ذ. محمد كريم
" التشاش" لغة: هو لفظ ذو صلة بمصطلح "الشيش" التي يوصف به، حسب لسان العرب، الثمر الذي لا يشتد نواه. وفي المعجم الرائد ورد أن "الشيش" ثمر ضعيف أو عديم النوى، وحينما يجف يتحول إلى ثمر رديء المذاق.
أما اصطلاحا ف "التشاش" يعني الشيء القليل الفائدة أو الزبد الذي يذهب جفاء. وقد ارتبط اللجوء إلى استعمال هذا المصطلح في الذهنية الجماعية المغربية بالوقت الضئيل المخصص للبث التلفزيوني، و يعني تحديدا لحظة انقطاع البث، أي حين تتحول شاشة التلفزة إلى بقع اللا متناهية يتراقص فيها الأسود والأبيض. ولمدة ليست باليسيرة ظلت البرامج التلفزية في خريطة الذهنية الجماعية مرادفة للأخبار والشريط المطول وسهرة السبت والإشهار و....."التشاش". وقد حاول الفيلم المغربي "التشاش"، في سياق تناوله لرداءة البرامج التلفزية، تسليط الضوء على معاناة المواطن/المتفرج المغربي مع جهاز التلفزيون ونوبات التشاش التي تحل به على حين غرة.
كما يطلق نعت "التشاش" في بعض المناطق على الشخص الذي لا ييمل من ادعاء ملكة طول الباع والذراع و لا يتعب من تقديم الوعود المعسولة ولا يكف عن الثرثرة طوال النهار بمناسبة أو دون ذلك، وكل رأسماله قائم على التدليس والنصب والاحتيال من أجل الإيقاع بالضحايا.
مناسبة هذا المدخل لها ارتباط ببنية ردود سارق المعرفة التي تتميز بالثرثرة والافتراء والمغالطات والكذب والضباب و"التشاش". فبعد أن أبان عن جهله اللغوي والدستوري وعن استلهام تفكيره من المنظومة القادوسية، هاهو يتحفنا هذه المرة بشكل سيئ من خلال التعبير عن أميته في باقي الحقول المعرفية التي تدرس عادة في كليات الحقوق، بما فيها القانون الإداري.
لقد تمحور المقال موضوع هذا الرد، إذا جاز اعتباره مقالا، حول نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى تثير جدلية: "من أنت؟"، في مقابل تضخيم الأنا النرجسية-التسلطية والمهرجة. في حين تثير الوسيلة الثانية مرض التعالم والدجل والتفكير القادوسي من خلال محاولة الطعن في قانونية حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء القاضي بإلغاء قرار عزلي من أسلاك الوظيفة الصادر عن الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، علما أن صاحب التعليق لم يطلع على الحكم ومع ذلك ينصب نفسه ليس معلقا فحسب بل متطاولا كذلك على القضاء. وبالتالي، يقتضي الرد إخضاع مضامين هذا "المقال" لأسلوب النقد بوصفه فنا وأداة للتمييز والتمحيص والتدقيق قائمة على المعاينة والتجرد، بعيدا عن لغة التعتيم والكذب والافتراء والقذارة في التفكير.
I - ردا عن سؤال "شكون أنت؟
سؤال "شكون أنت؟" الذي وجهه لي صاحب التفكير القادوسي ليس سؤالا عاديا ولا عفويا يرجى منه جوابا عن سؤال بريئ، لأنه يعبر عن حالة نفسية مرضية تحجب عقدا دفينة وندوبا عميقة لدى طارحه، ومن ثم فهو يعكس تبعا لذلك أزمة هوية غائرة ولدت قلقا مرضيا يعاني صاحبه على الدوام من الوسوسة الخناسة التي تدفعه إلى وضع نفسه في الميزان في مواجهة الآخرين. وبالتالي، فتجاوزها يستدعي تأهيلا أكاديميا شافيا يؤهل، بناء على وصفة قائمة على تناول جرعات من دواء الابستيمولوجيا قصد اكتساب مناعة فكرية تساعد على التطهر من الأوساخ والانعتاق من الرواسب والطفيليات العالقة التي تصيب من يحاول بناء مجده الكارطوني اعتمادا على التعاطي للغش واللصوصية المعرفية، وهي وضعية تجعل بالتأكيد من صاحبها كائنا بئيسا في فكره ورازخا تحت وطأة الانفصام في علاقته مع الآخرين.
سؤال "شكون أنت وشكون تكوني؟"، لمن يطرب سماعه فن "الجرة" بشكل عام وفن "العيطة بشكل خاص ويقتفي من خلال سماع هاذين الفنين الرموز والدلالات والمعاني الاجتماعية والسياسية والتاريخية، هو عنوان لأغنية غناها المطرب الشعبي كمال العبدي. وهي أغنية تنتقد في قالب غنائي شعبي مرض تضخم الأنا كظاهرة تشكل موروثا يلعب وظيفة إلاشراطات بوصفها تصرفات يستجاب لندائها بحكم وطأتها التاريخية وتأثيرها في التنشئة الاجتماعية وقدرتها على التأثير في الحاضر وعلى الحاضر في غياب اكتساب المناعة الفكرية اللازمة. والجرة كما العيطة... كما النكتة تشكل جميعها أدوات تبيان وتبين وتختزل معرفة متمردة تعبر عن الواقع المعاش بعيدا عن اللغة السقيمة والمحنطة. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن هذه التعابير إلا بنفس اللغة، أي لغة غير منمقة يحتقرها وينعتها الحرتاكة و الغلاقة وعديمي الذوق بالمبتذلة. لكن الجهلة الذين يجهلون وجود علم اسمه "السيميولوجيا" في جهلهم يمرحون.
سؤال "شكون أنت" ينتمي، من حيث نطاق اشتغاله، لمجال عوارض النرجسية والتسلطية وقلة الحياء من قبيل "آش بغيت تكون"، "شكون أنت وشكون تكون"، "واش ما عارفش مع من تتكلم!" و"اعرف مع من كتكلم !"، "دابا تعرف شكون أنا" !، "غادي نوريك"، "دابا نربيك"، "دابا نديك فين تتربى"، الخ. وهي عوارض تختزل قاموسا لا يستعمل مفرداته وصيغه اللغوية إلا ملوثو النفوس والعقول، لأنها بمثابة انعكاس لنفسية، إما نرجسية وإما متسلطة وإما هما معا. نكون طبعا بصدد نفسية نرجسية حينما يميل صاحبها لتضخيم أناه بسبب إصابته بورم الاستعلاء والتعالم فتأخذه العزة بالنفس في الإثم ليرفض تقبل الملاحظات على أساس اعتبارها "مقللة الحياء" ومستصغرة من شأنه. وبالمقابل نكون أمام نفسية تسلطية حينما يغلب عل سلوك الشخص المعني الاندفاع والرغبة الغرائزية في المواجهة البدنية أو الرغبة /"العايدي-أمينية" (نسبة إلى الراحل عايدي أمين دادا).
على مستوى البنية الثقافية والمرجعية الفكرية (القادوسية) المؤسسة لمنظومة الاستلهام، إن "شكون أنت"، التي استعملها رئيس الحكومة المعزول حينما خاطب حميد شباط في كلمة بمناسبة المؤتمر الثاني لجمعية محامي العدالة والتنمية يوم 6 أكتوبر 2013، تعبر عن العقلية التسلطية المنفعلة التي تعتقد أن الخلاص سيأتي على يدها وأن الخراب سيعم بدونها.
و"شكون أنت"، هي كذلك العبارة التي خاطب بها الراحل إدريس البصري الصحافي خالد الجامعي ذات يوم من شهر نونبر 1993 حينما نشر هذا الأخير في جريدة "l’opinion" مقالا بعنوان «تحليل الحقل السياسي المغربي»، قال فيه أن "المغرب لم يعرف يوما تعددية حزبية"، و"إنه كان واقعا دائما تحت حكم الحزب الواحد، أي حزب المخزن".
وبالتالي، ف "شكون أنت" ليست لفضا أو علامة خاصة حكرا على رجال السلطة، بل هي في متناول أي مواطن تأثر في تنشئته الاجتماعية بنسق السلطوية والتسلط والشر وسلاطة اللسان، ولم يسعى إلى تخليص نفسه من هذه الآفة. لذا، فإن "شكون أنت؟" وأخواتها وبنات عمومتها وبنو فصيلتها: "آش بغيت تكون"، واش ما عارفش مع من تتكلم!، الخ، عبارات غير لائقة، ساقطة، وضيعة، طائشة، حقيرة ومعبرة عن نفسية ملوثة وعن عدم ثقة في النفس ومعاناة على مستوى العلم أو الوضعية الاجتماعية، بما فيها العلمية، السالف ذكرها في مقال سابق.
في مرجعيتنا الدينية الإسلامية لا يجوز تزكية النفس ومدحها، بل على عكس ذلك يجب أن نزكيها ونبتعد عن تزكيتها، أي أن نقمع نبضاتها الغرائزية لكونها أمارة بالسوء. كما أرست نفس المرجعية حكمة معرفة الرجال بالحق وليس معرفة الحق بالرجال.
وفي ثقافتنا العربية-الإسلامية العامة يختزل شرف الرجل ليس في من يكون ولا من أين أتى، ولكن في كلامه من خلال استحضاره لمقولة ذات دلالة كبيرة " ما سمعت كلام رجل إلا وعرفت فيه عقله".
أما في ثقافتنا الشعبية الرزينة والحكيمة فانه يرفض جملة وتفصيلا استعمال كلمة "انأ" من خلال قول "أعوذ بالله من كلمة أنا".
لذا فمن يثير سؤال "شكون أنت؟ هو في الحقيقة شخص يرى أناه من خلال مرآة الآخر بسبب إحساسه بالنقص واجتراره للعقد ومعاناته بسبب افتضاح تورطه فيه الكوشفة العلمية من اجل انتزاع لقب بلا جدارة ولا استحقاق، وفي انعدام النزاهة الفكرية وانعدام القدرة حتى على صياغة الأسئلة، بما فيها الأسئلة المتعلقة بمادة الأنظمة الدستورية. وبمعنى آخر فمثل سؤال "شكون أنت" السالف الذكر كمثل "الشيش"، أو الثمر الذي يصير حَشَفًا حينما يجف. وبالتالي، أنا غير معني لا بقلق الترقية ولا بالتمثيلية في "الأجهزة". فبالنسبة للترقية يعرف الجميع أن المناصب كانت تسوى على المقاس وغالبا ما يقترن إحداثها بتقديم فروض التملق ولحيس الكابة وتناكافت. أما بالنسية للتمثيلية فهي ليست لا عربون اعتراف ولا دلالة تميز من جهة، وليست من جهة ثانية قناة ضرورية لفضح المفسدين والنقالة ومن عبروا عبر النوافذ بفضل الحزبية المقيتة أو الجهوية السخيفة أو المصاهرة البئيسة، ومن ثم العمل على إسقاط أقنعتهم التنكرية.
II- بالنسبة للطعن في قانون حكم المحكمة الإدارية
تمثلت مآخذتي في ردي السابق على "مقال" "أي انحراف للموظف عن خدمة الإدارة يؤسس لجريمة اللصوصية" تحديدا في محاولة صاحبه التعليق على حكم قضائي لم يكن قد اطلع عليه لأنه ببساطة لم يكن جاهزا بعد. وبالتالي، بدا لي أنه من الحماقة وانعدام النزاهة (الفكرية) محاولة التعليق على حكم قضائي في غياب الاطلاع عليه والإلمام بحيثياته ومسبباته وتعليله، علما أن من يعلق على حكم قضائي لم يطلع عليه يوجد مكانه الطبيعي في ضريح "سيدي تخمة" (نواحي وادي زم)، على اعتبار أنه تم إغلاق ضريح "بويا عمر" (نواحي قلعة السراغنة). والمسألة لا تحتاج في هذا الباب إلى تقديم وسائل إثبات تؤكد هذا الكلام بحكم أنها من البديهيات ولا يقدم على خوض مغامرة مماثلة إلا المنحرفون في المجال الأكاديمي الذين يحاولون بناء مجد كرتوني قائم على التدليس والسرقة العلمية والكذب والتعالم، مما يجعل هدا النوع من "التعاليق" عملا فاقدا للمصداقية، مغشوشا و فاسدا، مشوها ومشوها، ولا فائدة علمية ترجى منه. وعلاوة على ذلك فضرورة ذكر جميع البيانات المتعلق بالحكم يمليها واجب تسهيل الرجوع إلى الحكم وتشكيل رأي خاص بخصوصه تفاديا لاجترار كلام فارغ يفضي إلى تجريد مردده من كل جدية وثقة معرفية. وبالتالي، إذا كان من البديهي أن للتعليق على الأحكام القضائية فائدة كبيرة على مستوى التراكمات المعرفية وإغناء الحس القانوني لدى المتلقي، فان ما لا يبدو عاديا هو استعمال عباءة "المعلق" الأكاديمي للعب دور "الكاري حنكو" المدافع عن إدارة غارقة في الجهل بهدف اكتساب مساندتها أو على الأقل حيادها السلبي في واقعة التورط في السرقة العلمية وفي سؤال "الله- الرسول- الملك". لذا لا يجوز لا أخلاقيا ولا علميا وبناء على ما سبق صياغة "تعليق" انطلاقا من مواقف مسبقة وأحكام قيمة تعبيرا عن أمية ضاربة الأطناب لا تضاهيها إلا أمية "خبير الخردة" وجهل "طرطور المطرطر". وفي كل الأحوال فالرغبة الغرائزية في إرضاء أولي النعمة من مزوري محاضر المداولات ، علما أن "مالين الميت صبروا والعزاية كفروا"، لا يبرر التطاول والتعالم والسعي لتبرير ما لا يمكن تبريره. لذا سأحاول من خلال هدا الرد توضيح موقفي مما ورد في "مقال" صاحبنا من ترهات اتخذت شكليا قالب وسائل الطعن في حكم قضائي.
بالنسبة للطعن في اعتبار رسالة الإشعار بالعزل قرارا إداريا قابلا للإلغاء
يدعي مسيلمة القانون الإداري، اعتمادا على ما وافاه به من مغالطات "طرطور المطرطر" أو كبير مزوري الاشهادات ومحترفي التفالس، أن رسالة الإشعار بالعزل "تندرج في خانة الأعمال التحضيرية "التي لا ترقى إلى مستوى القرارات المؤثرة في المركز القانوني للمعني بها. وترتيبا عليه، يدعي أن محكمة الدرجة الأولى خالفت القانون حينما اعتبرت أن رسالة الإشعار بالعزل تتضمن قرارا إداريا مؤثرا في وضعيتي الإدارية، ومن ثم أقرت بقابليته للإلغاء. وخلافا لتعليل المحكمة يدعي صاحب التعليق أن الرسالة السالفة الذكر لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها قرارا إداريا.
للتذكير فقط، فأنا لم أتوصل أبدا وبشكل رسمي ولأسباب يطول شرحها ولا يتسع المقام لذكرها بنسخة من قرار العزل كما هو متعارف عليه على مستوى البيانات الشكلية، لكن توصلت على عكس ذلك برسالة إشعار بالعزل، وهي طبعا الوثيقة التي استندت عليها للطعن بالإلغاء في قرار عزلي من أسلاك الوظيفة العمومية. لكن الإدارة، التي امتنعت عن مدي بنسخة من قرار إداري يعنيني طبقا لمقتضيات الفصل 72 من قانون الوظيفة العمومية، طعنت في قانونية اعتبار هذا الإشعار قرارا إداريا، إلا انه كان للمحكمة رأي آخر من خلال اعتبار الإشعار قرارا تام الأركان وقابلا للإلغاء بالطعن. وحتى أترفع عن السقوط في متاهات الأمية المغرضة، أود أن أوضح ما يلي: إن ما يعتبر "عملا تحضيرا" يتمثل في قرار إداري مؤقت ذو طابع تمهيدي من قبيل قرار التوقيف المؤقت عن العمل مثلا، وليس القرار المؤثر في المركز القانوني للمعني به، على اعتبار انه يقصد بالعمل التحضير القرار الممهد لعرض المعني على المجلس التأديبي. وبالتالي، لا يجوز، خلافا لادعاء صاحب "طرطور المطرطر" اعتبار الإشعار بالعزل عملا تحضيريا لأنه لا يمهد ولا يحضر لأي قرار لاحق.
أما بخصوص الحسم في اعتبار الإشعار بالعزل قرارا إداريا من عدمه على مستوى استئناف الحكم، ففصل المقال يتحدد في اعتقادي بعد الاطلاع على ما رسخته وكرسته وأرسته الأحكام القضائية في المجال الإداري، بعيدا عن التعالم و"ضريب الكارطة".
بالرجوع إلى القضاء الإداري المغربي، يتبين تواتر الأحكام القضائية التي تشترط لقبول طعن الإلغاء أن ينصب على قرار إداري نافد ومؤثر في المركز القانوني للطاعن حتى دون صدور أي مقرر إداري بالمفهوم الشكلي التقليدي.
في هذا الاتجاه قررت المحكمة الإدارية باكادير، حكم عدد 54/2000 بتاريخ 12/10/2000، عبد اللاوي عبد الله ضد وزير الصيد البحري، أن "الرسالة الإخبارية الصادرة عن إدارة برفض طلب معين تؤكد وجود قرار إداري تام الأركان قابل للطعن بدعوى الإلغاء".
وبالمقابل اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش، حكم عدد 12 بتاريخ 02/02/2000،مشكور الطاهر ضد رئيس المجلس البلدي للمنارة-جليز، أن "إشعار الطاعن بالكف عن استعمال آلات هو مجرد إجراء تحضيري للقرار التي تهدد الإدارة باتخاذه، وبالتالي فهو غير قابل للطعن بالإلغاء"، مما يؤكد أن الطعن بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة لا يقبل إلا ضد القرارات الإدارية النهائية التي تكون ذات صبغة تنفيذية والتي يكون من شأنها التأثير في المركز القانوني للمعني بها.
وفي حكم آخر قررت المحكمة الإدارية بأكادير، حكم عدد 76/2000 تاريخ 21/12/2000، محمد بن علي ضد وزير التعليم الثانوي والتقني، أنه "تعتبر لجنة الامتحانات بالمؤسسات التعليمة سلطة إدارية والقرارات الصادرة عنها بنجاح أو رسوب الممتحنين قرارات إدارية خاضعة لرقبة قاضي المشروعية أمام المحاكم الإدارية".
كما قررت عن نفس المحكمة، الحكم عدد 22/2001 بتاريخ 08/03/2001 (سعاد اللويين ضد وزير الصحة) أنه "يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن تنصب على قرار إداري نافذ ومؤثر في المركز القانوني للطاعن"، لكن لما تبث للمحكمة أن القرار المطعون فيه "قرار مؤقت ذي طابع تمهيدي في انتظار تحريك المسطرة التأديبية في مواجهة الطاعنة، وأن القرار الذي سيصدر في إطار المسطرة التأديبية هو الذي سيؤثر في مركزها الإداري وهو القابل للطعن بالإلغاء"، ارتأت أن "الطعن سابق لأوانه..." .
أما الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال القرار رقم 519 بتاريخ 27/06/1996 (مدير المدرسة الإدارية ضد إبراهيم زاوك) فقد اعتبرت أن "الأخطاء التي تقع فيها الإدارة عند جمع النقط والتسبب في سقوط المرشحين تضفي على عمل الإدارة طابع القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء".
ففي هذه النازلة دفعت الإدارة بعدم اختصاص المحكمة الإدارية على أساس أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة عند جمعها لنقط الطاعن هو مجرد عمل مادي صرف ولا وجود لأي قرار إداري. لكن حينما قضت المحكمة الإدارية بالرباط باختصاصها للبت في النزاع استأنف الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن مدير المدرسة الوطنية للإدارة الحكم المذكور وتمسك بالقول أن المحكمة خرقت مقتضيات المادتين 8 و 20 من القانون 90/41 على اعتبار أن مدير المدرسة لم يصدر أي قرار يقضي بإقصاء الطاعن (التلميذ بالمدرسة الوطنية للإدارة) وأن تعليق النتائج يعتبر مجرد عمل مادي ليس إلا. غير أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أيدت قرار المحكمة الإدارية معتبرة أن هذه الأخيرة كانت على صواب حينما صرحت أن القرار المطعون فيه تتوفر فيه جميع مقومات القرار الإداري باعتباره صادرا عن سلطة إدارية من جهة، ويمس بمركز الطاعن من جهة ثانية، لأن الخطأ الذي وقعت فيه إدارة المدرسة الإدارية عند جمع النقط يضع حدا لانتساب الطاعن إلى المدرسة الوطنية للإدارة خصوصا وأن المعني بالأمر طعن في مشروعية النتيجة التي تبنتها الإدارة والتي أفضت إلى إقصائه من متابعة دراسته.
لذا، فالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء عللت وبوضوح حكمها تعليلا سليما حينما اعتبرت أن العبرة في قبول الطعن بالإلغاء تكمن في وجود قرار إداري نافذ ومؤثر في المركز القانوني للعارض، ومن ثم اعتبرت أن رسالة الإشعار بالعزل تتسم بسمات القرار الإداري القابل للطعن ويبقى الدفع المثار لا اثر له على سلامة الدعوى، مما يتعين رده.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلم يكن مطلوبا مني التعليق على حكم يخصني بقدر ما كان مطلوبا مني نقل حيثيات الحكم بأمانة وتجرد من اجل ضمان المسافة اللازمة عبر تزويد القارئ بالمعطيات حتى يقارنها مع ما تفوه به الجاهل المغفل. ولمن يهمه أمر موقفي الشخصي وتعليقي على الحكم فما عليه إلا الاطلاع أساسا على المذكرة الجوابية على ما ورد في مقال الاستئناف الذي تقدم به الوكيل القضائي للمملكة
2- بالنسبة لتجاوز الشكليات
ورد في "المقال" السالف الذكر ما يلي: "وقد دأب العمل القضائي في كثير من اجتهاداته على تجاوز الشكليات إذا كانت الوقائع ثابتة صيانة لأصول الحق الذي لا يمكن إعدامها لعيوب شكلية".
هذا القول مردود على صاحبه جملة وتفصيلا لسبب بسيط يجد دعامته في مقتضيات القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، وتحديد ما ورد في الفصل 20 منه الذي ينص على أن: "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة".
وبالتالي، هل يسمح لمن يفترض أنه متخصص في القانون الإداري، بصرف النظر عن كون رصيده في هذا الباب قائم على علم مسروق، ادعاء أن "صيانة الحق" تجيز تجاوز الشكليات، والحال أن هذه الشكليات جزء لا يتجزأ من "أصول الحق"؟ فهل تم إرساء قضاء إداري مستقل وقائم بذاته من أجل تكريس مبادئ دولة الحق والقانون أم لإرضاء الحالمين بعودة زمن الرصاص؟ مجرد سؤال.
3- بخصوص وصف القرار الصادر عن غير ذي صفة
ورد في "المقال" السالف الذكر كذلك أن الوصف القانوني لقرار صادر عن غير ذي صفة هو "انعدام توازي الشكليات"، والحال أن صيغة "انعدام توازي الشكليات" تشكل فقط مبدأ عاما مفاده أن إلغاء أو تعديل أي قرار إداري يكون بقرار إداري آخر صادر من ذات السلطة التي أصدرت القرار الأول. أما "الوصف القانوني" فانه يحيل إلى ما ورد في الفصل 20 من القانون 91-40 الذي ينص على أن: كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة (...) يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة. وبالتالي، فالمشرع لم يقل "كل قرار إداري ينعدم فيه توازي الأشكال"، بل قال: "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة".
وفيما يخص إثارة عدم توفري على الاختصاص للحديث عن السرقات العلمية بكلية الحقوق بسطات، فأنا لست سلطة حكومية تتخذ قرارات إدارية حتى أواجه بهذا الدفع. ودوري كمواطن اقتصر على فضح الفساد السائد بالكلية بما فيه توظيف أشخاص حصلوا على شهادة الدكتوراه اعتمادا على السرقة العلمية. وهذا طبعا واجب وطني وأخلاقي يدخل في باب من رأى منكم منكرا...
3- بخصوص قضية "الجمع بين المهام" مرة أخرى
لا أرى حاجة إلى الرجوع إلى مناقشة وسائل الطعن بالإلغاء ذات الصلة، ولا إلى ادعاءات الإدارة وإدلائها ببيانات كاذبة من جهة، ولا إلى حيثيات الحكم من جهة ثانية، نظرا لتطرقي لهذا الجانب بما يكفي سابقا ونظرا لان حكم محكمة الدرجة الأولى قد تم تعليله من وجهة نظري تعليلا كافيا، شافيا أحب من حب وتدمر من تدمر، ومهما كره الكارهون وحقد الحاقدون ونقم الناقمون. ومن لم يعجبه حال فليضرب رأسه مع الحائط. ومرة أخرى معذرة السي الحائط.
4- بخصوص اكتساب صفة تاجر
ورد في "المقال" السالف الذكر كذلك أن "إحداث شركة ذات المسؤولية المحدودة تكسب حتما صاحبها صفة التاجر"، وتم الإدلاء طبعا بهذا الرأي دون تقديم وسائل الإثبات، ومن ثم تم الاكتفاء باجترار الجهل بسبب الاحتكام لفوضى الحاسة الغريزية أو ما يسميه كاستون باشلار "الرأي العام"، فهل الإحالة على شكري السباعي بدون حتى ذكر المرجع كاملا، أي تحديد الطبعة والسنة ورقم الصفحة، الخ، يعوض صياغة الإجابة بشكل علمي مقنع؟
كان من المفروض بخصوص هذا الاستشكال أن يتم الرجوع إلى قانون الشركات وتحديدا القانون 96-5 من جهة، والى مدونة التجارة كنص مؤسس ومؤطر بالدرجة الأولى. وبالنسبة لي ليس هناك في القانون 96-5، ولا حتى في قانون الالتزامات والعقود، ما يكسب الشخص الذي أحدث شركة محدودة المسؤولية (شريك) صفة تاجر. وبالتالي، أن أشرف على تأسيس شركة أو أكون شريكا فيها أو شريكا وحيدا لا يكسبني حتما صفة تاجر. أما بخصوص مدونة التجارة، فقد تطرقت لهذه النقطة في مقالي السابق المنشور بجريدة "تليكسبريس". ومن يدعي عكس ذلك فعليه بتقديم الدليل، وشخصيا لن أتردد في تقديم اعتذاري إذا تبين أنني مخطأ في كلامي.
5- بخصوص الوضعية القانونية لرئيس الحكومة السابق
تحدثت عن رئيس الحكومة السابق من خلال نعته بالمعزول لأنه فعلا قد تم عزله. وكلمة عزل هنا لا تتضمن أي حمولة قدحية على اعتبار أن المشرع استعملها بشكل عادي في قانون الوظيفة العمومية ضمن العقوبات التأديبية المطبقة في حق الموظفين العموميين الخاضعين لقانون الوظيفة العمومية. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة التمييز بين العزل والإعفاء، لان الأول مرتبط بالتعيين في وظيفة عمومية قارة، في حين يرتبط الإعفاء بأداء مهمة بشكل مؤقت. وبالتالي، فالقرار الذي اتخذ في حقي شخصيا كان عبارة عن عزل وليس إعفاء، وتوضيح الواضحات من المفضحات.
بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية وتحديدا الفصل 47 منه، نجد أن المشرع يتحدث فقط عن إمكانية تقديم رئيس الحكومة لاستقالته، علما أن الملك بوصفه رئيس الدولة يتوفر على إمكانيات هائلة يمكن اللجوء إليها لضمان السير العادي للدولة ولمؤسساتها. وبالتالي، فالعزل كعقوبة أو كعقاب يعبر عن إزاحة من كان في وضعية المكلف بتشكيل الحكومة. غير أن هناك فارق ليس بالهين بين الموظف العمومي الخاضع لقانون الوظيفة العمومية والموظف العمومي المكلف بمهمة. ففي الحالة الأولى للموظف المعزول حق اللجوء للمحاكم والتمسك بمطلب احترام الحق وتطبيق القانون من اجل استرجاع حقوقه، بينما لا يحق للمسؤول المعزول في الحالة الثانية إلا المكوث في بيته والاكتفاء باستقبال الكتائب و رثاء "الأندلس" المفقودة. أما صيغة "وضع حد لمهامه"، عوض عزله، التي استعملها "الأستاذ" الكسول فإنها لا تستند على أي أساس قانوني سليم، على اعتبار أنه لم تكن لرئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة وقتئذ أي مهام حكومية.
وفي جميع الأحوال يبقى رئيس الحكومة، على عكس ما يعتقد بعض "الفهاماتورات"، موظفا عموميا، على اعتبار أنه بالرجوع إلى تعريف الموظف العمومي الوارد في الفصل 224 من القانون الجنائي نجد أنه " يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته ، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها " .
وبالتالي، فرئيس الحكومة، بصرف النظر عن عدم خضوعه للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، يعتبر موظفا عموميا بحكم تبعيته لأجهزة الدولة وبحكم طبيعة المهام الموكولة إليه. لذا على النقالة القطع مع الكوفشة والتفكير جديا في إعادة التكوين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لقد أثبتت بالحجة والدليل استيلاء عضو النادي المعلوم أساسا على بحوث الأستاذ عصام بنجلون (أصول وإجراءات التنفيذ القضائي ضد الإدارة، "التنفيذ الجبري ضد الإدارة"، من جهة و بحوث الأستاذ محمد قصري ("الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها" و"تنفيذ الأحكام الإدارية – الغرامة التهديدية- الحجز". وما تبث يوما أنني لم أثبت ما زعمته أو لم أنفذ ما وعدت به.
لكن عضو النادي المعلوم المتورط في عدة فضائح أكاديمية لم يدلي بما يثبت أن بحثه طاله المحو والتدليس عن طريق "الفوطوشوب"، الخ. وبالتالي كان من المطلوب أن يمتلك هذا "النقال" المحترف الشجاعة ويفسر للرأي العام تبرير لجوءه إلى القرصنة العلمية وعدم ذكره للمراجع المسروقة، وكذا مبرر التعليق بشكل وقح على حكم قضائي بدون الإطلاع عليه، وملابسات حصوله على شهادة الأهلية اعتمادا على بحث مسروق ومقالات "صوحافية" عديمة القيمة الأكاديمية ومن المفروض أن لا يتم احتسابها كمقالات علمية على مستوى معايير الترقية. ثم من هي دار التوزيع التي أنيطت بها مهمة توزيع مطبوعه السالف الذكر في كل أرجاء المملكة، وما هو سر التأخر في إصدار المؤلفات التي وعد بنشرها منذ أربع سنوات الخ.
أما "شكون أنا"، فعلى أي حال، وأعوذ بالله من قولة أنا، أنا لا أهادن المسؤولين الفاسدين وان اقتضى الحال أن أجرهم إلى المحاكم فلن أتردد، لأن اللجوء للقضاء سلوك حضاري ومن حق أي مواطن أحس أنه ظلم أن يلتجأ إليه. ولا أبيع للطلبة مطبوعات عبارة عن خردة تتضمن ما يشبه خواطر تم تجميعها ووضع غلاف لها وإعطائها عنوانا لا يعكس قيمتها، وبالمقابل لا أسعى لا إلى تدجين الطلبة ولا إلى تضبيعهم اعتمادا على الشعبوية والارشاء وتكريس عبادة الأصنام، فكما هناك حقوق ترتبط بالمواطنة (الطلابية) هناك واجبات. وبالتالي فمن يوجد في الوضعيات السالفة ذكرها هو من عليه أن يبدد الشكوك والضباب والتشاش، اللهم إلا إذا كان يتوهم أن الإفلات من الملاحقة الرمزية يمر عبر التهريب والتسويف والتعتيم والهروب إلى الأمام من أجل محاولة التستر على الفضائح. وللحديث بقية....
