ناظورسيتي: محمد زاهد
تعد انتفاضة 19 يناير 1984 واحدة من أهم الانتفاضات التي طبعت الزمن الاحتجاجي بالمغرب وكانت عنوانا للسخط الشعبي والجماهيري خلال هذه الفترة. في هذا السياق، نخصص هذا الملف لإعادة رسم سيناريو الحدث واللاحدث فيما حدث من خلال شهادات ووقائع وكذا إعادة استحضار ذاكرة الجراح في زمن ينبغي أن يكون حقا زمن تضميد الجراح. جراح يناير الخالدة.
تعد انتفاضة 19 يناير 1984 واحدة من أهم الانتفاضات التي طبعت الزمن الاحتجاجي بالمغرب وكانت عنوانا للسخط الشعبي والجماهيري خلال هذه الفترة. في هذا السياق، نخصص هذا الملف لإعادة رسم سيناريو الحدث واللاحدث فيما حدث من خلال شهادات ووقائع وكذا إعادة استحضار ذاكرة الجراح في زمن ينبغي أن يكون حقا زمن تضميد الجراح. جراح يناير الخالدة.
السّـياق
ما هو طبيعة السياق العام الذي جاءت في إطاره أحداث يناير 1984؟ وما طبيعة الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ميزت هذه المرحلة؟ وكيف ترجمت المؤشرات القائمة آنذاك الأحداث الجماعية التي عرفها المغرب طيلة العقود الماضية؟
إن الحديث عن الوضعية العامة التي حكمت صيرورة انتفاضة 1984، يقودنا إلى الحديث عن مظاهر الوضعية السياسية التي تميزت بالاحتقان والصراع والقمع والاعتقالات السياسية ومصادرة الحريات الأساسية للمواطن والتي كانت من ابرز العوامل التي ساهمت في قيام هذه الاضطرابات والأحداث الجماعية على غرار ما وقع مثلا بالدار البيضاء(1965 و 1981) والشمال (1984)... ذلك أن هذه الوضعية السائدة إبان "سنوات الرصاص" وصلت حدا لا يطاق وهو ما كان باعثا على السخط الشعبي والجماهيري والانفجار الذي تضافرت عوامله المتعددة بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي طبعت مجمل هذه الفترة.
أما الوضعية الثقافية، فقد كانت بدورها من الدوافع الأساسية الكامنة وراء اندلاع هذه الانتفاضات الجماعية، ومنها بالخصوص انتفاضة يناير 1984. فمثلا يمكن الإشارة إلى وجود عدة مؤشرات شكلت أرضية خصبة لتنامي عدة عناصر وعوامل الاحتجاج والغضب الشعبي والسخط على الحالة العامة السائدة في ظل ما طبع هذه المرحلة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
فمن جهة، كان هناك وعي مجتمعي من خلال الدور الذي لعبته الطبقة المثقفة والأساتذة والتلاميذ والطلبة على مستوى تأطير الجماهير ومساهمتها في دينامية نضال المجتمع المغربي. ومن جهة ثانية تراكمت عدة معطيات سلبية جعلت من الوضعية الثقافية وضعية مأساوية لاسيما ما يتعلق بمؤشرات المستوى الدراسي والتربوي ونسبة الأمية...
وإذا كانت الشروط السياسية والثقافية التي حكمت سياق انتفاضة 1984 قد ساهمت بشكل أساسي في بلورة الرفض الشعبي للوضعية الحادة التي عرفها المغرب خلال هذه السنوات، فان دور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية كان حاسما في اندلاع انتفاضة"الجوع"و"الكرامة".
وتتجلى معالم هذه الوضعية المزرية في طبيعة السياسية التي نهجها المغرب مع بداية الثمانينيات من خلال تطبيق بنود مخطط "التقويم الهيكلي" الذي كان محكوما باملاءات المؤسسات المالية العالمية(صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية وكارثية ووخيمة على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما أمام التحولات التي شهدها المجتمع المغربي في هذه المرحلة على مستوى بنيته وتركيبته ونمط العيش، في مقابل تدني الأجور وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر...
أما بالنسبة لحالة انتفاضة 1984 بالناظور، فتذهب أغلب الآراء إلى التأكيد على أن الجانب الاقتصادي والاجتماعي كان فيها حاسما من خلال ما ميز هذه الوضعية والتي ازدادت حدتها مع إغلاق الحدود مع مدينة مليلية والتي كانت تشكل موردا أساسيا للعديد من العائلات و الأسر في إطار ما يسمى بالاقتصاد المعيشي القائم على تهريب بعض المواد.
في هذا السياق، يورد مسؤول سابق بعمالة الناظور كيف أن إقفال حدود باب مليلية كان هو السبب المباشر والنقطة التي أفاضت الكأس وساهمت في اندلاع الانتفاضة، ويذكر في نفس السياق هذا المسؤول السابق قصة اجتماع انعقد بمقر العمالة جمع العديد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين في خضم أحداث 19 يناير والاضطرابات التي عمت الناظور آنذاك، وهو الاجتماع الذي كان مخصصا لتدارس الوضعية الناجمة عن قيام هذه الاحتجاجات و الاضطرابات وسبل تجاوزها،كيف أن مسؤولا من الحاضرين تدخل وأكد أن جوهر المشكل يرتبط بإغلاق الحدود مع مليلية، وانه بمجرد فتح هذه الحدود في وجه المغاربة سيحل المشكل وهو ما تم بالفعل وحصل أيام قليلة فقط بعد هذه الأحداث.
وإذا كان السبب المباشر وراء قيام انتفاضة "الكرامة" سنة 1984 هو إغلاق الحدود مع مدينة مليلية وما ترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على الساكنة التي كانت تعيش على عائدات التهريب المعاشي وبعض الخدمات، فكيف يمكن تفسير اندلاع نفس الأحداث بمناطق ومدن أخرى(الحسيمة وبركان وتطوان...) دون أن تكون تتوفر على نقط حدودية يؤدي إغلاقها إلى اندلاع أحداث جماعية تعبر عن السخط والغضب الشعبي؟
إن الأمر هنا يحيل على تضافر عناصر وعوامل متعددة كانت الباعث الحقيقي على هذه الانتفاضة والتي وشمت الزمن الاحتجاجي في المغرب خلال مرحلة الثمانينات.
ما هو طبيعة السياق العام الذي جاءت في إطاره أحداث يناير 1984؟ وما طبيعة الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ميزت هذه المرحلة؟ وكيف ترجمت المؤشرات القائمة آنذاك الأحداث الجماعية التي عرفها المغرب طيلة العقود الماضية؟
إن الحديث عن الوضعية العامة التي حكمت صيرورة انتفاضة 1984، يقودنا إلى الحديث عن مظاهر الوضعية السياسية التي تميزت بالاحتقان والصراع والقمع والاعتقالات السياسية ومصادرة الحريات الأساسية للمواطن والتي كانت من ابرز العوامل التي ساهمت في قيام هذه الاضطرابات والأحداث الجماعية على غرار ما وقع مثلا بالدار البيضاء(1965 و 1981) والشمال (1984)... ذلك أن هذه الوضعية السائدة إبان "سنوات الرصاص" وصلت حدا لا يطاق وهو ما كان باعثا على السخط الشعبي والجماهيري والانفجار الذي تضافرت عوامله المتعددة بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي طبعت مجمل هذه الفترة.
أما الوضعية الثقافية، فقد كانت بدورها من الدوافع الأساسية الكامنة وراء اندلاع هذه الانتفاضات الجماعية، ومنها بالخصوص انتفاضة يناير 1984. فمثلا يمكن الإشارة إلى وجود عدة مؤشرات شكلت أرضية خصبة لتنامي عدة عناصر وعوامل الاحتجاج والغضب الشعبي والسخط على الحالة العامة السائدة في ظل ما طبع هذه المرحلة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
فمن جهة، كان هناك وعي مجتمعي من خلال الدور الذي لعبته الطبقة المثقفة والأساتذة والتلاميذ والطلبة على مستوى تأطير الجماهير ومساهمتها في دينامية نضال المجتمع المغربي. ومن جهة ثانية تراكمت عدة معطيات سلبية جعلت من الوضعية الثقافية وضعية مأساوية لاسيما ما يتعلق بمؤشرات المستوى الدراسي والتربوي ونسبة الأمية...
وإذا كانت الشروط السياسية والثقافية التي حكمت سياق انتفاضة 1984 قد ساهمت بشكل أساسي في بلورة الرفض الشعبي للوضعية الحادة التي عرفها المغرب خلال هذه السنوات، فان دور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية كان حاسما في اندلاع انتفاضة"الجوع"و"الكرامة".
وتتجلى معالم هذه الوضعية المزرية في طبيعة السياسية التي نهجها المغرب مع بداية الثمانينيات من خلال تطبيق بنود مخطط "التقويم الهيكلي" الذي كان محكوما باملاءات المؤسسات المالية العالمية(صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية وكارثية ووخيمة على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما أمام التحولات التي شهدها المجتمع المغربي في هذه المرحلة على مستوى بنيته وتركيبته ونمط العيش، في مقابل تدني الأجور وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر...
أما بالنسبة لحالة انتفاضة 1984 بالناظور، فتذهب أغلب الآراء إلى التأكيد على أن الجانب الاقتصادي والاجتماعي كان فيها حاسما من خلال ما ميز هذه الوضعية والتي ازدادت حدتها مع إغلاق الحدود مع مدينة مليلية والتي كانت تشكل موردا أساسيا للعديد من العائلات و الأسر في إطار ما يسمى بالاقتصاد المعيشي القائم على تهريب بعض المواد.
في هذا السياق، يورد مسؤول سابق بعمالة الناظور كيف أن إقفال حدود باب مليلية كان هو السبب المباشر والنقطة التي أفاضت الكأس وساهمت في اندلاع الانتفاضة، ويذكر في نفس السياق هذا المسؤول السابق قصة اجتماع انعقد بمقر العمالة جمع العديد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين في خضم أحداث 19 يناير والاضطرابات التي عمت الناظور آنذاك، وهو الاجتماع الذي كان مخصصا لتدارس الوضعية الناجمة عن قيام هذه الاحتجاجات و الاضطرابات وسبل تجاوزها،كيف أن مسؤولا من الحاضرين تدخل وأكد أن جوهر المشكل يرتبط بإغلاق الحدود مع مليلية، وانه بمجرد فتح هذه الحدود في وجه المغاربة سيحل المشكل وهو ما تم بالفعل وحصل أيام قليلة فقط بعد هذه الأحداث.
وإذا كان السبب المباشر وراء قيام انتفاضة "الكرامة" سنة 1984 هو إغلاق الحدود مع مدينة مليلية وما ترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على الساكنة التي كانت تعيش على عائدات التهريب المعاشي وبعض الخدمات، فكيف يمكن تفسير اندلاع نفس الأحداث بمناطق ومدن أخرى(الحسيمة وبركان وتطوان...) دون أن تكون تتوفر على نقط حدودية يؤدي إغلاقها إلى اندلاع أحداث جماعية تعبر عن السخط والغضب الشعبي؟
إن الأمر هنا يحيل على تضافر عناصر وعوامل متعددة كانت الباعث الحقيقي على هذه الانتفاضة والتي وشمت الزمن الاحتجاجي في المغرب خلال مرحلة الثمانينات.
الحــدث
في خضم هذه الظرفية التي اتسمت بما سبق ذكره، انطلقت المظاهرات على صعيد المؤسسات التعليمية والتي قادها التلاميذ الذين كانوا مؤطرين ضمن الوداديات والخلايا على مستوى الثانويات والاعداديات.
من جهة ثانية، تزايدت حدة الغضب الشعبي والجماهيري بعد خروج هذه المظاهرات إلى الشارع والتحاق عموم المواطنين بها للتعبير عن تذمرهم ورفضهم لما آلت إليه الأوضاع العامة، وهو الأمر الذي اضطرت معه الدولة إلى التدخل بوحشية لسحق هذه الأشكال والاحتجاجات.
ويشكل يوم 19 يناير 1984 الحدث البارز في مسلسل هذه الأحداث التي اندلعت أساسا على صعيد مدن الشمال الشرقي(الناظور، بركان، الحسيمة، تطوان...). ولعل أهم ما ميز هذا اليوم قوة التدخل الوحشي في حق المواطنين من طرف مختلف الأجهزة العسكرية، حيث جسد 19 يناير 1984 صورة مأساة إنسانية بامتياز لما طبعها من قتل واعتقال واختطاف ومظاهر الوحشية التي خلفت مقابر جماعية وجعلت من هذا اليوم، بل الأيام، أشبه ما تكون بما تعيشه هذه الأيام بعض الدول المجاورة: جيش، دبابات، رصاص يلعلع، قتلى وشهداء ،حالة استثناء كانت تسود ووضع طارئ...
في هذا الإطار، يندرج السؤال المتعلق بالخلفيات التي حكمت هذا التدخل والقمع المفرط من طرف الدولة في حق مواطنين أبرياء جهروا بصوت الحق وخرجوا للشوارع للاحتجاج بشكل حضاري ضد الوضعية القائمة والتي تميزت كما هو معلوم بمظاهر الأزمة والاختناق على جميع المستويات.
لقد كان من شان كل ما سبق ذكره أن عزز من جروح مغرب تلك المرحلة ومن مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمرتكبة من طرف الدولة وأجهزتها خلال السنوات والعقود الماضية.
من هنا،كان من المفروض أن تظل التساؤلات التالي مطروحة: ما هي طبيعة المنطلقات والخلفيات التي كانت وراء حجم ونوع الممارسات التي أقدمت عليها الدولة في أعقاب هذه الأحداث والانتفاضات التي ستظل عالقة بأذهان أبناء الريف عموما؟! وما هي أيضا طبيعة التقارير التي كانت ترفع للجهات العليا آنذاك وكذا الجهات التي تولت صياغتها وتضمينها ما تضمنته من معطيات ومعلومات و"مزاعم" قيل بان احد أبناء المنطقة هو من كان وراءها؟ وأين تتجلى مستويات مسؤولية كل طرف على حدة في ما حدث من تأجيج للحقد والقمع الذي لم يحز في نفوس الريفيون كثيرا بقدر ما حزت فيهم تلك المقولة الشهيرة التي أطلقها الملك الراحل في خطاب رسمي شبه فيه أهل الشمال ب"الأوباش"، وتلك قصة أخرى؟!!.
في خضم هذه الظرفية التي اتسمت بما سبق ذكره، انطلقت المظاهرات على صعيد المؤسسات التعليمية والتي قادها التلاميذ الذين كانوا مؤطرين ضمن الوداديات والخلايا على مستوى الثانويات والاعداديات.
من جهة ثانية، تزايدت حدة الغضب الشعبي والجماهيري بعد خروج هذه المظاهرات إلى الشارع والتحاق عموم المواطنين بها للتعبير عن تذمرهم ورفضهم لما آلت إليه الأوضاع العامة، وهو الأمر الذي اضطرت معه الدولة إلى التدخل بوحشية لسحق هذه الأشكال والاحتجاجات.
ويشكل يوم 19 يناير 1984 الحدث البارز في مسلسل هذه الأحداث التي اندلعت أساسا على صعيد مدن الشمال الشرقي(الناظور، بركان، الحسيمة، تطوان...). ولعل أهم ما ميز هذا اليوم قوة التدخل الوحشي في حق المواطنين من طرف مختلف الأجهزة العسكرية، حيث جسد 19 يناير 1984 صورة مأساة إنسانية بامتياز لما طبعها من قتل واعتقال واختطاف ومظاهر الوحشية التي خلفت مقابر جماعية وجعلت من هذا اليوم، بل الأيام، أشبه ما تكون بما تعيشه هذه الأيام بعض الدول المجاورة: جيش، دبابات، رصاص يلعلع، قتلى وشهداء ،حالة استثناء كانت تسود ووضع طارئ...
في هذا الإطار، يندرج السؤال المتعلق بالخلفيات التي حكمت هذا التدخل والقمع المفرط من طرف الدولة في حق مواطنين أبرياء جهروا بصوت الحق وخرجوا للشوارع للاحتجاج بشكل حضاري ضد الوضعية القائمة والتي تميزت كما هو معلوم بمظاهر الأزمة والاختناق على جميع المستويات.
لقد كان من شان كل ما سبق ذكره أن عزز من جروح مغرب تلك المرحلة ومن مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمرتكبة من طرف الدولة وأجهزتها خلال السنوات والعقود الماضية.
