عاشور العمراوي*
لم نكن نعتقد يوما أن من يناضل ضد القمع يمكن أن يتحول إلى آداة للقمع، أو أن يمارس القمع في شكل آخر ومن زاوية أخرى وعلى أقرب الناس إليه من المناضلين ضمن الحركة التي تأويهم جميعا، أو الإطار القانوني الذي ينضوون تحته ويتحدثون باسمه.
إن النضال على أشكاله ، لا يمكن أن يشمل على مفهوم أو مفاهيم للقمع مهما تطور وتفرع وعبر فيه المتضررون عن قناعاتهم ورؤاهم، فالنضال والقمع هو نفسه الحق والباطل ، حيث لا يمكن جمع الإثنين لا من باب المنطق ولا من باب السياسة، إلى درجة أن النضال هو نقيض القمع مثلما يشكل الباطل نقيضا للحق.
وتفسير كلماتي هذه ضد أعضاء تنسيقية الناظور، المسيرين لمسيرات حركة 20 فبراير، ليس مرده إلا ذلك القمع الشنيع والخطير والوحشي بل والهمجي الذي مارسوه بسرعة الضوء على المواطن الأمازيغي المغربي الذي صعد إلى الميكروفون ليقول كلمته أمام الجماهير، والتي دعاها فيها وفي أقل من خمس ثوان، إلى النضال ضد العروبة ، نضال يراه مشروعا ومنطقيا تماما كما نراه نحن والملايين من الإخوة الأمازيغ بقطر المغرب ، مشروعا لأن العروبة هي نجس أيديولوجي قومي يرمي إلى محو القومية الأمازيغية والكردية ووووو، ودائما باستعمال ورقة الدين الذي ينبذ التنظير للقوميات .
إن حرص أعضاء التنسيقية على أن لا تشمل كلمات أعضائها والمتدخلون من المواطنون على ما يدعو للنضال الهوياتي والثقافي المشروع، يعتبر دليلا واضحا على تخلف هؤلاء المسيرين وقصورهم في فهم المتطلبات الأساسية المصيرية لشعب ما ، بل إنهم يناقضون أنفسهم ومبادئ حركة 20 فبراير بشكل عام ، تلك الحركة التي بادرت في مطالبها الأولى إلى إثبات وتصحيح هوية الشعب الأمازيغي المغربي، وترسيم لغته الأم الأمازيغية، وكتابة تاريخه بأقلام علمية نزيهة تجسد ماضي الشعب الصحيح وتقطع مع تاريخ الأقليات المؤدلج
وإن ما وضع هذا الأمر الخطير أعضاء هذه التنسيقية في وضع ما ، فإنه ليضعهم في موضع شك وريبة، ويضفي على أشخاصهم صبغة الخضوع للكولسة وإن لم تكن مخزنية فهي أيديولوجية دينية. ونأسف كثيرا بل ونستنكر أن يحدث هذا الأمر في ضل النداءات الواضحة والمتكررة باستمرار في كل صغيرة وكبيرة إلى بناء الدولة المدنية ومنع إعادة استغلال الدين لتمرير مزايا سياسية عنوانها التسلط على الشعب.
وهذا ما يجعلنا نعلن وبصفتنا مناضلين أمازيغيين منضوين تحت لواء الحركة الثقافية الأمازيغية، أن عملية إنزال وقمع وإخراس صوت المناضل الأمازيغي من على منصة المخاطبة كونه دعا الجماهير إلى النضال ضد نجس العروبة، أمر مرفوض وعمل جبان وخسيس لا يمارسه إلا الجبناء، وأنتم من تصفون المخزن بالجبان " يا مخزن يا جبان شعب المغرب لا يهان" وهذا يعني بالحرف الواحد أنه وإن كان ما يمارسه المخزن من قمع تسمحون لانفسكم بوصفه بالجبان، فإن الأمر سيان كي نبادر نحن أيضا بوصفكم بالجبناء لكونكم قمعتم مواطن أمازيغي مغربي كان يعاني من استعمار هوياتي، فخرج إلى الشارع ليعبر عن حقه المغتصب ويمارس حريته في التعبير كما تدعو جميع المواثيق الدولية إلى ذلك.
