بقلم وكيم الزياني
في الذكرى الأولى لطحن شهيد لقمة العيش سماك الحسيمة "محسن فكري" إرتأينا بعد مرور عام على الجريمة (28 أكتوبر 2016 - 28 أكتوبر 2017) أن نسلط الضوء على الحراك، مراحله، ألياته، مطالبه، تعامل السلطة معه، رموزه، ونجدد إقتراح الحل السهل والممكن..
* نبذة عن حياة شهيد لقمة العيش "محسن فكري"
"محسن فكري" أو كما لقب من طرف الحركات الاحتجاجية بالمغرب وخاص عند الحراك الشعبي في الريف بشهيد الحكرة والكرامة ولقمة العيش، هو شاب ريفي من مواليد سبتمبر 1985 بمدينة "إمزورن"، ينتمي لأسرة من الطبقة المتوسطة تتكون من 10 أشخاص وهو الإبن السادس من بين 8 إخوته، والده معروف عند ساكنة إمزورن بحكم إشتغاله لسنوات بمجال التعليم.
شاب ثلاثيني انقطع عن الدراسة في السنة الأولى من التعليم الثانوي، حيث كان يدرس ب "ثانوية إمزورن"، وبعد مغادرة حجرة الدراسة إشتغل لسنوات كمساعد لأحد تجار المدينة في مجال تجارة السلع والمواد الغذائية لتسديد مصاريف حاجياته اليومية وكفاحا لضمان لقمة العيش الكريم لأسرته الصغيرة. بعد ذلك فضل محسن فكري الالتحاق بـ"معهد تكنولوجيا الصيد البحري" بمدينة الحسيمة التي تبعد عن مقر سكناه بحوالي 15 كلمتر، تخرج من هناك ب "دبلوم البحارة". بعد حصوله على "دبلوم" يأهله لممارسة نشاطه كبحار شرع "محسن فكري" للحصول على مركب للصيد البحري، لكن بسبب المشاكل التي يواجهها العاملين بهذا القطاع بمدينة الحسيمة لم يستمر "محسن فكري" إشتغاله في هذا المجال سوى سنتين، ليعود مجددا لممارسة التجارة وتوزيع السملك بالحسيمة والمدن الأخرى.
* محسن فكري وجريمة "طحن مو"
قبل جريمة "طحنه" تحكي عائلته أن محسن اقترض مبلغا ماليا وتوجه صوب ميناء الحسيمة، اقتنى كمية من السمك بهدف إعادة بيعها للحصول على بعض الأرباح لاعالة أسرته، شحن بضاعته أمام أنظار "إدارة الصيد البحري" مر بشاحنته عبر بوابة "أمن المرسى" دون أدنى عراقيل، وفي إنتقاله إلى وسط المدينة فوجئ بدورية من "الأمن الوطني" توقفه بمبرر أن البضاعة التي بحوزته غير قانونية.
نادى "الأمن" على شركة "بيزورنو" الخاصة بجمع النفايات بالمدينة بهدف إحضار شاحنة تابعة لها للعمل على إتلاف الشحنة "غير القانونية"، حضرت شاحنة القمامة وعمالها أعطيت لهم الأوامر من "السلطة" بتفريغ حمولة السمك وإتلافها بحاوية الشاحنة، وأثناء هذه العملية رفض "محسن فكري" وشركائه إتلاف بضاعتهم التي تقدر بحوالي "ثمانية ملايين سنتيم" واحتجوا بالقفز فوق "حاوية شاحنة القمامة" التي ترمى فيه سلعتهم، معارضين الطريقة التي يتم بها إتلاف بضاعتهم، وحسب شهود عيان كانوا في عين المكان، كان "محسن فكري" يصرخ في وجه "ممثلي السلطة والأمن" بأن أمواله لا يمكن أن تتلف بهذا السلوك "السلطوي" وأن طريقة حجز البضاعة وإتلافها لها شروطها القانونية.
أحس "محسن فكري" بالحكرة لأن البضاعة غير القانونية لا يتم حجزها أو إتلافها بعين المكان، والإتلاف لا يتم إلا للسلع الفاسدة بعد التأكد من ذلك، أما المحجوزات من السمك عندما يثبت بأنها غير فاسدة من طبيب شرعي مختص لا يتم إتلافها بل غالبا ما تذهب للإستهلاك في "المؤسسات المدنية أو الخيرية". إذ هذا الشطط في إستعمال السلطة وبطرق لا أخلاقية ولا قانونية حيث تتلف فيه البضاعة تحت أعين صاحبها، حركت مشاعر "محسن فكري" الذي شعر بالظلم والحكرة والمهانة.
وهم -أصحاب البضاعة- من فوق شاحنة النفايات صرخ "محسن فكري".. "لن أقبل إتلاف بضاعتي بهذه الطريقة ولو كان ذلك على حساب حياتي"، أمام هذا أعطيت الأوامر من طرف "السلطة" بعبارة "طحن مو" كما حكى الحاضرين، لتيم تشغيل "مطحنة النفايات" قفز شركاء "محسن فكري" من صندوق الشاحنة منقذين حياتهم من الموت بينما سقط هو مطحونا مع بضاعته في الحاوية.
بعد مرور سنة كاملة عن الجريمة ما زالت صورته معلقة في جميع أذهان الريفيين خاصة والمغاربة عامة، صورة له في شاحنة القمامة لا يظهر فيها إلى رأس "شهيد لقمة العيش"، هي جريمة بشعة بكل المقاييس وتعكس حقيقة عقلية السلطة في نظرتها لأبناء وبنات هذا الوطن والذين ما زالوا يطحنا فيه بمختلف سياسات الدولة الكاسدة.
سقط "محسن فكري" شهيدا للقمة العيش زوال 28 أكتوبر 2016 قرب المحكمة الإبتدائية بمدينة الحسيمة، بشاعة الجريمة حركت مشاعر كل الحاضرين في عين المكان للإنتفاضة في وجه السلطة أنذاك، وبفعل مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية التي نقلت الأحداث بشكل مباشر إنتشر الخبر في المدينة وجل مناطق الريف والمغرب عامة، وإلتحقت وفودا من الساكنة إلى عين المكان بعدما إطلعت على خبر إحتجاج ساكنة في مكان الجريمة تنديدا وإستنكارا لمقتل سماك الحسيمة "محسن فكري" بطريقة أقل ما يمكن القول عنها "بشعة"، إستمر الإحتجاج إلى آخر ساعات من الليل بقيادة شباب من المدينة وعلى رأسهم "ناصر الزفزافي" الشخص الذي سيتحول فيما بعد إلى أيقونة حراك الريف، هذا الأخير الذي إستطاع بنداءه وخطابه أن ينزل مسؤولين كبار إلى عين مكان الجريمة في آخر ساعة من الليل وعلى رأسهم "عامل إقليم الحسيمة، ووكيل العام للملك" هذا الأخير الذي وعد المحتجين بأنهم "في دولة القانون وسيعمل على فتح تحقيق في الجريمة".
صباح يوم 29 أكتوبر 2016 عما خبر الجريمة جل مواقع التواصل الإجتماعي والمنابر الإعلامية الإلكترونية والورقية، تصريحات لنشطاء وناشطات هنا وهناك تستنكر بشاعة الجريمة وتطالب بمعاقبة كل المتورطين فيها. وإنتشرت صورة الدقيقة الأخيرة من حياة الشهيد "محسن فكري" وغزت جل المواقع، مرفوقة بعبارة "طحن مو".
بشاعة الجريمة التي إرتكبت باسم الشطط الزائد في استعمال السلطة جعلت الذهنية الريفية في علاقتها بسياسات المخزن تجاه الريف بخلفية ثقلها التاريخي والسياسي تحرك مشاعر ساكنة الحسيمة خاصة والريف عامة. بعدما أحست بالحكرة والظلم لإعلان إحتجاجات غير مسبوقة في جميع مناطق الريف، والتي أعطت صداها على المستوى الوطني حيث خرجت عدة مدن تستنكر وتندد بالجريمة البشعة التي تعرض لها سماك الحسيمة "محسن فكري" كواحد من ضحايا سياسات المخزن الفاسدة التسلطية.