من هنا،كان من المفروض أن تظل التساؤلات التالي مطروحة: ما هي طبيعة المنطلقات والخلفيات التي كانت وراء حجم ونوع الممارسات التي أقدمت عليها الدولة في أعقاب هذه الأحداث والانتفاضات التي ستظل عالقة بأذهان أبناء الريف عموما؟! وما هي أيضا طبيعة التقارير التي كانت ترفع للجهات العليا آنذاك وكذا الجهات التي تولت صياغتها وتضمينها ما تضمنته من معطيات ومعلومات و"مزاعم" قيل بان احد أبناء المنطقة هو من كان وراءها؟ وأين تتجلى مستويات مسؤولية كل طرف على حدة في ما حدث من تأجيج للحقد والقمع الذي لم يحز في نفوس الريفيون كثيرا بقدر ما حزت فيهم تلك المقولة الشهيرة التي أطلقها الملك الراحل في خطاب رسمي شبه فيه أهل الشمال ب"الأوباش"، وتلك قصة أخرى؟!!.
مثل يوم لـن يتكرر
كان (ب. أ)، البالغ من العمر يوم اندلاع هذه الأحداث، كما ذكر لنا ذلك،17 سنة وستة أشهر ويومين. وقد يكون ذلك علامة بارزة عن قوة ذاكرته على مستوى تأريخه لهذا اليوم المشؤوم، يتابع دراسته بإعدادية المسيرة بالناظور، مستوى الثالثة إعدادي. وكان معروفا بتفوقه الدراسي ومستواه الجيد وشغفه بالاجتهاد وطموحه نحو مزيد من التحصيل العلمي. قبل أن تأتي رصاصة "طائشة" غيرت مجرى حياته بصفة مطلقة.
مثل يوم لن يتكرر، كانت بدايته، كما يروي بوزيان، إضراب عام خاص بالتلاميذ ساد مختلف المؤسسات التعليمية بالناظور مساء يوم الأربعاء 18 يناير 1984. هذه الحالة ستكون مقدمة ما حدث يوم الخميس 19 يناير بعد استمرار حالة هذا الإضراب العام وخروج التلاميذ في مظاهرات صاخبة إلى شوارع المدينة قبل أن تلتحق بصفوفها جموع من المواطنون وتتوسع بذلك دائرة هذه الأحداث والاحتجاجات الشعبية التي عمت الناظور في تلك الأثناء.
ولأن ذلك، كما يتذكر بوزيان، قد تزامن مع انعقاد القمة الإسلامية بالدار البيضاء التي استوجبت نقل العديد من عناصر الأمن من الناظور إلى الدار البيضاء التي كانت تحتضن القمة، كما هو متعارف عن ذلك،فقد فرض تطور الأحداث آنذاك استقدام عدد كبير من عناصر مختلف الأجهزة خاصة العناصر المتواجدة بثكنة تاويما وكذا القوات التي تم استقدامها من كرسيف والتي تزايد عددها بشكل كبير في تلك اللحظات.
بمجرد وصول أولى قوافل هذه التعزيزات الأمنية،يحكي السيد أوحلي بوزيان، بدأ استعمال وإطلاق الرصاص بدون تمييز وبشكل لا رجعة فيه "ولأجل القتل وليس قمع المتظاهرين فقط" !!! في هذه الأثناء بالضبط تحول الأمر إلى مأساة إنسانية حقيقية من خلال حجم وقوة التدخل القمعي الذي تعرض له كل من قادته الظروف في تلك اللحظات إلى أن يسقط بين أيدي من اشرف على سحق هذا الغليان والسخط الشعبي.
في هذا السياق تحديدا يتذكر بوزيان، حالة شخص يدعى(خ) صادفه أحد عناصر التدخل السريع في الشارع العام وطلب الأخير من الأول سيجارة والتي لم يكن يملكها،فما كان على "العسكري" إلا أن يطلب من (خ) الذهاب لحال سبيله قبل أن يطلب منه العودة، فالسير ثانية والعودة من جديد، ولثلاث مرات، قبل أن يطلق عليه الرصاص بكل برودة دم.
هذه حالة من مجموع الحالات العديدة، يقول بوزيان، التي عاينها وهو في غمرة وخضم التطور السريع لأحداث انتفاضة "الجوع والكرامة" والتي زاد من حدتها توالي مسلسل "إطلاق الرصاص بشكل عشوائي"، الذي راح ضحيته عدد كبير من الناس، مثلما هو حال حالة أخرى يتذكرها بوزيان الذي أكد أن شخصا "كان عمره يناهز 57 سنة ويشتغل كعامل، تزامن إطلاق الرصاص بهذه الطريقة العشوائية مع أولى الركعات التي كان يؤديها هذا الشخص وقت صلاة العصر، قبل أن تخترق رصاصة نافذة بيته وتصيبه في الكتف ويقتحم منزله ليأخذ بالقوة ويتهم بالمشاركة في الأحداث واعتقاله في "حالة تلبس بالشارع العام"!.
إن تتبع خيوط هذه القصة، يوحي وكان ما يحكيه السيد واحد من ضحايا هذه الأحداث هو من وحي الخيال ونسج الحكايات القديمة وليس من وحي ما حدث يوم 19 يناير 1984. فتوالي الوقائع بالشكل الذي يرويه يؤكد طبيعة ما ميز التدخل الأمني والعسكري من قوة ووحشية. وهو ما تؤكده هذه الشهادة التي يقول صاحبها، وهو بوزيان نفسه، الذي كان واحدا ممن اكتوى بنار هذه الانتفاضة :"في هذه الأثناء سادت حالة حصار:الجيش، القوات المساعدة، الشرطة، قوات التدخل السريع(السيمي)...وبعد موت عدد كبير من الناس، تم نقلهم إلى المستشفى الحسني بالناظور. بعد ذلك نقل الفوج الأول من هؤلاء لدفنهم، في غالب الظن، بمقبرة جماعية بثكنة يتاويما. أما الفوج الثاني فقد جاؤوا ليلا وتم نقلهم في ظلام دامس عبر شاحنة إلى ثكنة الوقاية المدنية حيث دفنوا". ويضيف بوزيان في شهادته: أما الجرحى، فقد كان هناك صنفان. الصنف الأول والذي كنت انتمي إليه أنا، هو متكون من أصحاب الإصابات البليغة. أما الصنف الثاني، فكان يتكون من أصحاب الإصابات الخفيفة والذين قضى اغلبهم مدة شهر و10 أيام قبل أن يحالوا على السجن المدني أو يطلق سراحهم. أما نحن فقد بقينا بالمستشفى لمدة شهرين و9 أيام وكنا 37 فردا تحت حصار مشدد من طرف مختلف الأجهزة المذكورة، علاوة على شرطي واحد بزي مدني كان دائم التواجد معنا دون أن نعرف مهمته، مع الحرمان من الأكل والدواء إلا ما كان يقدم لنا ضمن بعض الوجبات".
انتهاء فترة العلاج بالمستشفى لا تعني الحرية أو إطلاق سراح هؤلاء، وإنما هي بداية العد العكسي لمرحلة أخرى ستكون بالتأكيد محكومة بكل أنواع التعذيب النفسي والمعنوي والمادي والتهم الجاهزة. يقول بوزيان:"بعد هذه المدة التي قضيناها بالمستشفى الحسني، تم نقلنا في بداية الأمر إلى كوميسارية الناظور قبل أن يتم لحالتنا على الشرطة القضائية حيث وجدنا محاضر جاهزة في انتظارنا.ورغم أن كل واحد منا كان قد اعتقل في أماكن متفرقة ومختلفة، فقد كان صك التهام واحد: الهجوم على ممتلكات الدولة وممتلكات الغير، إضرام النار في ممتلكات الدولة والغير، الهجوم المسلح وحيازة أسلحة نارية...، قبل أن تصدر المحكمة في حقنا أحكام مجحفة وقاسية نلت منها أنا سنة سجنا دون احتساب المدة التي قضيناها في المستشفى، وهناك من نال 5 سنوات سجنا رغم أن الملف واحد والأحكام كانت متفاوتة".
من هنا انطلقت رحلة العذاب والمعاناة الحقيقية داخل السجن المحلي بالناظور، والذي" وجدنا حراسه في انتظارنا بعدما تلقوا تعليمات تفيد أننا من العناصر الخطيرة التي شكلت مجموعات مسلحة،قبل أن يكتشف هؤلاء الحراس حقيقة الأمر بعدما خدعوا في ما قيل في حقنا وتشكلت لديهم صورة خاطئة عنا".
ومن أبرز مظاهر المعاناة التي عاشها بوزيان ومن معه، "وضعنا بجانب من كان قد حوكم بتهم السرقة والإجرام...في وقت كنا فيه نحن تلاميذ لا نتجاوز سن المراهقة وهو ما كان له الوقع السيئ والأثر السلبي على ما تبقى من حياتنا وأصبحنا مدمنون على المخدرات وحدثت تحولات على شخصيتنا لازال أثرها قائما إلى حد الساعة".
كان (ب. أ)، البالغ من العمر يوم اندلاع هذه الأحداث، كما ذكر لنا ذلك،17 سنة وستة أشهر ويومين. وقد يكون ذلك علامة بارزة عن قوة ذاكرته على مستوى تأريخه لهذا اليوم المشؤوم، يتابع دراسته بإعدادية المسيرة بالناظور، مستوى الثالثة إعدادي. وكان معروفا بتفوقه الدراسي ومستواه الجيد وشغفه بالاجتهاد وطموحه نحو مزيد من التحصيل العلمي. قبل أن تأتي رصاصة "طائشة" غيرت مجرى حياته بصفة مطلقة.
مثل يوم لن يتكرر، كانت بدايته، كما يروي بوزيان، إضراب عام خاص بالتلاميذ ساد مختلف المؤسسات التعليمية بالناظور مساء يوم الأربعاء 18 يناير 1984. هذه الحالة ستكون مقدمة ما حدث يوم الخميس 19 يناير بعد استمرار حالة هذا الإضراب العام وخروج التلاميذ في مظاهرات صاخبة إلى شوارع المدينة قبل أن تلتحق بصفوفها جموع من المواطنون وتتوسع بذلك دائرة هذه الأحداث والاحتجاجات الشعبية التي عمت الناظور في تلك الأثناء.
ولأن ذلك، كما يتذكر بوزيان، قد تزامن مع انعقاد القمة الإسلامية بالدار البيضاء التي استوجبت نقل العديد من عناصر الأمن من الناظور إلى الدار البيضاء التي كانت تحتضن القمة، كما هو متعارف عن ذلك،فقد فرض تطور الأحداث آنذاك استقدام عدد كبير من عناصر مختلف الأجهزة خاصة العناصر المتواجدة بثكنة تاويما وكذا القوات التي تم استقدامها من كرسيف والتي تزايد عددها بشكل كبير في تلك اللحظات.
بمجرد وصول أولى قوافل هذه التعزيزات الأمنية،يحكي السيد أوحلي بوزيان، بدأ استعمال وإطلاق الرصاص بدون تمييز وبشكل لا رجعة فيه "ولأجل القتل وليس قمع المتظاهرين فقط" !!! في هذه الأثناء بالضبط تحول الأمر إلى مأساة إنسانية حقيقية من خلال حجم وقوة التدخل القمعي الذي تعرض له كل من قادته الظروف في تلك اللحظات إلى أن يسقط بين أيدي من اشرف على سحق هذا الغليان والسخط الشعبي.
في هذا السياق تحديدا يتذكر بوزيان، حالة شخص يدعى(خ) صادفه أحد عناصر التدخل السريع في الشارع العام وطلب الأخير من الأول سيجارة والتي لم يكن يملكها،فما كان على "العسكري" إلا أن يطلب من (خ) الذهاب لحال سبيله قبل أن يطلب منه العودة، فالسير ثانية والعودة من جديد، ولثلاث مرات، قبل أن يطلق عليه الرصاص بكل برودة دم.
هذه حالة من مجموع الحالات العديدة، يقول بوزيان، التي عاينها وهو في غمرة وخضم التطور السريع لأحداث انتفاضة "الجوع والكرامة" والتي زاد من حدتها توالي مسلسل "إطلاق الرصاص بشكل عشوائي"، الذي راح ضحيته عدد كبير من الناس، مثلما هو حال حالة أخرى يتذكرها بوزيان الذي أكد أن شخصا "كان عمره يناهز 57 سنة ويشتغل كعامل، تزامن إطلاق الرصاص بهذه الطريقة العشوائية مع أولى الركعات التي كان يؤديها هذا الشخص وقت صلاة العصر، قبل أن تخترق رصاصة نافذة بيته وتصيبه في الكتف ويقتحم منزله ليأخذ بالقوة ويتهم بالمشاركة في الأحداث واعتقاله في "حالة تلبس بالشارع العام"!.
إن تتبع خيوط هذه القصة، يوحي وكان ما يحكيه السيد واحد من ضحايا هذه الأحداث هو من وحي الخيال ونسج الحكايات القديمة وليس من وحي ما حدث يوم 19 يناير 1984. فتوالي الوقائع بالشكل الذي يرويه يؤكد طبيعة ما ميز التدخل الأمني والعسكري من قوة ووحشية. وهو ما تؤكده هذه الشهادة التي يقول صاحبها، وهو بوزيان نفسه، الذي كان واحدا ممن اكتوى بنار هذه الانتفاضة :"في هذه الأثناء سادت حالة حصار:الجيش، القوات المساعدة، الشرطة، قوات التدخل السريع(السيمي)...وبعد موت عدد كبير من الناس، تم نقلهم إلى المستشفى الحسني بالناظور. بعد ذلك نقل الفوج الأول من هؤلاء لدفنهم، في غالب الظن، بمقبرة جماعية بثكنة يتاويما. أما الفوج الثاني فقد جاؤوا ليلا وتم نقلهم في ظلام دامس عبر شاحنة إلى ثكنة الوقاية المدنية حيث دفنوا". ويضيف بوزيان في شهادته: أما الجرحى، فقد كان هناك صنفان. الصنف الأول والذي كنت انتمي إليه أنا، هو متكون من أصحاب الإصابات البليغة. أما الصنف الثاني، فكان يتكون من أصحاب الإصابات الخفيفة والذين قضى اغلبهم مدة شهر و10 أيام قبل أن يحالوا على السجن المدني أو يطلق سراحهم. أما نحن فقد بقينا بالمستشفى لمدة شهرين و9 أيام وكنا 37 فردا تحت حصار مشدد من طرف مختلف الأجهزة المذكورة، علاوة على شرطي واحد بزي مدني كان دائم التواجد معنا دون أن نعرف مهمته، مع الحرمان من الأكل والدواء إلا ما كان يقدم لنا ضمن بعض الوجبات".
انتهاء فترة العلاج بالمستشفى لا تعني الحرية أو إطلاق سراح هؤلاء، وإنما هي بداية العد العكسي لمرحلة أخرى ستكون بالتأكيد محكومة بكل أنواع التعذيب النفسي والمعنوي والمادي والتهم الجاهزة. يقول بوزيان:"بعد هذه المدة التي قضيناها بالمستشفى الحسني، تم نقلنا في بداية الأمر إلى كوميسارية الناظور قبل أن يتم لحالتنا على الشرطة القضائية حيث وجدنا محاضر جاهزة في انتظارنا.ورغم أن كل واحد منا كان قد اعتقل في أماكن متفرقة ومختلفة، فقد كان صك التهام واحد: الهجوم على ممتلكات الدولة وممتلكات الغير، إضرام النار في ممتلكات الدولة والغير، الهجوم المسلح وحيازة أسلحة نارية...، قبل أن تصدر المحكمة في حقنا أحكام مجحفة وقاسية نلت منها أنا سنة سجنا دون احتساب المدة التي قضيناها في المستشفى، وهناك من نال 5 سنوات سجنا رغم أن الملف واحد والأحكام كانت متفاوتة".
من هنا انطلقت رحلة العذاب والمعاناة الحقيقية داخل السجن المحلي بالناظور، والذي" وجدنا حراسه في انتظارنا بعدما تلقوا تعليمات تفيد أننا من العناصر الخطيرة التي شكلت مجموعات مسلحة،قبل أن يكتشف هؤلاء الحراس حقيقة الأمر بعدما خدعوا في ما قيل في حقنا وتشكلت لديهم صورة خاطئة عنا".
ومن أبرز مظاهر المعاناة التي عاشها بوزيان ومن معه، "وضعنا بجانب من كان قد حوكم بتهم السرقة والإجرام...في وقت كنا فيه نحن تلاميذ لا نتجاوز سن المراهقة وهو ما كان له الوقع السيئ والأثر السلبي على ما تبقى من حياتنا وأصبحنا مدمنون على المخدرات وحدثت تحولات على شخصيتنا لازال أثرها قائما إلى حد الساعة".