بل إن الدستور الجديد الذي جاء نتيجة لضغط النصال الذي مارسه الشعب الأمازيغي المغربي ورغم تحفظنا عنه، قد لبى مطلبين أساسيين مازال المهووسون بالعروبة يتعنثون في الإحتكام إليه باعتباره إنجازا بغض النظر عما جاء وراؤه أو ضمنه من نصوص للحكم الفردي، كون النضال مستمر من كافة اطياف الشعب ، وهذان المطلبان الأساسيان هما القطع مع الهوية العربية للدولة وتصحيحها بالهوية الأمازيغي والإسلامية، ثم ترسيم اللغة الأمازيغية باعتبارها كانت مطلبا تحوم حوله جميع المطالب الأخرى.
ولا يخفى على أحد ممن يتصفح كتب المفكرين المغاربة، أن المعارك السلمية والمسلحة الحالية والقادمة هي معارك وحروب ثقافية محضة، لأن الشعوب أضحت واعية بكينونتها وهوياتها وتحبذ العودة إليها والتحرر من ثقافة الشمولية والإرهاب الديني الذي تمارسه الرجعيات من الحركات الدينية المتطرفة التي اختارت التشدد والإنغلاق ونبذ العلم والتطور بدل الإنقتاح والتواصل والتعايش ضمن مبادئ الكونية وقيم الإنسانية الحامية لكل حقوق الإنسان المحور المركزي لهذه الحياة.
نعم إن الأمر المؤكد في هذا المنع وهذا القمع ، هو خدمة جهة ما ترمي إلى تمرير خطابها واحتكار الأصوات المنادية للتغيير لتحويرها عن مصارها والإنفراد بالقرار والتسطير لما يخدم جهو دون أخرى، في سياسة مكر وخداع ضد المتضررين من الأشكال المتعددة للإستبداد المخزني الذي طال امده لأكثر من ستين سنة، إستبداد شاء الشعب الأمازيغي المغربي التهرب والتخلص منه ليقع فيه مرة أخرى وضمن أحضان الحركة الأم التي شكلها وانطلق بها إلى أعلى قمة في منابر القرار وطنيا ودوليا.
وفي الختام أود أن أشير بواضح العبارة إلى أن منع وقمع مواطن أمازيغي مغربي من إلقاء كلمته أمام الجماهير مهما دعا إليه فبها، يعتبر بالدرجة الأولى تحقير لتلك الجماهير نفسها واعتبارها غير ناضجة، وأي خوف من انهيار القيمة التضامنية لتلك الجماهير من جراء كلمة يلقيها مواطن من ضمنها ، أيضا يعتبر إهانة لها واستكبار من القائمين على أعمال التسيير، بل ويضعهم محل جهل بواح وأنانية مفرطة، من الروح التضامنية العالية لتلك الجماهير التي نقدرها أيما تقدير ونربت على كتف كل روادها رجالا ونساء، نحترمها ولا ننقص ولا نحتقر وعيها الكامل بحرية الجميع في التعبير عن القناعات دون أن يؤثر ذلك في منظومة إتحادها وتجمعها وتضامنها ، ونحن من منبر الحركة الثقافية الأمازيغية – المنبر الحر – نضع الجماهير الشعبية بمدينة الناظور نصب أعيننا في كل كبيرة وصغيرة، ولن نخذلها بجعل سقفها أرضنا بل بالعكس من ذلك تماما نجعل من سقفنا أرضها ونتحمل ونستمر إلى الأمام.
وتحية ثلاثية نضالية للجماهير الشعبية، موعدنا الحدث وملتقانا الشارع
* achour_74@hotmail.fr
عضو بالحركة الثقافية الأمازيغية فرع كاطالونيا