نظمت لشهيد لقمة العيش جنازة مهيبة شارك فيها الألاف من أبناء وبنات الريف من مختلف المناطق حيث ذهبوا في قافلة من مدينة الحسيمة إلى إمزورن مرورا بأجدير وبوكدارن، في جو رهيب كله صرخات في وجه الحكرة والظلم الذي تمارسه الدولة المغربية من خلال سياساتها منذ "فجر الإستقلال الشكلي" تجاه منطقة الريف وجل مناطق الهامش المهمشة. سياسة ليس "محسن فكري" أول ضيحة لها بالريف بل هناك الآلاف من أمثال محسن قتلوا بدم باردة ودفنوا في صمت، ومن بينهم الفنان الأمازيغي "حسين بلكيش" الملقب بريفينوكس إبن أزغنغان بالناظور، و"كمال الحساني" إبن أيث بوعياش، وشهداء محرقة البنك الشعبي بالحسيمة، و"فاطمة أزهريو" إبنة إمزورن مريضة السرطان التي ماتت بسبب الإهمال الطبي و"كريم لشقر" وغير ذلك من الضحايا الذي سقطوا فيما يعرف ب "العهد الجديد" والذي قيل كذلك بأنه عهد "الإنصاف والمصالحة".
* طحن شهيد لقمة العيش وإنتفض الريفيون ضد الحكرة والتسلط ومن أجل الكرامة
بعدما سجل الحراك الشعبي بساحة الشهداء بمدينة الحسيمة وشوارعها أشكالا ومسيرات جد راقية من حيث التنظيم والسلمية والتحضر وبالأخص مسيرة "الشموع" و"الورود" و"الأكفان" وبخطاب احتجاجي مطلبي لم يعد يتناول قضية معاقبة المتورطين في جريمة طحن "محسن فكري" فحسب، بل تطور خطابه إلى الحديث عن "الخلفيات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية" التي كانت سببا في طحن "محسن فكري"، خطاب كشف من خلال نشطاء حراك الريف وعلى رأسهم أيقونة الحراك "ناصر الزفزافي" ستار الفساد المستشري في جميع القطاعات والمؤسسات، وعرى شعارات الدولة و"الدكاكين السياسية" و"التنظيمات المدنية" التابعة لها، ووضع حقيقتها أمام الجموع التي كانت تموت في صمت، وكأنها تنظر منقذا مما تعيشه من بؤس وفقر وحرمان وظلم وحصار وتضييق.
بزغ إسم "ناصر الزفزافي" قائدا للحراك في سماء الريف، بجانب حكيم الحراك "محمد المجاوي" ودينامو الحراك "نبيل أحمجيق" وبلبلة الحراك "سيليا الزياني" وآخرون، حيث بخطابه -ناصر- الشعبي العقلاني الجامع إلتفت حوله آلاف الجموع من مختلف الفئات العمورية وبالأخص الشبابية، وإنتشر إسمه كالنار في الهشيم وغزى خطابه جل البيوت الريفية، كما بلغ صداه إلى جل مناطق المغرب وإلى ريفيو وأمازيغ الشتات ببلاد المهجر.
الحراك لم يستثني البلدات والقرى والمداشر، حيث إنتقل بينهما "الزفزافي" ومجموعته لتنظيم لقاءات جماهيرية مع الساكنة بهدف توعيتها بأهداف الحراك الشعبي ومطالبه العادلة والمشروعة. بواقعيته وجد خطاب الحراك صدى في عقول وذهنيات الشباب والكبار حيث توافقت جل مناطق الريف على أهدافه الإجتماعية والإقتصادية والثقافية.. كما توافق الريفيين على قادته الميدانيين. وما حدث من "وحدة" بين الريفيين على ضوء الحراك لم يحققها الريف منذ الحرب الريفية التحررية بقيادة "مولاي موحند" ضد القوات الإستعمارية الإسبانية في القرن الماضي، ولم يسجل هذا الإجماع من مناطق الريف التاريخي حتى في إنتفاضة الريف 1958/1959 ولا في إنتفاضة 1984.
إستطاع الحراك الشعبي بمبدأ "المقاومة السلمية" صناعة قفزة نوعية في أساليب الدفاع الذاتي لدا الريفيين عن أنفسهم أمام سياسات المخزن التي يحاول من خلالها منذ عقود من الزمن قتل الخصوصيات السوسيوثقافية والتاريخية وتركيع أهل الريف بل والأمازيغ في جل مناطق الهامش أو في "بلاد السيبة" كما سميت في تاريخ المغرب المعاصر. وعاد أهل الريف على ضوء الحراك من جديد إلى بناء عقل جمعي وجماعي مشترك من أجل الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم ومطالبهم.
* الوعي بالثقل التاريخي عند الريفيين والنضال السلمي قوة الحراك التي تكسرت عليهما جل مناورات المخزن
إن الخلفية التاريخية والسياسية لنضالات الريفيين عبر التاريخ في صراعاتهم مع الأجنبي تارة أو المخزن تارة أخرى شكلت ذهنية خاصة يصعب على المخزن ترويضها، وبالأخص تجربة الحركة التحررية بقيادة "مولاي موحند" في العشرينات من القرن الماضي، ليس بإنتصاراتها على المستعمر فحسب بل بالإرث النضالي والسياسي التحرري الذي تركته هذه التجربة للأجيال المتعاقبة. حيث أضحت ملهمة لكثير من الشباب والشابات الريفيين اليوم، ويعتبرونها مفخرة لكل الأمازيغ. كما أن الوعي بمآسي الريف من طرف أبناءه وبناته والتي كان المخزن سببا فيها، جعلتهم من الصعب وضع الثقة في المخزن وسياساته.
هذا من جانب، أما من جانب آخر فقد إستفاد أمازيغ الريف كثيرا من إرثهما النضالي الإحتجاجي المتراكم في الميدان، وأصبحوا جد واعيين بدسائس المخزن التي حاول يا من مرة تحوير مسار نضالاتهم السلمية بالريف، وذلك باستعمال جل وسائله الإيديولوجية والقمعية بغية سحب شرعية لنفسه بهدف التدخل ضد حراكاتهم الشعبية لتشتيتها بالقمع والإعتقالات والاغتيالات، كما حدث إبان الحراك العشريني سنة 2011-2012 بالريف، حيث تم قتل وإحراق خمسة شهداء بمدينة الحسيمة بالبنك الشعبي وأغتيل "كمال الحساني" بأيث بوعياش وقام المخزن بجر المنطقة للعنف والمواجهات بين القوات الأمنية والمتظاهرين السلمين، وبعدها تدخل لنهج سياسة الإعتقالات، اعتقل عشرات المعتقلين ومن بينهم الذين أطلق سراحهم "مصطفى بوهني، ومحمد جلول..."، (إعتقل جلول مرة أخرى في الحراك)، أظن هذه التجربة التي راكم فيه الريفيين الكثير استفادوا منها الدروس مهمة من خلال إختيارهم "للمقاومة السلمية" والتي ما زالت مستمرة منذ طحن شهيد لقمة العيش "محسن فكري" إلى اليوم، أي ما يقارب سنة كاملة من الإحتجاج السلمي والحضاري.
فمن خلال المسيرات السلمية الراقية إستطاع حراك الريف أن يصل صوت مطالبه للعالم حيث تصدر قضية "الحراك" وما زالت الصفحات الأولى من المنابر الدولية، لذلك لم يستسغ المخزن المنحى السلمي للحراك الشعبي، وحاول منذ بدايتها إستعمال مختلف وسائله لتشتيت صفوفه وكان أول محطة من ذلك يوم قام النشطاء بزيارة منطقة أيث عبد الله التي تبعد عن الحسيمة ب 35 كلمتر، حيث إستقدم المخزن مجموعة من "البلطجية" لإفشال لقاء "ناصر الزفزافي" مع ساكنة المنطقة، المخزن يخشى امتداد الحراك في جل مناطق الريف، وحاول بكل وسائله عزل ثقل الحراك الذي يتواجد بمدينة الحسيمة عن باقي مدن ومناطق الريف. وتكرر نفس السيناريو يوم زيارة "ناصر الزفزافي" للمسيرة التي كانت ستنطلق من ساحة التحرير بمدينة الناظور، حيث إستقدم المخزن كذلك "البلطجية" للتشويش على الشكل النضالي وحدث في هذه المحطة هجوم البلطجية ب "السيوف" و"الهروات" على النشطاء والناشطات سقط منهم اكثر من ثلاثة جرحى نقلوا مباشرة إلى المستشفى الحسني بالناظور وحدث نفس الأمر في بني بوفراح والعروي..
إستمرار في سياسته التي تهدف إلى تحريف مسار الحراك عن سلميته وتشويهها عبأ المخزن جل "الصحافة غير المستقلة" لتمارس حروبا بالوكالة لصالح السلطة، كما إستعمل "الفقهاء" ومنابر المساجد للهجوم على الحراك والنشطاء والناشطات بخطابات "الفتنة" تارة و"الإنفصال" تارة أخرى. كما حاصر المخزن ساحة الشهداء في الحسيمة ب" تثبيت الحواجز" بغية إعتقالها تحت يافطة تنظيم "معرض المنتوجات الصناعة التقليدية" لمدة تزيد عن شهرين، مما إنسحب الحراك منها بعد تدخل المخزن بالقمع في الساعات الأخيرة من الليل. تم بعد ذلك قمع تخليد ذكرى رحيل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 5 فبراير ب "كاربونيطا" المحطة التي كان من المقرر أن يعرض فيها الملف المطلب للحراك على الساكنة للتصويت الجماهيري. مما إندلعت المواجهات بين القوات الأمنية والمحتجين أنذاك وإمتدت إلى بوكيدارن وإمزورن.
هناك أحداث كثيرة حاول المخزن جر المنطلق للعنف ولم ينجح فيها، لا يسعنا ذكرها بكل التفاصيل هنا. إلى أن الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من كل ذلك، بأن السلمية هي التي جعلت الأسر تخرج إلى الشارع في مسيرات بالآلاف وبالأخص بعد "أحداث 3 مارس" التي عرفت إستقدام "البلطجية" تحت يافطة "مشجعي فريق الوداد البيضاوي" أثناء مقابلة كروية بينه وبين "شباب الريف"، فما أقدم عليه "البلطجية" من سرقة وتكسير الأبواب والنوافذ ومهاجمة المحالات وتكسير السيارات تحت أعين السلطة دون أن تتحرك لوقف "الجريمة" الممارسة في الشارع العام، هنا فهم الريفيين أن ما حدث كان مخطط له، بعد هذا الحدث الذي عرف إعتقالات عشرات من أبناء الريف تزايد عدد المحتجين في الخروج إلى الشارع في مسيرات الحراك.
في ظل ذلك، بدل أن تستجيب الدولة لمطالب الشارع والإنصات لصوت الحراكيون والبحث عن الحلول لحقوق الساكنة الإجتماعية والاقتصادية والثقافية التي طرحتها في وثيقتها المطلبية والاستعجالية، حاولت منذ البداية "المناورة" تارة بسياساتها الهروب إلى الأمام، وتارة أخرى باللعب على وتر الزمن لعلى الحراك يشيخ ويموت، لكنه لم يموت بل تقوى وتوسع.
* تهمة الإنفصال أم تفجير "المكبوت السياسي" عند الريفيين
بعد قرابة سبعة أشهر من حراك سلمي حضاري ذات أفق مطلبي إجتماعي وإقتصادي وثقافي.. طلع علينا في "القناة الأولى" ما سمي ب "الأغلبية الحكومية" برئاسة "وزير الداخلية" تتهم حراك الريف ب "الإنفصال" وتشكك في وطنية الريفيين وأن "الحراك تحركه أيادي خارجية معادية لوحدة المملكة"!! هذه كانت من بين المناورات السياسية التي حاول المخزن أن يلعبها مع "قادة الحراك" وإختبار لذكاءهم ومحاولة معرفة ما وراء "نواياهم" فيما يخص الأفق المطلبي للحراك، هل هو بالفعل أفق إجتماعي واقتصادي وثقافي أم يتجاوزه إلى ما هو سياسي محض؟ لم تمر إلا أيام فجاء الجواب في مسيرة تاريخية يوم 18 ماي 2017 تندد بما قالت به "الأغلبية الحكومية" رافضة "لاعتداءاتها الواهية" وتأكد فيها الجماهير الشعبية وقاداتها بأن "مطالب الحراك لا تحتاج إلى المزايدات السياسية، وأن وطنية الريفيين تتجاوز وطنية الدكاكين السياسية بكثير.."، وانتشر شعار مستوحى من إحدى مقولات محمد بن عبد الكريم الخطابي "هل أنتم حكومة أم عصابة؟" ومطالبة بتحقيق الملف الحقوقي للحراك. هذا بعدما ورط "مهندسو السلطة في المغرب" بعض أمناء الأغلبية الحكومية في ذلك التصريح الخطير حول حراك الريف، وفهم بعض منهم اللعبة، خرج "رئيس الحكومة" ليقول بأن "ذلك -تهمة الإنفصال- خطأ ما كان يجب أن يكون".
* دعوة الحكومة والمعارضة إلى "تطبيق القانون".. غطاء سياسي مهد لسياسة الإعتقالات في حق النشطاء
بعد تهمة "الإنفصال" و"التشكيك في وطنية الريفيين المتظاهرين بشكل سلمي حضاري" دعت أغلب "الدكاكين السياسية" في البرلمان "السلطة" إلى ضرورة "تطبيق القانون مع المحتجين" وذلك بناء على "تقارير أمنية من إنجاز وزارة الداخلية" مما مهدت دعوتهم إلى شن اعتقالات واسعة في حق نشطاء الحراك وصلت إلى المئات حيث يصعب إلى يومنا هذا ضبط بشكل دقيق عدد المعتقلين الذين تم توقيفهما على خلفية حراك الريف نظرا لاستمرار الإعتقال بشكل يومي إلى حد اليوم -28 أكتوبر 2017-.
فرغم إعتراف "الدولة بشكل رسمي- أن مطالب حراك الريف عادلة ومشروعة، وتراجع "الحكومة" عن "تهمة الإنفصال" واعترافها بأن ذلك "خطأ سياسيا فادحا"، ورغم دعوة بعض الفرق البرلمانية في الغرفتين إلى "ضرورة إطلاق المعتقلين" بهدف البحث عن حل جدي ل "أزمة حراك الريف"، ورغم إنتقادهم "للمقاربة الأمنية" التي تنهجها وزارة الداخلية ضد المتظاهير بشكل سلمي في الشارع منذ 16 ماي 2017، إلى أن هذا كله يتضح بأنه مجرد مناورات سياسية وإقتسام للأدوار بين "الفاعلين السياسيين في الحكومة والمعارضة" إن لم نقل "مزايدات سياسوية" تستعمل الحراك بغيت تصفية الحسابات بين هذا وذاك، دون وجود أي إرادة سياسية حقيقية لدا الدولة وجميع مؤسساتها للاستجابة إلى المطالب العادلة للحراك واطلاق سراح المعتقلين، وفي هذا المطلب الأخير لقد تتبعنا كيف يبرر "المسؤوليين الحكوميين" بأن "مسألة إطلاق سراح المعتقلين أمر بات في يد القضاء" فيه حينه هؤلاء المعتقليين إعتقلوا بغطاء سياسي وليس قضائي، وذلك بناء على "تهمة الحكومة، تقارير أمنية للداخلية، شيطنة الحراك باستعمال المساجد من وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في خطبها الموجهة لأئمتها في الحسيمة ونواحي تتهم الحراك بالفتنة" وما حدث عند معارضة المواطنين لتلك الخطب ومقاطعتهم "الصلاة في المساجد" في إمزورن والحسيمة خير دليل. ومباشرة بعد هذه "الخطب" أصدر "وكيل العام للملك بالحسيمة" بلاغ إعتقال الزفزافي بعد حادثة المسجد.
* الريفيين.. عيدين بلا عيد
بعد إعتقالات مئات النشطاء، حيث أصبحت كل عائلة يوجد أحد أفرادها بالسجن، وفي كل حي بالحسيمة وامزورن يوجد عشرات أبناءه في السجن، كل بلدة من الريف قدمت معتقلين.. عمم الإعتقال في كل مناطق الريف، هكذا عمى الحزن في سماء الريف، وكثرت معانات العائلات وزادت مآسيهم، لكنهم في حينه هم "فخورين أشد الفخر" بأبناءهم لأنهم دخلوا إلى "السجن" ظلما ومن أجل الحق ودفاعا عن مطالبهم العادلة ولم يدخلوه "مجرمين".. آملين كل الأمل في معانقة فلذات أكبادهم في وقت قريب.
"لا عيد لنا ولا فرحة لنا إلا بإطلاق سراح أبناءنا واخواننا وأزواجنا" بهذا الشعار عبرت ساكنة الريف معاناتها في ظل سياسة الإعتقالات، ودعو إلى الإحتجاج يوم "عيد الفطر" لكن "للدولة رأي آخر" أصدرت "وزارة الداخلية" قرار منع "التظاهر" يوم عيد الفطر بالحسيمة، رغم المنع حجى المئات إلى الحسيمة من مختلف مناطق المغرب ومن جميع بلدات الريف، فرغم "الحواجز الأمنية" شقو الجبال وقطعوا الوديان للمشاركة في مسيرة "الوفاء للمعتقلين". ورغم عسكرة الحسيمة نزل الآلاف إلى الشارع في مسيرات متفرقة، إستقبلها "الجهاز الأمني" بالمطاردات ولقمع والغازات المسيلة للدموع، فلولى "البصل والمشروبات الغازية" لا إختنق الكثير وسقطوا شهيداء، كما سقط "عماد العتابي" و"عبد الحفيظ الحداد".
* المبادرات.. نية حسنة من المعتقلين مقابل خبث الدولة
بعد إعلان المعتقلين بسجن "عكاشة" لأول مرة الدخول في إضراب عن الطعام مفتوح تحت شعار: "البراءة أو الشهداة" سارعت الدولة عبر وسطاءها إلى "فتح حوار" مع "المعتقلين" و"لجنة عائلات المعتقلين المرحلين الى عكاشة"، وأعطى لهم "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" وعودا بأنه هناك أمل وأنه "سيتم إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي" وما على "المعتقلين إلى الثني عن معركتهم"، بالفعل تجاوب "المعتقلين" مع المبادرة بحسن نية، الى أنهم مع مرور الوقت إكتشفوا بأن "ذلك مجرد مناورة مخزنية، وأن وقف معركة الإضراب عن الطعام الأولى أكبر خدعة تعرض لها المعتقلين" وعبروا عن خيبتهم تلك في بعض رسائهم.
وبعدما إطمأنت "السلطة" أن المعتقلين تراجعوا عن قرارهم، إنتقلت بكل قواها "الأمنية" لشن إعتقالات في الشارع. لذلك نجد كل المبادرات التي جاءت بعد ذلك، لم يضع فيها المعتقلين أي ثقة كاملة، وآمنوا بأن "الدولة تتعامل معه بخبث وبرغماتية وليس هناك أي ارادة سياسية حقيقية لحل أزمة حراك الريف واطلاق سراحهم" رغم إعتراف الدولة نفسها بعدالة مطالبهم، وتأكد من خلال "تحقيقاتها" على وجود قضايا فساد مالي واداري ومؤسساتي، وتقصير المسؤولين في مهامهم.
* حراك الريف ولجان الدعم الأوروبية
إستطاعت لجان الدعم الأوروبية أن توصل صوت حراك الريف ومطالبه إلى المنتظم الدولي الأوروبي، بما فيها المؤسسات السياسية والمدنية والرأي العام أوروبي بشكل عام، بعدما تراجع الحراك في الريف قبيل سياسة الإعتقالات التي طالت مئات النشطاء وعسكرة مدينة الحسيمة وامزورن وباقي بلدات الإقليم والريف، وغياب الشروط الموضوعية لتنفيذ أشكال إحتجاجية سلمية، حيث وجود الحصار والقمع.. بقي الحراك مستمر في جل الدول الأوروبية، حيث نظمت مسيرات بالآلاف في برشلونة وبروكسل وروتردام تطالب باطلاق سراح المعتقلين وتحقيق الملف المطلبي للحراك، كما دقت -اللجان- ناقوس الخطر "أمام المنتظم الدولي" بالذهاب إلى "جنيف"، وأغرق الحراكيون في أوروبا "المؤسسات الأوروبية" ب "الرسائل والشكايات" توضح لهم "معاناة معتقلي الحراك بالسجون المغربية، ومطالب الحراك الشعبي السلمي".
* حراك الريف وإعادة وسؤال دولة المواطنة والكرامة والعدالة
أعاد حراك الريف إلى الواجهة سؤال مشروع دولة المواطنة والكرامة والعدالة بوعي سياسي كبير ومن مدخل الحقوق الإجتماعية والاقتصادية والثقافية كضرورة ملحة من أجل تسييد دولة الكرامة وحقوق الإنسان في شموليتها، من يتمعن خطاب الحراك الشعبي بالريف، سيؤمن بخلاصة أن "دولة الإستقلال الشكلي" فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الكرامة للمواطن المغربي، وبالأخص لأبناء وبنات الهامش، حيث تغيب لديهم أبسط حقوق العيش الكريم، وهذا ما يضع طبيعة التعاقد السياسي بين الدولة والشعب موضع إعادة نظر في طبيعة دولة وسياساتها وشعاراتها وقوانينها، وهذا الفشل اعترفت به "السلطة العليا" في البلاد نفسها.
* هوية حراك الريف ورموز الوحدة الجديدة
منذ بداية حراك الريف والعلم الأمازيغي وعلم جمهورية قبائل الريف وصور مولاي موحند ومحسن فكري حاضرة بقوة في جميع المسيرات والوقفات والأشكال الميدانية، وهي رموز الوحدة الجديدة لامازيغن حيث العلم الأمازيغي الذي يجمع كل سكان بلاد موراكش وشمال افريقيا، وعلم جمهورية قبائل الريف الذي يمثل إرثا من مشروع سياسي تحرري وطني وذات الخصوصيات السوسيوثقافية والتاريخية للريف المقاومة بقيادة مولاي موحند. إنه وعي جديد بالانتماء إلى الأرض والتشبث بها وبهويتها وخصوصياتها التاريخية والثقافية في ظل دولة الكرامة والحرية والمساواة تحترم رموزها وشهداءها. أضف إلى ذلك، الآن هناك مئات الرموز وراء القضبان ترفع صورهم في كل مسيرات على المستوى الوطني وأوروبا.
* الحل كل الحل
"الأمن والإستقرار" لا يكون على حساب الحكرة والظلم و"هيبة الدولة" لا تصان بإنتهاك حقوق المواطنين وضرب حقهم الدستوري في التظاهر السلمي، الهيبة تتقوى عندما تحضر ثقة المواطنين في الدولة ومؤسساتها، وإذا غابت ثقتهم فيها غاب معها "ولاءهم للدولة والمؤسسات"، فلا معنى أن يطالب المواطن بأبسط حقوقه في العيش الكريم وتقابل الدولة بالإعتقال، وتطلب منه في حينه "الثقة في الدولة ومؤسساتها"!!
الحل بات واضحا للعيان ولا يحتاج إلى كل تلك "المجهودات" و"الخسائر البشرية والمالية" التي تصرف على "المقاربة الأمنية"، يكفي أن يطلق سراح جميع المعتقلين ورفع عسكرة اقليم الحسيمة وتتحلى الدولة باردة سياسية حقيقية عبر آليات الحوار السياسي مع ممثلي الحراك تحت كل الضمانات القانونية بهدف تحقيق مطالبهم الإجتماعية والاقتصادية والثقافية، هكذا فقط يمكن أن تعيد الدولة في قلوب المواطنين بصيص من "الثقة" وإحتواء "الأزمة" التي تزيد شروخا بين الدولة والمجتمع مع مرور الوقت وتكرس لمزيد من الإحتقان بتعنتها.
في الذكرى الأولى لطحن شهيد لقمة العيش سماك الحسيمة "محسن فكري" إرتأينا بعد مرور عام على الجريمة (28 أكتوبر 2016 - 28 أكتوبر 2017) أن نسلط الضوء على الحراك، مراحله، ألياته، مطالبه، تعامل السلطة معه، رموزه، ونجدد إقتراح الحل السهل والممكن..
* نبذة عن حياة شهيد لقمة العيش "محسن فكري"
"محسن فكري" أو كما لقب من طرف الحركات الاحتجاجية بالمغرب وخاص عند الحراك الشعبي في الريف بشهيد الحكرة والكرامة ولقمة العيش، هو شاب ريفي من مواليد سبتمبر 1985 بمدينة "إمزورن"، ينتمي لأسرة من الطبقة المتوسطة تتكون من 10 أشخاص وهو الإبن السادس من بين 8 إخوته، والده معروف عند ساكنة إمزورن بحكم إشتغاله لسنوات بمجال التعليم.
شاب ثلاثيني انقطع عن الدراسة في السنة الأولى من التعليم الثانوي، حيث كان يدرس ب "ثانوية إمزورن"، وبعد مغادرة حجرة الدراسة إشتغل لسنوات كمساعد لأحد تجار المدينة في مجال تجارة السلع والمواد الغذائية لتسديد مصاريف حاجياته اليومية وكفاحا لضمان لقمة العيش الكريم لأسرته الصغيرة. بعد ذلك فضل محسن فكري الالتحاق بـ"معهد تكنولوجيا الصيد البحري" بمدينة الحسيمة التي تبعد عن مقر سكناه بحوالي 15 كلمتر، تخرج من هناك ب "دبلوم البحارة". بعد حصوله على "دبلوم" يأهله لممارسة نشاطه كبحار شرع "محسن فكري" للحصول على مركب للصيد البحري، لكن بسبب المشاكل التي يواجهها العاملين بهذا القطاع بمدينة الحسيمة لم يستمر "محسن فكري" إشتغاله في هذا المجال سوى سنتين، ليعود مجددا لممارسة التجارة وتوزيع السملك بالحسيمة والمدن الأخرى.
* محسن فكري وجريمة "طحن مو"
قبل جريمة "طحنه" تحكي عائلته أن محسن اقترض مبلغا ماليا وتوجه صوب ميناء الحسيمة، اقتنى كمية من السمك بهدف إعادة بيعها للحصول على بعض الأرباح لاعالة أسرته، شحن بضاعته أمام أنظار "إدارة الصيد البحري" مر بشاحنته عبر بوابة "أمن المرسى" دون أدنى عراقيل، وفي إنتقاله إلى وسط المدينة فوجئ بدورية من "الأمن الوطني" توقفه بمبرر أن البضاعة التي بحوزته غير قانونية.
نادى "الأمن" على شركة "بيزورنو" الخاصة بجمع النفايات بالمدينة بهدف إحضار شاحنة تابعة لها للعمل على إتلاف الشحنة "غير القانونية"، حضرت شاحنة القمامة وعمالها أعطيت لهم الأوامر من "السلطة" بتفريغ حمولة السمك وإتلافها بحاوية الشاحنة، وأثناء هذه العملية رفض "محسن فكري" وشركائه إتلاف بضاعتهم التي تقدر بحوالي "ثمانية ملايين سنتيم" واحتجوا بالقفز فوق "حاوية شاحنة القمامة" التي ترمى فيه سلعتهم، معارضين الطريقة التي يتم بها إتلاف بضاعتهم، وحسب شهود عيان كانوا في عين المكان، كان "محسن فكري" يصرخ في وجه "ممثلي السلطة والأمن" بأن أمواله لا يمكن أن تتلف بهذا السلوك "السلطوي" وأن طريقة حجز البضاعة وإتلافها لها شروطها القانونية.
أحس "محسن فكري" بالحكرة لأن البضاعة غير القانونية لا يتم حجزها أو إتلافها بعين المكان، والإتلاف لا يتم إلا للسلع الفاسدة بعد التأكد من ذلك، أما المحجوزات من السمك عندما يثبت بأنها غير فاسدة من طبيب شرعي مختص لا يتم إتلافها بل غالبا ما تذهب للإستهلاك في "المؤسسات المدنية أو الخيرية". إذ هذا الشطط في إستعمال السلطة وبطرق لا أخلاقية ولا قانونية حيث تتلف فيه البضاعة تحت أعين صاحبها، حركت مشاعر "محسن فكري" الذي شعر بالظلم والحكرة والمهانة.
وهم -أصحاب البضاعة- من فوق شاحنة النفايات صرخ "محسن فكري".. "لن أقبل إتلاف بضاعتي بهذه الطريقة ولو كان ذلك على حساب حياتي"، أمام هذا أعطيت الأوامر من طرف "السلطة" بعبارة "طحن مو" كما حكى الحاضرين، لتيم تشغيل "مطحنة النفايات" قفز شركاء "محسن فكري" من صندوق الشاحنة منقذين حياتهم من الموت بينما سقط هو مطحونا مع بضاعته في الحاوية.
بعد مرور سنة كاملة عن الجريمة ما زالت صورته معلقة في جميع أذهان الريفيين خاصة والمغاربة عامة، صورة له في شاحنة القمامة لا يظهر فيها إلى رأس "شهيد لقمة العيش"، هي جريمة بشعة بكل المقاييس وتعكس حقيقة عقلية السلطة في نظرتها لأبناء وبنات هذا الوطن والذين ما زالوا يطحنا فيه بمختلف سياسات الدولة الكاسدة.
سقط "محسن فكري" شهيدا للقمة العيش زوال 28 أكتوبر 2016 قرب المحكمة الإبتدائية بمدينة الحسيمة، بشاعة الجريمة حركت مشاعر كل الحاضرين في عين المكان للإنتفاضة في وجه السلطة أنذاك، وبفعل مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية التي نقلت الأحداث بشكل مباشر إنتشر الخبر في المدينة وجل مناطق الريف والمغرب عامة، وإلتحقت وفودا من الساكنة إلى عين المكان بعدما إطلعت على خبر إحتجاج ساكنة في مكان الجريمة تنديدا وإستنكارا لمقتل سماك الحسيمة "محسن فكري" بطريقة أقل ما يمكن القول عنها "بشعة"، إستمر الإحتجاج إلى آخر ساعات من الليل بقيادة شباب من المدينة وعلى رأسهم "ناصر الزفزافي" الشخص الذي سيتحول فيما بعد إلى أيقونة حراك الريف، هذا الأخير الذي إستطاع بنداءه وخطابه أن ينزل مسؤولين كبار إلى عين مكان الجريمة في آخر ساعة من الليل وعلى رأسهم "عامل إقليم الحسيمة، ووكيل العام للملك" هذا الأخير الذي وعد المحتجين بأنهم "في دولة القانون وسيعمل على فتح تحقيق في الجريمة".
صباح يوم 29 أكتوبر 2016 عما خبر الجريمة جل مواقع التواصل الإجتماعي والمنابر الإعلامية الإلكترونية والورقية، تصريحات لنشطاء وناشطات هنا وهناك تستنكر بشاعة الجريمة وتطالب بمعاقبة كل المتورطين فيها. وإنتشرت صورة الدقيقة الأخيرة من حياة الشهيد "محسن فكري" وغزت جل المواقع، مرفوقة بعبارة "طحن مو".
بشاعة الجريمة التي إرتكبت باسم الشطط الزائد في استعمال السلطة جعلت الذهنية الريفية في علاقتها بسياسات المخزن تجاه الريف بخلفية ثقلها التاريخي والسياسي تحرك مشاعر ساكنة الحسيمة خاصة والريف عامة. بعدما أحست بالحكرة والظلم لإعلان إحتجاجات غير مسبوقة في جميع مناطق الريف، والتي أعطت صداها على المستوى الوطني حيث خرجت عدة مدن تستنكر وتندد بالجريمة البشعة التي تعرض لها سماك الحسيمة "محسن فكري" كواحد من ضحايا سياسات المخزن الفاسدة التسلطية.