" التشاش" لغة: هو لفظ ذو صلة بمصطلح "الشيش" التي يوصف به، حسب لسان العرب، الثمر الذي لا يشتد نواه. وفي المعجم الرائد ورد أن "الشيش" ثمر ضعيف أو عديم النوى، وحينما يجف يتحول إلى ثمر رديء المذاق.
أما اصطلاحا ف "التشاش" يعني الشيء القليل الفائدة أو الزبد الذي يذهب جفاء. وقد ارتبط اللجوء إلى استعمال هذا المصطلح في الذهنية الجماعية المغربية بالوقت الضئيل المخصص للبث التلفزيوني، و يعني تحديدا لحظة انقطاع البث، أي حين تتحول شاشة التلفزة إلى بقع اللا متناهية يتراقص فيها الأسود والأبيض. ولمدة ليست باليسيرة ظلت البرامج التلفزية في خريطة الذهنية الجماعية مرادفة للأخبار والشريط المطول وسهرة السبت والإشهار و....."التشاش". وقد حاول الفيلم المغربي "التشاش"، في سياق تناوله لرداءة البرامج التلفزية، تسليط الضوء على معاناة المواطن/المتفرج المغربي مع جهاز التلفزيون ونوبات التشاش التي تحل به على حين غرة.
كما يطلق نعت "التشاش" في بعض المناطق على الشخص الذي لا ييمل من ادعاء ملكة طول الباع والذراع و لا يتعب من تقديم الوعود المعسولة ولا يكف عن الثرثرة طوال النهار بمناسبة أو دون ذلك، وكل رأسماله قائم على التدليس والنصب والاحتيال من أجل الإيقاع بالضحايا.
مناسبة هذا المدخل لها ارتباط ببنية ردود سارق المعرفة التي تتميز بالثرثرة والافتراء والمغالطات والكذب والضباب و"التشاش". فبعد أن أبان عن جهله اللغوي والدستوري وعن استلهام تفكيره من المنظومة القادوسية، هاهو يتحفنا هذه المرة بشكل سيئ من خلال التعبير عن أميته في باقي الحقول المعرفية التي تدرس عادة في كليات الحقوق، بما فيها القانون الإداري.
لقد تمحور المقال موضوع هذا الرد، إذا جاز اعتباره مقالا، حول نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى تثير جدلية: "من أنت؟"، في مقابل تضخيم الأنا النرجسية-التسلطية والمهرجة. في حين تثير الوسيلة الثانية مرض التعالم والدجل والتفكير القادوسي من خلال محاولة الطعن في قانونية حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء القاضي بإلغاء قرار عزلي من أسلاك الوظيفة الصادر عن الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، علما أن صاحب التعليق لم يطلع على الحكم ومع ذلك ينصب نفسه ليس معلقا فحسب بل متطاولا كذلك على القضاء. وبالتالي، يقتضي الرد إخضاع مضامين هذا "المقال" لأسلوب النقد بوصفه فنا وأداة للتمييز والتمحيص والتدقيق قائمة على المعاينة والتجرد، بعيدا عن لغة التعتيم والكذب والافتراء والقذارة في التفكير.
I - ردا عن سؤال "شكون أنت؟
سؤال "شكون أنت؟" الذي وجهه لي صاحب التفكير القادوسي ليس سؤالا عاديا ولا عفويا يرجى منه جوابا عن سؤال بريئ، لأنه يعبر عن حالة نفسية مرضية تحجب عقدا دفينة وندوبا عميقة لدى طارحه، ومن ثم فهو يعكس تبعا لذلك أزمة هوية غائرة ولدت قلقا مرضيا يعاني صاحبه على الدوام من الوسوسة الخناسة التي تدفعه إلى وضع نفسه في الميزان في مواجهة الآخرين. وبالتالي، فتجاوزها يستدعي تأهيلا أكاديميا شافيا يؤهل، بناء على وصفة قائمة على تناول جرعات من دواء الابستيمولوجيا قصد اكتساب مناعة فكرية تساعد على التطهر من الأوساخ والانعتاق من الرواسب والطفيليات العالقة التي تصيب من يحاول بناء مجده الكارطوني اعتمادا على التعاطي للغش واللصوصية المعرفية، وهي وضعية تجعل بالتأكيد من صاحبها كائنا بئيسا في فكره ورازخا تحت وطأة الانفصام في علاقته مع الآخرين.
سؤال "شكون أنت وشكون تكوني؟"، لمن يطرب سماعه فن "الجرة" بشكل عام وفن "العيطة بشكل خاص ويقتفي من خلال سماع هاذين الفنين الرموز والدلالات والمعاني الاجتماعية والسياسية والتاريخية، هو عنوان لأغنية غناها المطرب الشعبي كمال العبدي. وهي أغنية تنتقد في قالب غنائي شعبي مرض تضخم الأنا كظاهرة تشكل موروثا يلعب وظيفة إلاشراطات بوصفها تصرفات يستجاب لندائها بحكم وطأتها التاريخية وتأثيرها في التنشئة الاجتماعية وقدرتها على التأثير في الحاضر وعلى الحاضر في غياب اكتساب المناعة الفكرية اللازمة. والجرة كما العيطة... كما النكتة تشكل جميعها أدوات تبيان وتبين وتختزل معرفة متمردة تعبر عن الواقع المعاش بعيدا عن اللغة السقيمة والمحنطة. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن هذه التعابير إلا بنفس اللغة، أي لغة غير منمقة يحتقرها وينعتها الحرتاكة و الغلاقة وعديمي الذوق بالمبتذلة. لكن الجهلة الذين يجهلون وجود علم اسمه "السيميولوجيا" في جهلهم يمرحون.
سؤال "شكون أنت" ينتمي، من حيث نطاق اشتغاله، لمجال عوارض النرجسية والتسلطية وقلة الحياء من قبيل "آش بغيت تكون"، "شكون أنت وشكون تكون"، "واش ما عارفش مع من تتكلم!" و"اعرف مع من كتكلم !"، "دابا تعرف شكون أنا" !، "غادي نوريك"، "دابا نربيك"، "دابا نديك فين تتربى"، الخ. وهي عوارض تختزل قاموسا لا يستعمل مفرداته وصيغه اللغوية إلا ملوثو النفوس والعقول، لأنها بمثابة انعكاس لنفسية، إما نرجسية وإما متسلطة وإما هما معا. نكون طبعا بصدد نفسية نرجسية حينما يميل صاحبها لتضخيم أناه بسبب إصابته بورم الاستعلاء والتعالم فتأخذه العزة بالنفس في الإثم ليرفض تقبل الملاحظات على أساس اعتبارها "مقللة الحياء" ومستصغرة من شأنه. وبالمقابل نكون أمام نفسية تسلطية حينما يغلب عل سلوك الشخص المعني الاندفاع والرغبة الغرائزية في المواجهة البدنية أو الرغبة /"العايدي-أمينية" (نسبة إلى الراحل عايدي أمين دادا).
على مستوى البنية الثقافية والمرجعية الفكرية (القادوسية) المؤسسة لمنظومة الاستلهام، إن "شكون أنت"، التي استعملها رئيس الحكومة المعزول حينما خاطب حميد شباط في كلمة بمناسبة المؤتمر الثاني لجمعية محامي العدالة والتنمية يوم 6 أكتوبر 2013، تعبر عن العقلية التسلطية المنفعلة التي تعتقد أن الخلاص سيأتي على يدها وأن الخراب سيعم بدونها.
و"شكون أنت"، هي كذلك العبارة التي خاطب بها الراحل إدريس البصري الصحافي خالد الجامعي ذات يوم من شهر نونبر 1993 حينما نشر هذا الأخير في جريدة "l’opinion" مقالا بعنوان «تحليل الحقل السياسي المغربي»، قال فيه أن "المغرب لم يعرف يوما تعددية حزبية"، و"إنه كان واقعا دائما تحت حكم الحزب الواحد، أي حزب المخزن".
وبالتالي، ف "شكون أنت" ليست لفضا أو علامة خاصة حكرا على رجال السلطة، بل هي في متناول أي مواطن تأثر في تنشئته الاجتماعية بنسق السلطوية والتسلط والشر وسلاطة اللسان، ولم يسعى إلى تخليص نفسه من هذه الآفة. لذا، فإن "شكون أنت؟" وأخواتها وبنات عمومتها وبنو فصيلتها: "آش بغيت تكون"، واش ما عارفش مع من تتكلم!، الخ، عبارات غير لائقة، ساقطة، وضيعة، طائشة، حقيرة ومعبرة عن نفسية ملوثة وعن عدم ثقة في النفس ومعاناة على مستوى العلم أو الوضعية الاجتماعية، بما فيها العلمية، السالف ذكرها في مقال سابق.
في مرجعيتنا الدينية الإسلامية لا يجوز تزكية النفس ومدحها، بل على عكس ذلك يجب أن نزكيها ونبتعد عن تزكيتها، أي أن نقمع نبضاتها الغرائزية لكونها أمارة بالسوء. كما أرست نفس المرجعية حكمة معرفة الرجال بالحق وليس معرفة الحق بالرجال.
وفي ثقافتنا العربية-الإسلامية العامة يختزل شرف الرجل ليس في من يكون ولا من أين أتى، ولكن في كلامه من خلال استحضاره لمقولة ذات دلالة كبيرة " ما سمعت كلام رجل إلا وعرفت فيه عقله".
أما في ثقافتنا الشعبية الرزينة والحكيمة فانه يرفض جملة وتفصيلا استعمال كلمة "انأ" من خلال قول "أعوذ بالله من كلمة أنا".
لذا فمن يثير سؤال "شكون أنت؟ هو في الحقيقة شخص يرى أناه من خلال مرآة الآخر بسبب إحساسه بالنقص واجتراره للعقد ومعاناته بسبب افتضاح تورطه فيه الكوشفة العلمية من اجل انتزاع لقب بلا جدارة ولا استحقاق، وفي انعدام النزاهة الفكرية وانعدام القدرة حتى على صياغة الأسئلة، بما فيها الأسئلة المتعلقة بمادة الأنظمة الدستورية. وبمعنى آخر فمثل سؤال "شكون أنت" السالف الذكر كمثل "الشيش"، أو الثمر الذي يصير حَشَفًا حينما يجف. وبالتالي، أنا غير معني لا بقلق الترقية ولا بالتمثيلية في "الأجهزة". فبالنسبة للترقية يعرف الجميع أن المناصب كانت تسوى على المقاس وغالبا ما يقترن إحداثها بتقديم فروض التملق ولحيس الكابة وتناكافت. أما بالنسية للتمثيلية فهي ليست لا عربون اعتراف ولا دلالة تميز من جهة، وليست من جهة ثانية قناة ضرورية لفضح المفسدين والنقالة ومن عبروا عبر النوافذ بفضل الحزبية المقيتة أو الجهوية السخيفة أو المصاهرة البئيسة، ومن ثم العمل على إسقاط أقنعتهم التنكرية.
II- بالنسبة للطعن في قانون حكم المحكمة الإدارية
تمثلت مآخذتي في ردي السابق على "مقال" "أي انحراف للموظف عن خدمة الإدارة يؤسس لجريمة اللصوصية" تحديدا في محاولة صاحبه التعليق على حكم قضائي لم يكن قد اطلع عليه لأنه ببساطة لم يكن جاهزا بعد. وبالتالي، بدا لي أنه من الحماقة وانعدام النزاهة (الفكرية) محاولة التعليق على حكم قضائي في غياب الاطلاع عليه والإلمام بحيثياته ومسبباته وتعليله، علما أن من يعلق على حكم قضائي لم يطلع عليه يوجد مكانه الطبيعي في ضريح "سيدي تخمة" (نواحي وادي زم)، على اعتبار أنه تم إغلاق ضريح "بويا عمر" (نواحي قلعة السراغنة). والمسألة لا تحتاج في هذا الباب إلى تقديم وسائل إثبات تؤكد هذا الكلام بحكم أنها من البديهيات ولا يقدم على خوض مغامرة مماثلة إلا المنحرفون في المجال الأكاديمي الذين يحاولون بناء مجد كرتوني قائم على التدليس والسرقة العلمية والكذب والتعالم، مما يجعل هدا النوع من "التعاليق" عملا فاقدا للمصداقية، مغشوشا و فاسدا، مشوها ومشوها، ولا فائدة علمية ترجى منه. وعلاوة على ذلك فضرورة ذكر جميع البيانات المتعلق بالحكم يمليها واجب تسهيل الرجوع إلى الحكم وتشكيل رأي خاص بخصوصه تفاديا لاجترار كلام فارغ يفضي إلى تجريد مردده من كل جدية وثقة معرفية. وبالتالي، إذا كان من البديهي أن للتعليق على الأحكام القضائية فائدة كبيرة على مستوى التراكمات المعرفية وإغناء الحس القانوني لدى المتلقي، فان ما لا يبدو عاديا هو استعمال عباءة "المعلق" الأكاديمي للعب دور "الكاري حنكو" المدافع عن إدارة غارقة في الجهل بهدف اكتساب مساندتها أو على الأقل حيادها السلبي في واقعة التورط في السرقة العلمية وفي سؤال "الله- الرسول- الملك". لذا لا يجوز لا أخلاقيا ولا علميا وبناء على ما سبق صياغة "تعليق" انطلاقا من مواقف مسبقة وأحكام قيمة تعبيرا عن أمية ضاربة الأطناب لا تضاهيها إلا أمية "خبير الخردة" وجهل "طرطور المطرطر". وفي كل الأحوال فالرغبة الغرائزية في إرضاء أولي النعمة من مزوري محاضر المداولات ، علما أن "مالين الميت صبروا والعزاية كفروا"، لا يبرر التطاول والتعالم والسعي لتبرير ما لا يمكن تبريره. لذا سأحاول من خلال هدا الرد توضيح موقفي مما ورد في "مقال" صاحبنا من ترهات اتخذت شكليا قالب وسائل الطعن في حكم قضائي.
بالنسبة للطعن في اعتبار رسالة الإشعار بالعزل قرارا إداريا قابلا للإلغاء
يدعي مسيلمة القانون الإداري، اعتمادا على ما وافاه به من مغالطات "طرطور المطرطر" أو كبير مزوري الاشهادات ومحترفي التفالس، أن رسالة الإشعار بالعزل "تندرج في خانة الأعمال التحضيرية "التي لا ترقى إلى مستوى القرارات المؤثرة في المركز القانوني للمعني بها. وترتيبا عليه، يدعي أن محكمة الدرجة الأولى خالفت القانون حينما اعتبرت أن رسالة الإشعار بالعزل تتضمن قرارا إداريا مؤثرا في وضعيتي الإدارية، ومن ثم أقرت بقابليته للإلغاء. وخلافا لتعليل المحكمة يدعي صاحب التعليق أن الرسالة السالفة الذكر لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها قرارا إداريا.
للتذكير فقط، فأنا لم أتوصل أبدا وبشكل رسمي ولأسباب يطول شرحها ولا يتسع المقام لذكرها بنسخة من قرار العزل كما هو متعارف عليه على مستوى البيانات الشكلية، لكن توصلت على عكس ذلك برسالة إشعار بالعزل، وهي طبعا الوثيقة التي استندت عليها للطعن بالإلغاء في قرار عزلي من أسلاك الوظيفة العمومية. لكن الإدارة، التي امتنعت عن مدي بنسخة من قرار إداري يعنيني طبقا لمقتضيات الفصل 72 من قانون الوظيفة العمومية، طعنت في قانونية اعتبار هذا الإشعار قرارا إداريا، إلا انه كان للمحكمة رأي آخر من خلال اعتبار الإشعار قرارا تام الأركان وقابلا للإلغاء بالطعن. وحتى أترفع عن السقوط في متاهات الأمية المغرضة، أود أن أوضح ما يلي: إن ما يعتبر "عملا تحضيرا" يتمثل في قرار إداري مؤقت ذو طابع تمهيدي من قبيل قرار التوقيف المؤقت عن العمل مثلا، وليس القرار المؤثر في المركز القانوني للمعني به، على اعتبار انه يقصد بالعمل التحضير القرار الممهد لعرض المعني على المجلس التأديبي. وبالتالي، لا يجوز، خلافا لادعاء صاحب "طرطور المطرطر" اعتبار الإشعار بالعزل عملا تحضيريا لأنه لا يمهد ولا يحضر لأي قرار لاحق.
