
علي كراجي
لا يختلف اثنان على أن إقليم الناظور، بجماعاته الـ23، بحاجة ماسّة إلى مشاريع تنموية حقيقية تنهض بواقع الصحة والتعليم والتشغيل، لكن لماذا أصبح الملعب أولوية لدى فئة واسعة من الناطقين باسم المنطقة؟ ولماذا لا تحظى المشاريع الحيوية بنفس الحماس السياسي والإعلامي الذي يُسلط على ما هو شعبوي؟.
في الأسابيع الأخيرة، تسابق بعض المنتسبين إلى الأحزاب السياسية أو المقربين من ممثلي الأمة نحو نشر صور ومعلومات تزعم أن الناظور سيستفيد من ملاعب رياضية في إطار التحضير لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، ورغم تعدد الروايات، كان القاسم المشترك بينها هو توظيف هذا الخبر، الذي لا يزال مجرد فكرة لم ترتقي بعد إلى مستوى مشروع وسعى ممتهنوا التصفيق إلى اعتباره "منجزًا" سياسياً يُحسب لهم في السباق الانتخابي، رغم أن إنجازه يحتاج إلى الكثير من النقاش، خاصة وأن أجندة الحكومة لا تتضمن أي منشأة من هذا القبيل، والاستثناء الوحيد هو بعض الجهود المحلية على مستوى عمالة الإقليم، التي تسعى إلى ضمّ عقار يقع تحت نفوذ جماعة بوعرك إلى جماعة الناظور، بتنسيق مع المجلس الجماعي، لإحداث ملعب لكرة القدم في المستقبل.
هذه الروايات نجد أنها تتكرر بين الفينة والأخرى، وكأنها سيناريوهات محفوظة يعاد إنتاجها كلما اقتضت الحاجة، بعد أن سمعناها قبل أعوام، وأشهر، وأسابيع، وأيام... وهكذا دواليك، لكن يبدو أن معاناة الكثيرين مع "داء النسيان" جعلتهم غافلين عن المحطات السابقة التي طُمرت تحت ركام قضايا جديدة، تواجه المصير ذاته، أو ربما هناك من يتعمد "التجاهل"، فيبدل التساؤل عن الوعود السابقة باختلاق أوهام جديدة تضمن استمرار اللعبة.
وللتذكير، فقد أعلنت وزارة التجهيز، ووزارة الشباب والرياضة، ومجلس جهة الشرق قبل سنوات عن مشروع بناء مركب رياضي بالناظور، نواحي العروي بعد سنوات من النقاشات والندوات واللقاءات والمؤتمرات والجلسات المغلقة في الصالونات المكيفة وعلى حافة شارع محمد الخامس وفي مقاهي المنطقة، لكن سرعان ما تم وأده عقب فشل المغرب في نيل شرف استضافة مونديال 2026. ومنذ ذلك الحين، توالت التبريرات من الجهات المعتادة، فمنهم من ادّعى أن القرار جاء بهدف زيادة عدد المدرجات، ومنهم من باع الوهم للساكنة واعدًا بمستقبل أفضل، مستمرًا في سياسة التسويف وإطالة أمد الانتظار إلى غاية موعد الاقتراع. وهذا لا يشكل استثناءً في المنطقة، بل إن مصير العديد من المشاريع الأخرى كان مشابها، وآخر هذه المشاريع المركب الثقافي بحي المطار، الذي اختفى فجأة من الوجود، وجاء التبرير هذه المرة عبر بلاغ مثير للسخرية من وكالة تنفيذ المشاريع بالجهة، زعم أن وقف البناء سببه العثور على فرشة مائية كبيرة في موقع المشروع!. فهكذا تستمر لعبة التسويف، وهكذا تبتلع المشاريع وعودًا زائفة، لتُدفن واحدة تلو الأخرى... والساكنة، بين النسيان والتجاهل، لا تزال تنتظر، لكن هذا الانتظار يصب في الغالب اتجاه أمور ثانوية تنتج نقاشات عقيمة سرعان ما يخفت وميضها أيضا بعد ان تغذي مشاعر التطاحن غير المجدي بين أبناء الإقليم الواحد.
لا يختلف اثنان على أن إقليم الناظور، بجماعاته الـ23، بحاجة ماسّة إلى مشاريع تنموية حقيقية تنهض بواقع الصحة والتعليم والتشغيل، لكن لماذا أصبح الملعب أولوية لدى فئة واسعة من الناطقين باسم المنطقة؟ ولماذا لا تحظى المشاريع الحيوية بنفس الحماس السياسي والإعلامي الذي يُسلط على ما هو شعبوي؟.
في الأسابيع الأخيرة، تسابق بعض المنتسبين إلى الأحزاب السياسية أو المقربين من ممثلي الأمة نحو نشر صور ومعلومات تزعم أن الناظور سيستفيد من ملاعب رياضية في إطار التحضير لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، ورغم تعدد الروايات، كان القاسم المشترك بينها هو توظيف هذا الخبر، الذي لا يزال مجرد فكرة لم ترتقي بعد إلى مستوى مشروع وسعى ممتهنوا التصفيق إلى اعتباره "منجزًا" سياسياً يُحسب لهم في السباق الانتخابي، رغم أن إنجازه يحتاج إلى الكثير من النقاش، خاصة وأن أجندة الحكومة لا تتضمن أي منشأة من هذا القبيل، والاستثناء الوحيد هو بعض الجهود المحلية على مستوى عمالة الإقليم، التي تسعى إلى ضمّ عقار يقع تحت نفوذ جماعة بوعرك إلى جماعة الناظور، بتنسيق مع المجلس الجماعي، لإحداث ملعب لكرة القدم في المستقبل.
هذه الروايات نجد أنها تتكرر بين الفينة والأخرى، وكأنها سيناريوهات محفوظة يعاد إنتاجها كلما اقتضت الحاجة، بعد أن سمعناها قبل أعوام، وأشهر، وأسابيع، وأيام... وهكذا دواليك، لكن يبدو أن معاناة الكثيرين مع "داء النسيان" جعلتهم غافلين عن المحطات السابقة التي طُمرت تحت ركام قضايا جديدة، تواجه المصير ذاته، أو ربما هناك من يتعمد "التجاهل"، فيبدل التساؤل عن الوعود السابقة باختلاق أوهام جديدة تضمن استمرار اللعبة.
وللتذكير، فقد أعلنت وزارة التجهيز، ووزارة الشباب والرياضة، ومجلس جهة الشرق قبل سنوات عن مشروع بناء مركب رياضي بالناظور، نواحي العروي بعد سنوات من النقاشات والندوات واللقاءات والمؤتمرات والجلسات المغلقة في الصالونات المكيفة وعلى حافة شارع محمد الخامس وفي مقاهي المنطقة، لكن سرعان ما تم وأده عقب فشل المغرب في نيل شرف استضافة مونديال 2026. ومنذ ذلك الحين، توالت التبريرات من الجهات المعتادة، فمنهم من ادّعى أن القرار جاء بهدف زيادة عدد المدرجات، ومنهم من باع الوهم للساكنة واعدًا بمستقبل أفضل، مستمرًا في سياسة التسويف وإطالة أمد الانتظار إلى غاية موعد الاقتراع. وهذا لا يشكل استثناءً في المنطقة، بل إن مصير العديد من المشاريع الأخرى كان مشابها، وآخر هذه المشاريع المركب الثقافي بحي المطار، الذي اختفى فجأة من الوجود، وجاء التبرير هذه المرة عبر بلاغ مثير للسخرية من وكالة تنفيذ المشاريع بالجهة، زعم أن وقف البناء سببه العثور على فرشة مائية كبيرة في موقع المشروع!. فهكذا تستمر لعبة التسويف، وهكذا تبتلع المشاريع وعودًا زائفة، لتُدفن واحدة تلو الأخرى... والساكنة، بين النسيان والتجاهل، لا تزال تنتظر، لكن هذا الانتظار يصب في الغالب اتجاه أمور ثانوية تنتج نقاشات عقيمة سرعان ما يخفت وميضها أيضا بعد ان تغذي مشاعر التطاحن غير المجدي بين أبناء الإقليم الواحد.
وبغض النظر عن مصير مشروع أو وعد، لا بأس بأن نكرر السؤال حول أسباب تحول النقاش العام من المطالبة بالتنمية والصحة والتعليم إلى الحلم بملعب لكرة القدم، وكأنّه الحل السحري لكل الأزمات التي يعانيها سكان الإقليم؟ هل بات توفير ملعب أهمّ من مستشفى قادر على إنقاذ الأرواح؟ في وقت أصبح الحديث عن هذه المشاريع ترفًا في مناطق أخرى داخل المغرب وخارجه، نجد أن البعض في الناظور يقدّم الملعب كأولوية قصوى، رغم أن الغالبية لن تستطيع زيارته إلا إذا توفرت لها القدرة على شراء التذاكر، وهذه الأخيرة تتطلب شغلاً قارا يوفر راتبًا يضمن لقمة العيش.
سيقول البعض إنني ضد المشروع، وسيعتبر آخرون أنني "مدفوع" لإجهاض حلم لطالما انتظرناه، لكن المشكلة ليست في إنشاء ملعب، بل في تصدّره لقائمة الأولويات في منطقة تعاني من نقص فادح في الخدمات الصحية والتعليمية، فمستشفى الناظور الإقليمي، الذي كان من المفترض أن يُنجز منذ سنوات، لا يزال في مراحله الأولى بنسبة إنجاز لم تتعدَّ 46% بحلول منتصف 2024، أما مستشفى الحسني، فحالته المتدهورة أصبحت حديث الجميع، فيما الحديث عن مطلب إنشاء مركز لعلاج مرضى السرطان أصبح في طي النسيان وتحول بقدرة قادر إلى موضوع هامشي في وقت لا يزال فيه المرضى وذويهم مجبرين على السفر مئات الكيلومترات إلى الدار البيضاء أو الرباط أو فاس ووجدة لتلقي العلاج. فهل الأولوية حقًا لمدرجات الملعب أم لأسِرّة العلاج ولوجستيك تشخيص الأمراض وآليات علاجها؟.
وإلى جانب الأزمة الصحية، يعاني الناظور من نقص في مؤسسات التعليم العالي، حيث يُضطرّ الشباب إلى مغادرة الإقليم لمتابعة دراستهم، في ظل غياب أي رؤية واضحة لتطوير المدارس العليا والجامعات المحلية، إذ بدلًا من الاستثمار في البنية التحتية التعليمية، نجد أن المشاريع الأكثر شعبية، والتي يسهل الترويج لها انتخابيًا، تحظى بالأولوية على حساب التنمية الحقيقية، وهنا لا بد من إثارة مشروع المدرسة العليا للتكنولوجيا، الذي لا يزال الطلبة وأولياؤهم ينتظرون خروجه إلى حيّز التنفيذ رغم تخصيص ميزانيته في قوانين المالية السابقة، لكنه اختفى من برنامج وزارة التعليم العالي لهذه السنة. نفس المصير لقيه مشروع المدرسة العليا لعلوم المهندس، الذي ظهر لفترة على أجندة الحكومة السابقة، ثم اختفى دون أثر، وهما مشروعان أعلن عنهما وزير التعليم العالي السابق سعيد أمزازي خلال زيارة عمل قام بها للإقليم في سنة 2019.
وباعتبار أن الملعب مطلب مشروع، فإن المشكلة تكمن في الطريقة التي تحوّل بها إلى أداة صراع داخلي بدل أن يكون فرصة لتوحيد أبناء الناظور حول رؤية تنموية مشتركة، وسبب هذا الطرح يدفع إلى تسليط الضوء على الجدل المحتدم الذي شوهد مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي بين من يطالب بإقامة الملعب في الناظور، ومن يراه أولى في العروي، ومن يعتبر منجزًا صغيرًا في سلوان كافيًا، بينما يكتفي آخرون بالمشاهدة وإطلاق القهقهات. هذا التشرذم يذكرنا بتحليل جون واتربوري، الذي يرى أن الأنظمة السياسية تستغل النزعات القبلية والتنافس الداخلي لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية. وهكذا، بدل أن يُطالب السكان بتنمية شاملة تشمل الصحة، التعليم، والبنية التحتية، يتم إلهاؤهم بمعركة جانبية حول موقع الملعب وحجمه.
الأخطر في الأمر أن هذه الديناميكية ليست عفوية، أي إثارة النزاعات وصرف الأنظار عن الأولويات، بل تُدار بذكاء من قبل سياسيين يدركون أن التنمية الحقيقية تتطلب عملاً جادًا واستثمارات مستدامة، وهو ما لا يخدم حساباتهم الانتخابية، فملعب كرة القدم مشروع "جذاب" يسهل الترويج له وحصد المكاسب السياسية منه، على عكس مستشفى متخصص أو جامعة تحتاج سنوات من النضال والترافع والعمل والتخطيط.
هذه ليست المرة الأولى التي يُستغل فيها مشروع تنموي لإثارة النزعات المناطقية وتغذية الصراعات، وهنا يكفي أن نتذكر ما حدث قبل سنوات بين ميضار والدريوش، عندما تقرر إحداث عمالة الدريوش، حيث تحوّل النقاش من مدى استفادة المناطق من هذا المشروع إلى صراع حول مقرّ العمالة وتحركات "مشبوهة" ساهم في تغذيتها من ينعمون حاليا بمناصب ومكاسب وامتيازات تخفى على الكثيرين، والنتيجة بعد خمسة عشر عامًا مرّت أن لا شيء تغير باستثناء بعض البنايات العمومية المهجورة، ومستشفى إقليمي افتتح أبوابه لكنه لا يزال يرسل مرضاه إلى الناظور.
إن توحيد الصفوف حول المطالب الجوهرية التي تمسّ الحياة اليومية للمواطن ومستقبل الأجيال القادمة، يحتاج إلى وعي واستقلالية في التفكير، بعيدًا عن الانسياق وراء "ترهات" السياسيين الذين يخرجون عند اقتراب كل استحقاق انتخابي، فالملعب قد يكون ضرورة رياضية، لكنه لا يجب أن يكون الشجرة التي تخفي غابة المشاكل الحقيقية، والتركيز على المشاريع الشعبوية دون النظر إلى الأولويات الحقيقية هو شكل من أشكال العبث التنموي، فالمواطن في هذا الجزء من البلاد لا يحتاج إلى وعود فارغة، بل إلى خدمات أساسية تحفظ كرامته وتضمن مستقبله، والتنمية لا تُقاس بعدد الملاعب، بل بمستوى الرعاية الصحية، جودة التعليم، وتوفير فرص العمل.
ختامًا، السؤال ليس "هل نحن ضد الملعب؟" بل "هل نحن مع إقبار الأولويات؟"، والمناسبة هي التذكير بأن ملعب كرة القدم قد يكون إضافة إيجابية، لكن الأهم هو أن نتذكر دائما أن هذا المشروع لن يُعالج مريضًا، ولن يوفر تعليمًا جيدًا، ولن يؤطر طالبا لإدماجه في سوق الشغل. وإذا كان الهدف هو تحقيق نهضة حقيقية للناظور، فلتكن الأولوية للإنسان قبل الملعب، ولتكن التنمية المستدامة قبل الحملات الانتخابية. فكم من مشاريع وُعد بها السكان ثم أُقبرت لأن السياسيين حوّلوها إلى رصيد انتخابي يُستخدم للحفاظ على كراسي المجالس المريحة.
سيقول البعض إنني ضد المشروع، وسيعتبر آخرون أنني "مدفوع" لإجهاض حلم لطالما انتظرناه، لكن المشكلة ليست في إنشاء ملعب، بل في تصدّره لقائمة الأولويات في منطقة تعاني من نقص فادح في الخدمات الصحية والتعليمية، فمستشفى الناظور الإقليمي، الذي كان من المفترض أن يُنجز منذ سنوات، لا يزال في مراحله الأولى بنسبة إنجاز لم تتعدَّ 46% بحلول منتصف 2024، أما مستشفى الحسني، فحالته المتدهورة أصبحت حديث الجميع، فيما الحديث عن مطلب إنشاء مركز لعلاج مرضى السرطان أصبح في طي النسيان وتحول بقدرة قادر إلى موضوع هامشي في وقت لا يزال فيه المرضى وذويهم مجبرين على السفر مئات الكيلومترات إلى الدار البيضاء أو الرباط أو فاس ووجدة لتلقي العلاج. فهل الأولوية حقًا لمدرجات الملعب أم لأسِرّة العلاج ولوجستيك تشخيص الأمراض وآليات علاجها؟.
وإلى جانب الأزمة الصحية، يعاني الناظور من نقص في مؤسسات التعليم العالي، حيث يُضطرّ الشباب إلى مغادرة الإقليم لمتابعة دراستهم، في ظل غياب أي رؤية واضحة لتطوير المدارس العليا والجامعات المحلية، إذ بدلًا من الاستثمار في البنية التحتية التعليمية، نجد أن المشاريع الأكثر شعبية، والتي يسهل الترويج لها انتخابيًا، تحظى بالأولوية على حساب التنمية الحقيقية، وهنا لا بد من إثارة مشروع المدرسة العليا للتكنولوجيا، الذي لا يزال الطلبة وأولياؤهم ينتظرون خروجه إلى حيّز التنفيذ رغم تخصيص ميزانيته في قوانين المالية السابقة، لكنه اختفى من برنامج وزارة التعليم العالي لهذه السنة. نفس المصير لقيه مشروع المدرسة العليا لعلوم المهندس، الذي ظهر لفترة على أجندة الحكومة السابقة، ثم اختفى دون أثر، وهما مشروعان أعلن عنهما وزير التعليم العالي السابق سعيد أمزازي خلال زيارة عمل قام بها للإقليم في سنة 2019.
وباعتبار أن الملعب مطلب مشروع، فإن المشكلة تكمن في الطريقة التي تحوّل بها إلى أداة صراع داخلي بدل أن يكون فرصة لتوحيد أبناء الناظور حول رؤية تنموية مشتركة، وسبب هذا الطرح يدفع إلى تسليط الضوء على الجدل المحتدم الذي شوهد مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي بين من يطالب بإقامة الملعب في الناظور، ومن يراه أولى في العروي، ومن يعتبر منجزًا صغيرًا في سلوان كافيًا، بينما يكتفي آخرون بالمشاهدة وإطلاق القهقهات. هذا التشرذم يذكرنا بتحليل جون واتربوري، الذي يرى أن الأنظمة السياسية تستغل النزعات القبلية والتنافس الداخلي لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية. وهكذا، بدل أن يُطالب السكان بتنمية شاملة تشمل الصحة، التعليم، والبنية التحتية، يتم إلهاؤهم بمعركة جانبية حول موقع الملعب وحجمه.
الأخطر في الأمر أن هذه الديناميكية ليست عفوية، أي إثارة النزاعات وصرف الأنظار عن الأولويات، بل تُدار بذكاء من قبل سياسيين يدركون أن التنمية الحقيقية تتطلب عملاً جادًا واستثمارات مستدامة، وهو ما لا يخدم حساباتهم الانتخابية، فملعب كرة القدم مشروع "جذاب" يسهل الترويج له وحصد المكاسب السياسية منه، على عكس مستشفى متخصص أو جامعة تحتاج سنوات من النضال والترافع والعمل والتخطيط.
هذه ليست المرة الأولى التي يُستغل فيها مشروع تنموي لإثارة النزعات المناطقية وتغذية الصراعات، وهنا يكفي أن نتذكر ما حدث قبل سنوات بين ميضار والدريوش، عندما تقرر إحداث عمالة الدريوش، حيث تحوّل النقاش من مدى استفادة المناطق من هذا المشروع إلى صراع حول مقرّ العمالة وتحركات "مشبوهة" ساهم في تغذيتها من ينعمون حاليا بمناصب ومكاسب وامتيازات تخفى على الكثيرين، والنتيجة بعد خمسة عشر عامًا مرّت أن لا شيء تغير باستثناء بعض البنايات العمومية المهجورة، ومستشفى إقليمي افتتح أبوابه لكنه لا يزال يرسل مرضاه إلى الناظور.
إن توحيد الصفوف حول المطالب الجوهرية التي تمسّ الحياة اليومية للمواطن ومستقبل الأجيال القادمة، يحتاج إلى وعي واستقلالية في التفكير، بعيدًا عن الانسياق وراء "ترهات" السياسيين الذين يخرجون عند اقتراب كل استحقاق انتخابي، فالملعب قد يكون ضرورة رياضية، لكنه لا يجب أن يكون الشجرة التي تخفي غابة المشاكل الحقيقية، والتركيز على المشاريع الشعبوية دون النظر إلى الأولويات الحقيقية هو شكل من أشكال العبث التنموي، فالمواطن في هذا الجزء من البلاد لا يحتاج إلى وعود فارغة، بل إلى خدمات أساسية تحفظ كرامته وتضمن مستقبله، والتنمية لا تُقاس بعدد الملاعب، بل بمستوى الرعاية الصحية، جودة التعليم، وتوفير فرص العمل.
ختامًا، السؤال ليس "هل نحن ضد الملعب؟" بل "هل نحن مع إقبار الأولويات؟"، والمناسبة هي التذكير بأن ملعب كرة القدم قد يكون إضافة إيجابية، لكن الأهم هو أن نتذكر دائما أن هذا المشروع لن يُعالج مريضًا، ولن يوفر تعليمًا جيدًا، ولن يؤطر طالبا لإدماجه في سوق الشغل. وإذا كان الهدف هو تحقيق نهضة حقيقية للناظور، فلتكن الأولوية للإنسان قبل الملعب، ولتكن التنمية المستدامة قبل الحملات الانتخابية. فكم من مشاريع وُعد بها السكان ثم أُقبرت لأن السياسيين حوّلوها إلى رصيد انتخابي يُستخدم للحفاظ على كراسي المجالس المريحة.