حوار: جريدة الخبر الجزائرية
شكّك الصحفي المغربي علي لمرابط في إمكانية متابعة المحكمة الوطنية الإسبانية القاضي بابلو روز بعد توجيهه اتهامات لأمنيين وعسكريين مغاربة بارتكاب مجازر في حق الشعب الصحراوي، وضرب مثالا بالملك الحسن الثاني الذي كان طاغية كبيرا، حسبه.
وكشف، في حوار لـ"الخبر"، عن اعتقاده أن هناك تفاهما ضمنيا بين الرباط ومدريد، يتمثل في التالي: "أنت تدعمني في نزاع الصحراء وأنا بدوري مقابل ذلك أنسى أو أتناسى المطالبة بسبتة ومليلية"، مشيرا إلى أنه اتهم بكونه عنصرا من مصالح المخابرات السرية الجزائرية والإسبانية وتلك الخاصة بالبوليساريو.. "دون الدعم الفرنسي السياسي والدبلوماسي سيُدان المغرب"، "فتح الحدود لا يكون غصبا كما تفعل الرباط".
ما الذي يمثله علي لمرابط ويقلق كثيرا الأنظمة، وعلى رأسها النظام المغربي؟
سؤال جيد، إلا أن الاجابة للأسف موجودة أساسا لدى الحكومة المغربية. لست رجلا تابعا لحزب ما ولا أمتلك تنظيما أو منظمة ما، كما لا تتبعني أي هيئة، بل أنا صحفي بسيط مستقل يكتب ويصرح بما يعتقده ويفكر فيه.
لمَ تُعتبَر إثارة ملفي الصحراء الغربية وميزانية القصر الملكي والنظام الملكي مزعجة لهذه الدرجة، رغم أن تناولها يتم وفق قواعد المهنة الصحفية؟
السبب هو أن المقاييس الدولية في مجال المهنية والاحترافية ليست مماثلة لتلك السائدة في المغرب، فحينما يثار أو يستحضر النزاع في الصحراء الغربية بزاوية ونظرة مختلفة عما يطرحه النظام المغربي فإن ذلك يشكل جريمة "خيانة الوطن"، حتى وإن لم تقم إلا بنقل الخبر بصورة حيادية، أو أجريت حوارا مع قيادي جبهة البوليساريو على غرار محمد عبد العزيز. والغريب في الأمر، بل المفارقة المضحكة هي أن وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، المدافع الثاني بعد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني عن مغربية الصحراء، الذي كان يجبر الصحافة المغربية على كتابة "الصحراء المغربية" و"مقاطعات الجنوب" بدلا عن "الصحراء الغربية"، ولطالما كان يتكلم عن "الاستفتاء التأكيدي"، حينما كان يشير إلى استفتاء تقرير المصير للصحراويين، بدأ خلال منفاه الباريسي وإلى غاية وفاته في استخدام كلمة واحدة هي "الصحراء الغربية" لدى تطرقه للنزاع.
.
أثرت مؤخرا مسألة الأمر بالاعتقال الذي أصدره القاضي الإسباني بابلو روز بحق عسكريين مغاربة، بتهمة ارتكاب مجازر بالصحراء الغربية، وأشرت الى أن القاضي سيقال من منصبه قريبا، هل لمثل هذا القرار علاقة
بالاتهامات الموجهة أو لتأثيرات أخرى وضغوط متوقعة لتوقيف المتابعات؟
على العكس تماما، القاضي الإسباني بابلو روز كان يحتل مؤقتا منصب القاضي البديل في المحكمة الوطنية الإسبانية، ولكن أيامه في المحكمة الوطنية كانت معدودة منذ أن تم تعيينه أو ترسيمه، فقبل ذلك لم يكن يشغل رسميا المنصب بل كان بديلا. هذا القاضي الذي يشرف على جلسات استماع في قضيتين كبيرتين متعلقتين بالفساد السياسي واللتان تمس مباشرة الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا يرتقب أن يرحل هذه السنة، وقد أشارت الصحافة الإسبانية إلى هذا الرحيل للقاضي روز.