أما بخصوص الحسم في اعتبار الإشعار بالعزل قرارا إداريا من عدمه على مستوى استئناف الحكم، ففصل المقال يتحدد في اعتقادي بعد الاطلاع على ما رسخته وكرسته وأرسته الأحكام القضائية في المجال الإداري، بعيدا عن التعالم و"ضريب الكارطة".
بالرجوع إلى القضاء الإداري المغربي، يتبين تواتر الأحكام القضائية التي تشترط لقبول طعن الإلغاء أن ينصب على قرار إداري نافد ومؤثر في المركز القانوني للطاعن حتى دون صدور أي مقرر إداري بالمفهوم الشكلي التقليدي.
في هذا الاتجاه قررت المحكمة الإدارية باكادير، حكم عدد 54/2000 بتاريخ 12/10/2000، عبد اللاوي عبد الله ضد وزير الصيد البحري، أن "الرسالة الإخبارية الصادرة عن إدارة برفض طلب معين تؤكد وجود قرار إداري تام الأركان قابل للطعن بدعوى الإلغاء".
وبالمقابل اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش، حكم عدد 12 بتاريخ 02/02/2000،مشكور الطاهر ضد رئيس المجلس البلدي للمنارة-جليز، أن "إشعار الطاعن بالكف عن استعمال آلات هو مجرد إجراء تحضيري للقرار التي تهدد الإدارة باتخاذه، وبالتالي فهو غير قابل للطعن بالإلغاء"، مما يؤكد أن الطعن بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة لا يقبل إلا ضد القرارات الإدارية النهائية التي تكون ذات صبغة تنفيذية والتي يكون من شأنها التأثير في المركز القانوني للمعني بها.
وفي حكم آخر قررت المحكمة الإدارية بأكادير، حكم عدد 76/2000 تاريخ 21/12/2000، محمد بن علي ضد وزير التعليم الثانوي والتقني، أنه "تعتبر لجنة الامتحانات بالمؤسسات التعليمة سلطة إدارية والقرارات الصادرة عنها بنجاح أو رسوب الممتحنين قرارات إدارية خاضعة لرقبة قاضي المشروعية أمام المحاكم الإدارية".
كما قررت عن نفس المحكمة، الحكم عدد 22/2001 بتاريخ 08/03/2001 (سعاد اللويين ضد وزير الصحة) أنه "يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن تنصب على قرار إداري نافذ ومؤثر في المركز القانوني للطاعن"، لكن لما تبث للمحكمة أن القرار المطعون فيه "قرار مؤقت ذي طابع تمهيدي في انتظار تحريك المسطرة التأديبية في مواجهة الطاعنة، وأن القرار الذي سيصدر في إطار المسطرة التأديبية هو الذي سيؤثر في مركزها الإداري وهو القابل للطعن بالإلغاء"، ارتأت أن "الطعن سابق لأوانه..." .
أما الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال القرار رقم 519 بتاريخ 27/06/1996 (مدير المدرسة الإدارية ضد إبراهيم زاوك) فقد اعتبرت أن "الأخطاء التي تقع فيها الإدارة عند جمع النقط والتسبب في سقوط المرشحين تضفي على عمل الإدارة طابع القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء".
ففي هذه النازلة دفعت الإدارة بعدم اختصاص المحكمة الإدارية على أساس أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة عند جمعها لنقط الطاعن هو مجرد عمل مادي صرف ولا وجود لأي قرار إداري. لكن حينما قضت المحكمة الإدارية بالرباط باختصاصها للبت في النزاع استأنف الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن مدير المدرسة الوطنية للإدارة الحكم المذكور وتمسك بالقول أن المحكمة خرقت مقتضيات المادتين 8 و 20 من القانون 90/41 على اعتبار أن مدير المدرسة لم يصدر أي قرار يقضي بإقصاء الطاعن (التلميذ بالمدرسة الوطنية للإدارة) وأن تعليق النتائج يعتبر مجرد عمل مادي ليس إلا. غير أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أيدت قرار المحكمة الإدارية معتبرة أن هذه الأخيرة كانت على صواب حينما صرحت أن القرار المطعون فيه تتوفر فيه جميع مقومات القرار الإداري باعتباره صادرا عن سلطة إدارية من جهة، ويمس بمركز الطاعن من جهة ثانية، لأن الخطأ الذي وقعت فيه إدارة المدرسة الإدارية عند جمع النقط يضع حدا لانتساب الطاعن إلى المدرسة الوطنية للإدارة خصوصا وأن المعني بالأمر طعن في مشروعية النتيجة التي تبنتها الإدارة والتي أفضت إلى إقصائه من متابعة دراسته.
لذا، فالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء عللت وبوضوح حكمها تعليلا سليما حينما اعتبرت أن العبرة في قبول الطعن بالإلغاء تكمن في وجود قرار إداري نافذ ومؤثر في المركز القانوني للعارض، ومن ثم اعتبرت أن رسالة الإشعار بالعزل تتسم بسمات القرار الإداري القابل للطعن ويبقى الدفع المثار لا اثر له على سلامة الدعوى، مما يتعين رده.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلم يكن مطلوبا مني التعليق على حكم يخصني بقدر ما كان مطلوبا مني نقل حيثيات الحكم بأمانة وتجرد من اجل ضمان المسافة اللازمة عبر تزويد القارئ بالمعطيات حتى يقارنها مع ما تفوه به الجاهل المغفل. ولمن يهمه أمر موقفي الشخصي وتعليقي على الحكم فما عليه إلا الاطلاع أساسا على المذكرة الجوابية على ما ورد في مقال الاستئناف الذي تقدم به الوكيل القضائي للمملكة
2- بالنسبة لتجاوز الشكليات
ورد في "المقال" السالف الذكر ما يلي: "وقد دأب العمل القضائي في كثير من اجتهاداته على تجاوز الشكليات إذا كانت الوقائع ثابتة صيانة لأصول الحق الذي لا يمكن إعدامها لعيوب شكلية".
هذا القول مردود على صاحبه جملة وتفصيلا لسبب بسيط يجد دعامته في مقتضيات القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، وتحديد ما ورد في الفصل 20 منه الذي ينص على أن: "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة".
وبالتالي، هل يسمح لمن يفترض أنه متخصص في القانون الإداري، بصرف النظر عن كون رصيده في هذا الباب قائم على علم مسروق، ادعاء أن "صيانة الحق" تجيز تجاوز الشكليات، والحال أن هذه الشكليات جزء لا يتجزأ من "أصول الحق"؟ فهل تم إرساء قضاء إداري مستقل وقائم بذاته من أجل تكريس مبادئ دولة الحق والقانون أم لإرضاء الحالمين بعودة زمن الرصاص؟ مجرد سؤال.
3- بخصوص وصف القرار الصادر عن غير ذي صفة
ورد في "المقال" السالف الذكر كذلك أن الوصف القانوني لقرار صادر عن غير ذي صفة هو "انعدام توازي الشكليات"، والحال أن صيغة "انعدام توازي الشكليات" تشكل فقط مبدأ عاما مفاده أن إلغاء أو تعديل أي قرار إداري يكون بقرار إداري آخر صادر من ذات السلطة التي أصدرت القرار الأول. أما "الوصف القانوني" فانه يحيل إلى ما ورد في الفصل 20 من القانون 91-40 الذي ينص على أن: كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة (...) يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة. وبالتالي، فالمشرع لم يقل "كل قرار إداري ينعدم فيه توازي الأشكال"، بل قال: "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة".
وفيما يخص إثارة عدم توفري على الاختصاص للحديث عن السرقات العلمية بكلية الحقوق بسطات، فأنا لست سلطة حكومية تتخذ قرارات إدارية حتى أواجه بهذا الدفع. ودوري كمواطن اقتصر على فضح الفساد السائد بالكلية بما فيه توظيف أشخاص حصلوا على شهادة الدكتوراه اعتمادا على السرقة العلمية. وهذا طبعا واجب وطني وأخلاقي يدخل في باب من رأى منكم منكرا...
3- بخصوص قضية "الجمع بين المهام" مرة أخرى
لا أرى حاجة إلى الرجوع إلى مناقشة وسائل الطعن بالإلغاء ذات الصلة، ولا إلى ادعاءات الإدارة وإدلائها ببيانات كاذبة من جهة، ولا إلى حيثيات الحكم من جهة ثانية، نظرا لتطرقي لهذا الجانب بما يكفي سابقا ونظرا لان حكم محكمة الدرجة الأولى قد تم تعليله من وجهة نظري تعليلا كافيا، شافيا أحب من حب وتدمر من تدمر، ومهما كره الكارهون وحقد الحاقدون ونقم الناقمون. ومن لم يعجبه حال فليضرب رأسه مع الحائط. ومرة أخرى معذرة السي الحائط.
4- بخصوص اكتساب صفة تاجر
ورد في "المقال" السالف الذكر كذلك أن "إحداث شركة ذات المسؤولية المحدودة تكسب حتما صاحبها صفة التاجر"، وتم الإدلاء طبعا بهذا الرأي دون تقديم وسائل الإثبات، ومن ثم تم الاكتفاء باجترار الجهل بسبب الاحتكام لفوضى الحاسة الغريزية أو ما يسميه كاستون باشلار "الرأي العام"، فهل الإحالة على شكري السباعي بدون حتى ذكر المرجع كاملا، أي تحديد الطبعة والسنة ورقم الصفحة، الخ، يعوض صياغة الإجابة بشكل علمي مقنع؟
كان من المفروض بخصوص هذا الاستشكال أن يتم الرجوع إلى قانون الشركات وتحديدا القانون 96-5 من جهة، والى مدونة التجارة كنص مؤسس ومؤطر بالدرجة الأولى. وبالنسبة لي ليس هناك في القانون 96-5، ولا حتى في قانون الالتزامات والعقود، ما يكسب الشخص الذي أحدث شركة محدودة المسؤولية (شريك) صفة تاجر. وبالتالي، أن أشرف على تأسيس شركة أو أكون شريكا فيها أو شريكا وحيدا لا يكسبني حتما صفة تاجر. أما بخصوص مدونة التجارة، فقد تطرقت لهذه النقطة في مقالي السابق المنشور بجريدة "تليكسبريس". ومن يدعي عكس ذلك فعليه بتقديم الدليل، وشخصيا لن أتردد في تقديم اعتذاري إذا تبين أنني مخطأ في كلامي.
5- بخصوص الوضعية القانونية لرئيس الحكومة السابق
تحدثت عن رئيس الحكومة السابق من خلال نعته بالمعزول لأنه فعلا قد تم عزله. وكلمة عزل هنا لا تتضمن أي حمولة قدحية على اعتبار أن المشرع استعملها بشكل عادي في قانون الوظيفة العمومية ضمن العقوبات التأديبية المطبقة في حق الموظفين العموميين الخاضعين لقانون الوظيفة العمومية. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة التمييز بين العزل والإعفاء، لان الأول مرتبط بالتعيين في وظيفة عمومية قارة، في حين يرتبط الإعفاء بأداء مهمة بشكل مؤقت. وبالتالي، فالقرار الذي اتخذ في حقي شخصيا كان عبارة عن عزل وليس إعفاء، وتوضيح الواضحات من المفضحات.
بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية وتحديدا الفصل 47 منه، نجد أن المشرع يتحدث فقط عن إمكانية تقديم رئيس الحكومة لاستقالته، علما أن الملك بوصفه رئيس الدولة يتوفر على إمكانيات هائلة يمكن اللجوء إليها لضمان السير العادي للدولة ولمؤسساتها. وبالتالي، فالعزل كعقوبة أو كعقاب يعبر عن إزاحة من كان في وضعية المكلف بتشكيل الحكومة. غير أن هناك فارق ليس بالهين بين الموظف العمومي الخاضع لقانون الوظيفة العمومية والموظف العمومي المكلف بمهمة. ففي الحالة الأولى للموظف المعزول حق اللجوء للمحاكم والتمسك بمطلب احترام الحق وتطبيق القانون من اجل استرجاع حقوقه، بينما لا يحق للمسؤول المعزول في الحالة الثانية إلا المكوث في بيته والاكتفاء باستقبال الكتائب و رثاء "الأندلس" المفقودة. أما صيغة "وضع حد لمهامه"، عوض عزله، التي استعملها "الأستاذ" الكسول فإنها لا تستند على أي أساس قانوني سليم، على اعتبار أنه لم تكن لرئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة وقتئذ أي مهام حكومية.
وفي جميع الأحوال يبقى رئيس الحكومة، على عكس ما يعتقد بعض "الفهاماتورات"، موظفا عموميا، على اعتبار أنه بالرجوع إلى تعريف الموظف العمومي الوارد في الفصل 224 من القانون الجنائي نجد أنه " يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته ، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها " .
وبالتالي، فرئيس الحكومة، بصرف النظر عن عدم خضوعه للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، يعتبر موظفا عموميا بحكم تبعيته لأجهزة الدولة وبحكم طبيعة المهام الموكولة إليه. لذا على النقالة القطع مع الكوفشة والتفكير جديا في إعادة التكوين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لقد أثبتت بالحجة والدليل استيلاء عضو النادي المعلوم أساسا على بحوث الأستاذ عصام بنجلون (أصول وإجراءات التنفيذ القضائي ضد الإدارة، "التنفيذ الجبري ضد الإدارة"، من جهة و بحوث الأستاذ محمد قصري ("الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها" و"تنفيذ الأحكام الإدارية – الغرامة التهديدية- الحجز". وما تبث يوما أنني لم أثبت ما زعمته أو لم أنفذ ما وعدت به.
لكن عضو النادي المعلوم المتورط في عدة فضائح أكاديمية لم يدلي بما يثبت أن بحثه طاله المحو والتدليس عن طريق "الفوطوشوب"، الخ. وبالتالي كان من المطلوب أن يمتلك هذا "النقال" المحترف الشجاعة ويفسر للرأي العام تبرير لجوءه إلى القرصنة العلمية وعدم ذكره للمراجع المسروقة، وكذا مبرر التعليق بشكل وقح على حكم قضائي بدون الإطلاع عليه، وملابسات حصوله على شهادة الأهلية اعتمادا على بحث مسروق ومقالات "صوحافية" عديمة القيمة الأكاديمية ومن المفروض أن لا يتم احتسابها كمقالات علمية على مستوى معايير الترقية. ثم من هي دار التوزيع التي أنيطت بها مهمة توزيع مطبوعه السالف الذكر في كل أرجاء المملكة، وما هو سر التأخر في إصدار المؤلفات التي وعد بنشرها منذ أربع سنوات الخ.
أما "شكون أنا"، فعلى أي حال، وأعوذ بالله من قولة أنا، أنا لا أهادن المسؤولين الفاسدين وان اقتضى الحال أن أجرهم إلى المحاكم فلن أتردد، لأن اللجوء للقضاء سلوك حضاري ومن حق أي مواطن أحس أنه ظلم أن يلتجأ إليه. ولا أبيع للطلبة مطبوعات عبارة عن خردة تتضمن ما يشبه خواطر تم تجميعها ووضع غلاف لها وإعطائها عنوانا لا يعكس قيمتها، وبالمقابل لا أسعى لا إلى تدجين الطلبة ولا إلى تضبيعهم اعتمادا على الشعبوية والارشاء وتكريس عبادة الأصنام، فكما هناك حقوق ترتبط بالمواطنة (الطلابية) هناك واجبات. وبالتالي فمن يوجد في الوضعيات السالفة ذكرها هو من عليه أن يبدد الشكوك والضباب والتشاش، اللهم إلا إذا كان يتوهم أن الإفلات من الملاحقة الرمزية يمر عبر التهريب والتسويف والتعتيم والهروب إلى الأمام من أجل محاولة التستر على الفضائح. وللحديث بقية....