يوسف بوغنيمي
عرف المغرب فيضانات قوية نهاية نونبر 2014 همت مجموعة من مدن وقرى المملكة والتي لاشك عرت على بنية تحتية مهترئة. كما عرت عن مجموعة من الحقائق التي تناسلت علينا أتباعا بعد أن تعبأت عدسات هواتف الفايسبوكيين لتصور لنا تفاصيل الفيضانات لحظة بلحظة. كما تناقل آخرون صور وزرائنا الكرام وهم يضربون "الرش" على وقع أحواش بالمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، والذي يبدو أنه انقلب من وسيلة إلى غاية في حد ذاته عشية مطالبة مجموعة من الناشطين والمسؤولين والجمعويين المغاربة الحاضرين بالمنتدى إلى التعبئة العامة من خلال نقل التنظير إلى الممارسة الفعلية والمتمثلة في تسطير برامج تترجم على ساحة الواقع للإغاثة والعون والتأطير، عوض المغالاة في مظاهر التصفيق والتهليل. وفي الجانب الآخر مواقع الكترونية تضرب "الطبل والغيطة "وتنقل لنا خبر رئيس وزرائنا وهو ينجو من حادث الحوامة وهو في طريقه لأحد التجمعات الخطابية الحزبية شرق المغرب. اللهم أبعد كل مكروه عن رئيس حكومتنا ووزرائه الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء زيارة المناطق المنكوبة في حينه باستثناء وزير الاتصال الذي سرد أقصوصة نجاته من السيول وهو في طريقه لمعاينة المناطق المنكوبة، ومسئولون لازالوا ينتظرون الأوامر قبل الاضطلاع بمسؤولياتهم في ملامسة أحوال المغاربة وممارسة سياسة القرب التي يترجمها القرب ليس فقط بتصدر شاشات التلفاز والصفوف الأولى للمهرجانات، ولكن حتى في الكوارث والفيضانات.
مشاهد تكررت وصور حية لانهيار قناطر وهي تجرفها السيول، حيث استهزأ شبابنا بفقر بنياتنا التحتية التي عرتها الفيضانات الأخيرة، وصاروا يتبادلون صور رمي قصبات وشباك الصيد وحتى السباحة بالشارع العام في تهجم صارخ على بنية تحتية فقيرة وشبكات صرف صحي لم تصمد سويعات في وجه الأمطار وغدت معها الأحياء والمدن عبارة عن برك عائمة، ولم تنهي هذه المأساة باهتراء طرق معبدة وقناطر محدثة، والتي ألهمت شباب المواقع الاجتماعية برفع شعارات من قبيل" قناطر الاستعمار الصامدة...قناطرنا الساقطة" في إشارة إلى التشكيك في عدم احترام دفاتر التحملات وأن الغش لا محالة أحد العوامل الذي كان لها نصيب في تهاوى هاته القناطر، في منظر يحاكي تساقط أوراق الخريف، وهي القناطر التي انهارت لتعزل قرى ومدنا بأكملها حيث بدت شوارعنا المعبدة أشبه بشطائر من الشوكولاتة. هذه الأخيرة التي لها حديث ذو شجون زمن حكومتنا الموقرة. أقول شوارع تكسوها قشرة فوقية من" الزفت " تشبه وريقات من الشوكولاتة أو" البصطيلة " المحضرة على الطريقة المغربية .
فيضانات أظهرت لنا الهشاشة الحقيقية التي يعيشها العالم القروي أو بالأحرى المغرب العميق، من خلال تهاوي مئات الدور السكنية والقصبات. كما أبانت عن عدم الجدية في التعامل مع بعض الاختلالات العمرانية وفي طليعتها البناء بمصاب الأنهار والأودية، والتي من المستحيل أن تنسى مجاريها مهما طال الزمن.
مجموعة من الوديان الثائرة التي أبت أن تجرف كل ما تجده أمامها من حجر وبشر، واد تمسورت ببوزركان، واد درعة واد زيز واد أدودو بسيدي ايفني، واد اساكا واد تلمعدرت بكلميم، هذا الإقليم التي غمرته المياه ولم تسلم منها حتى مؤسسات الدولة ولائحة الأودية طويلة وعريضة.
الفيضانات كذلك أبانت عن سواعد شباب المغرب الذين أظهروا حسا وطنيا عاليا وتضامنا واسعا وهم يساهمون في المساعدة والانقاذ وكيف راحوا يحملون الجثث بوسائل تقليدية من عصي تم استثمارها كنعوش محمول، وأظهرت أن أمثال "علال القادوس" كثيرون وهو الشخصية الدونكيشوتية التي برز مؤخرا ليسوق لنا "بروفايل" البطل المقدام الذي يعري عن عضلاته ويتحدى الطبيعة وسط شوارع الرباط، ليساهم في إماطة الأذى عن الطريق وييسر ولوج المارة والسيارات والحافلات، ولا ربما حتى الترومواي الذي يزين فضاءات وشوارع البيضاء والرباط ذلك هو علال الذي لا يملك حتى دراجة هوائية، لكنه أبى أن يخدم الآخرين في مشهد قلما تكرر من الإيثار والاثارة، ليكشف لنا حقيقة بأن "العلاليون" من المغاربة لن يحتاجوا إلا من يوقظهم، "علال القادوس" أو مصطفى السملالي الذي أعطى الدرس لمنتخبينا ومسؤولينا لينهالوا من أبجديات المدرسة "العلالية" في التفاني في خدمة الآخرين. كما انضافت مشاهد ترجمتها سواعد الشباب وهم ييسرون انسياب المياه الى قنوات الصرف وكيف ساهم مول الحانوت بدوره في رص مجموعة من قوارير الغاز وصناديق الخضر، لإعلان الشارع مقطوعا في وجه حركة المرور، وكيف تآزرت العائلات والأسر المغربية في المداشر والقرى لإيواء الجيران والأقارب حتى قبل وصول خيام ومئونة السلطات العمومية.
كما أعادت الفيضانات لنا تصوير ملامح إعلامنا الرسمي الذي أتى متأخرا بعد أن تناقلت قنوات عالمية مشاهد غرق ركاب طاكسيات "باللايف "، من خلال صور لهواة وهم ينقلون الوقائع من منبعها، في حين كنا ننتظر أن يوازي تلك الأحداث إعلام وطني يواكب وينقل لنا تفاصيل الفيضانات من قلب الحدث، أو حتى يشعرنا بحداد مزعوم احتراما لأرواح المغاربة من الأموات ومشاعر ما تبقى من الأحياء وعلى النقيض من ذلك عاشت التلفزة المغربية ممثلة في "دوزيم" على وقع "الشطيح والرديح" ليلة السبت/ الأحد، وكأننا نحتفل بأولئك المواطنين الذين جرفتهم السيول ونقلتهم شاحنة رمي الأزبال في مشهد درامي يعكس بجلاء لحظة من الحقيقة المبنية على سجيتها، والتي لا يمكن تغليفها بصور مزيفة لمهرجانات "الزديح والرديح ..."
الفيضانات حملت معها آهات المكلومين لكنها شكلت بالنسبة لآخرين لحظة من الحنين لساكنة قرى بنواحي ورززات وهم يتذكرون مشهد الحوامة التي نقلت لهم صندوق الانتخابات الزجاجي يوم تعذر الولوج الى القرية بسبب سوء الأحوال الجوية , أما في أسفي فساعفتان "بميكتهم" يتم تدشينهما لأول مرة وحوامة للدرك الملكي تنقل مواطنا أجنبيا الى الرباط, تم إنقاذه في أعالي مياه شاطئ البدوزة , لحظة خلت من خلالها أن الأمر لا يتعلق بصور من رحم مغربنا الحبيب الذي نحب أن يكون, حيث تجندت أطر وزارة الصحة من مدير جهوي ومندوب الصحة والمسؤولون الأوائل بقطاع الصحة ورجال الوقاية المدنية ورجال الدرك والسلطة المحلية بحزم , حتى حسبت تلك الصور تؤخذ بأحدى الدول الراقية شمال المتوسط , حينها اقتنعت بأن هاته الأمم لا تفعل المستحيل طالما الأمر تحقق أمام أعيننا, وأنه بإمكاننا أن نكرر تلك المشاهد التي طالما نقلتها لنا شاشات هوليود من خلال أطر طبية تجتهد للعناية بالحوامل والمرضى وتعتني بالإنسان , و صرنا نلحظ تلك الصور وهي تردنا اتباعا ومعها رجال سلطة متعبئون في خلايا لليقظة وفي طليعتهم ولاة وعمال المملكة....ذلك هو المغرب الذي نحب أن نكون مواطنين فيه, أو على الأقل أن نضع حجره الأساس لأبنائنا في المستقبل من الزمان , ولنراكم كبشر وكأمة مغربية تجربة إنسانية نتمنى أن لا تتكرر مآسيها ونحن نستقبل أمطار الغيث بحر كل شتاء , واذا تخلفنا عن الموعد فقد يدفعنا الجهل الى أن نكفر من يدعوا لنا أوعلينا بالغيث , وفي اعتقادنا أنه يمعن في السعي إلى إغراقنا ببحر من السيول والوديان.
عرف المغرب فيضانات قوية نهاية نونبر 2014 همت مجموعة من مدن وقرى المملكة والتي لاشك عرت على بنية تحتية مهترئة. كما عرت عن مجموعة من الحقائق التي تناسلت علينا أتباعا بعد أن تعبأت عدسات هواتف الفايسبوكيين لتصور لنا تفاصيل الفيضانات لحظة بلحظة. كما تناقل آخرون صور وزرائنا الكرام وهم يضربون "الرش" على وقع أحواش بالمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، والذي يبدو أنه انقلب من وسيلة إلى غاية في حد ذاته عشية مطالبة مجموعة من الناشطين والمسؤولين والجمعويين المغاربة الحاضرين بالمنتدى إلى التعبئة العامة من خلال نقل التنظير إلى الممارسة الفعلية والمتمثلة في تسطير برامج تترجم على ساحة الواقع للإغاثة والعون والتأطير، عوض المغالاة في مظاهر التصفيق والتهليل. وفي الجانب الآخر مواقع الكترونية تضرب "الطبل والغيطة "وتنقل لنا خبر رئيس وزرائنا وهو ينجو من حادث الحوامة وهو في طريقه لأحد التجمعات الخطابية الحزبية شرق المغرب. اللهم أبعد كل مكروه عن رئيس حكومتنا ووزرائه الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء زيارة المناطق المنكوبة في حينه باستثناء وزير الاتصال الذي سرد أقصوصة نجاته من السيول وهو في طريقه لمعاينة المناطق المنكوبة، ومسئولون لازالوا ينتظرون الأوامر قبل الاضطلاع بمسؤولياتهم في ملامسة أحوال المغاربة وممارسة سياسة القرب التي يترجمها القرب ليس فقط بتصدر شاشات التلفاز والصفوف الأولى للمهرجانات، ولكن حتى في الكوارث والفيضانات.
مشاهد تكررت وصور حية لانهيار قناطر وهي تجرفها السيول، حيث استهزأ شبابنا بفقر بنياتنا التحتية التي عرتها الفيضانات الأخيرة، وصاروا يتبادلون صور رمي قصبات وشباك الصيد وحتى السباحة بالشارع العام في تهجم صارخ على بنية تحتية فقيرة وشبكات صرف صحي لم تصمد سويعات في وجه الأمطار وغدت معها الأحياء والمدن عبارة عن برك عائمة، ولم تنهي هذه المأساة باهتراء طرق معبدة وقناطر محدثة، والتي ألهمت شباب المواقع الاجتماعية برفع شعارات من قبيل" قناطر الاستعمار الصامدة...قناطرنا الساقطة" في إشارة إلى التشكيك في عدم احترام دفاتر التحملات وأن الغش لا محالة أحد العوامل الذي كان لها نصيب في تهاوى هاته القناطر، في منظر يحاكي تساقط أوراق الخريف، وهي القناطر التي انهارت لتعزل قرى ومدنا بأكملها حيث بدت شوارعنا المعبدة أشبه بشطائر من الشوكولاتة. هذه الأخيرة التي لها حديث ذو شجون زمن حكومتنا الموقرة. أقول شوارع تكسوها قشرة فوقية من" الزفت " تشبه وريقات من الشوكولاتة أو" البصطيلة " المحضرة على الطريقة المغربية .
فيضانات أظهرت لنا الهشاشة الحقيقية التي يعيشها العالم القروي أو بالأحرى المغرب العميق، من خلال تهاوي مئات الدور السكنية والقصبات. كما أبانت عن عدم الجدية في التعامل مع بعض الاختلالات العمرانية وفي طليعتها البناء بمصاب الأنهار والأودية، والتي من المستحيل أن تنسى مجاريها مهما طال الزمن.
مجموعة من الوديان الثائرة التي أبت أن تجرف كل ما تجده أمامها من حجر وبشر، واد تمسورت ببوزركان، واد درعة واد زيز واد أدودو بسيدي ايفني، واد اساكا واد تلمعدرت بكلميم، هذا الإقليم التي غمرته المياه ولم تسلم منها حتى مؤسسات الدولة ولائحة الأودية طويلة وعريضة.
الفيضانات كذلك أبانت عن سواعد شباب المغرب الذين أظهروا حسا وطنيا عاليا وتضامنا واسعا وهم يساهمون في المساعدة والانقاذ وكيف راحوا يحملون الجثث بوسائل تقليدية من عصي تم استثمارها كنعوش محمول، وأظهرت أن أمثال "علال القادوس" كثيرون وهو الشخصية الدونكيشوتية التي برز مؤخرا ليسوق لنا "بروفايل" البطل المقدام الذي يعري عن عضلاته ويتحدى الطبيعة وسط شوارع الرباط، ليساهم في إماطة الأذى عن الطريق وييسر ولوج المارة والسيارات والحافلات، ولا ربما حتى الترومواي الذي يزين فضاءات وشوارع البيضاء والرباط ذلك هو علال الذي لا يملك حتى دراجة هوائية، لكنه أبى أن يخدم الآخرين في مشهد قلما تكرر من الإيثار والاثارة، ليكشف لنا حقيقة بأن "العلاليون" من المغاربة لن يحتاجوا إلا من يوقظهم، "علال القادوس" أو مصطفى السملالي الذي أعطى الدرس لمنتخبينا ومسؤولينا لينهالوا من أبجديات المدرسة "العلالية" في التفاني في خدمة الآخرين. كما انضافت مشاهد ترجمتها سواعد الشباب وهم ييسرون انسياب المياه الى قنوات الصرف وكيف ساهم مول الحانوت بدوره في رص مجموعة من قوارير الغاز وصناديق الخضر، لإعلان الشارع مقطوعا في وجه حركة المرور، وكيف تآزرت العائلات والأسر المغربية في المداشر والقرى لإيواء الجيران والأقارب حتى قبل وصول خيام ومئونة السلطات العمومية.
كما أعادت الفيضانات لنا تصوير ملامح إعلامنا الرسمي الذي أتى متأخرا بعد أن تناقلت قنوات عالمية مشاهد غرق ركاب طاكسيات "باللايف "، من خلال صور لهواة وهم ينقلون الوقائع من منبعها، في حين كنا ننتظر أن يوازي تلك الأحداث إعلام وطني يواكب وينقل لنا تفاصيل الفيضانات من قلب الحدث، أو حتى يشعرنا بحداد مزعوم احتراما لأرواح المغاربة من الأموات ومشاعر ما تبقى من الأحياء وعلى النقيض من ذلك عاشت التلفزة المغربية ممثلة في "دوزيم" على وقع "الشطيح والرديح" ليلة السبت/ الأحد، وكأننا نحتفل بأولئك المواطنين الذين جرفتهم السيول ونقلتهم شاحنة رمي الأزبال في مشهد درامي يعكس بجلاء لحظة من الحقيقة المبنية على سجيتها، والتي لا يمكن تغليفها بصور مزيفة لمهرجانات "الزديح والرديح ..."
الفيضانات حملت معها آهات المكلومين لكنها شكلت بالنسبة لآخرين لحظة من الحنين لساكنة قرى بنواحي ورززات وهم يتذكرون مشهد الحوامة التي نقلت لهم صندوق الانتخابات الزجاجي يوم تعذر الولوج الى القرية بسبب سوء الأحوال الجوية , أما في أسفي فساعفتان "بميكتهم" يتم تدشينهما لأول مرة وحوامة للدرك الملكي تنقل مواطنا أجنبيا الى الرباط, تم إنقاذه في أعالي مياه شاطئ البدوزة , لحظة خلت من خلالها أن الأمر لا يتعلق بصور من رحم مغربنا الحبيب الذي نحب أن يكون, حيث تجندت أطر وزارة الصحة من مدير جهوي ومندوب الصحة والمسؤولون الأوائل بقطاع الصحة ورجال الوقاية المدنية ورجال الدرك والسلطة المحلية بحزم , حتى حسبت تلك الصور تؤخذ بأحدى الدول الراقية شمال المتوسط , حينها اقتنعت بأن هاته الأمم لا تفعل المستحيل طالما الأمر تحقق أمام أعيننا, وأنه بإمكاننا أن نكرر تلك المشاهد التي طالما نقلتها لنا شاشات هوليود من خلال أطر طبية تجتهد للعناية بالحوامل والمرضى وتعتني بالإنسان , و صرنا نلحظ تلك الصور وهي تردنا اتباعا ومعها رجال سلطة متعبئون في خلايا لليقظة وفي طليعتهم ولاة وعمال المملكة....ذلك هو المغرب الذي نحب أن نكون مواطنين فيه, أو على الأقل أن نضع حجره الأساس لأبنائنا في المستقبل من الزمان , ولنراكم كبشر وكأمة مغربية تجربة إنسانية نتمنى أن لا تتكرر مآسيها ونحن نستقبل أمطار الغيث بحر كل شتاء , واذا تخلفنا عن الموعد فقد يدفعنا الجهل الى أن نكفر من يدعوا لنا أوعلينا بالغيث , وفي اعتقادنا أنه يمعن في السعي إلى إغراقنا ببحر من السيول والوديان.