ما هو تأثير مثل هذه القضايا التي تمس قضية حساسة جدا في المغرب، أي الصحراء الغربية؟
بالنسبة للاتهام المتصل باقتراف “مجازر” في حق الشعب الصحراوي فإنني لست خبيرا، ولكنني أشك في أن تتبع المحكمة العليا الإسبانية القاضي، فالملك الحسن الثاني كان طاغية كبيرا، وقد ارتكب جرائم فظيعة في الصحراء، وهو أمر واقع.
في سنة 2008، حسب اعتقادي، نشرت صحيفة مغربية شهادة في جلسة مغلقة أمام لجنة مغربية لرئيس بلدية سابق في مدينة العيون، هذا الأخير روى كيف رمي الصحراويون من طائرات مروحية خلال سنوات السبعينيات. لكن هنا يجب التأكيد على أن الملك الحسن الثاني غالبا ما كان يفضل شراء إرادة الصحراويين بدل قتلهم.
أسرتي تنحدر من الريف، وهذه المنطقة تعرض سكانها لقنبلة بالنابالم، وقد أُحرقوا وهم أحياء مع نهاية الخمسينيات من قِبل الملك محمد الخامس، وقد فعل الحسن الثاني مثل ذلك، باستهداف سكان مدينة الدار البيضاء وتيطوان والناظور وفاس وغيرها من المدن بالمدفعية. وأنا شخصيا انحدر من مدينة تيطوان التي شهدت مذبحة سنة 1984 راح ضحيتها مئات الشباب، وظلت جثث هؤلاء مختفية ولم يعثر عليها أبدا ولا يعلم أحدا مكانها. وعلى العموم، فإن المغاربة يسجلون شهادة الاتهام التي وجهها القاضي بابلو روز ويعتبرونها مؤامرة أخرى تستهدف بلدهم، رغم أنهم مطالبون بأن يتذكروا بأن الملك محمد السادس هو الذي أنشأ في 2004 هيئة العدالة والمصالحة، وهي لجنة تهدف إلى مصالحة الشعب المغربي مع ماضيه خلال سنوات الرصاص، بشرط طبعا ألا تذكر أسماء المجرمين القتلة والجلادين، وألا تكون هناك أي متابعات قضائية
اعتبرت أن اللاجئين الصحراويين ليسوا رهائن بل لاجئين، هل لا تزال على قناعتك، رغم أن ذلك كلفك المنع من النشاط الإعلامي منذ 2005؟
بطبيعة الحال، لا زلت على قناعتي، وليس علي لمرابط فقط الذي يؤكد أن اللاجئين الصحراويين ليسوا رهائن، بل هي منظمة الأمم المتحدة، فضلا عن الوثائق الرسمية للسلطات والهيئات الدبلوماسية المغربية، كما أتيح لنا اكتشاف ذلك مؤخرا بفضل الاختراقات التي قام بها القرصان كريس كولمان.
هنالك احتقان دائم في العلاقات بين الجزائر والمغرب، ولقد طرحت سؤالا حول خلفية مطالبة المغرب بفتح الحدود البرية، رغم أن نظام المخزن اعتبر مرارا أن الجزائر مصدر كل المشاكل التي يعاني منها
المغرب والجزائر قوتان جهويتان تتنافسان، فالجزائريون يدعمون الاستقلاليين الصحراويين، والمغاربة جزء من الحركة الأمازيغية الجزائرية، وهذه من قبيل قواعد اللعبة المشروعة. ويبقى فتح الحدود بين الجزائر والمغرب أمرا مأمولا، بل إنه ضروري، فلا مغزى، حسب رأيي، ولا معنى لغلق الحدود. وشخصيا أتمنى زيارة تلمسان التي يقال عنها إنها أكثر المدن التي تشبه الطابع المغربي من بين المدن الجزائرية. ولكن هذا الأمر لا يتأتى بالمطالبة به غصبا كما تقوم به الدولة المغربية بنوع من الهستيريا أحيانا، أو من خلال إرسال جحافل من المتحمسين المتطرفين للنيل والمساس بالعلم الجزائري لبلوغ الهدف المنشود.
