بدر أعراب
ما يلبث العام الجديد الذي يطّل علينا عادةً برأس أقرع، لم تنبت فيه ولو خصلةً بيضاءَ من الشيب بعد، يشرئب بعنقه حذراً كالمعهود، وسَط مخاوف من لِقاءِ نفس مصير رُؤوس السنّوات الماضية المُنهَكة، حتّى تُسارع كلمات التمنّي والتهاني المناسباتية، لـإيهامه بمُرورٍ سعيدٍ فوقَ بساطٍ أحمر على طريق معبّدة، مُعدّة له خصيصاً وسَط الوُرود والزغاريد والوُعود المعسُولة.
وبمُجرد ما يفتـأ رَأس السنّة الأقرع يطل فجأةً، حتّى يَمضي لِتوّه إلى حَال سَبيله رَأساً دامياً بفعل الكدمات والقروح بسبب الضربات المُوجعة التّي تأتيه على حين غفلة من كلّ جانب، فضلاً عن العُتهِ والجنون الذي يصيبانه إلى أخر يومٍ من أيام السنة، وهَكذا صار كلّ عامٍ جديد يطلُ علينا برأسٍ مدبوغاً من أصله بأثر الضربات التي يتلقاها حتى قبل حلوله.
هناك سؤال استنكاري قديم يقول به المغاربة، نكاية بالناصح الدمدومة على حدّ تعبيرهم "على من تقرأ زابورك يا داوُود!"، لهذا أرى أنه من اللباقة أن تبادل الأخر التهاني أو تصمتْ أفضل لك من أن تعطي اِنطباعاً عن نفسك قد يتمثل في أنك خارجٌ لتوّك من كهف زمن بنت كُوَيْلِب أو ابن ثعلبة الضمّام، أما إسداء النصيحة من باب "ذكر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين" فكُن واثقا من أن الناس جميعاً تعلم أن اِحتفالات رأس السنة كما تفقهها قنواتنا التلفزية، مناسبة سانحة لهزّ البطون المُدلقة يُمنةً ويسرةً على إيقاع أهازيج الطقطوقة الجبلية وأنغام أحيدوس، لا باعتباره محطة يقف عندها المرء مع نفسه وقفة جادة لتقييم مشوار حولٍ كامل، قاصدا عبرها جلد الذات أو تكريمها، لذلك ففي هذه الحالة الصمت ملجأ العقلاء وسط قوم الجهال، قوم "النشاط حتى يشيط" الذي تتلخص في منحاه بالضبط مفاهيم الحداثة والتطور والرقي، وما إلى ذلك من الاصطلاحات الفضفاضة التي نفخوا بها رؤوسنا وضجوا بها مسامعنا، كجعجعة بدون طحين.
شخصيا لا مشكلة لديّ في أن يحتفل كل العالم بكلّ المناسبات الموجودة في الأرض، ويخلدون حتى ميلاد بوذا وتاريخ مماته ومعه مُسيلمة الكذّاب وكِسرى قائد الروم وهرقل العظيم، ولكن بما أنّ أبناء المغرب العميق ما يزالوا يسكنون خريطة الفقر والبؤس التي لا خطاب فيها يعلو على خطاب الشكوى، والشكوى لله وحده لا لأحد غيره، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وبما أنهم لا يعرفون للفرح معنًى في وطنٍ يُخاصم أبناءه أكثر من سبعة وعشرين ألف مرّة في اليوم، وكلّ المناسبات عندهم تشبه بعضها كأيامهم الحالكة، وكونهم لا يعرفون حتى كيف يبادلون التهاني المُنمقة مع الآخرين المخمليّين أصحاب العائلات الكريمة ذوي الأسماء المعرَّفة لا النكرة، الذين وُلدوا بجباهٍ مختوم عليها بخاتم الشقاء إلى الأبد، لأنهم أخذوا على الأحزان والـأقراح والهموم والكُلُوم في مدنٍ لا تنطرح فيها مشاريع تنمية الإنسان إطلاقاً، عَـدَا تنمية تعميق الجراح المستدامة لكونها مدن الريح، وبما أن "المغرب العميق" في المقابل معهودٌ عنه اِحتراف تنغيص أفراح الإخوة من بني الجلدة بـ"المغرب الشقيق"، فهنيئاً للكدّاح والمنسيين والمهمشين ولأهل مداشر أنفكو وأغدو وآيت قامرة وآيت بوعياش ولأهالي الجبال المقطوعين عن العالم وغيرهم، وللمعطلين والفرّاشة كافة ولكلّ المغاربة قاطبة في كلّ المناطق التي ستستهل عامها الجديد بلا ريب بالدموع والفواجع والهروات والاعتقالات، فهنيئاً لكل هؤلاء بحلول سنة أخرى من الألم والألم وحده.
وعموما سنة نتمنى أن تكون سعيدة كما يرُوم لها الجميع.
ما يلبث العام الجديد الذي يطّل علينا عادةً برأس أقرع، لم تنبت فيه ولو خصلةً بيضاءَ من الشيب بعد، يشرئب بعنقه حذراً كالمعهود، وسَط مخاوف من لِقاءِ نفس مصير رُؤوس السنّوات الماضية المُنهَكة، حتّى تُسارع كلمات التمنّي والتهاني المناسباتية، لـإيهامه بمُرورٍ سعيدٍ فوقَ بساطٍ أحمر على طريق معبّدة، مُعدّة له خصيصاً وسَط الوُرود والزغاريد والوُعود المعسُولة.
وبمُجرد ما يفتـأ رَأس السنّة الأقرع يطل فجأةً، حتّى يَمضي لِتوّه إلى حَال سَبيله رَأساً دامياً بفعل الكدمات والقروح بسبب الضربات المُوجعة التّي تأتيه على حين غفلة من كلّ جانب، فضلاً عن العُتهِ والجنون الذي يصيبانه إلى أخر يومٍ من أيام السنة، وهَكذا صار كلّ عامٍ جديد يطلُ علينا برأسٍ مدبوغاً من أصله بأثر الضربات التي يتلقاها حتى قبل حلوله.
هناك سؤال استنكاري قديم يقول به المغاربة، نكاية بالناصح الدمدومة على حدّ تعبيرهم "على من تقرأ زابورك يا داوُود!"، لهذا أرى أنه من اللباقة أن تبادل الأخر التهاني أو تصمتْ أفضل لك من أن تعطي اِنطباعاً عن نفسك قد يتمثل في أنك خارجٌ لتوّك من كهف زمن بنت كُوَيْلِب أو ابن ثعلبة الضمّام، أما إسداء النصيحة من باب "ذكر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين" فكُن واثقا من أن الناس جميعاً تعلم أن اِحتفالات رأس السنة كما تفقهها قنواتنا التلفزية، مناسبة سانحة لهزّ البطون المُدلقة يُمنةً ويسرةً على إيقاع أهازيج الطقطوقة الجبلية وأنغام أحيدوس، لا باعتباره محطة يقف عندها المرء مع نفسه وقفة جادة لتقييم مشوار حولٍ كامل، قاصدا عبرها جلد الذات أو تكريمها، لذلك ففي هذه الحالة الصمت ملجأ العقلاء وسط قوم الجهال، قوم "النشاط حتى يشيط" الذي تتلخص في منحاه بالضبط مفاهيم الحداثة والتطور والرقي، وما إلى ذلك من الاصطلاحات الفضفاضة التي نفخوا بها رؤوسنا وضجوا بها مسامعنا، كجعجعة بدون طحين.
شخصيا لا مشكلة لديّ في أن يحتفل كل العالم بكلّ المناسبات الموجودة في الأرض، ويخلدون حتى ميلاد بوذا وتاريخ مماته ومعه مُسيلمة الكذّاب وكِسرى قائد الروم وهرقل العظيم، ولكن بما أنّ أبناء المغرب العميق ما يزالوا يسكنون خريطة الفقر والبؤس التي لا خطاب فيها يعلو على خطاب الشكوى، والشكوى لله وحده لا لأحد غيره، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وبما أنهم لا يعرفون للفرح معنًى في وطنٍ يُخاصم أبناءه أكثر من سبعة وعشرين ألف مرّة في اليوم، وكلّ المناسبات عندهم تشبه بعضها كأيامهم الحالكة، وكونهم لا يعرفون حتى كيف يبادلون التهاني المُنمقة مع الآخرين المخمليّين أصحاب العائلات الكريمة ذوي الأسماء المعرَّفة لا النكرة، الذين وُلدوا بجباهٍ مختوم عليها بخاتم الشقاء إلى الأبد، لأنهم أخذوا على الأحزان والـأقراح والهموم والكُلُوم في مدنٍ لا تنطرح فيها مشاريع تنمية الإنسان إطلاقاً، عَـدَا تنمية تعميق الجراح المستدامة لكونها مدن الريح، وبما أن "المغرب العميق" في المقابل معهودٌ عنه اِحتراف تنغيص أفراح الإخوة من بني الجلدة بـ"المغرب الشقيق"، فهنيئاً للكدّاح والمنسيين والمهمشين ولأهل مداشر أنفكو وأغدو وآيت قامرة وآيت بوعياش ولأهالي الجبال المقطوعين عن العالم وغيرهم، وللمعطلين والفرّاشة كافة ولكلّ المغاربة قاطبة في كلّ المناطق التي ستستهل عامها الجديد بلا ريب بالدموع والفواجع والهروات والاعتقالات، فهنيئاً لكل هؤلاء بحلول سنة أخرى من الألم والألم وحده.
وعموما سنة نتمنى أن تكون سعيدة كما يرُوم لها الجميع.