نظمت لشهيد لقمة العيش جنازة مهيبة شارك فيها الألاف من أبناء وبنات الريف من مختلف المناطق حيث ذهبوا في قافلة من مدينة الحسيمة إلى إمزورن مرورا بأجدير وبوكدارن، في جو رهيب كله صرخات في وجه الحكرة والظلم الذي تمارسه الدولة المغربية من خلال سياساتها منذ "فجر الإستقلال الشكلي" تجاه منطقة الريف وجل مناطق الهامش المهمشة. سياسة ليس "محسن فكري" أول ضيحة لها بالريف بل هناك الآلاف من أمثال محسن قتلوا بدم باردة ودفنوا في صمت، ومن بينهم الفنان الأمازيغي "حسين بلكيش" الملقب بريفينوكس إبن أزغنغان بالناظور، و"كمال الحساني" إبن أيث بوعياش، وشهداء محرقة البنك الشعبي بالحسيمة، و"فاطمة أزهريو" إبنة إمزورن مريضة السرطان التي ماتت بسبب الإهمال الطبي و"كريم لشقر" وغير ذلك من الضحايا الذي سقطوا فيما يعرف ب "العهد الجديد" والذي قيل كذلك بأنه عهد "الإنصاف والمصالحة".
* طحن شهيد لقمة العيش وإنتفض الريفيون ضد الحكرة والتسلط ومن أجل الكرامة
بعدما سجل الحراك الشعبي بساحة الشهداء بمدينة الحسيمة وشوارعها أشكالا ومسيرات جد راقية من حيث التنظيم والسلمية والتحضر وبالأخص مسيرة "الشموع" و"الورود" و"الأكفان" وبخطاب احتجاجي مطلبي لم يعد يتناول قضية معاقبة المتورطين في جريمة طحن "محسن فكري" فحسب، بل تطور خطابه إلى الحديث عن "الخلفيات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية" التي كانت سببا في طحن "محسن فكري"، خطاب كشف من خلال نشطاء حراك الريف وعلى رأسهم أيقونة الحراك "ناصر الزفزافي" ستار الفساد المستشري في جميع القطاعات والمؤسسات، وعرى شعارات الدولة و"الدكاكين السياسية" و"التنظيمات المدنية" التابعة لها، ووضع حقيقتها أمام الجموع التي كانت تموت في صمت، وكأنها تنظر منقذا مما تعيشه من بؤس وفقر وحرمان وظلم وحصار وتضييق.
بزغ إسم "ناصر الزفزافي" قائدا للحراك في سماء الريف، بجانب حكيم الحراك "محمد المجاوي" ودينامو الحراك "نبيل أحمجيق" وبلبلة الحراك "سيليا الزياني" وآخرون، حيث بخطابه -ناصر- الشعبي العقلاني الجامع إلتفت حوله آلاف الجموع من مختلف الفئات العمورية وبالأخص الشبابية، وإنتشر إسمه كالنار في الهشيم وغزى خطابه جل البيوت الريفية، كما بلغ صداه إلى جل مناطق المغرب وإلى ريفيو وأمازيغ الشتات ببلاد المهجر.
الحراك لم يستثني البلدات والقرى والمداشر، حيث إنتقل بينهما "الزفزافي" ومجموعته لتنظيم لقاءات جماهيرية مع الساكنة بهدف توعيتها بأهداف الحراك الشعبي ومطالبه العادلة والمشروعة. بواقعيته وجد خطاب الحراك صدى في عقول وذهنيات الشباب والكبار حيث توافقت جل مناطق الريف على أهدافه الإجتماعية والإقتصادية والثقافية.. كما توافق الريفيين على قادته الميدانيين. وما حدث من "وحدة" بين الريفيين على ضوء الحراك لم يحققها الريف منذ الحرب الريفية التحررية بقيادة "مولاي موحند" ضد القوات الإستعمارية الإسبانية في القرن الماضي، ولم يسجل هذا الإجماع من مناطق الريف التاريخي حتى في إنتفاضة الريف 1958/1959 ولا في إنتفاضة 1984.
إستطاع الحراك الشعبي بمبدأ "المقاومة السلمية" صناعة قفزة نوعية في أساليب الدفاع الذاتي لدا الريفيين عن أنفسهم أمام سياسات المخزن التي يحاول من خلالها منذ عقود من الزمن قتل الخصوصيات السوسيوثقافية والتاريخية وتركيع أهل الريف بل والأمازيغ في جل مناطق الهامش أو في "بلاد السيبة" كما سميت في تاريخ المغرب المعاصر. وعاد أهل الريف على ضوء الحراك من جديد إلى بناء عقل جمعي وجماعي مشترك من أجل الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم ومطالبهم.
* الوعي بالثقل التاريخي عند الريفيين والنضال السلمي قوة الحراك التي تكسرت عليهما جل مناورات المخزن
إن الخلفية التاريخية والسياسية لنضالات الريفيين عبر التاريخ في صراعاتهم مع الأجنبي تارة أو المخزن تارة أخرى شكلت ذهنية خاصة يصعب على المخزن ترويضها، وبالأخص تجربة الحركة التحررية بقيادة "مولاي موحند" في العشرينات من القرن الماضي، ليس بإنتصاراتها على المستعمر فحسب بل بالإرث النضالي والسياسي التحرري الذي تركته هذه التجربة للأجيال المتعاقبة. حيث أضحت ملهمة لكثير من الشباب والشابات الريفيين اليوم، ويعتبرونها مفخرة لكل الأمازيغ. كما أن الوعي بمآسي الريف من طرف أبناءه وبناته والتي كان المخزن سببا فيها، جعلتهم من الصعب وضع الثقة في المخزن وسياساته.
هذا من جانب، أما من جانب آخر فقد إستفاد أمازيغ الريف كثيرا من إرثهما النضالي الإحتجاجي المتراكم في الميدان، وأصبحوا جد واعيين بدسائس المخزن التي حاول يا من مرة تحوير مسار نضالاتهم السلمية بالريف، وذلك باستعمال جل وسائله الإيديولوجية والقمعية بغية سحب شرعية لنفسه بهدف التدخل ضد حراكاتهم الشعبية لتشتيتها بالقمع والإعتقالات والاغتيالات، كما حدث إبان الحراك العشريني سنة 2011-2012 بالريف، حيث تم قتل وإحراق خمسة شهداء بمدينة الحسيمة بالبنك الشعبي وأغتيل "كمال الحساني" بأيث بوعياش وقام المخزن بجر المنطقة للعنف والمواجهات بين القوات الأمنية والمتظاهرين السلمين، وبعدها تدخل لنهج سياسة الإعتقالات، اعتقل عشرات المعتقلين ومن بينهم الذين أطلق سراحهم "مصطفى بوهني، ومحمد جلول..."، (إعتقل جلول مرة أخرى في الحراك)، أظن هذه التجربة التي راكم فيه الريفيين الكثير استفادوا منها الدروس مهمة من خلال إختيارهم "للمقاومة السلمية" والتي ما زالت مستمرة منذ طحن شهيد لقمة العيش "محسن فكري" إلى اليوم، أي ما يقارب سنة كاملة من الإحتجاج السلمي والحضاري.
فمن خلال المسيرات السلمية الراقية إستطاع حراك الريف أن يصل صوت مطالبه للعالم حيث تصدر قضية "الحراك" وما زالت الصفحات الأولى من المنابر الدولية، لذلك لم يستسغ المخزن المنحى السلمي للحراك الشعبي، وحاول منذ بدايتها إستعمال مختلف وسائله لتشتيت صفوفه وكان أول محطة من ذلك يوم قام النشطاء بزيارة منطقة أيث عبد الله التي تبعد عن الحسيمة ب 35 كلمتر، حيث إستقدم المخزن مجموعة من "البلطجية" لإفشال لقاء "ناصر الزفزافي" مع ساكنة المنطقة، المخزن يخشى امتداد الحراك في جل مناطق الريف، وحاول بكل وسائله عزل ثقل الحراك الذي يتواجد بمدينة الحسيمة عن باقي مدن ومناطق الريف. وتكرر نفس السيناريو يوم زيارة "ناصر الزفزافي" للمسيرة التي كانت ستنطلق من ساحة التحرير بمدينة الناظور، حيث إستقدم المخزن كذلك "البلطجية" للتشويش على الشكل النضالي وحدث في هذه المحطة هجوم البلطجية ب "السيوف" و"الهروات" على النشطاء والناشطات سقط منهم اكثر من ثلاثة جرحى نقلوا مباشرة إلى المستشفى الحسني بالناظور وحدث نفس الأمر في بني بوفراح والعروي..
إستمرار في سياسته التي تهدف إلى تحريف مسار الحراك عن سلميته وتشويهها عبأ المخزن جل "الصحافة غير المستقلة" لتمارس حروبا بالوكالة لصالح السلطة، كما إستعمل "الفقهاء" ومنابر المساجد للهجوم على الحراك والنشطاء والناشطات بخطابات "الفتنة" تارة و"الإنفصال" تارة أخرى. كما حاصر المخزن ساحة الشهداء في الحسيمة ب" تثبيت الحواجز" بغية إعتقالها تحت يافطة تنظيم "معرض المنتوجات الصناعة التقليدية" لمدة تزيد عن شهرين، مما إنسحب الحراك منها بعد تدخل المخزن بالقمع في الساعات الأخيرة من الليل. تم بعد ذلك قمع تخليد ذكرى رحيل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 5 فبراير ب "كاربونيطا" المحطة التي كان من المقرر أن يعرض فيها الملف المطلب للحراك على الساكنة للتصويت الجماهيري. مما إندلعت المواجهات بين القوات الأمنية والمحتجين أنذاك وإمتدت إلى بوكيدارن وإمزورن.
هناك أحداث كثيرة حاول المخزن جر المنطلق للعنف ولم ينجح فيها، لا يسعنا ذكرها بكل التفاصيل هنا. إلى أن الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من كل ذلك، بأن السلمية هي التي جعلت الأسر تخرج إلى الشارع في مسيرات بالآلاف وبالأخص بعد "أحداث 3 مارس" التي عرفت إستقدام "البلطجية" تحت يافطة "مشجعي فريق الوداد البيضاوي" أثناء مقابلة كروية بينه وبين "شباب الريف"، فما أقدم عليه "البلطجية" من سرقة وتكسير الأبواب والنوافذ ومهاجمة المحالات وتكسير السيارات تحت أعين السلطة دون أن تتحرك لوقف "الجريمة" الممارسة في الشارع العام، هنا فهم الريفيين أن ما حدث كان مخطط له، بعد هذا الحدث الذي عرف إعتقالات عشرات من أبناء الريف تزايد عدد المحتجين في الخروج إلى الشارع في مسيرات الحراك.
في ظل ذلك، بدل أن تستجيب الدولة لمطالب الشارع والإنصات لصوت الحراكيون والبحث عن الحلول لحقوق الساكنة الإجتماعية والاقتصادية والثقافية التي طرحتها في وثيقتها المطلبية والاستعجالية، حاولت منذ البداية "المناورة" تارة بسياساتها الهروب إلى الأمام، وتارة أخرى باللعب على وتر الزمن لعلى الحراك يشيخ ويموت، لكنه لم يموت بل تقوى وتوسع.
* تهمة الإنفصال أم تفجير "المكبوت السياسي" عند الريفيين
بعد قرابة سبعة أشهر من حراك سلمي حضاري ذات أفق مطلبي إجتماعي وإقتصادي وثقافي.. طلع علينا في "القناة الأولى" ما سمي ب "الأغلبية الحكومية" برئاسة "وزير الداخلية" تتهم حراك الريف ب "الإنفصال" وتشكك في وطنية الريفيين وأن "الحراك تحركه أيادي خارجية معادية لوحدة المملكة"!! هذه كانت من بين المناورات السياسية التي حاول المخزن أن يلعبها مع "قادة الحراك" وإختبار لذكاءهم ومحاولة معرفة ما وراء "نواياهم" فيما يخص الأفق المطلبي للحراك، هل هو بالفعل أفق إجتماعي واقتصادي وثقافي أم يتجاوزه إلى ما هو سياسي محض؟ لم تمر إلا أيام فجاء الجواب في مسيرة تاريخية يوم 18 ماي 2017 تندد بما قالت به "الأغلبية الحكومية" رافضة "لاعتداءاتها الواهية" وتأكد فيها الجماهير الشعبية وقاداتها بأن "مطالب الحراك لا تحتاج إلى المزايدات السياسية، وأن وطنية الريفيين تتجاوز وطنية الدكاكين السياسية بكثير.."، وانتشر شعار مستوحى من إحدى مقولات محمد بن عبد الكريم الخطابي "هل أنتم حكومة أم عصابة؟" ومطالبة بتحقيق الملف الحقوقي للحراك. هذا بعدما ورط "مهندسو السلطة في المغرب" بعض أمناء الأغلبية الحكومية في ذلك التصريح الخطير حول حراك الريف، وفهم بعض منهم اللعبة، خرج "رئيس الحكومة" ليقول بأن "ذلك -تهمة الإنفصال- خطأ ما كان يجب أن يكون".
* دعوة الحكومة والمعارضة إلى "تطبيق القانون".. غطاء سياسي مهد لسياسة الإعتقالات في حق النشطاء
بعد تهمة "الإنفصال" و"التشكيك في وطنية الريفيين المتظاهرين بشكل سلمي حضاري" دعت أغلب "الدكاكين السياسية" في البرلمان "السلطة" إلى ضرورة "تطبيق القانون مع المحتجين" وذلك بناء على "تقارير أمنية من إنجاز وزارة الداخلية" مما مهدت دعوتهم إلى شن اعتقالات واسعة في حق نشطاء الحراك وصلت إلى المئات حيث يصعب إلى يومنا هذا ضبط بشكل دقيق عدد المعتقلين الذين تم توقيفهما على خلفية حراك الريف نظرا لاستمرار الإعتقال بشكل يومي إلى حد اليوم -28 أكتوبر 2017-.
فرغم إعتراف "الدولة بشكل رسمي- أن مطالب حراك الريف عادلة ومشروعة، وتراجع "الحكومة" عن "تهمة الإنفصال" واعترافها بأن ذلك "خطأ سياسيا فادحا"، ورغم دعوة بعض الفرق البرلمانية في الغرفتين إلى "ضرورة إطلاق المعتقلين" بهدف البحث عن حل جدي ل "أزمة حراك الريف"، ورغم إنتقادهم "للمقاربة الأمنية" التي تنهجها وزارة الداخلية ضد المتظاهير بشكل سلمي في الشارع منذ 16 ماي 2017، إلى أن هذا كله يتضح بأنه مجرد مناورات سياسية وإقتسام للأدوار بين "الفاعلين السياسيين في الحكومة والمعارضة" إن لم نقل "مزايدات سياسوية" تستعمل الحراك بغيت تصفية الحسابات بين هذا وذاك، دون وجود أي إرادة سياسية حقيقية لدا الدولة وجميع مؤسساتها للاستجابة إلى المطالب العادلة للحراك واطلاق سراح المعتقلين، وفي هذا المطلب الأخير لقد تتبعنا كيف يبرر "المسؤوليين الحكوميين" بأن "مسألة إطلاق سراح المعتقلين أمر بات في يد القضاء" فيه حينه هؤلاء المعتقليين إعتقلوا بغطاء سياسي وليس قضائي، وذلك بناء على "تهمة الحكومة، تقارير أمنية للداخلية، شيطنة الحراك باستعمال المساجد من وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في خطبها الموجهة لأئمتها في الحسيمة ونواحي تتهم الحراك بالفتنة" وما حدث عند معارضة المواطنين لتلك الخطب ومقاطعتهم "الصلاة في المساجد" في إمزورن والحسيمة خير دليل. ومباشرة بعد هذه "الخطب" أصدر "وكيل العام للملك بالحسيمة" بلاغ إعتقال الزفزافي بعد حادثة المسجد.
* الريفيين.. عيدين بلا عيد
بعد إعتقالات مئات النشطاء، حيث أصبحت كل عائلة يوجد أحد أفرادها بالسجن، وفي كل حي بالحسيمة وامزورن يوجد عشرات أبناءه في السجن، كل بلدة من الريف قدمت معتقلين.. عمم الإعتقال في كل مناطق الريف، هكذا عمى الحزن في سماء الريف، وكثرت معانات العائلات وزادت مآسيهم، لكنهم في حينه هم "فخورين أشد الفخر" بأبناءهم لأنهم دخلوا إلى "السجن" ظلما ومن أجل الحق ودفاعا عن مطالبهم العادلة ولم يدخلوه "مجرمين".. آملين كل الأمل في معانقة فلذات أكبادهم في وقت قريب.
"لا عيد لنا ولا فرحة لنا إلا بإطلاق سراح أبناءنا واخواننا وأزواجنا" بهذا الشعار عبرت ساكنة الريف معاناتها في ظل سياسة الإعتقالات، ودعو إلى الإحتجاج يوم "عيد الفطر" لكن "للدولة رأي آخر" أصدرت "وزارة الداخلية" قرار منع "التظاهر" يوم عيد الفطر بالحسيمة، رغم المنع حجى المئات إلى الحسيمة من مختلف مناطق المغرب ومن جميع بلدات الريف، فرغم "الحواجز الأمنية" شقو الجبال وقطعوا الوديان للمشاركة في مسيرة "الوفاء للمعتقلين". ورغم عسكرة الحسيمة نزل الآلاف إلى الشارع في مسيرات متفرقة، إستقبلها "الجهاز الأمني" بالمطاردات ولقمع والغازات المسيلة للدموع، فلولى "البصل والمشروبات الغازية" لا إختنق الكثير وسقطوا شهيداء، كما سقط "عماد العتابي" و"عبد الحفيظ الحداد".
* المبادرات.. نية حسنة من المعتقلين مقابل خبث الدولة
بعد إعلان المعتقلين بسجن "عكاشة" لأول مرة الدخول في إضراب عن الطعام مفتوح تحت شعار: "البراءة أو الشهداة" سارعت الدولة عبر وسطاءها إلى "فتح حوار" مع "المعتقلين" و"لجنة عائلات المعتقلين المرحلين الى عكاشة"، وأعطى لهم "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" وعودا بأنه هناك أمل وأنه "سيتم إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي" وما على "المعتقلين إلى الثني عن معركتهم"، بالفعل تجاوب "المعتقلين" مع المبادرة بحسن نية، الى أنهم مع مرور الوقت إكتشفوا بأن "ذلك مجرد مناورة مخزنية، وأن وقف معركة الإضراب عن الطعام الأولى أكبر خدعة تعرض لها المعتقلين" وعبروا عن خيبتهم تلك في بعض رسائهم.
وبعدما إطمأنت "السلطة" أن المعتقلين تراجعوا عن قرارهم، إنتقلت بكل قواها "الأمنية" لشن إعتقالات في الشارع. لذلك نجد كل المبادرات التي جاءت بعد ذلك، لم يضع فيها المعتقلين أي ثقة كاملة، وآمنوا بأن "الدولة تتعامل معه بخبث وبرغماتية وليس هناك أي ارادة سياسية حقيقية لحل أزمة حراك الريف واطلاق سراحهم" رغم إعتراف الدولة نفسها بعدالة مطالبهم، وتأكد من خلال "تحقيقاتها" على وجود قضايا فساد مالي واداري ومؤسساتي، وتقصير المسؤولين في مهامهم.
* حراك الريف ولجان الدعم الأوروبية
إستطاعت لجان الدعم الأوروبية أن توصل صوت حراك الريف ومطالبه إلى المنتظم الدولي الأوروبي، بما فيها المؤسسات السياسية والمدنية والرأي العام أوروبي بشكل عام، بعدما تراجع الحراك في الريف قبيل سياسة الإعتقالات التي طالت مئات النشطاء وعسكرة مدينة الحسيمة وامزورن وباقي بلدات الإقليم والريف، وغياب الشروط الموضوعية لتنفيذ أشكال إحتجاجية سلمية، حيث وجود الحصار والقمع.. بقي الحراك مستمر في جل الدول الأوروبية، حيث نظمت مسيرات بالآلاف في برشلونة وبروكسل وروتردام تطالب باطلاق سراح المعتقلين وتحقيق الملف المطلبي للحراك، كما دقت -اللجان- ناقوس الخطر "أمام المنتظم الدولي" بالذهاب إلى "جنيف"، وأغرق الحراكيون في أوروبا "المؤسسات الأوروبية" ب "الرسائل والشكايات" توضح لهم "معاناة معتقلي الحراك بالسجون المغربية، ومطالب الحراك الشعبي السلمي".
* حراك الريف وإعادة وسؤال دولة المواطنة والكرامة والعدالة
أعاد حراك الريف إلى الواجهة سؤال مشروع دولة المواطنة والكرامة والعدالة بوعي سياسي كبير ومن مدخل الحقوق الإجتماعية والاقتصادية والثقافية كضرورة ملحة من أجل تسييد دولة الكرامة وحقوق الإنسان في شموليتها، من يتمعن خطاب الحراك الشعبي بالريف، سيؤمن بخلاصة أن "دولة الإستقلال الشكلي" فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الكرامة للمواطن المغربي، وبالأخص لأبناء وبنات الهامش، حيث تغيب لديهم أبسط حقوق العيش الكريم، وهذا ما يضع طبيعة التعاقد السياسي بين الدولة والشعب موضع إعادة نظر في طبيعة دولة وسياساتها وشعاراتها وقوانينها، وهذا الفشل اعترفت به "السلطة العليا" في البلاد نفسها.
* هوية حراك الريف ورموز الوحدة الجديدة
منذ بداية حراك الريف والعلم الأمازيغي وعلم جمهورية قبائل الريف وصور مولاي موحند ومحسن فكري حاضرة بقوة في جميع المسيرات والوقفات والأشكال الميدانية، وهي رموز الوحدة الجديدة لامازيغن حيث العلم الأمازيغي الذي يجمع كل سكان بلاد موراكش وشمال افريقيا، وعلم جمهورية قبائل الريف الذي يمثل إرثا من مشروع سياسي تحرري وطني وذات الخصوصيات السوسيوثقافية والتاريخية للريف المقاومة بقيادة مولاي موحند. إنه وعي جديد بالانتماء إلى الأرض والتشبث بها وبهويتها وخصوصياتها التاريخية والثقافية في ظل دولة الكرامة والحرية والمساواة تحترم رموزها وشهداءها. أضف إلى ذلك، الآن هناك مئات الرموز وراء القضبان ترفع صورهم في كل مسيرات على المستوى الوطني وأوروبا.
* الحل كل الحل
"الأمن والإستقرار" لا يكون على حساب الحكرة والظلم و"هيبة الدولة" لا تصان بإنتهاك حقوق المواطنين وضرب حقهم الدستوري في التظاهر السلمي، الهيبة تتقوى عندما تحضر ثقة المواطنين في الدولة ومؤسساتها، وإذا غابت ثقتهم فيها غاب معها "ولاءهم للدولة والمؤسسات"، فلا معنى أن يطالب المواطن بأبسط حقوقه في العيش الكريم وتقابل الدولة بالإعتقال، وتطلب منه في حينه "الثقة في الدولة ومؤسساتها"!!
الحل بات واضحا للعيان ولا يحتاج إلى كل تلك "المجهودات" و"الخسائر البشرية والمالية" التي تصرف على "المقاربة الأمنية"، يكفي أن يطلق سراح جميع المعتقلين ورفع عسكرة اقليم الحسيمة وتتحلى الدولة باردة سياسية حقيقية عبر آليات الحوار السياسي مع ممثلي الحراك تحت كل الضمانات القانونية بهدف تحقيق مطالبهم الإجتماعية والاقتصادية والثقافية، هكذا فقط يمكن أن تعيد الدولة في قلوب المواطنين بصيص من "الثقة" وإحتواء "الأزمة" التي تزيد شروخا بين الدولة والمجتمع مع مرور الوقت وتكرس لمزيد من الإحتقان بتعنتها.