إلى أي مدى تؤثر فرنسا في السياسة المغربية، ولماذا لا يتم المطالبة بأحقية المغرب في استعادة سبتة ومليلية من إسبانيا، وماذا عن تنامي تجارة المخدرات؟
دون فرنسا ودعمها السياسي والدبلوماسي، فإن المغرب سيدان من قِبل كل الهيئات الدولية في كافة المجالات المتصلة بحقوق الإنسان، ففرنسا هي التي توقف كل شيء، وفرنسا ذاتها هي التي خرجت بكثافة إلى الشارع في جانفي لمطالبة العالم باحترام حرية التعبير وحقوق الانسان، الذي يسمح للمملكة المغربية بتكبيل الصحافة المستقلة ومنع الصحف وحبس واعتقال الصحفيين والمعارضين المنشقين. وهذه فرنسا أيضا نفسها التي تعطي الدروس وتستعد في الأيام المقبلة لتمرير تعديل من قِبل الجمعية الوطنية “البرلمان” سيسمح للجلادين المغاربة بالاستمرار في التعذيب دون خشية وخوف من أن يتابعوا في فرنسا، حتى ولو كان الأمر يتعلق بضحايا من المواطنين الفرنسيين.
وبالنسبة لسبتة ومليلية، فهذا أيضا سؤال جيد، فمن الغرابة بمكان ألا تضع السلطات المغربية استرجاع هذه الأراضي المسلوبة أو المغتصبة، كما تشير إليه الأدبيات الرسمية، ضمن الأولويات المطلقة. وأعتقد أن هناك تفاهما ضمنيا بين الرباط ومدريد، يتمثل في التالي: “أنت تدعمني في نزاع الصحراء، وأنا بدوري مقابل ذلك أنسى أو أتناسى المطالبة بسبتة ومليلية”. ولكن طال الزمن أو قصر، فإن مسألة المنطقتين ستطرح لأن هذه الأراضي هي مفارقة تاريخية. أما فيما يتعلق بتجارة المخدرات، فإنني أعتقد أنه لا يوجد أحد يشكك بأننا أصبحنا رائدا عالميا في زراعة وتصدير القنب الهندي.
وما هي خلفية محاولة ربط علي لمرابط بالأمير مولاي هشام؟
هذه أسطورة لا تزال قائمة ومستمرة، لكن أنا لم أكن أبدا صديقا أو حتى مقربا أو قريبا من ابن عم الملك الأمير هشام العلوي. وسأكشف لكم أمرا خاصا يتمثل في كوني لم أتوجه يوما إلى بيته، لا في الرباط ولا في باريس ولا في الولايات المتحدة، ولا حتى على شواطئ البحر المتوسط بالقرية السياحية “المديق” الواقعة على بعد بضع كيلومترات من بيتي في تيطوان. صحيح أنه كانت تربطني علاقة معه، ولكنني أصفها بالعلاقة المهنية. فمن خلال شروحاته سمح لنا الأمير هشام العلوي بفهم أفضل لعالم المخزن الذي ينتمي إليه رموزه ورجاله. فكل المعلومات، وأؤكد على أن كل تلك التي قدمت لنا من قبله كانت صحيحة، وحينما تم اضطهاده من قِبل مديرية أمن الإقليم الشرطة السياسية للملك، فإن كتاباتي كانت من بين الكتابات القليلة التي دافعت عنه، وهو أمر كنت سأقوم به أيضا لو كان ضحية النظام أخرى غير الأمير مولاي هشام.
كما أنك اتهمت بمعاداة السامية
لم اتهم بمعاداة السامية فقط، بل اتهمت أيضا بأنني عنصر من العناصر التابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، لأنني سبق أن درست في المدرسة اليهودية وأجريت حوارا مع الوزير الأول الإسرائيلي. ولحد الآن، فإن الاتهامات الأكثر تداولا، والتي تعرضني وأسرتي إلى خطر كل يوم في المغرب، تتعلق بإسبانيا والجزائر وجبهة البوليساريو؛ فقد اتهمت دوريا بأنني عنصر من مصالح المخابرات السرية الجزائرية والإسبانية وتلك الخاصة بالبوليساريو، وإذا صح ذلك، فإن ذلك يعني أنني عنصر مخابرات سيء جدا وغير كفء، لأن الجميع على علم بذلك..
اخترت مواجهة النظام السياسي في المغرب بصحافة السخرية، ألا تعتبر أن المواجهة غير المتكافئة كانت مكلفة وبعواقب، آخرها حرمانك لمدة 10 سنوات من الممارسة والكتابة الصحفية، وقبلها معاقبة مجلة “الغد” أو “دومان” من خلال منعها من الصدور، والحكم عليك بأربع سنوات سجنا نافذا؟
هذه قضية مبدئية وقضية كرامة وشرف، فلا أحد يحق له أن يمنعني من التعبير عن رأيي بحرية، وأن أصرح بما أعتقده بخصوص هذا النظام، وإذا اقتضى الأمر بأن أدفع الثمن فإنني أدفعه حاليا، لأن الدولة المغربية ترفض تجديد بطاقة تعريفي وجواز سفري، وأنا مستعد لدفع الثمن، فالمبادئ لا تشترى ولا تباع. والمشكل أن الطبقة السياسية المغربية تم تخذيرها من قِبل الملك الحسن الثاني، وتم استعادة إسلاميي حركة “العدالة والتنمية” من قِبل القصر الملكي، ويميل الناس إلى اعتبار الصحافة المستقلة كمعارضة حقيقية للنظام.
هل كان هناك تهديد أمريكي صريح للمغرب في حالة عدم إطلاق سراحك بعد التوقيع على اتفاق التبادل الحر. هل لك أن تحدثنا عن الأمر؟
هذا هو الذي تم نشره في جريدة أجنبية “دي ايكونوميست” أو “فاينانشال تايمز”. لا أتذكر ذلك جيدا، وفي هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة تصرفت أفضل من فرنسا التي نتقاسم معها اللغة نفسها التي نتكلمها ونستخدمها مهنيا. هذه فرنسا التي أعيد الإشارة إليها هي نفسها التي أخرجت إلى الشارع ملايين الأشخاص للدفاع عن حرية التعبير.
حتى بعد انقضاء حكمك لمدة 10 سنوات إلا أن السلطات المغربية تواصل ملاحقتك، والدليل ما حدث لك في تطوان من عدم منحك شهادة السكن، وإقحام والدك الطاعن في السن في القضية، عشية استضافتك من قِبل إذاعة ميزرات الدولية الصحراوية، ما الذي تريده السلطات المغربية من لمرابط؟
هو شكل من أشكال التحرش. وفيما يخصني، فإنني لا أبالي، أنا متعود على ذلك، ولكن إقحام والدي عنوة وبالقوة وهو الشيخ الطاعن في السن ويبلغ 98 سنة في القضية، وإرهابه كما قام بذلك “مقدم” وهو أحد رؤساء الحي، غير مقبول، ثم رفض تسليمي شهادة الإقامة لمنعي من تجديد بطاقة تعريفي وجواز سفري، كل ذلك يندرج ضمن استراتيجية بائسة وحقيرة تم إعدادها من قِبل وزارة الداخلية، وتهدف هذه المساعي إلى منعي من إعادة بعثي كصحفي، لأنني دون بطاقة تعريف لا يمكنني التنقل في أي مكان في المغرب، وأكثر من ذلك لا يمكنني تحصيل أي وثيقة إدارية، فالقصر عازم على أن يجعلني مواطنا دون هوية على شاكلة “البدون”، وأنا سأكون أول “بدون” في منطقة المغرب العربي.
وما الذي يريد أن يعمله لمرابط، هل من مشاريع تخطط لها بعد استنفاد محكوميتك؟
بعث نشاط صحفي والعيش كصحفي في المغرب، ومواصلة العمل السلمي والمسالم دون تجريح لأحد، وأن أقول وأعبر على ما أفكر فيه.
من هو علي لمرابط؟
صحفي مغربي منع من الكتابة والنشر في بلاده منذ عام 2005، بعد الحكم عليه بحظر ممارسة مهنة الصحافة لعشر سنوات متتالية، بعد التقرير الذي كتبه لصحيفة “إل موندو الإسبانية” وقال فيه إن الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف يُعتبرون “لاجئين” وليسوا في عداد “المحتجزين”، خلافاً للأطروحة الرسمية المغربية، على الرغم من أن القانون الجنائي المغربي لا ينص على هذه العقوبة.
وبعد أن اكتملت عقوبة منعه عن الكتابة لم يتمكن من الحصول على شهادة الاقامة لتجديد بطاقة تعريفه الوطنية وجواز السفر، بتعليمات من وزارة الداخلية.
