. فما الجدوى من وجود نص دستوري يؤكد على هوية المغرب المتعددة الروافد، وعلى مصطلح "المغرب الكبير" بدل "المغرب العربي" بينما لا يزال الخطاب الإعلامي الرسمي يناقض كل ذلك؟، إن أقل ما يمكن قوله على مثل هؤلاء إما أنهم عنصريون أو يتصرفون باللامبالاة، الأمر الذي يفرض علينا التساؤل عن دوركم السيد الرئيس لتجاوز مثل هذه التصرفات المؤذية للتعددية الوطنية والهوية المغربية الأصيلة ذات الروافد المختلفة. لقد كان عليكم التدخل السيد رئيس الحكومة من أجل تجديد الخطاب الرسمي خاصة في الفضاء العمومي حتى تواكب توجهات الملك والدستور والتشريعات المعنية. ومن ثم برنامجكم الحكومي. لقد عمل إعلامنا الرسمي بكل قوة على طمس معالم الهوية الأمازيغية للمغرب خلال مونديال قطر واقترف بذلك إذا صح التعبير إجراما كبيرا في حق هوية وطننا، فبدل إبراز الاستثناء المغربي الحقيقي المبني على التعدد والاختلاف والتعريف بجذوره الهوياتية والتاريخية وإستحضار الشخصية المغربية المتميزة، عمل هؤلاء الإعلاميين على إقحام بلدنا الشمال الإفريقي المطل على المتوسط في منظومة ثقافية وهوياتية مشرقية واعتبارنا مجرد فرع عربي تابع لمركزه في الشرق.

ثانيا: في شأن العمل المؤسساتي
لقد أشرتم السيد رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة على أن حكومة الإسلاميين هي التي تأخرت في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ألا يجوز القول بأنكم أتم أيضا أصبحتم تتأخرون في سياستكم المتعلقة بالنهوض بالأمازيغية على مستوى المؤسسات؟ وعلى سبيل المثال، ما هو سبب تأخر إحداث المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية؟ ما دوركم في الدفع في اتجاه إحداث هذه المؤسسة وانطلاق العمل بها؟ اليس هذا تأخير أيضا؟ ثم إن تبعية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لهذه المؤسسة هل يبقي بنفس الامكانات اللوجستيكية والبشرية أم ستزيد ؟ لأن الإبقاء على نفس الامكانات سوف لن تمكنه من مواكبة ما تعلنون من برامج ونوايا بشأن التعليم الأمازيغي، فقد تبين في أكثر من مناسبة أن هذه المؤسسة تحمل أكثر مما تحتمل، فحتى تقوم بدور أكثر فاعلية لابد من توفير الإمكانات، ومعنى ذلك توظيف مزيد من الأطر وتوفير الإمكانات اللوجستيكية لمواكبة مشروع النهوض بالأمازيغية كما تروم الخطابات الملكية إلى ذلك والدستور والقانون التنظيمي رقم 16.26، ولعل هذا يؤشر على عدم وجود إرادة سياسية أصلا لديكم بالدفع بهذا المشروع، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن نسبة توظيف الموارد البشرية المتعلقة بتعليم الأمازيغية لا يزال ضعيفا بعد مرور عامين من عمر حكومتكم رغم بعض الزيادات في التوظيف مقارنة بحكومة الإسلاميين. إن الخطوات التي تقدمون عليها على مستوى العمل المؤسساتي بخصوص الامازيغية ضعيفة جدا و تكاد تنعدم و سرعة الانجاز تشبه نظيرتها في عهد الاسلاميين أو أكثر، وهذه يدفع العديد من نشطاء المجتمع المدني الأمازيغي إلى القول بأن الإرادة السياسية لحكومتكم تتميز بجرأة ضعيفة وبدون حسم.

خاتمة:
يتبن من خلال ما سبق على أن أداء حكومة السيد عزيز أخنوش فيما يخص ملف الأمازيغية لا يزال ضعيفا ولم يبلغ بعد الحد الأدنى الموعود به من خلا برنامجها وتصريحات رئيسها، و بالأحرى الحد الأدنى المطلوب شعبيا، الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج مفاده أن توفير التمويل لملف الأمازيغية يظل غير كاف حتى يتم النهوض بالأمازيغية ويفعل طابعها الرسمي، بل إن كثرا من القرارات يمكن القيام بها دونما حاجة إلى المال، إذ يكفي أحيانا اتخاذ قرار من قبل رئيس الحكومة أو من طرف زير أو من قبل أي مسؤول معني بذلك. وكمثال على ذلك، أن ترسل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "الهاكا" رسالة إلى مختلف المؤسسات التي تشرف عليها تفيد بضرورة تكييف خطابها مع توجهات وروح الوثيقة الدستورية. وعلى العموم، ولكي تعيد حكومة السيد عزيز أخنوش النهوض بالأمازيغية إلى سكته الحقيقية عليها أن تتخذ خطوات ضرورية واستعجالية وعلى الخصوص:
اتخاذ قرارات تجبر كافة المؤسسات الوطنية والشخصيات العامة على التكيف مع الخطابات الملكية ونصوص روح الوثيقة الدستورية والقانون التظيمي رقم 16.26؛
التسريع في إحداث المؤسسات الكفيلة بالنهوض بالأمازيغية كالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والعمل على توسيع الامكانات المرصودة للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية أو أية مؤسسة أخرى تحدث من أجل مواكبة مشروع النهوض بالأمازيغية. ومن ثم، فسح المجال لتوفير الأطر بالمؤسسات التعليمية بالشكل الدي يسمح بتدريس الامازيغية لجميع المستويات وفي جميع المدارس والمعاهد والجامعات؛
تعزيز الامازيغية في الحضور الإعلامي شكلا و مضمونا، و معنى ذلك توسيع مساحة الإعلام الأمازيغي في أكثر من قناة، أو مؤسسة، والسماح له بمعالجة كافة اهتمامات المجتمع وليس الاكتفاء بهيمنة الفولكلور فقط.

رحوتي محمد : باحث في القانون العام وحقوق الإنسان، جامعة محمد الاول


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح