جمال العلاوي*
يقاتل معطلي الريف المنضوين تحت لواء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب بشكل يومي من أجل انتزاع حقهم المشروع في الشغل القار والتنظيم ، لدرجة أصبحت تحركاتهم تحظى بالاهتمام والمتابعة الأكبر من لدن جماهير واسعة خاصة وأن احتجاجاتهم لم تعد تتوقف عند حد تنظيم وقفات روتينية أو مسيرات في الشوارع العمومية بل انتقلت إلى مستوى أشبه بالعصيان المدني ( اقتحام مؤسسات عمومية ، شل حركة السير ، البحث عن الدعم خارج الحدود ، الرد على القمع بالصمود والدفاع عن النفس ....)، وهو الأمر الذي قد يدفع الجميع إلى طرح عدد من الأسئلة حول مسببات واقع البطالة المنتشرة بشكل غير مسبوق في صفوف الشباب ( خاصة الحاملين للشواهد ) وأسباب خروجهم للاحتجاج ومبررات هذا التصعيد من جانبهم والحلول التي قد تساهم في إيقاف احتجاجاتهم... وهي الأسئلة التي سأحاول أن أجيب عنها ضمن هذا المقال بشكل مركز ومختصر تنويرا للرأي العام ولمتتبعي احتجاجات المعطلين على وجه التحديد ، والإجابة عن هذه الأسئلة ستكون من منطلق انتمائي إلى حشود المعطلين وتجربة ثلاث سنوات من الانخراط في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وتحمل المسؤولية داخل هياكلها المحلية والإقليمية والوطنية.
ولعل أول ما سأستهل به مقالي هذا هو التأكيد على أن البطالة ليست قدرا محتوما أو واقعا منزلا من السماء بقدر ما هي معطى اجتماعي ناتج عن سياسات اقتصادية محددة ، بمعنى آخر هي إفراز موضوعي لنمط الإنتاج الرأسمالي التبعي السائد بالمغرب ، وللسياسة الطبقية التي اعتمدتها الدولة في ميدان التشغيل بدءا بمخطط التقويم الهيكلي الذي انطلقت عملية اجرأته في بداية الثمانينات من القرن الماضي مرورا بسياسة الخوصصة التي استهدفت عدد من القطاعات العمومية وصولا إلى إلغاء التوظيف المباشر وفرض اجتياز المباريات كشرط لولوج الوظيفة العمومية رغم أن الحصول على شهادة عليا أو دبلوم مهني كان يعد بمثابة امتحان نهائي لولوج عالم الشغل .
وفي الريف هناك عامل آخر ساهم ويساهم في توسع قاعدة ضحايا البطالة ألا وهو غياب قطاع خاص مهيكل ومنظم وهزالة المشاريع الاقتصادية الكبرى بل غيابها بشكل نهائي في بعض المناطق كإقليم الدريوش ، فالطالب بمجرد تخرجه من الجامعة يجد نفسه أمام خيارين : إما الهجرة إلى المدن الكبرى داخل المغرب أو خارجه للبحث عن عمل قار ، أو مساعدة رب الأسرة في عمله إن كان يتوفر على مشروع كالمحلات التجارية أو المقاهي أو محلات الخدمات او غيرها ، وهناك فئة واسعة من الخريجين الذين يجدون أنفسهم مباشرة بعد التخرج مضطرين للانخراط في أعمال فلاحية أو خدماتية شاقة وسط جبال الريف دون أن يكون لعملهم أي مردود أو تأثير إيجابي على مستقبلهم .
هذه العوامل وغيرها هي التي تفرز واقع البطالة وتبرر حجم انتشارها في صفوف حاملي الشواهد ، وهي التي دفعت أغلب المعطلين إلى اختيار طريق ثالث غير طريق الهجرة او الدوران في حلقة مفرغة وسط عمل تجاري أو فلاحي لا يضمن لهم الاستقرار ، وهذا الطريق هو الانخراط في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب والخروج الى الشارع للضغط على المسؤولين وانتزاع مناصب شغل قارة خاصة وأن أغلب مؤسسات وإدارات الدولة تعرف خصاصا كبيرا في أغلب القطاعات .
ودون ان أتحدث عن سياق تأسيس الفروع المتواجدة بالريف سواء بالحسيمة او الناظور او الدريوش سأركز على الاحتجاجات الأخيرة التي خاضتها هذه الفروع والسياق الذي جاءت فيه ، حيث سبق لهذه الفروع بعد احتجاجات طويلة أن تلقت وعودا من طرف السلطات الإقليمية بتشغيل فئات واسعة منهم ، وكان أهم مقترح تقدمت به هذه الفروع هو جرد كافة المناصب الشاغرة في ميزانية الجماعات المحلية وتفويتها للمعطلين عوض أن يتم استغلالها في الانتخابات من طرف رؤساء الجماعات أو تتم السمسرة فيها وبيعها لأصحاب الرشاوى كما كان يتم الامر سابقا ، وقد تفاعلت السلطات الاقليمية مع هذا المقترح نتيجة الضغط الذين مورس عليها من طرف المعطلين سواء بالدريوش او الحسيمة او الناظور وتم وعد المعطلين في حوارات رسمية بتفويت هذه المناصب للجمعية الوطنية مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية .
لكن سيفاجئ الجميع مؤخرا بمذكرة صادرة عن وزيرة الداخلية تعلن فيها عن إجراء مباراة وطنية حول مناصب الجماعات المحلية بما في ذلك بعض المناصب التي تم الاتفاق على تفويتها لمعطلي الريف ، وهو الأمر الذي اعتبرت فروع الريف للجمعية الوطنية بمثابة استهداف مباشر للوعود الممنوحة لها ورد صريح من طرف وزارة الداخلية على أنها لا تكترث لاحتجاجات أبناء الشعب وأن الحوارات التي كان يجريها ممثليها بأقاليم الدريوش والناظور والحسيمة لم تكن تهدف سوى الى تمرير الزيارات الملكية ومسرحية الانتخابات دون ضجيج ، وربما لا تدرك وزارة الداخلية بانها تصب الزيت على النار بهذا الأسلوب وأنها لن تحصد سوى المزيد من الغضب من طرف معطلين لا يملكون ما يخسرون .
وبعد احتجاجات قوية خاضتها فروع المعطلين بشكل منفرد في كل من الناظور والدريوش والحسيمة ونظرا لعدم تسجيل أي تعامل حقيقي مع مطالبهم ستفكر هذه الفروع في إنزال أشكال جهوية موحدة ابتدأت بمسيرة شعبية بالحسيمة جوبهت بقمع شرس استعملت فيها القوات العمومية هراوات حديدية ومواد حادة ونتج عن هذا التدخل إصابة أزيد من 60 معطل ومعطلة بجروح متفاوتة الخطورة ، ثم تلتها مسيرة اللجوء الاجتماعي من الناظور في اتجاه مليلية ولم يفلح المعطلين في تنفيذها نتيجة وضع جدار امني كثيف وسط الطريق المؤدي إلى مليلية ومجهز بكل أنواع الأسلحة من رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع وكلاب مدربة وخيول ... واختتمت بمسيرة شعبية حاشدة شارك فيها الآلاف بمدينة الدريوش يوم الاثنين 02 يناير 2012
هذا ولم تمر المباريات التي تم الإعلان عنها إلا تحت سياط أجهزة القمع التي أعلنت حالت استنفار قصوى في بعض المناطق كالحسيمة ، وبأشكال مشبوهة تطرح أكثر من علامة استفهام حول الشفافية وتكافئ الفرص التي ما فتأت مؤسسات النظام تتحفنا بها في كل مناسبة وحين.
ورغم كل هذه الاحتجاجات ما زالت الدولة تصر على تجاهل مطالب المعطلين وتراهن على عامل الزمن لإرهاقهم وتعتمد على مقاربة القمع لترهيبهم . إن مثل هذا التعامل في اعتقادي سوف لن يدفع المعطلين سوى إلى المزيد من التصعيد ، وإذا كانوا قد دخلوا في أشكال أولية للعصيان المدني كاقتحام المؤسسات العمومية وشل الطرقات وطلب اللجوء الاجتماعي وغير ذلك فإن تجاهل مطالبهم يدفعهم إلى تطوير أشكال هذا العصيان وإبداع أشكال جديدة يوما بعد يوم .
إن حل مشكلة المعطلين لا تتطلب الكثير من التفكير ، فثروات البلاد وخيراتها التي تسيطر عليها الأقلية الحاكمة بالمغرب كفيلة بتشغيل كل أبناء الشعب ( الفوسفاط والمعادن الثمينة ، الثروة السمكية ، الفلاحة ، عائدات المهاجرين ، ...) وعدد المناصب الشاغرة في قطاع الجماعات المحلية بالريف خصوصا وحجم الخصاص الذي يعاني منه قطاع التعليم وغيره من القطاعات قادر على امتصاص أعداد غفيرة من المعطلين ، بل قد لا أخطئ إذا قلت بأن تحقيق مطالب المعطلين غير مستحيل حتى في ظل سيادة نفس النظام السياسي والاقتصادي القائم ، لكن هذه المطالب لن تتحقق بشكل عام إلا عبر توفير إمكانيات تحقيقها أولا ، والتي قد نجملها في :
1. الاعتراف القانوني بالجمعية الوطنية والإنصات لمقترحاتها حول التقليص من نسبة ضحايا البطالة
2. جرد كافة المناصب الشاغرة في المؤسسات العمومية بكل أنواعها والتي تعد بالآلاف في كل جهة من جهات المغرب وخاصة بجهة الريف.
3. الكشف عن قبر الشهيد مصطفى الحمزاوي وإجلاء الحقيقة كاملة حول اغتيال الشهيد كمال الحساني ومعاقبة كل الذين يقفون وراء هذه العمليات الجبانة
4. تعويض كافة المصابين والمعطوبين والمعتقلين على خلفية الانتماء للجمعية أو المشاركة في نضالاتها والكف عن نهج مقاربة القمع تجاه الاحتجاجات المشروعة للمعطلين .
5. الكشف عن العدد الحقيقي للموظفين الأشباح وطردهم والضرب من حديد على يد كل من سولت له نفسه التحايل على القانون وعلى المال العام مهما كانت درجات مسؤولياته
6. تخصيص نسبة معقولة من المناصب داخل الميزانيات العامة والإقليمية تراعي حجم البطالة المنتشرة في صفوف حاملي الشواهد ودرجة الخصاص الذي تعاني منه المؤسسات
7. خلق صندوق وطني وجهوي وإقليمي للتعويض عن البطالة...
إن العمل على تحقيق هذه النقاط المطلبية يشكل مدخلا أساسيا للحديث عن أية معالجة جادة ومسؤولة لقضية البطالة ، لكنني رغم ذلك اجزم بأن النظام السياسي القائم بالمغرب لن يعالج قضية البطالة ولن يفكر في تحقيق النقاط المذكورة سالفا إلا وهو مرغم ، لأن هذا النظام في شموليته هو نظام يحمي كبار الملاكين والاقطاعيين والبرجوازيين ومنهم يستمد سلطته ولا هم له سوى نهب ثروات البلاد واستنزاف خيراته لمراكمة رأسماله ، وواقع الرفاهية الذي يعيش فيه كبار المسؤولين وحجم الامتيازات التي يتمتعون تغنيهم عن التفكير في ما يعانيه المعطلين وغيرهم من الفئات الشعبية ولن يتعبو انفسهم بالبحث عن حلول للقضايا الاجتماعية إلا حين يلاحظو متأخرين بأن هناك ما يهدد سلطتهم ومصالحهم.
وأخيرا أؤكد على أن معالجة قضية البطالة وغيرها من القضايا لن تتم إلا بمواصلة الاحتجاج وتشكيل جبهة نضالية عريضة تضم كل الحركات الاحتجاجية المناضلة والاطارات الهادفة فعلا الى تحقيق تغير حقيقي وتوجه نضالاتها ضد الطبيعة الطبقية للنظام السياسي والاقتصادي والثقافي السائد وتسعى الى بناء نظام يضمن الشغل والكرامة والحرية والمساواة بين المواطنين وتوزع فيه الثروات بشكل عادل.
وإلى ذلك الحين أقول للمعطلين وكل الاحرار بالريف والمغرب عموما: مزيدا من الصمود والنضال ومزيدا من الوحدة والتضامن فالليل سينجلي بإرادتنا في حياة افضل والقيد سينكسر بوحدة وصلابة موقفنا وعدالة قضيتنا.
* الكاتب العام لفروع التنسيق الاقليمي للدريوش
يقاتل معطلي الريف المنضوين تحت لواء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب بشكل يومي من أجل انتزاع حقهم المشروع في الشغل القار والتنظيم ، لدرجة أصبحت تحركاتهم تحظى بالاهتمام والمتابعة الأكبر من لدن جماهير واسعة خاصة وأن احتجاجاتهم لم تعد تتوقف عند حد تنظيم وقفات روتينية أو مسيرات في الشوارع العمومية بل انتقلت إلى مستوى أشبه بالعصيان المدني ( اقتحام مؤسسات عمومية ، شل حركة السير ، البحث عن الدعم خارج الحدود ، الرد على القمع بالصمود والدفاع عن النفس ....)، وهو الأمر الذي قد يدفع الجميع إلى طرح عدد من الأسئلة حول مسببات واقع البطالة المنتشرة بشكل غير مسبوق في صفوف الشباب ( خاصة الحاملين للشواهد ) وأسباب خروجهم للاحتجاج ومبررات هذا التصعيد من جانبهم والحلول التي قد تساهم في إيقاف احتجاجاتهم... وهي الأسئلة التي سأحاول أن أجيب عنها ضمن هذا المقال بشكل مركز ومختصر تنويرا للرأي العام ولمتتبعي احتجاجات المعطلين على وجه التحديد ، والإجابة عن هذه الأسئلة ستكون من منطلق انتمائي إلى حشود المعطلين وتجربة ثلاث سنوات من الانخراط في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وتحمل المسؤولية داخل هياكلها المحلية والإقليمية والوطنية.
ولعل أول ما سأستهل به مقالي هذا هو التأكيد على أن البطالة ليست قدرا محتوما أو واقعا منزلا من السماء بقدر ما هي معطى اجتماعي ناتج عن سياسات اقتصادية محددة ، بمعنى آخر هي إفراز موضوعي لنمط الإنتاج الرأسمالي التبعي السائد بالمغرب ، وللسياسة الطبقية التي اعتمدتها الدولة في ميدان التشغيل بدءا بمخطط التقويم الهيكلي الذي انطلقت عملية اجرأته في بداية الثمانينات من القرن الماضي مرورا بسياسة الخوصصة التي استهدفت عدد من القطاعات العمومية وصولا إلى إلغاء التوظيف المباشر وفرض اجتياز المباريات كشرط لولوج الوظيفة العمومية رغم أن الحصول على شهادة عليا أو دبلوم مهني كان يعد بمثابة امتحان نهائي لولوج عالم الشغل .
وفي الريف هناك عامل آخر ساهم ويساهم في توسع قاعدة ضحايا البطالة ألا وهو غياب قطاع خاص مهيكل ومنظم وهزالة المشاريع الاقتصادية الكبرى بل غيابها بشكل نهائي في بعض المناطق كإقليم الدريوش ، فالطالب بمجرد تخرجه من الجامعة يجد نفسه أمام خيارين : إما الهجرة إلى المدن الكبرى داخل المغرب أو خارجه للبحث عن عمل قار ، أو مساعدة رب الأسرة في عمله إن كان يتوفر على مشروع كالمحلات التجارية أو المقاهي أو محلات الخدمات او غيرها ، وهناك فئة واسعة من الخريجين الذين يجدون أنفسهم مباشرة بعد التخرج مضطرين للانخراط في أعمال فلاحية أو خدماتية شاقة وسط جبال الريف دون أن يكون لعملهم أي مردود أو تأثير إيجابي على مستقبلهم .
هذه العوامل وغيرها هي التي تفرز واقع البطالة وتبرر حجم انتشارها في صفوف حاملي الشواهد ، وهي التي دفعت أغلب المعطلين إلى اختيار طريق ثالث غير طريق الهجرة او الدوران في حلقة مفرغة وسط عمل تجاري أو فلاحي لا يضمن لهم الاستقرار ، وهذا الطريق هو الانخراط في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب والخروج الى الشارع للضغط على المسؤولين وانتزاع مناصب شغل قارة خاصة وأن أغلب مؤسسات وإدارات الدولة تعرف خصاصا كبيرا في أغلب القطاعات .
ودون ان أتحدث عن سياق تأسيس الفروع المتواجدة بالريف سواء بالحسيمة او الناظور او الدريوش سأركز على الاحتجاجات الأخيرة التي خاضتها هذه الفروع والسياق الذي جاءت فيه ، حيث سبق لهذه الفروع بعد احتجاجات طويلة أن تلقت وعودا من طرف السلطات الإقليمية بتشغيل فئات واسعة منهم ، وكان أهم مقترح تقدمت به هذه الفروع هو جرد كافة المناصب الشاغرة في ميزانية الجماعات المحلية وتفويتها للمعطلين عوض أن يتم استغلالها في الانتخابات من طرف رؤساء الجماعات أو تتم السمسرة فيها وبيعها لأصحاب الرشاوى كما كان يتم الامر سابقا ، وقد تفاعلت السلطات الاقليمية مع هذا المقترح نتيجة الضغط الذين مورس عليها من طرف المعطلين سواء بالدريوش او الحسيمة او الناظور وتم وعد المعطلين في حوارات رسمية بتفويت هذه المناصب للجمعية الوطنية مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية .
لكن سيفاجئ الجميع مؤخرا بمذكرة صادرة عن وزيرة الداخلية تعلن فيها عن إجراء مباراة وطنية حول مناصب الجماعات المحلية بما في ذلك بعض المناصب التي تم الاتفاق على تفويتها لمعطلي الريف ، وهو الأمر الذي اعتبرت فروع الريف للجمعية الوطنية بمثابة استهداف مباشر للوعود الممنوحة لها ورد صريح من طرف وزارة الداخلية على أنها لا تكترث لاحتجاجات أبناء الشعب وأن الحوارات التي كان يجريها ممثليها بأقاليم الدريوش والناظور والحسيمة لم تكن تهدف سوى الى تمرير الزيارات الملكية ومسرحية الانتخابات دون ضجيج ، وربما لا تدرك وزارة الداخلية بانها تصب الزيت على النار بهذا الأسلوب وأنها لن تحصد سوى المزيد من الغضب من طرف معطلين لا يملكون ما يخسرون .
وبعد احتجاجات قوية خاضتها فروع المعطلين بشكل منفرد في كل من الناظور والدريوش والحسيمة ونظرا لعدم تسجيل أي تعامل حقيقي مع مطالبهم ستفكر هذه الفروع في إنزال أشكال جهوية موحدة ابتدأت بمسيرة شعبية بالحسيمة جوبهت بقمع شرس استعملت فيها القوات العمومية هراوات حديدية ومواد حادة ونتج عن هذا التدخل إصابة أزيد من 60 معطل ومعطلة بجروح متفاوتة الخطورة ، ثم تلتها مسيرة اللجوء الاجتماعي من الناظور في اتجاه مليلية ولم يفلح المعطلين في تنفيذها نتيجة وضع جدار امني كثيف وسط الطريق المؤدي إلى مليلية ومجهز بكل أنواع الأسلحة من رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع وكلاب مدربة وخيول ... واختتمت بمسيرة شعبية حاشدة شارك فيها الآلاف بمدينة الدريوش يوم الاثنين 02 يناير 2012
هذا ولم تمر المباريات التي تم الإعلان عنها إلا تحت سياط أجهزة القمع التي أعلنت حالت استنفار قصوى في بعض المناطق كالحسيمة ، وبأشكال مشبوهة تطرح أكثر من علامة استفهام حول الشفافية وتكافئ الفرص التي ما فتأت مؤسسات النظام تتحفنا بها في كل مناسبة وحين.
ورغم كل هذه الاحتجاجات ما زالت الدولة تصر على تجاهل مطالب المعطلين وتراهن على عامل الزمن لإرهاقهم وتعتمد على مقاربة القمع لترهيبهم . إن مثل هذا التعامل في اعتقادي سوف لن يدفع المعطلين سوى إلى المزيد من التصعيد ، وإذا كانوا قد دخلوا في أشكال أولية للعصيان المدني كاقتحام المؤسسات العمومية وشل الطرقات وطلب اللجوء الاجتماعي وغير ذلك فإن تجاهل مطالبهم يدفعهم إلى تطوير أشكال هذا العصيان وإبداع أشكال جديدة يوما بعد يوم .
إن حل مشكلة المعطلين لا تتطلب الكثير من التفكير ، فثروات البلاد وخيراتها التي تسيطر عليها الأقلية الحاكمة بالمغرب كفيلة بتشغيل كل أبناء الشعب ( الفوسفاط والمعادن الثمينة ، الثروة السمكية ، الفلاحة ، عائدات المهاجرين ، ...) وعدد المناصب الشاغرة في قطاع الجماعات المحلية بالريف خصوصا وحجم الخصاص الذي يعاني منه قطاع التعليم وغيره من القطاعات قادر على امتصاص أعداد غفيرة من المعطلين ، بل قد لا أخطئ إذا قلت بأن تحقيق مطالب المعطلين غير مستحيل حتى في ظل سيادة نفس النظام السياسي والاقتصادي القائم ، لكن هذه المطالب لن تتحقق بشكل عام إلا عبر توفير إمكانيات تحقيقها أولا ، والتي قد نجملها في :
1. الاعتراف القانوني بالجمعية الوطنية والإنصات لمقترحاتها حول التقليص من نسبة ضحايا البطالة
2. جرد كافة المناصب الشاغرة في المؤسسات العمومية بكل أنواعها والتي تعد بالآلاف في كل جهة من جهات المغرب وخاصة بجهة الريف.
3. الكشف عن قبر الشهيد مصطفى الحمزاوي وإجلاء الحقيقة كاملة حول اغتيال الشهيد كمال الحساني ومعاقبة كل الذين يقفون وراء هذه العمليات الجبانة
4. تعويض كافة المصابين والمعطوبين والمعتقلين على خلفية الانتماء للجمعية أو المشاركة في نضالاتها والكف عن نهج مقاربة القمع تجاه الاحتجاجات المشروعة للمعطلين .
5. الكشف عن العدد الحقيقي للموظفين الأشباح وطردهم والضرب من حديد على يد كل من سولت له نفسه التحايل على القانون وعلى المال العام مهما كانت درجات مسؤولياته
6. تخصيص نسبة معقولة من المناصب داخل الميزانيات العامة والإقليمية تراعي حجم البطالة المنتشرة في صفوف حاملي الشواهد ودرجة الخصاص الذي تعاني منه المؤسسات
7. خلق صندوق وطني وجهوي وإقليمي للتعويض عن البطالة...
إن العمل على تحقيق هذه النقاط المطلبية يشكل مدخلا أساسيا للحديث عن أية معالجة جادة ومسؤولة لقضية البطالة ، لكنني رغم ذلك اجزم بأن النظام السياسي القائم بالمغرب لن يعالج قضية البطالة ولن يفكر في تحقيق النقاط المذكورة سالفا إلا وهو مرغم ، لأن هذا النظام في شموليته هو نظام يحمي كبار الملاكين والاقطاعيين والبرجوازيين ومنهم يستمد سلطته ولا هم له سوى نهب ثروات البلاد واستنزاف خيراته لمراكمة رأسماله ، وواقع الرفاهية الذي يعيش فيه كبار المسؤولين وحجم الامتيازات التي يتمتعون تغنيهم عن التفكير في ما يعانيه المعطلين وغيرهم من الفئات الشعبية ولن يتعبو انفسهم بالبحث عن حلول للقضايا الاجتماعية إلا حين يلاحظو متأخرين بأن هناك ما يهدد سلطتهم ومصالحهم.
وأخيرا أؤكد على أن معالجة قضية البطالة وغيرها من القضايا لن تتم إلا بمواصلة الاحتجاج وتشكيل جبهة نضالية عريضة تضم كل الحركات الاحتجاجية المناضلة والاطارات الهادفة فعلا الى تحقيق تغير حقيقي وتوجه نضالاتها ضد الطبيعة الطبقية للنظام السياسي والاقتصادي والثقافي السائد وتسعى الى بناء نظام يضمن الشغل والكرامة والحرية والمساواة بين المواطنين وتوزع فيه الثروات بشكل عادل.
وإلى ذلك الحين أقول للمعطلين وكل الاحرار بالريف والمغرب عموما: مزيدا من الصمود والنضال ومزيدا من الوحدة والتضامن فالليل سينجلي بإرادتنا في حياة افضل والقيد سينكسر بوحدة وصلابة موقفنا وعدالة قضيتنا.
* الكاتب العام لفروع التنسيق الاقليمي للدريوش