شكّك الصحفي المغربي علي لمرابط في إمكانية متابعة المحكمة الوطنية الإسبانية القاضي بابلو روز بعد توجيهه اتهامات لأمنيين وعسكريين مغاربة بارتكاب مجازر في حق الشعب الصحراوي، وضرب مثالا بالملك الحسن الثاني الذي كان طاغية كبيرا، حسبه.
وكشف، في حوار لـ"الخبر"، عن اعتقاده أن هناك تفاهما ضمنيا بين الرباط ومدريد، يتمثل في التالي: "أنت تدعمني في نزاع الصحراء وأنا بدوري مقابل ذلك أنسى أو أتناسى المطالبة بسبتة ومليلية"، مشيرا إلى أنه اتهم بكونه عنصرا من مصالح المخابرات السرية الجزائرية والإسبانية وتلك الخاصة بالبوليساريو.. "دون الدعم الفرنسي السياسي والدبلوماسي سيُدان المغرب"، "فتح الحدود لا يكون غصبا كما تفعل الرباط".
ما الذي يمثله علي لمرابط ويقلق كثيرا الأنظمة، وعلى رأسها النظام المغربي؟
سؤال جيد، إلا أن الاجابة للأسف موجودة أساسا لدى الحكومة المغربية. لست رجلا تابعا لحزب ما ولا أمتلك تنظيما أو منظمة ما، كما لا تتبعني أي هيئة، بل أنا صحفي بسيط مستقل يكتب ويصرح بما يعتقده ويفكر فيه.
لمَ تُعتبَر إثارة ملفي الصحراء الغربية وميزانية القصر الملكي والنظام الملكي مزعجة لهذه الدرجة، رغم أن تناولها يتم وفق قواعد المهنة الصحفية؟
السبب هو أن المقاييس الدولية في مجال المهنية والاحترافية ليست مماثلة لتلك السائدة في المغرب، فحينما يثار أو يستحضر النزاع في الصحراء الغربية بزاوية ونظرة مختلفة عما يطرحه النظام المغربي فإن ذلك يشكل جريمة "خيانة الوطن"، حتى وإن لم تقم إلا بنقل الخبر بصورة حيادية، أو أجريت حوارا مع قيادي جبهة البوليساريو على غرار محمد عبد العزيز. والغريب في الأمر، بل المفارقة المضحكة هي أن وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، المدافع الثاني بعد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني عن مغربية الصحراء، الذي كان يجبر الصحافة المغربية على كتابة "الصحراء المغربية" و"مقاطعات الجنوب" بدلا عن "الصحراء الغربية"، ولطالما كان يتكلم عن "الاستفتاء التأكيدي"، حينما كان يشير إلى استفتاء تقرير المصير للصحراويين، بدأ خلال منفاه الباريسي وإلى غاية وفاته في استخدام كلمة واحدة هي "الصحراء الغربية" لدى تطرقه للنزاع.
.
أثرت مؤخرا مسألة الأمر بالاعتقال الذي أصدره القاضي الإسباني بابلو روز بحق عسكريين مغاربة، بتهمة ارتكاب مجازر بالصحراء الغربية، وأشرت الى أن القاضي سيقال من منصبه قريبا، هل لمثل هذا القرار علاقة
بالاتهامات الموجهة أو لتأثيرات أخرى وضغوط متوقعة لتوقيف المتابعات؟
على العكس تماما، القاضي الإسباني بابلو روز كان يحتل مؤقتا منصب القاضي البديل في المحكمة الوطنية الإسبانية، ولكن أيامه في المحكمة الوطنية كانت معدودة منذ أن تم تعيينه أو ترسيمه، فقبل ذلك لم يكن يشغل رسميا المنصب بل كان بديلا. هذا القاضي الذي يشرف على جلسات استماع في قضيتين كبيرتين متعلقتين بالفساد السياسي واللتان تمس مباشرة الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا يرتقب أن يرحل هذه السنة، وقد أشارت الصحافة الإسبانية إلى هذا الرحيل للقاضي روز.
ما هو تأثير مثل هذه القضايا التي تمس قضية حساسة جدا في المغرب، أي الصحراء الغربية؟
بالنسبة للاتهام المتصل باقتراف “مجازر” في حق الشعب الصحراوي فإنني لست خبيرا، ولكنني أشك في أن تتبع المحكمة العليا الإسبانية القاضي، فالملك الحسن الثاني كان طاغية كبيرا، وقد ارتكب جرائم فظيعة في الصحراء، وهو أمر واقع.
في سنة 2008، حسب اعتقادي، نشرت صحيفة مغربية شهادة في جلسة مغلقة أمام لجنة مغربية لرئيس بلدية سابق في مدينة العيون، هذا الأخير روى كيف رمي الصحراويون من طائرات مروحية خلال سنوات السبعينيات. لكن هنا يجب التأكيد على أن الملك الحسن الثاني غالبا ما كان يفضل شراء إرادة الصحراويين بدل قتلهم.
أسرتي تنحدر من الريف، وهذه المنطقة تعرض سكانها لقنبلة بالنابالم، وقد أُحرقوا وهم أحياء مع نهاية الخمسينيات من قِبل الملك محمد الخامس، وقد فعل الحسن الثاني مثل ذلك، باستهداف سكان مدينة الدار البيضاء وتيطوان والناظور وفاس وغيرها من المدن بالمدفعية. وأنا شخصيا انحدر من مدينة تيطوان التي شهدت مذبحة سنة 1984 راح ضحيتها مئات الشباب، وظلت جثث هؤلاء مختفية ولم يعثر عليها أبدا ولا يعلم أحدا مكانها. وعلى العموم، فإن المغاربة يسجلون شهادة الاتهام التي وجهها القاضي بابلو روز ويعتبرونها مؤامرة أخرى تستهدف بلدهم، رغم أنهم مطالبون بأن يتذكروا بأن الملك محمد السادس هو الذي أنشأ في 2004 هيئة العدالة والمصالحة، وهي لجنة تهدف إلى مصالحة الشعب المغربي مع ماضيه خلال سنوات الرصاص، بشرط طبعا ألا تذكر أسماء المجرمين القتلة والجلادين، وألا تكون هناك أي متابعات قضائية
اعتبرت أن اللاجئين الصحراويين ليسوا رهائن بل لاجئين، هل لا تزال على قناعتك، رغم أن ذلك كلفك المنع من النشاط الإعلامي منذ 2005؟
بطبيعة الحال، لا زلت على قناعتي، وليس علي لمرابط فقط الذي يؤكد أن اللاجئين الصحراويين ليسوا رهائن، بل هي منظمة الأمم المتحدة، فضلا عن الوثائق الرسمية للسلطات والهيئات الدبلوماسية المغربية، كما أتيح لنا اكتشاف ذلك مؤخرا بفضل الاختراقات التي قام بها القرصان كريس كولمان.
هنالك احتقان دائم في العلاقات بين الجزائر والمغرب، ولقد طرحت سؤالا حول خلفية مطالبة المغرب بفتح الحدود البرية، رغم أن نظام المخزن اعتبر مرارا أن الجزائر مصدر كل المشاكل التي يعاني منها
المغرب والجزائر قوتان جهويتان تتنافسان، فالجزائريون يدعمون الاستقلاليين الصحراويين، والمغاربة جزء من الحركة الأمازيغية الجزائرية، وهذه من قبيل قواعد اللعبة المشروعة. ويبقى فتح الحدود بين الجزائر والمغرب أمرا مأمولا، بل إنه ضروري، فلا مغزى، حسب رأيي، ولا معنى لغلق الحدود. وشخصيا أتمنى زيارة تلمسان التي يقال عنها إنها أكثر المدن التي تشبه الطابع المغربي من بين المدن الجزائرية. ولكن هذا الأمر لا يتأتى بالمطالبة به غصبا كما تقوم به الدولة المغربية بنوع من الهستيريا أحيانا، أو من خلال إرسال جحافل من المتحمسين المتطرفين للنيل والمساس بالعلم الجزائري لبلوغ الهدف المنشود.
إلى أي مدى تؤثر فرنسا في السياسة المغربية، ولماذا لا يتم المطالبة بأحقية المغرب في استعادة سبتة ومليلية من إسبانيا، وماذا عن تنامي تجارة المخدرات؟
دون فرنسا ودعمها السياسي والدبلوماسي، فإن المغرب سيدان من قِبل كل الهيئات الدولية في كافة المجالات المتصلة بحقوق الإنسان، ففرنسا هي التي توقف كل شيء، وفرنسا ذاتها هي التي خرجت بكثافة إلى الشارع في جانفي لمطالبة العالم باحترام حرية التعبير وحقوق الانسان، الذي يسمح للمملكة المغربية بتكبيل الصحافة المستقلة ومنع الصحف وحبس واعتقال الصحفيين والمعارضين المنشقين. وهذه فرنسا أيضا نفسها التي تعطي الدروس وتستعد في الأيام المقبلة لتمرير تعديل من قِبل الجمعية الوطنية “البرلمان” سيسمح للجلادين المغاربة بالاستمرار في التعذيب دون خشية وخوف من أن يتابعوا في فرنسا، حتى ولو كان الأمر يتعلق بضحايا من المواطنين الفرنسيين.
وبالنسبة لسبتة ومليلية، فهذا أيضا سؤال جيد، فمن الغرابة بمكان ألا تضع السلطات المغربية استرجاع هذه الأراضي المسلوبة أو المغتصبة، كما تشير إليه الأدبيات الرسمية، ضمن الأولويات المطلقة. وأعتقد أن هناك تفاهما ضمنيا بين الرباط ومدريد، يتمثل في التالي: “أنت تدعمني في نزاع الصحراء، وأنا بدوري مقابل ذلك أنسى أو أتناسى المطالبة بسبتة ومليلية”. ولكن طال الزمن أو قصر، فإن مسألة المنطقتين ستطرح لأن هذه الأراضي هي مفارقة تاريخية. أما فيما يتعلق بتجارة المخدرات، فإنني أعتقد أنه لا يوجد أحد يشكك بأننا أصبحنا رائدا عالميا في زراعة وتصدير القنب الهندي.
وما هي خلفية محاولة ربط علي لمرابط بالأمير مولاي هشام؟
هذه أسطورة لا تزال قائمة ومستمرة، لكن أنا لم أكن أبدا صديقا أو حتى مقربا أو قريبا من ابن عم الملك الأمير هشام العلوي. وسأكشف لكم أمرا خاصا يتمثل في كوني لم أتوجه يوما إلى بيته، لا في الرباط ولا في باريس ولا في الولايات المتحدة، ولا حتى على شواطئ البحر المتوسط بالقرية السياحية “المديق” الواقعة على بعد بضع كيلومترات من بيتي في تيطوان. صحيح أنه كانت تربطني علاقة معه، ولكنني أصفها بالعلاقة المهنية. فمن خلال شروحاته سمح لنا الأمير هشام العلوي بفهم أفضل لعالم المخزن الذي ينتمي إليه رموزه ورجاله. فكل المعلومات، وأؤكد على أن كل تلك التي قدمت لنا من قبله كانت صحيحة، وحينما تم اضطهاده من قِبل مديرية أمن الإقليم الشرطة السياسية للملك، فإن كتاباتي كانت من بين الكتابات القليلة التي دافعت عنه، وهو أمر كنت سأقوم به أيضا لو كان ضحية النظام أخرى غير الأمير مولاي هشام.
كما أنك اتهمت بمعاداة السامية
لم اتهم بمعاداة السامية فقط، بل اتهمت أيضا بأنني عنصر من العناصر التابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، لأنني سبق أن درست في المدرسة اليهودية وأجريت حوارا مع الوزير الأول الإسرائيلي. ولحد الآن، فإن الاتهامات الأكثر تداولا، والتي تعرضني وأسرتي إلى خطر كل يوم في المغرب، تتعلق بإسبانيا والجزائر وجبهة البوليساريو؛ فقد اتهمت دوريا بأنني عنصر من مصالح المخابرات السرية الجزائرية والإسبانية وتلك الخاصة بالبوليساريو، وإذا صح ذلك، فإن ذلك يعني أنني عنصر مخابرات سيء جدا وغير كفء، لأن الجميع على علم بذلك..
اخترت مواجهة النظام السياسي في المغرب بصحافة السخرية، ألا تعتبر أن المواجهة غير المتكافئة كانت مكلفة وبعواقب، آخرها حرمانك لمدة 10 سنوات من الممارسة والكتابة الصحفية، وقبلها معاقبة مجلة “الغد” أو “دومان” من خلال منعها من الصدور، والحكم عليك بأربع سنوات سجنا نافذا؟
هذه قضية مبدئية وقضية كرامة وشرف، فلا أحد يحق له أن يمنعني من التعبير عن رأيي بحرية، وأن أصرح بما أعتقده بخصوص هذا النظام، وإذا اقتضى الأمر بأن أدفع الثمن فإنني أدفعه حاليا، لأن الدولة المغربية ترفض تجديد بطاقة تعريفي وجواز سفري، وأنا مستعد لدفع الثمن، فالمبادئ لا تشترى ولا تباع. والمشكل أن الطبقة السياسية المغربية تم تخذيرها من قِبل الملك الحسن الثاني، وتم استعادة إسلاميي حركة “العدالة والتنمية” من قِبل القصر الملكي، ويميل الناس إلى اعتبار الصحافة المستقلة كمعارضة حقيقية للنظام.
هل كان هناك تهديد أمريكي صريح للمغرب في حالة عدم إطلاق سراحك بعد التوقيع على اتفاق التبادل الحر. هل لك أن تحدثنا عن الأمر؟
هذا هو الذي تم نشره في جريدة أجنبية “دي ايكونوميست” أو “فاينانشال تايمز”. لا أتذكر ذلك جيدا، وفي هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة تصرفت أفضل من فرنسا التي نتقاسم معها اللغة نفسها التي نتكلمها ونستخدمها مهنيا. هذه فرنسا التي أعيد الإشارة إليها هي نفسها التي أخرجت إلى الشارع ملايين الأشخاص للدفاع عن حرية التعبير.
حتى بعد انقضاء حكمك لمدة 10 سنوات إلا أن السلطات المغربية تواصل ملاحقتك، والدليل ما حدث لك في تطوان من عدم منحك شهادة السكن، وإقحام والدك الطاعن في السن في القضية، عشية استضافتك من قِبل إذاعة ميزرات الدولية الصحراوية، ما الذي تريده السلطات المغربية من لمرابط؟
هو شكل من أشكال التحرش. وفيما يخصني، فإنني لا أبالي، أنا متعود على ذلك، ولكن إقحام والدي عنوة وبالقوة وهو الشيخ الطاعن في السن ويبلغ 98 سنة في القضية، وإرهابه كما قام بذلك “مقدم” وهو أحد رؤساء الحي، غير مقبول، ثم رفض تسليمي شهادة الإقامة لمنعي من تجديد بطاقة تعريفي وجواز سفري، كل ذلك يندرج ضمن استراتيجية بائسة وحقيرة تم إعدادها من قِبل وزارة الداخلية، وتهدف هذه المساعي إلى منعي من إعادة بعثي كصحفي، لأنني دون بطاقة تعريف لا يمكنني التنقل في أي مكان في المغرب، وأكثر من ذلك لا يمكنني تحصيل أي وثيقة إدارية، فالقصر عازم على أن يجعلني مواطنا دون هوية على شاكلة “البدون”، وأنا سأكون أول “بدون” في منطقة المغرب العربي.
وما الذي يريد أن يعمله لمرابط، هل من مشاريع تخطط لها بعد استنفاد محكوميتك؟
بعث نشاط صحفي والعيش كصحفي في المغرب، ومواصلة العمل السلمي والمسالم دون تجريح لأحد، وأن أقول وأعبر على ما أفكر فيه.
من هو علي لمرابط؟
صحفي مغربي منع من الكتابة والنشر في بلاده منذ عام 2005، بعد الحكم عليه بحظر ممارسة مهنة الصحافة لعشر سنوات متتالية، بعد التقرير الذي كتبه لصحيفة “إل موندو الإسبانية” وقال فيه إن الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف يُعتبرون “لاجئين” وليسوا في عداد “المحتجزين”، خلافاً للأطروحة الرسمية المغربية، على الرغم من أن القانون الجنائي المغربي لا ينص على هذه العقوبة.
وبعد أن اكتملت عقوبة منعه عن الكتابة لم يتمكن من الحصول على شهادة الاقامة لتجديد بطاقة تعريفه الوطنية وجواز السفر، بتعليمات من وزارة الداخلية.