المزيد من الأخبار






مسار أول مغربي يصل قبة البرلمان الهولندي: محمد الرباع.. كفاح من أجل العدالة


مسار أول مغربي يصل قبة البرلمان الهولندي: محمد الرباع.. كفاح من أجل العدالة
محمد بوتخريط . هولندا


إهداء: إلى رجل مناضل متواضع إلى أبعد الحدود.. إلى محمد الرباع.

حين دخلت البلد يسكنني هاجس الاستقرار.. و شبح الأحلام.أبحث عن حق ضاع مني هنالك ، في أزمة ما بين الحق والواجب وكأن المسمى الإنساني ضاع.. وبتت أبحث عن حرية وهمية قوامها حق مشروع . كنت أسمع اسمه ومجموعة وجوه شابة وقتها يتردد كثيرا في الساحة السياسية .. لم أكن أفقه شيئاً من سياسة البلد سوى اصرار وتحدي وعزيمة كنت أراها في عين هذا الرجل تطل على من شاشات التليفزيون .

كانت شخصيته من بين أول الشخصيات التي تربعت على عرش التاريخ هنا وعرفتها وقتها.

كنت وأقراني لا نعرف شيئا عنه.. من هو؟ ماذا يعمل؟ كما أننا لم نكن نعرف سببا للشعبية الكبيرة التي اكتسبها . فالعالم بالنسبة لنا وقتها كان يبدأ من الدروب الضيقة الى مقر البلدية ومراكز التسجيل والتشغيل وينتهى عندها، كنا نسمع اسمه يتردد بين من سبقونا من المغاربة .
تساءلنا وقتذاك .. لمِ يرددون هذا الاسم؟

بعدها عرفنا..وفهمنا ..
إنها الحقوق المهضومة...
الحق الذي يجعل الناس تصرخ ...
لكن ليس كل الناس !

فقط من لديهم كرامة .. والمخلصون للمبادئ .. والصادقون .. يثأرون لكرامة الإنسان و لأجل الحق.
حقاً لم تعد الذاكرة تسعفنى لاتذكر العديد من الأشياء ؛ لكن هو لا زال في الذاكرة ..

حتى انى لازلت استطيع ان اصفه وصفاً دقيقاً . مع انى لم أراه ولم أجلس معه سوى مرات معدودة و قليلة جدا لم أمنح نفسي وقتذاك فرصة لأعرفه أكثر لكنها مازلت محفورة فى الذاكرة... عيناه كانتا تحملان نظج وتحدي الدُنيا كُلها ؛ صافيتان لونهما كلون الحقيقة .

حين صادفته لاول مرة ترك لي ذكرى صوته الصامت الذي مازلت اسمعه داخلى و كأنه كان الامس ...إن لم تقترب كثيرا منه لن تسمع صوته.. يتحدث بهدوء لكن باتزان..لم اسمعه يوما يصرخ في وجه احد او يشتم او يسب أحدا .

انشغل في حياته متواضعا بقضايا ومشاكل الجالية المغربية هنا , نذر حياته وكرس كل جهوده لخدمة قضايا الجالية والمغتربين وكل القضايا العادلة سواء في هولندا أو خارجها.

وبذلك كان وما زال يمثل الى حد ما قدوة للنضال و التضحية لأجيال عديدة من المجتمع الهولندي، من مغاربة و اتراك و باقي الشرائح الاخرى المهمشة في المجتمع.

فيما عدا ذلك، قد يختلف معه الكثيرون، خاصة في بعض مواقفه وقناعاته ، وصداماته مع سياسة بعض التيارات والاحزاب ، وبعض انتقاداته لأخرى وهو ما أثار حفيظة عديد من الشخصيات السياسية والمدنية و الحزبية..

كما أن بعض النشطاء الأمازيغ بدورهم أخذوا على الرباع عدة مؤاخذات لعل من أبرزها المتعلقة بالاساس بمواقفه من الامازيغية .. فضلا عن ما يسمُّونه السكوت وتغييب الحديث عن تعزيز تدريسها وقتَ كان برلمانيا..كما اختلفوا معه في العديد من القضايا الأخرى، وخاصة منها قضايا الهوية والتعدد الثقافي واللغوي في البلاد...

ولكن ورغم ذلك ، يعترف الكثيرون أنه هو واحد من الشخصيات القليلة والنادرة التى استطاعت أن تحفر اسمها وتحقق مكانتها وتصنع تاريخها داخل هولندا ... وهو الرجل الذي لطالما كسب احترام وتقدير الجميع, وكسب الثقة من مختلف الشرائح ... رغم مواجهته في المقابل للعديد من التحديات من زملاء سياسيين بعد أن تحدى وفرض مجموعة من المواضيع على جدول أعمال كل السياسيين و الحكومات الهولندية السابقة، منها ملفات العنصرية و الحروب الاستعمارية و سياسات الاستيطان في فلسطين..واليهود... الخ.

قد يتساءل البعض لماذا اكتب بصيغة الماضي حول شخص لا زال حيا يُرزق بينا.

هكذا الامور تسير إن صارت قدرتنا على الكلام أضعف، وهو لم يعد اليوم قادرا على الخطب والكلام ؛ مصاب بجلطة دماغية تعرض لها منذ أكثر من ثلاث سنوات، افقدته القدرة على انتاج الكلام. لكنه وكما تقول عنه زوجته لا يزال يعبق بالحياة رغم عدم قدرته على الكلام .

ما زال يحاول، عبر مقربيه و أصدقائه، أن يتابع وعن قرب ما يجري في الساحة من اوضاع ومستجدات ومتغيرات سواء داخل هولندا او في المغرب أو خارجهما.

لا زال كما كان دائما، لاعبا اساسيا في الملعب السياسي، متمكن من ادواته، ولا يتجاهل وجوده وفطنته سياسياً إلا من في عينه حسد أو ضغينة.

مسيرته لا مساحات فارغة فيها..فبعد ان غادر المغرب فارا إلى هولندا عام 1966، بعد كل ما عاشه وما عاناه من مصاعب واستهداف، وتضييق سلطوي طاله..انخرط مبكرا في العمل السياسي مدافعا عن أوضاع العمال الأجانب في هولندا. بعد ذلك أصبح مديرا للمركز الهولندي للأجانب .. ثم انتُخب نائبا في البرلمان الهولندي باسم حزب اليسار الأخضر.

ويعد بذلك أول مغربي يصل قبة البرلمان الهولندي. عُين بعد ذلك وبعد مغادرته البرلمان في منصب 'محافظ قانوني' ببلدية لايدن ، غير أنه لم يستطيع الاستمرار في عمله طويلاً فقد عانى من مرض عضال حال دون استمراره في العمل. لكنه واصل نشاطه السياسي ملتزما بأجندة النضال من أجل قضايا المهاجرين خاصة منها المتعلقة بالجاليات المغربية والإسلامية في هولندا.. وهي امور لم ترق القيادة السياسية داخل حزب اليسار الأخضر، وما زاد طينتهم بلة موقفه من السياسي الهولندي اليميني المعادي للمهاجرين خيرت فيلدرز بل وجره للمحاكمة متهما إياه بالتحريض على الكراهية وبالميز العنصري تجاه المسلمين .

بعد ذلك قدم محمد الرباع استقالته من الحزب، لكنه لم يستقل من نشاطه السياسي .. بل تفرغ له عبر أنشطة ، ندوات ولقاءات .. تبنى الحراك السياسي الشبابي ، ساند حركة 20 فبراير متبنيا مطالبها بل ومنسقا مع شبابها.

هي مسيرة عقود من النضال و العطاء أدركها أصدقاء ورفاق ،عايشوه عن قرب ، لتأتي الفكرة..والمبادرة .. مبادرة جميلة من اصدقاء أوفياء . وراءها حب كبير لا متناهي و أهداف سامية نبيلة..

أصدقاء وأحبة ورفاق ،عايشوه عن قرب، عاشوا معه كل المعارك النضالية ، السياسية منها و الحقوقية سواء التي خاضها او التي كان يقودها. حبٌ دفعهم أن يبادروا الى لملمة اوراق وتاريخ "الرباع" تعمقوا في ثنايا رحلته الممتدة لأكثر من خمسون عاما..ودونوها في كتاب سمُّوه `كفاح من أجل العدالة`..

هذا الكتاب هو عربون كرم ؛ لرجل عرفناه كفرد دمث الأخلاق ، واسع القلب ، هادئ الطباع ،عميق الرؤى ، مناضل اختبره الزمن ، وعرفته الساحة السياسية ، كرّس شطر حياته الأكبر مناضلاً من اجل الدفاع عن حقوق الأقليات و المستضعفين و المضطهدين...وفي سبيل نصرة قضية شعبه و قضية الديمقراطية وحقوق الأنسان في البلاد.. و من اجل وطن يسع الجميع ويصون كرامة الجميع.

كل الاحترام ..
و حبا انسانيا بلا حدود..
وحياة سعيدة بل وأكثر...هادئة و...مريحة .
لهذا الرجل المتواضع الى ابعد الحدود .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح