NadorCity.Com
 


هكذا عرفت مصطفى القرمودي


هكذا عرفت مصطفى القرمودي
أحمد الجبلي

لازلت أذكر ذاك اليوم من أيام سنة 1997 حين زرت منزل بعض الأصدقاء الطلاب بحي القدس ,,وكالعادة لا وقت لضياع الوقت لأن العلم وحب المطارحات الفكرية كان ديدن هؤلاء المناضلين تحت راية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب,,وقد أثار انتباهي أن تمة من بينهم شابا نحيفا خفيف الحركة يحسن الصمت ويجيد الاستماع ,, وانتهت الزيارة دون أن ينبس أخي مصطفى ببنت شفة.
وقد شاء الله تعالى أن تتكرر الزيارات لهؤلاء الأصدقاء,وبعد أحد اللقاءات الحميمية الرائعة المفحمة بالنقاش وتداول الآراء سألني أخي مصطفى سؤالين اثنين سؤالا فقهيا وآخر حول تاريخ أو ط م, وبعد جوابي عن أسئلته، كان يفرح عند كل زيارة أزورهم فيها،
وكان حريصا عندما نلتقي أن يطلب مني أن أعطيه عناوين كتب تستحق القراءة، وقد أبدى لي شغفه بالمطالعة وحبه لمعرفة الجديد وحرصه على تكوين الذات, ومما زاد من فرحتي بصداقته أنه كان ينتهي من قراءة ما أسلمه له من كتب في سرعة مذهلة ويطلب المزيد,
وغير ما مرة قد أبدى لي رغبته في زيارتي في منزلي ليطلع على ما لدي من كتب، وشاء الله أن يزورني مصطفى رفقة صديق له وقدمت له عناوين كثيرة اختار منها كتابي المجتمع والتاريخ وهو كتاب لازال في حوزته ليومنا هذا لشغفه بالكتاب ولم أكن أجد مانعا في أن يبقى الكتاب عنده لأنني كنت أعتبره وكأنه في مكتبتي لعنايته بالكتب وحبه لها، واقترحت عليه قراءة كتاب الإنسان والتاريخ لمعرفتي بطبيعة الكتب التي كان يريد قراءتها وهي كتب تحمل العمق الفكري والجديد في طرح قضايا الأمة.
كانت علاقتنا في هذه الأثناء عادية جدا ,,وكان من الممكن ألا نلتقي إلا بعد مدة طويلة نظرا لانشغال كل منا ببرامجه الشخصية والعائلية.
كان مصطفى ذا تكوين علمي ورغم توجهه العلمي الدراسي كان شغوفا بطلب العلم والقراءة والبحث عن الجديد، فشق لنفسه طريقا عصاميا فريدا ومتميزا، وهذا من الأمور التي جعلته مناضلا شرسا في الصفوف الطلابية. ومحاورا شجاعا لا يخشى أحدا..في حالات كان مصطفى يضطر للاعتكاف على مقالات ووثائق تسقط في يديه من أجل أن يفتح حلقة يجابه بها الخصوم الفكريين والعقديين في الساحة الطلابية.
عاشق للكتب
من الناذر أن تجد في الحياة إنسانا يعشق الكتاب عشقا، ويحترم الكتاب احتراما، لم تكن تغريه التطورات التكنولوجية التي أبعدت الناس عن الكتاب وفتحت أمامهم مجالات سريعة في البحث والحصول على المعلومة. فالكتاب لدى مصطفى لا غنى ولا بديل عنه, ومن الممكن أن يحرم نفسه النوم بكتاب شد انتباهه فغاص فيه ولم يستطع عنه فكاكا. وذاكرته ذاكرة فذة تستجمع المعلومات وتستدعيها بشكل فوري دقيق وكأنه يقرأ في كتاب. هذا كان واضحا أثناء ارتجالاته المعلومة في النقاش وهو يدافع وينافح عن كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام سواء في مواجهة المسيحيين والأقباط أو الفرق الضالة من شيعة وقرآنيين وأحمدية وغيرهم..
مصطفى شيخ الإسلام في البالتوك والمنافح عن الكتاب والسنة
لقد كان لمصطفى سبق في التعرف على عالم الحوار والنقاش في النت وهو البالتوك, وهو من علمني وألهمني الحوار في مثل هذا العالم الكبير والوعر. كما علم وألهم الكثير من أصدقائه وشجعهم على البحث في العقيدة الأشعرية والدفاع عنها.
عيسى 18 – النورسي – بيش بيش السلفي – مالكم – نبيل -
لمصطفى أسماء متنوعة كان يحاور بها في عالم الحوار والإقناع والدفاع عن الحق أهمها وأشهرها عيسى 18 هذا الاسم المدوي في عالم البالتوك والذي كان يرعب المسيحيين في غرفهم لأنه كان أسدا عندما يزأر في هذه الغرف وكلما زأر أخرس صوت الكتاب المقدس الذي كان يطلق عليه اسم ” الكتاب المكدس” حتى صار عدوا يحذر منه كل مسيحي لا يقوى على الحوار أو المواجهة مع عيسى 18.
إن خبرة مصطفى في إدارة النقاش جعلته يبدع فيه ويتميز بطرق محددة حسب طبيعة المحاور. فعندما يكون المحاور محترما يعتمد الحوار بآلياته المعترف عليها تجد مصطفى محاورا مستمعا رزينا يقرع الحجة بالحجة ويسرد الأدلة بعد تحليل نسقي أعمق ومع كامل الاحترام والتقدير لهذا الخصم ولو كان ملحدا أو مسيحيا أو كيف ما كان معتقده. ولكنه استطاع أن يبدع طرقا إبداعية في حوار الخبثاء من الضالين المضلين الذين يعرفون بأساليبهم التهكمية والاستهزائية، مع إبداعات في استعمال طرق المكر والحيل الشيطانية. ولمزيد من التوضيح لهذه الأساليب الخبيثة نسوق مثالا بسيطا ومعبرا. دخلت شابة مسلمة إلى إحدى غرف النصرانية عن طريق الخطإ وإذا بها تسمع سبا وشتما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وهذه الشابة كان اسمها فلة رفعت يدها لتطلب الكلمة لتدافع عن نفسها وعن دينها الذي يهان في هذه الغرفة، وعندما رآها الأونر الذي كان يسير الغرفة قال لها: اسمك فلة.. والله ذكرتني بكلبة كانت عندي اسمها فلة. هذه هي أساليب غرف النصرانية ، ولكن عندما يتمكن مسلم من أخذ الكلمة لأنه دخل باسم لا يدل على المعتقد والتوجه الديني، فإذا بدا أنه لا علم له وأنه فقط يعبر عن سخطه ويبدي توترا كبيرا وتلعثما لانعدام تجربته، يجعل القوم منه أضحوكة ويتبادلون عليه الأدوار بمداخلاتهم ويهمز بعضهم كتابة ويرسل صور وحش أو حمار.
ولكن إذا ما تدخل مسلم عارف لدينه وله القدرة والكفاءة للدفاع عنه ويعرف الأساليب الناجعة المفيدة مع هؤلاء قيدوا له من هو متخصص في الرد على مثل قوته أما إذا فشل سيحاول غمطه الحق في الكلام وإذا لم ينفع الغمط وأبدى عنادا وصمودا وتعنتا يقصونه فورا ويجد نفسه خارج التغطية.
إن مصطفى ابتكر آليات حوارية مع هؤلاء تجعلهم لا يقصونه، بل ويستمعون إليه طويلا ، من أهمها أنه لم يكن في دفاعه عن الإسلام ينطلق من القرآن والسنة لأنه يعرف أن هؤلاء القوم لا يؤمنون لا بالكتاب ولا بالسنة، وبالتالي فإن أفضل وسيلة هي تفنيد ما عندهم هم في كتابهم الذي يسمونه مقدسا انطلاقا مما جاء فيه وفي الطبعات الأخرى الكثيرة والمتضاربة.
أما في حالة ما إذا وجهت إليه أسئلة مباشرة حول قضايا إسلامية ما، كان يرد بطريقة تجعله يحسن حسن التخلص حتى ولو لم يكن يملك جوابا كافيا ومقنعا، مثلا حدث ذات يوم أن سأله قس خلال مناظرة مباشرة حول ما يبدو خطأ لغويا في القرآن الكريم، وأنا على يقين أنه لو كان أي واحد مكانه لرفع الراية البيضاء وسلم رقبته للقس، ولكن مصطفى بحنكته المتميزة أجابه قائلا: أنت تقول بأن الآية القرآنية التي ذكرت بها خطأ لغوي.. وهذا جيد لأنه يدل على أنك قد استطعت تحديد خطأ لغوي في القرآن .. والإنسان الذي يستطيع أن يكتشف أو يحدد خطا لغويا ما ففي القرآن، معناه أنه متخصص في اللغة والبيان ومتضلع في النحو والبلاغة وعلومهما. الآن أنا أطالبك بأن تثبت لي أولا أنك فعلا خبير باللغة حتى أصدق بأن هذا خطأ لغوي حدده خبير معتمد في علم اللغة، وكي أجزم بأنك خبير فعلا وقد استطعت تحديد خطإ لغوي في القرآن، عليك أن تذكر لي ما هي أقسام الواو في اللغة العربية؟ فبهت الذي كفر..وهكذا أثبت مصطفى عجز هذا المدعي وأنه مجرد كذاب يفتري على الله ورسوله دون أن يتحمل عناء التفكير في موضوع لا علم له به.
وعندما يرى أن عدد المستمعين قد كثر يفجر القنبلة ويحرق الدار بما فيها. وهذا ما فعله مع الأب زكرياء بطرس وهو ما هو في كنائس مصر ومكانته عند الأقباط. وهو قمص قبطي ذو خبرة كبيرة في الإذاعات العالمية التبشيرية وقد كان له برامج خاصة في قناة الحياة، عمل كاهنا في استراليا وانجلترا حصل على جائزة مجلة وورلد عن برنامجه حوار الحق .سنة 2008 ، ووصفته صحيفة الإنسان الجديد بالعدو رقم واحد للإسلام ورأسه مطلوب من طرف تنظيم القاعدة و خصص مكافأة لمن يأتيه برأسه حيا أو ميتا ،تقدر المكافأة ب 60 مليون دولار.
إن عيسى 18 استطاع أن يكسب ثقة الأب زكرياء بطرس رغم كونه قياديا كبيرا بين أقباط مصر وهو خبير متمرس شرس في حواراته . إن عيسى 18 دخل إلى أشهر غرفة يمارس من خلالها المسيحيون المصريون التبشير والحط من الإسلام وتشويهه. دخل عيسى إلى الغرفة في صورة مسلم مرتد وباسمه المشهور عيسى 18 مما جعل المسيحيين يهللون ويفرحون ويرقصون. وأخذ المسلمون الذين كانوا في الغرفة حينها يسبونه ويلعنونه ، وأخذ عيسى يبدي للأب زكرياء أن هؤلاء مزعجون ولا يحترمون حرية اختيار العقيدة.. ، مما دفع الأب زكرياء إلى سحب جميع التدخلات كلاما ونصا ليفسح المجال فقط لعيسى ليتحدث عن البشارة أو البشارات التي رآها وأدت به لاعتناق المسيحية.وسأله الأب زكرياء ، ومما ينم عن عبقرية عيسى 18 أنه أحسن اختيار الطعم للقمص الشهير عدو الإسلام رقم واحد، حيث أغرى الأب زكرياء بطرس بقوله أنه رأى يسوع في صورة الأب زكرياء مما أسال لعاب الأب زكرياء فأخذ المايك وقال: يبدو أن اختبارعيسى سيكون من الوزن الثقيل ، ورحب بعيسى وطمأنه بأن يأخذ وقته وأنه على استعداد أن يبقى معه حتى الصباح، وأنه سيغلق كل الاتصالات صوتا وكتابة في الغرفة وطلب الأب زكرياء من عيسى أن يحكي له كيف كان في الإسلام وأن يتحدث عن تعصبه وهل كان يحتل مركزا مهما في الإسلام وماذا كان موقفه من المسيح وما الذي غير حياته؟ وأخذ عيسى المايك وتحدث عن تتبعه للأب زكرياء وهو يظهر في قناة الحياة وأنه في السابق كان سيئا معه حيث كان ينعته بالعجل والسافل والحقير.. وكان يسمي غرف المسيحيين بالمراحيض والزبالة.
واستمر عيسى 18 يطيل في الكلام ويلعب على أوتار أعصاب كل الحاضرين على رأسهم زكرياء بطرس العظيم، هنا جحظت عينا بطرس وعلم أنه على وشك أن يفجر قنبلة كبيرة في وجه المسلمين باعتناق أحد رموزهم ومفكرا مثل عيسى 18 للمسيحية وتخليه عن الإسلام لأنه لم يكن في يوم من الأيام مرتاحا ولا مطمئنا لما يفعله المسلمون. واستمر عيسى يطيل ويتفنن لغويا واصفا تارة وموضحا أخرى وزكرياء فقط ينتظر على أحر من الجمر ليقول عيسى ماذا رأى كبشارة , خصوصا وأنه في البداية قال بأنه رأى يسوع في صورة الأب زكرياء بطرس ولكن لم يوضح لا كيف ولا أين وما الذي اعتراه وماذا قال له ؟؟
واستمر عيسى في تمطيط الحديث إلى أن امتلأت الغرفة عن آخرها وهي تتسع لسبعة آلاف عضو وزائر من كل أنحاء العالم. وإذا به يقول.. نعم.. نعم لقد رأيت يسوع..والأب زكرياء يتلهف ويترقب.. ويضغط على عيسى ليتمم هذا النبأ العظيم المدوي..ويسترسل عيسى قائلا.. بعد كل هذا ، أي كل ما كنت أنعت به الأب زكرياء وغرف النصارى، أحمد الله على هذه الحقيقة التي تجلت لي وأنا أنظر أبانا يسوع وهو في صورة أبينا زكرياء .. يسوع يطلع .. تخيلوا معي أين سأجده؟ ….في قمامة الزبالة.
هنا انفجرت الغرفة ضحكا وانفجر عيسى في قهقهات مدوية.. وقال له: يا زكرياء اتقي ربك وعد إلى رشدك وهو غارق في الضحك.. وتجمد الأب زكرياء ولم يستطع صبرا فراح هو نفسه يضحك مما وقع له. عيسى سخر منه وحوله إلى أضحوكة عالمية تفضح ضلاله وسداجته. واستمر الحديث عن هذا المقلب الكبير لشهور وشهور وسار حديث الغرف في البالتوك. وقد عمل المسلمون في مصر على نشره في موقع اليوتيوب وهو هناك إلى حد الساعة وقد جعلوا له عنوانا هو: مقلب جامد من عيسى المغربي لزكرياء بطرس.
نسأله الله تعالى أن يجعل هذا الفضح لأعداء الدين صدقة جارية في صحيفة أخينا مصطفى رحمه الله وأسكنه فسيح جناته حتى تطلع عليها الأجيال تلو الأجيال.
جندي من جنود العقيدة الأشعرية
تخصصه في الحوار الإسلامي المسيحي فسح له مجال الاطلاع والنظر في الكثير من الغرف منها غرف الحوار الأشعري السلفي. ولما رأى مصطفى تعصب هؤلاء المخالفين في العقيدة وطرق حوارهم الملتوية وضعف الكثير من أصحاب العقيدة الأشعرية اعتكف على دراسة عقيدة أبي الحسن الأشعري كما اعتكف على دراسة الفلسفة والتأويل والفرق الكلامية واقتنى كل كتاب يتحدث عن عقيدة السلف الصالح أو يتحدث عن عقيدة المخالفين ودخل في مناظرات لازال الكثير منها مسجلا زأر فيها كما يزأر الأسد في وجه أعداء العقيدة الإسلامية الذين يظنون أنفسهم أنهم هم أهل السنة والجماعة. كما أسس غرفة رفقة أستاذة من بلجيكا تدرس العقيدة الأشعرية فجعلاها غرفة خاصة لنشر عقيدة أهل السنة والجماعة والدفاع عنها في وجه المخالفين والمتربصين والمتحاملين.
إن شراسته في الدفاع عن العقيدة الإسلامية وغيرته عليها مكنه من أن يحضى بأصدقاء ومحبين من كل العالم..وقد عرض عليه الكثير منهم أن يوفروا له كل الإمكانيات ليدرس في جامعاتهم وعلى نفقتهم الخاصة منهم أحد أصدقائه المخلصين اسمه الدكتور أحمد من مصر دعاه للدراسة في الأزهر الشريف حتى يتخرج كعالم في العقيدة الأشعرية. ولكن مصطفى كان ذا طموح كبير هنا في بلاده لشعوره بأهمية الدور المنوط به في البناء والتنمية وفي محاربة الفساد والمفسدين. كما جاءته دعوات من أوربا ولبنان وغيرها.
ابن زايو البار
كثير من الناس وكثير من أبناء مدينة زايو لم يكونوا يعرفون ماذا كانت تمثل مدينة زايو للأستاذ مصطفى القرمودي.ولعل بمجرد الحديث عن معاركه السياسية مع الفساد في المدينة يتضح بعض من حبه لهذه المدينة. فضلا عن تحركاته الجمعوية والحقوقية والنضالية.
إن مدينة زايو كانت تشكل له هاجسا جعل حديثه مع الأصدقاء في المدينة جله عنها وعن ما يمكن أن تتحول إليه هذه المدينة التي تتوسط مدينة الفلاحة ومدينة التجارة أي بركان والناظور. وفيما يخص معاركه السياسية بها لم يكن ليخوضها لو كان العمل الحزبي بها يسير وفق دواليب العمل المؤسساتي الديموقراطي الذي يحترم آليات الاشتغال في الحقل الذي من المفروض ان يجعل مصلحة العباد والبلاد هي أسمى ما يسعى إليه.
إن عدوه اللذوذ الذي ظل عدوه طيلة حياته هو الكولسة والتخابر والشيطنة وتحريف الكلم عن مواضعه والكيل بمكيالين والنفاق والطعن في الظهر وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة للمدينة والبلاد.
لقد عاش الأستاذ مصطفى القرمودي غريبا في أهله، غريبا بمدينته غريبا في
وطنه..ويصدق فيه قول الشاعر:
غربتي غربة المشاعر والروح وإن عشت بين أهلي وصحبي
أنشر الحب و الهناء فألقـــــــى ناتئات الأشواك تملأ دربـــــــي
العمل السياسي بين المبدأ والمغريات
ظل الأستاذ مصطفى القرمودي وفيا لمبادئه التي نشأ عليها داخل الحركة الإسلامية وكرسها بعصاميته الكبيرة في طلب العلم ومعرفة سير الرجال و بحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه الجبارة التي جعلت الأعداء ينحنون لها إجلالا وتقديرا.
إن إغراءات العمل السياسي من شأنها لبريقها ومكتسباتها أن تسقط الجبال الشامخات. وقد رأينا المتساقطين بالجملة يلعقون الأحذية ويغيرون الألوان والأقمشة ميلا للغالب والقوي من أجل عرض من الدنيا قليل.
لقد كانت الفرص أمام الأستاذ مصطفى القرمودي كبيرة ليتحول من شاب عاطل إلى ثري يلعب بالأموال لعبا, ويصول ويجول في أرض الله كيف يشاء, ولكن مقته للنفاق والتزلف والذل وتمسكه بأنفته وكرامته وعزته جعله فوق كل المغريات..فأسس لعمل سياسي نظيف ومارس السياسة بفطنة وكياسة وحسن تقدير الأمور والأشياء..ولكن مع شجاعة قل نظيرها وشراسة في محاربة الفساد والمفسدين. لم يكن يخشى شيئا ولا أحدا إلا الله.. وقد تعرض مرات لعمليات ابتزاز وبلطجة ولم يثنه شيء عن مواقفه ومسيرته في محاربة الفساد رغم العديد من الأصوات التي كانت تعمل جادة على تنيه عن هذا الطريق ومحاولة تهويل العواقب وما يترتب عادة عن مواجهة الكبار المحصنين.
لقد عرضت عليه مناصب حزبية كبيرة وقدمت له أحزاب قواعدها وهياكلها يشتغل بها في الواقع كيف يشاء.. وتمنى العديدون من أن يكون مناضلا في صفوفها..كما اتصل به مبعوثون لأناس كبار يعرضون عليه ما يسيل اللعاب ويفتح شهية القبول. ولكنه كان فوق كل تلك العروض لعلمه أنها كانت بعيدة كل البعد عما كان يؤمن به من قيم ومبادئ وأفكار ولأنه كان مشبعا شرفا وعفة وطهارة سريرة وسمعة لم يستطع خصومه المساس بها.
وشراسته مع الخصوم المفسدين جعلتني أقول له مرارا: يا مصطفى من الأفضل للخصوم أن يجعلوك في صفهم عوضا عن أن يجعلوك خصما أو عدوا لأن معركتهم معك حتما خاسرة. بمعنى آخر إن الفرقة التي يلعب في صفوفها مصطفى لا يمكن أن تهزم لشراسته وعناده في الحق.
مصطفى نسيج وحده
لم يكن الأستاذ مصطفى القرمودي يعتمد على أحد لا في كسب قوته ولا شراء كتبه وفي حله وترحاله، لقد اشتغل بعرق جبينه وأسس شركة بناء رفقة شريك..واشتغل وكد وصمد في وجه العديد من الصعاب التي عادة ما تعترض شابا في بداية المشوار، كان كثير التنقل لتتبع مشاريعه والوقوف على أشغال الورشات بكل مسؤولية وجلد في صيف أو شتاء،
ولكن سيتلقى طعنة أفقدته عقله طعنة من شريكه الذي لما رأى المحصول ورأى نتائج المجهودات التي بذلت ودخلت الأموال إلى الحساب البنكي استولى على الجمل بما حمل.
إن هذه الطعنة لا تختلف كثيرا عن الطعنات السياسية التي تلقاها وهو يبدل نفس الجهد ويقدم التضحيات من فكره ووقته. إن الصعاب والمشقات التي عرفتها حياته لم يكن لأهله بها علم. ولن نكون مجانبين للصواب لو قلنا بأن أهله كانوا طرفا، من حيث لم يعلموا، في هذه المشقات والصعاب لأنهم تركوه وحيدا يحارب في معترك الحياة، وبعدم حسن التواصل الجيد معه فقدهم قبل أن يفقدوه. لقد فقدهم وهم أحياء وهم فقدوه عندما رحل دون عودة.
رجل والرجال قليلون
إن كل الذين تعاملوا مع الأستاذ مصطفى القرمودي من أصدقاء وجيران وأحباب يشهدون بأنه كان كريما كرما خاصا، ووقافا في المحن والشدائد، ساعيا لخدمة الآخر وتقديم يد العون والمساعدة..ولولا خوفي من أن أفصح عن أسماء الكثير من الناس لذكرت أمثلة تنم بوضوح عن شهامة مصطفى وكرمه ورجولته ، ولم يسبق له أبدا أن تخلى عن أحد جاءه ساعيا راغبا في خدمة أو مساعدة، وإذا لم يكن بوسعه فعل شيء تجده يتآكل من قلبه متأسفا أشد الأسف وعلامات الحزن والأسى بادية على محياه.
إن بعض الخدمات التي قدمها للناس كانت تتطلب منه قطع مسافة مئات الكيلومترات على نفقته الخاصة.. وهو يفعل ذلك بفرح وغبطة متكلا على الله ومحتسبا الأجر عنده.
مصطفى والكتابة
إن انشغال مصطفى بالحوار والمناظرات مع المخالفين وتكريس وقته للعمل السياسي والجمعوي وإدمانه على القراءة والسهر مع الكتب، جعله لا يجد وقتا لتدوين أو نشر أفكاره
وقد بدا فكره واضحا من خلال مقالين اثنين نشرهما الأول بعنوان ” أسرار استدعاء اللا شكيرا للمغرب” نشره يوم 3 يونيو 2011 بموقع الناظور سيتي. وبأسلوب هزلي ساخر من الواقع المتبلد الذي يقوده الإنسان الفقير المعدم الذي يتحدث الأستاذ مصطفى في المقال باسمه وينظر بنظره ، مبرزا أسرار هذه الدعوات المغربية الكريمة والعطايا بالملايير السخية مقابل حركات بهلوانية سخيفة يمجها الذوق وتعفها النفس الأبية. ليختم مقاله بسؤال استنكاري وهو كيف لنا أن نسلم أمورنا وأمور بلادنا لهؤلاء المسؤولين المعتوهين الذين جلبوا لهذا الوطن كل الخزي والعار ولشبابنا التلف والضياع؟ وتساءل ساخرا.. فما دمنا قد سلمنا البلاد لهؤلاء فلما لا نسلهم حتى أرواحنا وأعناقنا؟
ومقال آخر نشره بعنوان: ” ردا على خائن الحرمين الشريفين ملك السعودية وشيوخ الوهابية” نشره يوم 14 غشت 2011 بنفس الموقع. وهو مقال أكثر من رائع ويترجم إلى حد بعيد فكر وتوجه الأستاذ مصطفى القرمودي. لقد بدأ المقال بالتفاتة لطيفة حيث قال إن الشيطان نصح آدم وحواء وقاسمهما بأنه ناصح آمين. لكنه كذاب لعين. ليخلص إلى خلاصة جميلة بقوله” فليس كل ناصح فهو ناصح حقيقة و ليس كل متكلم عن الحق فهو على حق و ليس كل متكلم عن العدل فهو عادل و ليس كل متكلم عن العقيدة الإسلامية و مدندن عليها معناه أن عقيدته سليمة … ” ليبدأ في توضيح المشروع الأميريسعودي في الإقصاء والهيمنة والتنميط الضال، وعزل الأمة عن علمائها الحقيقيين، من أجل إغراق المجتمعات الإسلامية فيما يخدم الصليبيين والصهاينة، إن الأستاذ مصطفى القرمودي قد تحدث عن مؤتمر عالمي نظمته الرابطة الإسلامية يوم 25 يوليو 2011 ..وحذر من المشروع الأمري سعودي الصهيوني وها نحن في سنة 2013 نشهد هذا المشروع يتحقق وذلك بالتخطيط الصهيوني الأمريكي السعودي لتفتيت الأمة الإسلامية بدأ من أم الدنيا مصر الحبيبة حماية لإسرائيل بإبعاد أي خطر قد يهددها وهو خطر آت من الذين يعتنقون عقيدة أهل السنة والجماعة ولا خوف عليهم ممن عقيدتهم عقيدة تجسيم وتجسيد وهي عقيدة آل سعود وشيوخهم..
هكذا كان أخي العزيز مصطفى يحمل هم الأمة الإسلامية ويحذر من أعدائها وأعداء عقيدتها عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الأئمة العظام من أمثال الإمام ابن حجر
العسقلاني والإمام النووي والفخر الرازي وابن رشد…
إن وفاة الأستاذ مصطفى القرمودي خسارة وأية خسارة، خسارة لمدينة زايو خصوصا، ولباقي الوطن والأمة الإسلامية عموما. وكل ما لمحبيه وأصدقائه أن يقولوه أو يفعلوه ردا لجمائله واعترافا بفضله وجهاده هو الدعاء له بأن يتقبله الله تعالى في الشهداء والصالحين وأن يتقبل منه سائر أعماله وجهاده وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله على أساس أنه كان شابا نشأ في عبادة الله تعالى.












المزيد من الأخبار

الناظور

الفنان رشيد الوالي يخطف الأضواء خلال زيارته لأشهر معد "بوقاذيو نواتون" بالناظور

تلاميذ ثانوية طه حسين بأزغنغان يستفيدون من حملة تحسيسية حول ظاهرة الانحراف

مهني يؤكد: تجديد"الطاكسيات" مرغوب والتعاقد العرفي يعيق العملية بالناظور

بحضور ممثل الوزارة ومدير الأكاديمية.. الناظور تحتضن حفل تتويج المؤسسات الفائزة بالألوية الخضراء

نائب رئيس جماعة بني انصار ينفي ترأسه اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية

البرلمانية فريدة خينيتي تكشف تخصيص وزارة السياحة 30 مليار سنتيم لإحداث منتجع سياحي برأس الماء

تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية