متابعة*
بضعة كيلومترات فقط تفصل بين المغرب وإسبانيا، وآلاف المغاربة عبر السنين الماضية حاولوا الهجرة إلى أوروبا إما عبر مضيق جبل طارق أو عبر سياج سبتة ومليلية. لكن اليوم، بعض المهاجرين المغاربة اختاروا طريقا بديلا، متجهين إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر طريق البلقان. سلوفينيا، دولة أوروبية صغيرة أضحت محطة عبور بالنسبة للكثير، وتضاعفت أعداد المهاجرين المغاربة المارين عبرها بطريقة غير شرعية مقارنة مع العام الماضي.
"لا أريد الموت غرقا في البحر المتوسط كما حصل لأخي"، يحني الشاب العشريني رأسه قبل أن يتابع "لم نحتمل الوضع المعيشي السيء في المغرب، كان لا بد من الرحيل". يستذكر رضا لحظة وصوله خبر موت أخيه بأسى "لم أعد قادرا على الاقتراب من البحر، لذلك قررت الرحيل مشيا على الأقدام".
وصل الشاب إلى سلوفينيا، الواقعة بين كرواتيا وإيطاليا، منذ نحو سبعة أشهر بعد أن أمضى عشرات الأيام مشيا على الأقدام بين الغابات والجبال من اليونان وصولا إلى سلوفينيا، أولى دول البلقان الداخلة ضمن منطقة شنغن.
ومع تشديد المغرب مراقبة حدودها البرية والبحرية مع إسبانيا، بات المهاجرون يبحثون عن حل، فكان طريق البلقان بديلا "أردت تجربة حظي عبر تركيا واليونان"، بحسب ما يقول الشاب رشيد الذي التقى فريق مهاجر نيوز في مركز استقبال المهاجرين على أطراف العاصمة السلوفينية.
مهاجرون مغاربة في العاصمة السلوفينية. الصورة: دانا البوز
لا تعقيدات ورقية وشروط مسبقة بالنسبة للمغاربة من أجل الذهاب إلى تركيا، التي تسمح للمغاربة بالدخول إلى أراضيها بدون تأشيرة والبقاء لمدة 90 يوما. الأمر مشابه بالنسبة للجزائريين، إلا أنه مؤخرا بدأت تركيا بتشديد الإجراءات بالنسبة للجزائريين ووضعت شروطا إضافية للسماح للمهاجرين بالدخول إليها.
رشيد، يبدو أكثر ليونة تجاه البحر لكن "عبور المتوسط مكلف، المهرب طلب مني 5 آلاف يورو، ليس لدي هذا الكم من المال"، يقول الشاب العشريني "قطعت طريق البلقان، تارة مشيا على الأقدام، وتارة بالاختباء تحت الشاحنات"، يطلق سليم ضحكته الساخرة "هؤلاء الشباب يستطيعون الاختباء تحت الشاحنة، لكني تجاوزت عمر الأربعين ولم أعد أتمتع بلياقة بدنية تعينني على تحمل الاختباء تحت هياكل الشاحنة، أمضيت 7 أشهر في البوسنة قبل أن أنجح بالوصول إلى سلوفينيا".
تضاعف أعداد المغاربة المارين عبر سلوفينيا
الشبان الثلاثة كغيرهم من أغلب المهاجرين، يتخذون من سلوفينيا محطة استراحة قبل أن يتابعوا طريقهم لبلوغ وجهتهم النهائية في دول أوروبا الغربية، منهم من يسعى للوصول إلى إيطاليا ومنهم من يريد الذهاب إلى فرنسا أو إسبانيا. لكن قبل أن يصلوا إلى سلوفينيا، عليهم عبور اليونان، مقدونيا، صربيا، البوسنة، كرواتيا فسلوفينيا.
لم يكن من المعتاد أن يسلك المغاربة طريق البلقان للوصول إلى القارة الأوروبية، فغالبا ما يعبر المهاجرون مضيق جبل طارق أو يجتازون السياج الحدودي للوصول إلى جيبي سبتة أو مليلية الإسبانيين في المغرب، لكن تسهيلات التأشيرة إلى تركيا دفعتهم إلى تجربة العبور عبر طريق البلقان رغم طول الطريق والمخاطر التي تواجههم خاصة أثناء عبورهم الغابات أو الاختباء في الشاحنات.
خريطة من المغرب إلى أوروبا عبر طريق البلقان. خرائط غوغل
خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، دخل أكثر من 952 مغربيا و1,590 جزائريا سلوفينيا بطريقة غير شرعية، مقارنة مع دخول 318 مغربيا و783 جزائريا خلال عام 2018، أي أن نسبة زيادة دخول المهاجرين إلى سلوفينيا بلغت حتى أيلول/سبتمبر من العام الحالي 50% بالنسبة للجزائريين و66% بالنسبة للمغاربة، بحسب بيانات الشرطة.
تشير تينا كوتر إحدى المسؤولات في مركز "فيتش" لاستقبال المهاجرين في العاصمة السلوفينية، إلى أن الجنسيات المغاربية تتصدر قائمة طالبي اللجوء، ويوجد حاليا حوالي 500 طالب لجوء مغربي و760 جزائريا.
وضعتنا الشرطة في صندوق سيارتها الخلفي، كدت أختنق
مراد، طالب لجوء مغربي يقيم حاليا في مركز استقبال العاصمة السلوفينية منذ عشرة أيام، "في البداية، قررت الذهاب إلى تركيا من أجل العمل، وبقيت هناك لحوالي سبعة أشهر أعمل في المعامل الصناعية، لكن الأجر كان زهيدا وساعات العمل طويلة، فقررت التوجه إلى أوروبا". وبعد أن قطع مراد الحدود البرية بين اليونان وتركيا عبر نهر إيفروس، وصل أخيرا إلى البوسنة "كنت برفقة خمسة أشخاص، أمضينا 6 أيام في الغابات الحدودية وصولا إلى كرواتيا. لكن في اليوم السابع، لم يتبقّ لدينا ما يكفي من الطعام، اضررنا للخروج من الغابة والتوجه إلى أقرب قرية مجاورة، هناك أمسكتنا الشرطة الكرواتية وعاملتنا بإهانة لا توصف. أجبرتنا على نزع أحذيتنا، ثم أخذوا مني هاتفي، وقاموا بتحطيمه بواسطة مطرقة، أما هاتف صديقي الحديث، فقام أحد عناصر الشرطة بوضعه في جيبه، هم يسرقون جميع الهواتف الجيدة ويحطمون ما تبقّى".
"وضعتنا الشرطة في صندوق سيارتها الخلفي، كدت أختنق، لا أنسى كيف كنا مكدسين نتصارع للحصول على ما يكفينا من الأوكسجين للبقاء على الحياة. ازدادا الأمر سوءا حين تركونا في الظلام دون أن يكون لدينا أي معلومات عمّا سيحل بنا، ولم تمض دقائق معدودة حتى أمسكت الشرطة مجموعة من المهاجرين الباكستانيين، كنا أكثر من 18 مهاجرا في الصندوق الخلفي، لم أكن أتخيل أن الشرطة تعامل المهاجرين كالمهربين الذين يكدسون المهاجرين في الشاحنات. شعرت بأن حياتي قاربت على الانتهاء. بعد مرور حوالي ساعة، رمتنا الشرطة في مكان حدودي قرب البوسنة، كنا حفاة ونشعر بعطش شديد. كان الأمر مهينا".
يمشي المهاجرون في غابات سلوفينيا الموحشة لتجنب الشرطة وعبور الحدود. الصورة: دانا البوز
وبعد أكثر من أربعة محاولات، نجح مراد أخيرا بالوصول إلى سلوفينيا، لكن الرحلة لم تنته بالنسبة له، فهو يأمل بالوصول إلى إسبانيا "يا لسخرية القدر، أمضيت أشهرا عديدة على الطريق للوصول إلى إسبانيا التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن المغرب. لا أعلم إن كنت سأصل سالما إلى وجهتي النهائية، لكن لا مجال للتراجع عن القرار، أنا مصمم على الذهاب".
رغم أن سلوفينيا هي محطة عبور بالنسبة لأغلب المهاجرين، إلا أن التعب والإنهاك قد يكونا سببا لتغيير رأي البعض، "سأبقى هنا في سلوفينيا، لا أستطيع العودة إلى المغرب ولا أقوى على قطع الغابات الحدودية بين سلوفينيا وإيطاليا"، يقول الشاب المغربي رضا.
*المهاجر نيوز
بضعة كيلومترات فقط تفصل بين المغرب وإسبانيا، وآلاف المغاربة عبر السنين الماضية حاولوا الهجرة إلى أوروبا إما عبر مضيق جبل طارق أو عبر سياج سبتة ومليلية. لكن اليوم، بعض المهاجرين المغاربة اختاروا طريقا بديلا، متجهين إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر طريق البلقان. سلوفينيا، دولة أوروبية صغيرة أضحت محطة عبور بالنسبة للكثير، وتضاعفت أعداد المهاجرين المغاربة المارين عبرها بطريقة غير شرعية مقارنة مع العام الماضي.
"لا أريد الموت غرقا في البحر المتوسط كما حصل لأخي"، يحني الشاب العشريني رأسه قبل أن يتابع "لم نحتمل الوضع المعيشي السيء في المغرب، كان لا بد من الرحيل". يستذكر رضا لحظة وصوله خبر موت أخيه بأسى "لم أعد قادرا على الاقتراب من البحر، لذلك قررت الرحيل مشيا على الأقدام".
وصل الشاب إلى سلوفينيا، الواقعة بين كرواتيا وإيطاليا، منذ نحو سبعة أشهر بعد أن أمضى عشرات الأيام مشيا على الأقدام بين الغابات والجبال من اليونان وصولا إلى سلوفينيا، أولى دول البلقان الداخلة ضمن منطقة شنغن.
ومع تشديد المغرب مراقبة حدودها البرية والبحرية مع إسبانيا، بات المهاجرون يبحثون عن حل، فكان طريق البلقان بديلا "أردت تجربة حظي عبر تركيا واليونان"، بحسب ما يقول الشاب رشيد الذي التقى فريق مهاجر نيوز في مركز استقبال المهاجرين على أطراف العاصمة السلوفينية.
مهاجرون مغاربة في العاصمة السلوفينية. الصورة: دانا البوز
لا تعقيدات ورقية وشروط مسبقة بالنسبة للمغاربة من أجل الذهاب إلى تركيا، التي تسمح للمغاربة بالدخول إلى أراضيها بدون تأشيرة والبقاء لمدة 90 يوما. الأمر مشابه بالنسبة للجزائريين، إلا أنه مؤخرا بدأت تركيا بتشديد الإجراءات بالنسبة للجزائريين ووضعت شروطا إضافية للسماح للمهاجرين بالدخول إليها.
رشيد، يبدو أكثر ليونة تجاه البحر لكن "عبور المتوسط مكلف، المهرب طلب مني 5 آلاف يورو، ليس لدي هذا الكم من المال"، يقول الشاب العشريني "قطعت طريق البلقان، تارة مشيا على الأقدام، وتارة بالاختباء تحت الشاحنات"، يطلق سليم ضحكته الساخرة "هؤلاء الشباب يستطيعون الاختباء تحت الشاحنة، لكني تجاوزت عمر الأربعين ولم أعد أتمتع بلياقة بدنية تعينني على تحمل الاختباء تحت هياكل الشاحنة، أمضيت 7 أشهر في البوسنة قبل أن أنجح بالوصول إلى سلوفينيا".
تضاعف أعداد المغاربة المارين عبر سلوفينيا
الشبان الثلاثة كغيرهم من أغلب المهاجرين، يتخذون من سلوفينيا محطة استراحة قبل أن يتابعوا طريقهم لبلوغ وجهتهم النهائية في دول أوروبا الغربية، منهم من يسعى للوصول إلى إيطاليا ومنهم من يريد الذهاب إلى فرنسا أو إسبانيا. لكن قبل أن يصلوا إلى سلوفينيا، عليهم عبور اليونان، مقدونيا، صربيا، البوسنة، كرواتيا فسلوفينيا.
لم يكن من المعتاد أن يسلك المغاربة طريق البلقان للوصول إلى القارة الأوروبية، فغالبا ما يعبر المهاجرون مضيق جبل طارق أو يجتازون السياج الحدودي للوصول إلى جيبي سبتة أو مليلية الإسبانيين في المغرب، لكن تسهيلات التأشيرة إلى تركيا دفعتهم إلى تجربة العبور عبر طريق البلقان رغم طول الطريق والمخاطر التي تواجههم خاصة أثناء عبورهم الغابات أو الاختباء في الشاحنات.
خريطة من المغرب إلى أوروبا عبر طريق البلقان. خرائط غوغل
خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، دخل أكثر من 952 مغربيا و1,590 جزائريا سلوفينيا بطريقة غير شرعية، مقارنة مع دخول 318 مغربيا و783 جزائريا خلال عام 2018، أي أن نسبة زيادة دخول المهاجرين إلى سلوفينيا بلغت حتى أيلول/سبتمبر من العام الحالي 50% بالنسبة للجزائريين و66% بالنسبة للمغاربة، بحسب بيانات الشرطة.
تشير تينا كوتر إحدى المسؤولات في مركز "فيتش" لاستقبال المهاجرين في العاصمة السلوفينية، إلى أن الجنسيات المغاربية تتصدر قائمة طالبي اللجوء، ويوجد حاليا حوالي 500 طالب لجوء مغربي و760 جزائريا.
وضعتنا الشرطة في صندوق سيارتها الخلفي، كدت أختنق
مراد، طالب لجوء مغربي يقيم حاليا في مركز استقبال العاصمة السلوفينية منذ عشرة أيام، "في البداية، قررت الذهاب إلى تركيا من أجل العمل، وبقيت هناك لحوالي سبعة أشهر أعمل في المعامل الصناعية، لكن الأجر كان زهيدا وساعات العمل طويلة، فقررت التوجه إلى أوروبا". وبعد أن قطع مراد الحدود البرية بين اليونان وتركيا عبر نهر إيفروس، وصل أخيرا إلى البوسنة "كنت برفقة خمسة أشخاص، أمضينا 6 أيام في الغابات الحدودية وصولا إلى كرواتيا. لكن في اليوم السابع، لم يتبقّ لدينا ما يكفي من الطعام، اضررنا للخروج من الغابة والتوجه إلى أقرب قرية مجاورة، هناك أمسكتنا الشرطة الكرواتية وعاملتنا بإهانة لا توصف. أجبرتنا على نزع أحذيتنا، ثم أخذوا مني هاتفي، وقاموا بتحطيمه بواسطة مطرقة، أما هاتف صديقي الحديث، فقام أحد عناصر الشرطة بوضعه في جيبه، هم يسرقون جميع الهواتف الجيدة ويحطمون ما تبقّى".
"وضعتنا الشرطة في صندوق سيارتها الخلفي، كدت أختنق، لا أنسى كيف كنا مكدسين نتصارع للحصول على ما يكفينا من الأوكسجين للبقاء على الحياة. ازدادا الأمر سوءا حين تركونا في الظلام دون أن يكون لدينا أي معلومات عمّا سيحل بنا، ولم تمض دقائق معدودة حتى أمسكت الشرطة مجموعة من المهاجرين الباكستانيين، كنا أكثر من 18 مهاجرا في الصندوق الخلفي، لم أكن أتخيل أن الشرطة تعامل المهاجرين كالمهربين الذين يكدسون المهاجرين في الشاحنات. شعرت بأن حياتي قاربت على الانتهاء. بعد مرور حوالي ساعة، رمتنا الشرطة في مكان حدودي قرب البوسنة، كنا حفاة ونشعر بعطش شديد. كان الأمر مهينا".
يمشي المهاجرون في غابات سلوفينيا الموحشة لتجنب الشرطة وعبور الحدود. الصورة: دانا البوز
وبعد أكثر من أربعة محاولات، نجح مراد أخيرا بالوصول إلى سلوفينيا، لكن الرحلة لم تنته بالنسبة له، فهو يأمل بالوصول إلى إسبانيا "يا لسخرية القدر، أمضيت أشهرا عديدة على الطريق للوصول إلى إسبانيا التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن المغرب. لا أعلم إن كنت سأصل سالما إلى وجهتي النهائية، لكن لا مجال للتراجع عن القرار، أنا مصمم على الذهاب".
رغم أن سلوفينيا هي محطة عبور بالنسبة لأغلب المهاجرين، إلا أن التعب والإنهاك قد يكونا سببا لتغيير رأي البعض، "سأبقى هنا في سلوفينيا، لا أستطيع العودة إلى المغرب ولا أقوى على قطع الغابات الحدودية بين سلوفينيا وإيطاليا"، يقول الشاب المغربي رضا.
*المهاجر نيوز